تعزيز ثقافة الحسبة
معنى الحسبة:
الحسبة لغة: اسم من الاحتساب، ومن معانيها الأجر وحسن التدبير والنظر، ومنه قولهم: فلان حسن الحسبة في الأمر إذا كان حسن التدبير له، ومن معاني الاحتساب البدار إلى طلب الأجر وتحصيله، وفي حديث عمر:” أيها الناس احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته”.
واسم الفاعل المحتسب، أي: طالب الأجر. ومن معانيها الإنكار، يقال: احتسب عليه الأمر إذا أنكره عليه. والاختبار يقال: احتسبت فلانًا، أي: اختبرت ما عنده.
الحسبة اصطلاحًا: عرفها جمهور الفقهاء بأنها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
مشروعية الحسبة وتأصيلها في الكتاب والسنة:
شرعت الحسبة طريقًا للإرشاد والهداية والتوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضرر، وقد حبب الله إلى عباده الخير، وأمرهم بأن يدعوا إليه، وكره إليهم المنكر والفسوق والعصيان، ونهاهم عنه، كما أمرهم بمنع غيرهم من اقترافه، وأمرهم بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: ?وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ?، وقال جل شأنه: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?، ووصف المؤمنين والمؤمنات بها، وقرنها بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله، مع تقديمها في الذكر في قوله تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?، ووصف المنافقين بكونهم عاملين على خلاف ذلك في قوله تعالى: ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ?.
وذم من تركها، وجعل تركها سببا للعنة في قوله تعالى: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ?.
وجعل تركها من خطوات الشيطان في قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ?.
وفضل بها هذه الأمة المحمدية على سائر الأمم في قوله تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ?.
وامتدح من يقوم بها من الأمم على غيرهم في قوله تعالى: ?مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ?.
وجعل القيام بها سببًا للنجاة في قوله تعالى: ?فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ?، وإلى ذلك كله جاء في القرآن أنها شرعة فرضت على غيرنا من الأمم، وذلك في قوله تعالى: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ?، وقوله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?، وذلك بعض ما يدل على شرعها من الكتاب الحكيم.
ولقد جاء في السنة في دلالتها كما جاء في الكتاب من الأمر بها، والتشديد على التهاون فيها، روى مسلم من حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وجاء في التحذير من تركها ما رواه ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً».
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه».
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه قال لقوم يأتون السلطان:” أكلما رأيتم منكرًا أنكرتموه؟ أو معروفًا أمرتم به؟ قالوا: لا، ولكن إذا قال شيئًا صدقناه، فإذا خرجنا قلنا ما نعلم، قال: كنا نعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقًا أو من النفاق”.
قال ابن القيم رحمه الله: “وقاعدته وأصله: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعث الله به رسله، وأنزله به كتبه ووصف به هذه الأمة، وفضلها لأجله على سائر الأمم التي أخرجت للناس، وهذا واجب على كل مسلم قادر فرض كفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره من ذوي الولاية والسلطان، فعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب: هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز. قال تعالى: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» وجميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
تعزيز ثقافة الحسبة لدى المجتمع والجهات الحسبية:
إن من أهم ما يعزز ثقافة الحسبة لدى المحتسب والمجتمع: معرفة أسرارها ومقاصدها وقواعدها، ومعرفة الآثار على ترك الاحتساب، وتلك المعرفة تعزز فهم الحسبة والحكمة من مشروعيتها وتفصيل لك فيما يلي:
أولًا: معرفة المقاصد الشرعية للحسبة:
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين، وتدفع شر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما. وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح، واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدين مع احتمال أدناهما هو المشروع.
ثم إن مقصد الولايات الشرعية من ولاية وقضاء وحسبة وغيرها: أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فولاية الحسبة إنما جعلت لإصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، ولإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دينهم، والشريعة إنما جاءت بإحكام تحفظ على الناس الكليات الخمس وهي المصالح العليا، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. فكل الأحكام الشرعية في هذا الخصوص إنما هي أوامر ونواهي للحفاظ على هذه الكليات، والحسبة إنما تسعى للتحقق من الالتزام بهذه الأوامر واجتناب النواهي، ويمكن أن نفصل هذا في أهداف أساسية فيما يلي:
أولًا: حماية دين الله تعالى بضمان تطبيقه في حياة الناس الخاصة والعامة، وصيانته من التعطيل أو التبديل أو التحريف. فقد وكل إلى المحتسب حث الناس على الالتزام بأداء عبادتهم بكيفياتها الشرعية، ومنعهم من التبديل والتحريف فيها، كما أنه يمنع البدع في الدين ويحاربها، ويوقع العقاب على مرتكبيها، فالمحتسب يهتم بكل ما يتعلق بالدين ويسعى لإحيائه وتمكينه.
