الثبات على الدين
إن الإسلام في صميمه شريعة حرة، قد حررت العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ودلت على أن العزة مرهونة بها، ومهما يكن الأمر فإن الإسلام لا يمكن أن يعمر قلباً بحلاوته، ثم هو يدعه مستسلماً خاضعاً لسلطانٍ في الأرض غير سلطان واحد قهار: ?وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ? [الزخرف:84] ?إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ? [آل عمران:19] ?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [آل عمران:85]، وتلك لعمر ربي هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة.
أخي المحتسب إن النسيم قد لا يهب عليلاً داخل المجتمعات المسلمة على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وتضطرم فوهات البراكين، كما أن ارتقاب الراحة الكاملة إنما هو نوع وهم وطيف وتخييل، ومن العقل والحكمة توطين النفس على مواجهة بعض المضايقات على الإسلام والمسلمين والاستعداد لحلها، والوقوف بحزم أمامها، وترك إضاعة الأوقات في التعليق المرير عليها والذي قد يفقأ العين ولا يقتل صيداً، ثم إن الفتن التي تعترض أمة الإسلام حيناً بعد آخر إنما هي في حقيقتها تمحيص وابتلاء: ?لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ? [الأنفال:37].
وقد شرع الله لنا أن نقابل ابتلاءه بالسراء بقوله عن سليمان: ?هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ? [النمل:40] وكذلك أن يكون موقفنا في الضراء مغايراً لما ذكره الله على وجه الذم بقوله: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ? [الحج:11] وقوله سبحانه: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ? [العنكبوت:10].
إن غير المسلمين لن يرضوا عن أمة الإسلام إلا بعد أن تترك دينها وتبتعد عن شريعتها، أو لا أقل من أن تتراجع أو أن تقدم تنازلات، فلا تبقي من الإسلام إلا اسمه، وهذا أمر ينبغي ألا يختلف فيه اثنان وألا يجادل فيه متفيهقان.
فإن المساومة على الانتماء للدين صورة ومعنى، أو المساومة على الثوابت التي لا تقبل الخلاف والجدل والتي يخضع لها كل زمن وليست تخضع هي لكل زمن: إن المساومة على مثل هذا لهو خيانة عظمى وجنون لا عقل معه، وإغماء لا إفاقة فيه، إذ شرف المرء وشرف المجتمع إنما هو في الانتساب إلى الإسلام والعمل به، والدعوة إليه، والثبات عليه حتى الممات.
إن من غيرته صروف الحياة، أو هزت كيانه خطوب وتداعيات، ورغبة أو رهبة، ثم زلت قدمه عن دينه بعد ثبوتها، فإنما هو مفرط ضائع، ناقض بعد غزل، وحالٌّ بعد عقد حتى يصبح فريسة الحور بعد الكور، والذل بعد العز: ?إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ? [محمد:25-28].
فمن هنا -عباد الله- جاءت شريعة الإسلام بالتحضيض على الثبات على الدين، والعضِّ عليه بالنواجذ حتى الممات:
?وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ? [الحجر:99]، إن في تعاقب الشدة والرخاء، والعسر واليسر، يكشف عن معادن النفوس، وطبائع القلوب؛ حيث يتمحص المؤمنون، وينكشف الزائفون، ومن علم حكمة الله في تصريف الأمور، وجريان الأقدار فلن يجد اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، ومهما أظلمت المسالك وتتابعت الخطوب، وتكاثرت النكبات؛ فلن يزداد إلا ثباتاً؛ فالمسلم المحتسب إلى ربه راجع، والمؤمن بإيمانه مستمسك وبأقدار الله مسلمَّ.
وإن مما حث عليه الإسلام، وعظمة القرآن: الثبات على الدين، والاستقامة عليه؛ ذلك أن الثبات على دين الله والاعتصام به يدل دلالة قاطعة على سلامة الإيمان، وحسن الإسلام، وصحة اليقين، وحسن الظن بالله تعالى وما أعده الله -عز وجل- من النعيم المقيم في الآخرة لعباده الصالحين، وفي الدنيا من النصر والتمكين، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ? [محمد:7-8]، وأعظم الثبات، الثبات على الدين.
إن الثبات على دين الله خلق عظيم، ومعنى جميل، له في نفس المحتسب الثابت، وفيمن حوله من الناس مؤثرات مهمة تفعل فعلها، وتؤثر أثرها، وفيه جوانب من الأهمية الفائقة في تربية الفرد والمجتمع.
