باسل النيرب
إن التنافس الذي خلفته الفضائيات العربية في ما بينها أقل ما يقال عن سمته التكرار والانفعال؛ حيث اتجهت القنوات الفضائية إلى تغطية الصراعات السياسية والغرائب الاجتماعية, سواء داخل الدولة أو خارجها، وبشكل مقصود تراجعت الأخبار التي تمس حياة الموطنين من الناحية الاقتصادية المباشرة، كما أصبح اختيار المواضيع يعتمد بشكل رئيس على الذائقة الفردية للمقدم التلفزيوني, دون النظر إلى حاجات الجمهور أو الرسالة الإعلامية للوسيلة الناقلة.
مدار الحديث ينقسم إلى قسمين:
الأول: تجاوزات تفننت فيها بعض الفضائيات, وأبدعت في الفترة الأخيرة في بث فقرات تجذب المشاهدين من خلال ضيوف يثيرون حولهم كثيراً من الجدل، ومنهم: مدعو النبوة, والدجالون؛ حيث كان لهم النصيب الأوفر من مساحات الإثارة الإعلامية، ولم يكتف أصحابُ الفضائيات بذلك, بل تنافسوا في تقديم الأكثر إثارة؛ حيث ظهر مَن يصف نفسه بالإله، في محاولة لجذب أكبر قدر من المشاهدين, وبالتالي الإعلانات، مبتعدين عن الموضوعات الجادة والهادفة التي تُثري أذهان المشاهدين بالعلم والثقافة، حتى أصبح يطلق على هذه الفضائيات: قنوات الخرافات والدجل.
والقسم الثاني: يتكون من النخب من المحللين والسياسيين الذين يهبطون علينا من كل حدب وصوب في كل الفضائيات, ويعرفون أدق تفاصيل الدول وأنظمتها الحاكمة, ويعرفون خفايا التخطيط العالمي المسيطر على الأحداث في المنطقة العربية وخارجها.
التنافس الفضائي على استقدام شخصيات البرامج الحوارية لا يعرف الكلل أو الملل؛ حيث يتناول الحديث كل ما من شأنه تغذية الاختلاف الحاد بهدف الإثارة؛ حيث غدا الاختلافُ الحاد في وجهات النظر هو المطلوب في الفضائيات العربية لغياب الميثاق المنظم للصناعة الإعلامية.
والمشاهد العربي اعتاد على مثل هذه البرامج، فمثلاً: عندما احتجت النخب الدينية والثقافية والاجتماعية على برنامج: (ستار أكاديمي)؛ لأنه لا يمثل البيئة العربية, تلاشى الاحتجاج, وبقي البرنامج يقدم في كل عام مزيداً من الانحطاط, وبات على مشارف الإباحية.. وفي برامج: (التوك شو) السياسية أو الحوارية ينتظر المشاهد اللحظة المناسبة التي ينقض فيها أحد طرفي الحوار على الآخر شتماً أو ضرباً أو رشقاً بكأس الماء.
حلقات البرامج الحوارية العربية تعبر عن واقع الشارع العربي في طريقة حل الخلافات؛ فمع التباين يظهر التخوين والإعلام بعيدًا كل البعد عن الحيادية, فمهما حاول مقدم البرنامج أن يوزع الاتهامات على طرفي الحوار فهو أصلاً يشحنهم لبدء جولة من التخوين والتراشق بالكلمات والكؤوس والكراسي، وتكون مقصلة الوقت والتذكير بالوقت وسيلة لنا كمشاهدين لتنفس الصعداء, بينما هي عند المشارك أو المشاركين في الحوار وسيلة؛ لضخ مزيد من التفاهة أو الزيت على النار، وهنا يحقق المقدم الهدف المطلوب, ويحصل على الإثارة اللازمة؛ حيث يحقق المتعة عند الجمهور الذي ينتظر هذه اللحظة وكأنها لحظة نصر, فيحدث الاصطفاف مع أحد المشاركين ويحدث التأثير, وتكون دفة المنتصر قد رجحت عند المشاهد، والأصل أنه لا منتصر, فكل طرف يصم قلبه عن الطرف الآخر هذا من جانب، وما يعلق في ذهن المشاهد البسيط بعد جولات الصراخ والعواء أنه ممثلة في المواجهة قد انتصر على خصمه, وهكذا ينتقل الخلاف إلى الشارع, وتضيع التنمية وخططها.
أما حين يكون مدار الحديث عن خزعبلات اجتماعية أو تجاوزات دينية فلا يتوقف مقدم البرنامج ويورد أدلة ترد على كذب المدعي أو ضلاله؛ بل على العكس يستمر في شحنة بمزيد من الأسئلة, ويستخرج منه وجهات نظر سمح له هو ووسيلته الناقلة بعرضها على الجمهور.