ثانيًا: تهيئة المجتمع الصالح بتدعيم الفضائل وإنمائها، ومحاربة الرذائل وإقصائها، فالمحتسب يمنع المنكرات الظاهرة، ويعاقب مرتكبيها، إن كان مما يوكل إليه العقاب فيه أو يرفعه إلى القضاء، إن كان مما يختص القاضي بالفصل فيه، كما أنه يتتبع مواطن الريب والشبهة فيمنع وقوع المنكرات فيها، مثل مواطن اختلاط الرجال بالنساء، والأماكن التي يرتادها أهل الشك والريب، وتظهر فيها الدلائل والأمارات.
ثالثًا: إعداد المؤمن الصالح المهتم بقضايا مجتمعه، وحماية مصالحه؛ ذلك أن الإسلام جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبًا على كل مسلم حتى لا يرى منكرًا قد ارتكب فيسكت عنه، أو يرى معروفًا ترك فيتواطأ على تركه، فإذا قام بذلك كان أدعى إلى أن يأتي هو ذاته المعروف الذي أمر به وينتهي عن المنكر الذي نهى عنه غيره، لذا قال الله تعالى: ?أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ?، ومن جانب آخر فإن الحسبة تؤمن لأفراد المجتمع المتابعة الدائمة لأنشطتهم بتدعيم الصالح منهما وتعزيزه، ومحاربة المفاسد منها، والزجر منه.
رابعًا: بناء الوازع الجماعي الذي يحول دون هتك مبادئ المجتمع المسلم وقواعده وآدابه العامة وأعرافه، ذلك أن للبيئة الاجتماعية أهمية قصوى في سلوك أفراد المجتمع، فإذا كان للمجتمع قواعد مرعية، وآداب محفوظة، ومبادئ محمية من سلطاته صعب على العصاة الخروج عليها، وتربى في أنفسهم الحياء من مخالفة المجتمع والخروج عليه.
أما إن كانت هذه المبادئ والقواعد منتهكة من غالب أفراد المجتمع، ولم تكن هناك سلطة تسعى للحفاظ عليها بحجة أن تلك الأمور من الشؤون الخاصة أو الحريات الشخصية، سهل على الأفراد الخوض في المنكرات، بل إن العصاة يغرون الصالحين بسلوك نهجهم؛ لأن الناس يحبون التشبه ببعضهم بعضًا؛ لذا قال الله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ? [النور:19]، وأمر الله تعالى أن تكون العقوبات الشرعية علنية حتى يتعظ الناس بعذاب غيرهم، فقال بعد أن ذكر عقاب الزناة: ?وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ? [النور:2]، كما أمر النساء بالحجاب وعدم إبداء الزينة لغير المحارم، بل وأمرهم بعدم التلين في الكلام بما يثير الرجال، ثم بعد ذلك كله أمر كلاً من الرجال والنساء بغض البصر منعًا للفتنة المثيرة للشهوة، وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم وحفظ فروجهم.
خامسًا: استقامة الموازين الاجتماعية، واتزان المفاهيم واستقرارها حتى لا ينقلب المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، لذا نجد أن من أشد الأمور خطورة انتشار المنكرات ثم تواطؤ المجتمع على السكوت عنها، ثم قبولها أخيراً! فإذا بلغت المنكرات درجة القبول عند الناس، وذلك بأن يروها أموراً معتادة لا مستنكر لها فضلاً عن الإنكار على مرتكبيها.. إذا بلغ الحال إلى هذا الحد؛ فإن المجتمع يفقد موازينه المستقيمة، وتذوب مفاهيمه الصحيحة لكل القيم الفضيلة، وعندئذ يعجز كل قانون عن التأثير في الناس لا سيما إذا عد ذلك من التدخل في الحريات الشخصية.