إن صفة الثبات على الإسلام والاستمرار على منهج الحق نعمة عظيمة حبا الله بها أولياءه وصفوة خلقه، وامتن عليهم بها، فقال مخاطباً عبده ورسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-: ?وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً? [الإسراء:74].
وأمر الله سبحانه الملائكة الكرام بتثبيت أهل الإيمان، فقال سبحانه: ?إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ? [الأنفال:12].
إن الثبات على دين الله دليل على سلامة المنهج، وداعية إلى الثقة به، كما أن الثبات على الدين ضريبة النصر والتمكين والطريق الموصلة إلى المجد والرفعة.
والثبات طريق لتحقيق الأهداف العظيمة، والغايات النبيلة؛ فالمحتسب الراغب في تعبيد الناس لرب العالمين، والعامل على رفعة دينه وإعلاء رايته لا غنى له عن الثبات.
إن الثبات يعني الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وقسر النفس على سلوك طريق الحق والخير، والبعد عن الذنوب والمعاصي وصوارف الهوى والشيطان. إن مما يعين على الثبات أمام الفتن والابتلاءات صحة الإيمان وصلابة الدين؛ فكلما كان الإنسان قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازداد ثباته، وقويت عزيمته وثبتت حجته، قال تعالى: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَ? [إبراهيم:27]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» (1). كما أن الدعاء والافتقار إلى الله -عز وجل- والاستكانة له من أقوى الأسباب لدفع المكروه وحصول المطلوب، وهو من أقوى الأسباب على الثبات إذا أخلص الداعي في دعائه؛ وحسبك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ربه ويسأله الثبات، فيقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (2). وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو فيقول: «رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ. اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً ومنيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي»(3).
كما أن اليقين والرضا بقضاء الله وقدره من أعظم الأسباب المعينة على الثبات. قال علقمة بن قيس في تفسير قوله تعالى: ?وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? [التغابن:11] قال: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم”.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين”(4)،
وقال ابن القيم -رحمه الله-: في أثناء كلامه عن منزلة اليقين في كتابه العظيم مدارج السالكين: وهو-أي اليقين- من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد”(5).
إن المحتسبين اليوم خاصة والمسلمين عامة اليوم، وهم يمرون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخنا المعاصر -وتكاد تغلب في هذه المرحلة عوامل اليأس ومشاعر الإحباط- بأمس الحاجة إلى التمسك بالدين، والعض عليه بالنواجذ؛ لأن الاستسلام لليأس يقتل الهمم ويخدر العزائم، ويدمر الطموحات، وهذه المعاني هي التي تحرك الإرادات وبذل الجهد.
ورغم تتابع الفتن وتنوعها وتكاثرها فإن نصر الله آتٍ لا محالة إن شاء الله كما وعدنا سبحانه شريطة أن نتمسك بديننا ونعتز بشريعتنا ويكون ولاؤنا لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: ?وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ? [الحج:40]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» (6). وفي حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة».
ومع تكاثر أعداء الإسلام، وتكالبهم على هذا الدين، والكيد له، ولأهله قال تعالى: ?يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ? [الصف:8]، إلا أن النصر والتمكين بمشيئة الله لحملة هذا الدين المبشرين بالثناء والتمكين كما في حديث ثوبان -رضي الله عنه-: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها»(7).
أيها المحتسبون إن عز هذه الأمة، ورفعة أهل الحق لا تتم ولن تكون إلا بالعض على هذا الدين بالنواجذ عقيدة وشريعة، صدقاً وعدلاً، ثباتاً في الموقف وصدقاً مع الله قال تعالى: ?وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? [آل عمران:139]، وقال سبحانه: ?وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ? [محمد:38].
العوامل المعينة على الثبات على الدين:
إن الثبات على الدين مطلب عظيم، ورئيس لكل مسلم محتسب صادق يحب الله ورسوله، ويريد سلوك طريق الحق والاستقامة بعزيمة ورشد، والمحتسبون اليوم أحوج ما تكون إلى الثبات خاصة وهي تموج بأنواع الفتن والمغريات، وأصناف الشهوات، والشبهات، فضلاً عن تداعي الأمم عليها، وطمع الأعداء فيها. ومما لا شك فيه أن حاجة المسلم المحتسب اليوم لعوامل الثبات أعظم من حاجة أخيه المسلم إلى ذلك في القرون السالفة؛ وذلك لكثرة الفساد وندرة الإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصح والناصر.
