الاختلاط.. ودعوى التخلف!!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن من القضايا المعاصرة التي أخذت زخماً إعلامياً واسعاً، وتكلم فيها الرويبضة ورفع عقيرته حتى بلغ السيل الزبا.. قضية الاختلاط، تلك القضية التي تطرح في كل مناسبة وغير مناسبة، وكأننا إذا اختلط رجالنا بنسائنا سنصبح في مصاف الدول المتقدمة بين عشية وضحها!!
إن العاقل ليقف متعجباً من مغالطات وتعسف بعض الإعلاميين في ربطهم بين التخلف الذي نعيشه ومنع الاختلاط! ولست أدري ما الرابط بينهما إلا لحاجة في نفوسهم، وهذه الشنشنة نعرفها من أخزم ليست وليدة اليوم؛ فهم يدندنون حولها منذ عشرات السنين.
ولنا أن نتساءل -نحن البسطاء- لعلنا أن نجد جواباً مقنعاً لدى أساطين الثقافة والفكر: لماذا الدول العربية والإسلامية التي أقرت الاختلاط منذ عشرات السنين مازالت ترزح تحت وطأة التخلف، وتصنف في دائرة دول العالم الثالث؟! أليس سبب التخلف الذي نعيشه كما يزعمون هو تشددنا في جانب المرأة؟! وأن النساء مجرد أفواه تأكل ولا تنتج!! لماذا إذن لم يتقدم هؤلاء الذين فتحوا الباب على مصراعيه أمام المرأة لتصارع ظروف الحياة ومشاقها؟!!
إن هذا التسطيح الفكري الذي يمارسه هؤلاء الإعلاميون نوع من الاستخفاف بعقول الناس، ولا أظن أحداً يقرأ مثل تلك المقالات يشك في كذب كاتبها وضحالة ثقافته، وإلا كيف يصدق من أعطاه الله عقلاً أن سبب تقدم الغرب وتفوقه التكلنوجي اختلاط الرجال بالنساء.!!
ولا أدري لماذا هؤلاء المثقفون -إن صحت التسمية- يصرون على جرِّ المجتمع المسلم إلى الوحل الذي تمرغ فيه الغرب وبان له فساده!
أعتقد أن ما يسمون بالمثقفين العرب مصابون بحَوَل فكري؛ إذ لا يعجبهم من الحضارة الغربية إلا التفسخ والعري، ونحر الفضيلة، وطمس معالمها، أما الرقي الحضاري والتقدم التقني فهو ليس في قاموسهم؛ لأن أساتذتهم في الغرب يريدون للأمة الإسلامية أن توغل في التخلف لتكون سوقاً مربحة لمنتجاتهم الصناعية، وقد حفظ لنا التأريخ وحشية الإنجليز إبان استعمارهم للهند؛ فقد وصلت الوحشية إلى قطع أصابع الفتيات الهنديات حتى لا يقمن بعمل الحياكة؛ لأن الحياكة عمل لا ينبغي أن يتم إلا في (مانشستر)، وكذا فعل الفرنسيون في لبنان أيام الاستعمار، حيث منعوا استيراد المعدات والآلات الزراعية، وأمروا بقطع أشجار التوت عندما أصبحت صناعة الحرير اللبنانية تنافس صناعة الحرير الفرنسية!! فلماذا إن كان هؤلاء المثقفون حريصين على الرقي بالأمة لا يطرحون مواضيع جادة بدلاً من الهرطقة التي سودوا بها صفحات الصحف، وأشغلوا بها الغيورين على أمتهم.