فلو نظرنا إلى كثير من المجتمعات التي تتهاون في ذلك من المجتمعات غير المسلمة نجد أن الأمور قد انفلتت من يد السلطات؛ إذ أصبح المجتمع لا يستنكر سلوك الانحراف والشذوذ، والسلطة لا تقدر على محاربة الرذائل والمخدرات والجرائم التي يعتدي فيها على حرمات الناس. بينما نجد المجتمعات الإسلامية -على وجه العموم- لا تزال تحتفظ بأصولها ومبادئها، مما يجعل السلوك الانحرافي والشذوذ والخروج على قيم المجتمع أموراً مستقبحة ومستنكرة من عامة الناس.
تحقيق وصف الخيرية للأمة، كما قال الله تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ? [آل عمران:110]، وذلك لأن صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة أمة أخرجت للناس. وما تمت هذه الخيرية إلا بعد تحقيق الصفات المذكورة في الآية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فمن اتصف بهذه الصفات من هذه الأمة دخل في هذا المدح كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها فرأى من الناس منكرًا فقرأ: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ?، ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها.
ثانيًا: معرفة القواعد الشرعية في الأعمال الاحتسابية:
إن مما يعزز ثقافة الاحتساب معرفة ما يجب على المحتسب والمحتسب عليه، فإن هناك قواعد ينبغي تطبيقها عند القيام بالأعمال الاحتسابية، منها:
أولًا: ينبغي أن يكون المحتسب على علم بالحكم الشرعي في الأمور التي يحتسب فيها؛ فلا يجوز أن يحتسب وهو جاهل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:” وإذا كان هذا حد كل عمل صالح، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحًا إن لم يكن بعلم وفقه؛ فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلًا وضلالًا، واتباعًا للهوى..، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود”.
ثانيًا: التثبت وعدم الحكم بمجرد الظن، يقول الله سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ? [الحجرات:12] وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» [رواه البخاري ومسلم] فلا يجوز للمحتسب أن يحكم بناء على ظن أو شيء مرجوح ومحتمل، بل يجب التثبت والتحقق، كما أنه لا يجوز التجسس وتتبع عورات المسلمين؛ فإن الإسلام جاء بالستر وحسن الظن، فلا يجاوز ما أمر به الشرع، وقد قال الإمام أبي محمد التميمي حاكيًا اعتقاد الإمام أحمد رحمه الله:” وكان يذهب إلى أنه لا يجوز كشف منكر قد استسر به، كما لا يجوز ترك إنكاره مع المظاهرة والمجاهرة، ويأمر بأن يظن بالناس خيرًا”. وفرق رحمه الله بين ظهور الأمارات أو العلامات الدالة على وقوع منكر، وبين طلب تلك العلامات والبحث عن العورات الذي هو التجسس، قال:” وكان يقول: إن التواري بالمنكر لا يمنع إنكاره إذا ظهرت رائحة أو صوت”، فظهور رائحة المسكر علامة على وجوده وهكذا.
ثالثًا: اعتبار المفاسد والمصالح، وقد سبق الإشارة إلى ذلك في الفقرة السابقة، حيث جاءت الشرعية بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم على ذلك، فينبغي للمحتسب العناية بذلك ومراعاته، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:” وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد. فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورًا به، بل يكون محرمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته” (الأمر بالمعروف لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص10-11).
وقال -رحمه الله-:” لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرًا بها وبدلالتها على الأحكام”.
رابعًا: قدرة المحتسب وأهليته؛ فإن الشريعة جاءت برفع الحرج وأسقطت التكليف بعدم الاستطاعة، قال تعالى: ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286] ولما كان الاحتساب من أشق التكاليف ومما يلحق صاحبه من جرائه الأذى، كما قال لقمان لابنه في موعظته التي قصها القرآن: ?وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ? [لقمان:17] فأمره بالصبر لأنه يلحقه الأذى بسببه، ولذا اشترط في الاحتساب القدرة عليه على وجه مخصوص، قال ابن العربي:” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين.. وهو فرض على جميع الناس مثنى وفرادى بشرط القدرة عليه والأمن على النفس والمال معه”.
والأصل في هذا الشرط للاحتساب هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الاحتساب على الاستطاعة، وبحسبها تكون مرتبة الاحتساب، تدرجًا من الأقوى إلى الأضعف، فإن عجز الداعية عن الإنكار باليد انتقل إلى الإنكار باللسان فإن عجز عنه أنكر بقلبه.
ثالثًا: الفوائد والمصالح العائدة على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وهي:
مما يعزز مفهوم الاحتساب ويبين أهمية معرفة فوائده ومصالحه على المحتسب، ومنها:
أ) خروجه من عهدة التكليف: ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل لما قيل لهم: ?لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا? قالوا: ?قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ? فالساكت عن الحق مؤاخذ ومتوعد بالعقوبة، كما أنه شيطان أخرس.