أهم عوامل الثبات ما يلي:
1 – صحة الإيمان وصلابة الدين: قال تعالى: ?مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً? [الأحزاب:23]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»(8)، إن الإيمان له قوته الإيجابية التي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأن القوة الإيمانية تترك بصماتها على الفرد والجماعة، وعلى سائر اتجاهات السلوك الإنساني، ومتى صح الإيمان ورسخت حلاوته في قلب المؤمن رزقه الله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وكلما كان قوياً في إيمانه، صلباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازداد ثباته، وقويت عزيمته.
2- تدبر القرآن والعمل به: إن القرآن الكريم أعظم مصدر للتثبيت؛ لأنه يزرع الإيمان ويقوي الصلة بالله، كما أنه يعصم من الفتن وكيد الشيطان وغوايته، كما أنه يزود المسلم المحتسب بالتصورات، والقيم الصحيحة التي يستطيع على ضوئها أن يُقوِّم الأوضاع التي من حوله، تقييماً صحيحاً، كما أن القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وأصول وقواعد وحكم وقصص، يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين ومن سار على دربهم.
3- الصبر والتصبر عند نزول المصائب والمحن: إن الصبر من أجلِّ صفات النفس وأعلاها قدراً، وأعظمها أثراً قال -صلى الله عليه وسلم- :«الصبر ضياء»(9) فالصبر من أعظم الأمور والعوامل المعينة على الثبات؛ ذلك أن الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن التشويش؛ فالصبر إذن أعظم مظهر من مظاهر الثبات، ولقد أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ? [البقرة:153]، وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [آل عمران:200].
قال ابن تيمية -رحمه الله- قد ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعاً، وقرنه بالصلاة في قوله تعالى: ?وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ? [البقرة:45]، وجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ? [السجدة:24]؛ فإن الدين كله عِلمٌ بالحق وعمل به، والعمل به لا بد فيه من الصبر، بل وطلب عِلْمِهِ يحتاج إلى الصبر، كما قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: “عليكم بالعلم؛ فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد” فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بد في الجهاد من الصبر؛ ولهذا قال الله تعالى: ?وَالْعَصْرِ * إنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ? [العصر:1-3].
4- التزام شرع الله والعمل الصالح: قال تعالى: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ? [إبراهيم:27]، وكذلك روي عن غير واحد من السلف، وقال سبحانه: ?وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا? [النساء:66] أي على الحق؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل، وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه، وكانت عائشة -رضي الله عنها- إذا عملت العمل لزمته، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم- كتاب القدر باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقاديرلله حديث:4923.
(2) مسند أحمد حديث:9237 ، سنن الترمذي – الذبائح أبواب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن حديث:2117، سنن ابن ماجه – كتاب الدعاء باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم – حديث:3832، والحديث حسنه الإمام الترمذي، وصححه الشيخ الألباني: في صحيح الجامع رقم (1685).
(3) مسند أحمد حديث: 1942 الترمذي – الذبائح أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – حديث:3559، سنن أبي داود-كتاب الصلاة باب تفريع أبواب الوتر- باب ما يقول الرجل إذا سلم حديث:1304، وصححه الشيخ الألباني في: المشكاة 2488، السنة 384
(4) انظر: المستدرك على فتاوى ابن تيمية(ص 124) جمع: ابن قاسم.
(5) انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 397) ط دار الكتاب العربي.
(6) صحيح مسلم-كتاب الإيمان باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله – حديث:251.
(7) صحيح مسلم -كتاب الفتن وأشراط الساعة باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض- حديث: 5253.
(8) سبق تخريجه.
(9) مسند أحمد مسند أبي هريرة رضي الله عنه -حديث:7410 السنن الصغرى للنسائي- الصيام ذكر الاختلاف على أبي عثمان في حديث أبي هريرة في صيام -حديث:2378، شعب الإيمان للبيهقي- الثالث والعشرون من شعب الإيمان وهو باب في الصيام حديث:3409، والحديث قال عنه الشيخ الألباني: إسناده جيد في كتاب السنة لأبي عاصم حديث1100.