عفوا ولكن.. لا تمسها بعد الأربعين
عفوا.. ليس أمرا مني بل طلب ورجاء.
ولكن من أخت ناصحة محبة مشفقة ساءها ما رأته من بعض أهل العلم والدعاة من تقصير للحى في الجملة، والله يقول: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة:71].
بعد الأربعين.. لست أعني قبله يفعل ما يشاء، لكن أولئك الذين تركوها حتى الأربعين هلا تركوها حتى يلقوا الله.
أخي الفاضل.. أيها الداعية والعالم! حديثي معك هو عدة تساؤلات تجيب عنها أنت ولست أنا:
1- هل كان إعفاؤها وإبقاؤك إياها طوال تلك السنين خطئا أدركته بعد الأربعين، فبادرت إلى معالجته بهذه الطريقة؟
2- ما توجيهك لحديث نبينا عليه الصلاة والسلام بألفاظه الخمسة (أعفوا اللحى، أرخوا، أوفوا، وفروا)، أرجوا أيكون ذلك بتقصيرها كما فعلت؟
3- هل ظهر لك أن تقصيرها جائز أم مباح أم مكروه؟ أم فقط مخالف للأولى فتنازلت عنها بعد الأربعين؟
4- أتفعله بعد الأربعين وقد كنت شابا وافر اللحية، والمرء بعد الأربعين يقول الله في شأن تعقله ورشده، وكذا صلاحه وإصلاحه ، وتوبته وأوبته.. نعم هي سن يقول الله فيها: ?وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ? [الأحقاف:15].
5- هي شعيرة ومظهر من مظاهر الإسلام، هي هيبة ووقار، هي نضرة وعزة، هل ارتأيت غير ذلك فبدلته؟!
6- أتحتج بأن هذا الأمر من الظاهر، والمهم الاعتناء بالباطن؟ أو تناسيت عناية ديننا بالظاهر والباطن، بل صلاح الباطن يدل عليه صلاح الظاهر؟ فهلا تعقلت ذلك، وأدركت أن تلك حجة المبطلين في عصر؟!
7- ألم يكن سمتاً لأهل الصلاح والخير دهراً من الزمان؟ وهل أصبح اليوم شذوذاً وتدنيا وازدراء فقصرته؟
8- كيف كانت هيئة اللحى عند الأنبياء عليهم السلام والصالحين، ومنهم نبينا سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وصحابته رضوان الله عنهم أجمعين؟ أهي كما فعلته؟
9- أتحب أن تفعل الداعيات والصالحات من أخواتك ما هو مخالف لسمت أمهات المؤمنين والصحابيات رضوان الله عنهن أجمعين، أو أن تحتج بالخلاف فتكشف الوجه، وتتساهل بأمور الحجاب واللباس والزينة والاختلاط، بل وتبالغ فتصل إلى سماع الغناء والنظر إلى الحرام؟
10- أتريد أن تصور وسطية الدين واعتداله، أم تدعي أن تلك وسيلة للدعوة إلى الله والترغيب في دينه؟ أبترك السمت نكون دعاة وعلماء؟
11- ألم تلحظ تساهل الناس اليوم في كثير من شعائر الدين على مراتب ودرجات؟ فيبدأ الأمر بالتقصير وينتهي بالحلق، كما بدأ الأمر بكشف الوجه وانتهى لما رأينا، وهكذا حال غيره من الأمور.
12- ألست معي أن العالم والداعية يعلم بسمته وأدبه وخلقه قبل قوله وعلمه؟ فلا تتنازل.
13- ألا يعد التشبه بأهل الباطل في الظاهر مدعاة للتشبه بهم في الباطن ولو بعد حين؟
14- وأخيراً: أليس من التوفيق أن يسأل العبد الله البصيرة، وأن يتحرى في أمر دينه أكثر من دنياه، وأن يتجنب كل ما يؤدي إلى النقص والقصور، ويترك تتبع الرخص والاحتجاج بالاختلاف، ويحسن النظر والتثبت واتباع الدليل.
وفقنا الله لكل ما يحبه الله ويرضاه، ورزقنا سمتا وخلقا وأدبا، ورزقنا بصيرة ورشدا، وجعلنا الله بسمت الصالحين مقتدين، وعلى هديهم ثابتين، حتى نلقى الله رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وعفوا أخي.