قال علي بن الحسين -رحمه الله-: “التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي منهم تقاه. قالوا: وما تقاة؟ قال: يخاف جبارًا عنيدًا أن يسطو عليه وأن يطغى”.
ب) إقامة حجة الله على خلقه: قال الله تعالى: ?رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ?.
ج) الشهادة على الخلق: قال الإمام مالك -رحمه الله-: “وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عصوا كانوا شهودًا على من عصاه» اهـ”.
د) أداء بعض حق الله تعالى عليه من شكر النعم التي أسداها له من صحة البدن وسلامة الأعضاء: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة».
هـ) تحصيل الثواب: كما دل على ذلك الكتاب والسنة، سواء كانت الأدلة خاصة كالحديث السابق أم كانت عامة.
ز) استنزال الرحمة من الله تعالى: لأن الطاعة والمعروف سبب للنعمة قال الله تعالى: ?وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ? ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ? ?وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم?. وقال عليه الصلاة والسلام: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا».
د) شد ظهر المؤمن وتقويته ورفع عزيمته، وإرغام أنف المنافق.
قال الثوري -رحمه الله-: “إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق”.
هـ) بقيام المسلمين بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحصل لهم الطموح والترفع عن الدنايا، كما يحصل لهم الشعور بأنهم ربانيون يصلحون الناس، وحينئذ يكونون قدوة حسنة بصلاح أنفسهم وحسن استقامتهم، مما يجعلهم يحاسبون أنفسهم على أصغر زلة، وهذه في حد ذاتها فائدة عظيمة جدًا اقتضتها حكمة الله في تهيئة هذه الأمة لقيادة غيرها من الأمم.
و) ابتلاء الخلق بعضهم ببعض: لأن هذا العمل بجميع مراتبه وأنواعه جهاد، وما قتال الكفار بالسيف والسنان إلا نوع من أنواعه. قال تعالى: ?وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ?.
رابعًا: الآثار المترتبة على ترك الاحتساب، وهي ومما يعزز ثقافة الاحتساب ويبين أهميتها معرفة الآثار المترتبة على ترك الاحتساب والحذر من مغبة ذلك، ومن تلك الآثار:
1- وقوع الهلاك: قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: “كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارًا استحقوا كلهم العقوبة”.
وبهذا يعلم أن العاصي لا يضر نفسه فحسب، وإنما يضر مجتمعه بأكمله، وقد شبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حاله مع حالهم بقوله: «مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها. فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعًا، وإن تركوهم غرقوا جميعًا».
2- انتفاء وصف الخيرية عن هذه الأمة: فشرط خيرية هذه الأمة المحمدية قيامها بالاحتساب، كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
3- أنه يجرئ العصاة والفساق على أهل الحق والخير: فينالون منهم ويتطاولون عليهم، وهذا مشاهد ملموس في هذه الأيام والله المستعان.
4- أنه سبب لظهور الجهل واندراس العلم: وذلك أنه إذا ظهر المنكر ولم يوجد من ينكره نشأ عليه الصغير وألفه وظن أنه من الحق، كما هو الحال في كثير من المنكرات اليوم.
5- أن في هذا الأمر تزيينًا للمعاصي عند الناس وفي نفوسهم: لأن صاحب المنكر كالبعير الأجرب يختلط بالإبل فتجرب جميعًا -بإذن الله- والناس كأسراب القطا قد جبل بعضهم على التشبه ببعض.
6- عدم إجابة الدعاء: جاء هذا في حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: «مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم».
7- سبب ظهور غربة الدين: واختفاء معالمه، وتفشي المنكرات والكفر والظلم. وهذا هو الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء» فكلما انتشر الفساد والظلم كلما ازدادت الغربة، حتى يصبح المتمسك بدينه غريبًا بينهم.
8- إلف المسلم لهذه المنكرات المتفشية: لأنه كما قيل كثرة المساس تميت الإحساس.
وسائل تعزيز ثقافة الاحتساب:
هناك وسائل كثيرة لا تنحصر في نشر الخير والمعروف ومحاربة المنكر والتقليل منه، ويكتفى في هذا الموضع بالإشارة إلى بعض الوسائل الممكنة في هذا دون الإسهاب في شرحها وتوضيحها؛ فمن هذه الوسائل:
1- تنمية معرفة الواجب الشرعي، والتأكيد على خطورة وعظم السكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “وقد غر إبليس أكثر الخلق بأن حسن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينًا؛ فإن الدين هو القيام بما أمر الله به فتارك حقوقه التي يجب عليه أسوأ حالًا عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي، فإن ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجهًا، ذكرها شيخنا رحمه الله في بعض تصانيفه، ومن له الخبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينًا والله المستعان”.
2- الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة، وكذلك المحاضرات والندوات والمواعظ، وربط موضوعاتها بواقع الناس ومعالجة مشاكلهم وتقويم انحرافاتهم.
3- توجيه الرأي العام نحو المعروف والخير، ليمد الناس يدهم إلى الدعاة ويتعاونوا معهم على نشر الفضيلة وهدم الرذيلة.
4- العناية بتربية الأفراد على الإسلام، وهو أمر لا بد منه لتثبيت الدعوة وتقوية جانبها.
5- الإنكار المباشر للمنكر وعدم إهمال ذلك، فلو قام كل بواجبه لقلت المنكرات كثيرًا مما هي عليه الآن، فإذا أنكر هذا وهذا والآخر انحسر المنكر وأخفاه أهله.
6- كتابة الرسائل الخاصة للمقصرين، ونشر الرسائل العامة ليقرأها الناس ويطلعوا على ما تضمنته من النصح والإرشاد، وكذلك نشر الأشرطة وإهداؤها وبيعها وتوزيعها وكذا الكتب.
7- نشر العلم الشرعي بمختلف الوسائل، ففي كثير من الأحيان يقع الناس بالمعصية من جراء الجهل بحكمها، ويترك آخرون الإنكار لجهلهم بالحكم.
8- الإحسان إلى الناس؛ فبه يكسب المرء ودهم فيقبلون منه ويقتدون به.
9- إيجاد الشعور بالمسؤولية من قبل الجميع، ونبذ صفة عدم المبالاة التي تفتح الباب لانتشار المنكر وظهوره.
10- تحكيم شرع الله في الأمم والشعوب والأفراد وإقامة الحدود والتعزيرات.
11- التعاون مع أفراد الهيئات وتقوية عزائمهم وشد أزرهم.
12- تكوين العلاقات الشخصية التي تؤدي إلى تقويم الفرد وتوجيهه نحو الإسلام.
13- نشر المعرفة بشرف رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع فئات المجتمع، فإن الذي يقوم به المحتسب هو رسالة الأنبياء والمصلحين وخيار الأمم والندرة من الناس الذين نذروا نفوسهم لكف الشرع والدفاع عن الدين وتحقيق رسالة الإصلاح، فارفع أيها المحتسب بذلك رأسك، وإذا قمت به صادقًا فاعلم أن الله تعالى يحبك حيث شرفك بحمله واختارك من صفوته، فافرح بهذا الشرف وامنحه حياتك ووقتك وفكرك وعلمك ومالك وكل ما تملك، واعلم أن الله معك يهديك ويعليك وينصرك ويسددك، ولا يذلك ولا يخيب مسعاك، ولا يرد دعاءك.
قال ابن القيم رحمه الله: “فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولًا، وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السموات والأرض والجبال لكفاه الله مؤونتها، وجعل له فرجًا ومخرجًا، وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو اثنين منها أو واحدة.
14- التجديد في وسائل الاحتساب؛ فإن وسائل الاحتساب المعروفة كالكتابات والزيارات والمناصحات الفردية وغيرها من وسائل ضرورية للمحتسبين، ولكن المنكرات تزداد وتتطور وتنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم عن طريق الوسائل الحديثة كالقنوات والانترنت والجوالات وغيرها.. ولما ضعف الإيمان عند الناس واستحكمت فيهم الشهوات واستعبدتهم الدنيا سهل عليهم استقبال المنكرات واستحسنوها والفتها نفوسهم، فصارت عندهم كالعادات المتعارف عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن هنا كان لزامًا على أهل الاحتساب أن يجددوا في وسائلهم الاحتسابية ويطوروا أنفسهم، ويتدربوا على تقنيات العصر التي تخدم مهمتهم العظيمة الغالية. وذلك بدخولهم في الإعلام والمشاركات في القنوات والانترنت والجوالات وغيرها من الوسائل النافعة في هذا المجال.
_____________________
رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقا – إمام وخطيب المسجد الحرام