إعداد د. محمد الفريحي
نبدأ على بركة الله ببيان المفاهيم والتعريفات فنقول:
الجريمة هي: سلوك يجرّمه القانون ويرد عليه بعقوبة جزائية أو بتدابير. وقيل: هي فعل أو امتناع عن فعل مسند إلى صاحبه ينص عليه القانون ويعاقب من أجله بعقوبة جزائية،
والمعلوماتية هي: هي علم المعلومات، ومعالجتها، وهندسة لنظمها عن طريق التفاعل بين النظم الطبيعية والاصطناعية التي تقوم بتخزين عملية وصول المعلومات والاتصال. وقيل أنها: المنظومة التي تجمع كل ما يتعلق بالحواسيب عبر أبعاد ثلاث هي: الأجهزة والعتاد(Hardware)، والبرمجيات (Software)، و الموارد المعرفية (Knowledgeware).
أما الجريمة المعلوماتية: فقد اختلف الباحثون في تحديدها لكونها من الجرائم المستحدثة التي رافقت التقدم التقني من جانب، ومن جانب الطبيعة القانونية لهذه الجرائم لكونها تطال المكونات المادية والمعنوية للحواسيب الآلية مما يسبب وجود صعوبات في تحديد ماهية الجريمة المعلوماتية والاتفاق عليه، فهناك من يعرفها بناء على موضوع الجريمة وبعضهم بناء على أن الحاسوب أداة لارتكاب الجريمة، وبعضهم بناء على مرتكب الجريمة.
ويخلص الباحث إلى أن الجريمة المعلوماتية هي: (كل فعل عبر وسائل تقنية المعلومات تحققت فيه أركان الجريمة).
وللتوضيح وسائل تقنية المعلومات : في مقدمتها الحاسب الآلي (pc)، والهواتف الجوالة، وأجهزة الطابعات، وأجهزة الصراف الآلي (ATM) وأجهزة الطابعات وغيرها. ?? لمحة موجزة عن تاريخ الجرائم المعلوماتية:
أول جريمة معلوماتية وقعت كانت في عام (1958م) في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الحاسب الآلي؛ والجدير بالذكر أن الجرائم المعلوماتية انتشرت بشكل كبير مع ظهور شبكة المعلومات الدولية(الإنترنت)،
وقد تعرضت إحدى الشركات الصناعية عام (1980م) في كندا والتي تشترك مع (20) شركة في شبكة (داتا –باك) للمعلوماتية والاتصالات لظهور خطأ طفيف ناتج عن تحميل النظام مهام فوق طاقته بعد مضي عام من تنفيذ بنك المعلومات لهذه الشركات، وأثناء إصلاح الخطأ تبين وجود مجهول يستخدم بنك المعلومات، وبعد ذلك تم فتح تحقيق بخصوص هذا الموضوع وأثناء التحقيق تم تدمير جزء كبير من الذاكرة، وبعد المضي في التحقيقات تبين أن هناك أربعة شبان في أوائل العقد الثاني من العمر، يدرسون المعلوماتية في أحد معاهد نيويورك هم من قام بهذا العمل عن طريق الهاتف.
وفي عام (1988م) ظهرت أول جريمة معلوماتية ذائعة الصيت وهي حادثة موريس؛ حيث استطاع الشاب موريس والذي يبلغ من العمر (23) عاماً من نشر فيروس الكتروني هاجم آلاف الحاسبات عن طريق الانترنت باستغلال الثغرات الموجودة في أنظمة التشغيل، وكذلك الثغرات الموجودة في الشبكة؛ حتى تمكن من تعطيل الخدمة ما أدى إلى إلحاق أضرار بالغة بها، حيث قدرت عدد الاجهزة المصابة جراء هذا الفايروس بستة آلاف جهاز حاسب آلي، وقدرت الخسائر لإعادة تأهيل الأنظمة وتشغيل المواقع ما يقارب المائة مليون دولار.
والله أعلم وأحكم، ونلقاكم الأسبوع القادم بعون الله تعالى.
أصناف الجرائم المعلوماتية:
إن الحديث عن أصناف الجرائم المعلوماتية هو الحديث ذاته عن أصناف الجرائم التي تقع في العالم الطبيعي، إلا أنها قد تزيد وتتبدل في المجتمع المعلوماتي لذلك أطلق عليها البعض اسم الجرائم المستحدثة، وعلى العموم اجتهدت كثير من المنظمات الدولية والإقليمية، وكذلك بعض الخبراء في بيان أنواع الجرائم المعلوماتية بناء على تجريمها في البيئة التي يعيشون فيها، ومن خلال السطور القادمة سيتم تسليط الضوء على أهم هذه التصنيفات وذلك على النحو التالي:
أولا/ تصنيف اتفاقية بودابست الأوروبية (وهي من أشهر وأقدم الاتفاقيات لمكافحة الجرائم المعلوماتية) أصناف الجرائم المعلوماتية هي:
1. جرائم ضد سرية وسلامة وإتاحة البيانات والنظم المعلوماتية، ويدخل تحت هذا البند: الولوج غير القانوني، إساءة استخدام أجهزة الحاسب الآلي.
2. جرائم المعلومات، ويدخل تحت هذا البند: التزوير المعلوماتي، الغش المعلوماتي.
3. الجرائم المتصلة بالمحتوى، ويدخل تحت هذا البند: كافة الجرائم الإباحية والجنسية والمخلة بالآداب العامة والأخلاق وجرائم الأطفال.
4. الجرائم المتصلة بالاعتداءات على الملكية الفكرية. ثانياً/ تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي (OECD):
1. إدخال المعلومات إلى النظام الحاسوبي أو تعديلها أو محوها بطريقة غير مشروعة بقصد تحويل الأموال أو الممتلكات.
2. إدخال المعلومات إلى النظام الحاسوبي أو شبكات الاتصال أو تعديلها أو محوها أو اعتراض اتصال النظام أو تعطيله عن عمله.
3. المتاجرة غير المشروعة لبرامج الحاسب الآلي.
4. الدخول على نظام الحاسب الالي أو اعتراض عمله، وسواء كان ذلك العمل لذاته أو ممهداً لارتكاب جريمة بناء عليه.
5. الاستعمال غير المشروع لنظام الحاسب الالي. ثالثاً/ تصنيف وزارة العدل الأمريكية:
1. جرائم يكون فيها الحاسوب أداة للجريمة كجرائم الدخول غير المشروع للنظام المعلوماتي أو الشبكة .
2. جرائم يكون فيها الحاسوب فيها موضوعاً للجريمة كجرائم نشر الفيروسات .
3. جرائم يكون فيها الحاسوب أداة لارتكاب جرائم تقليدية كجرائم سرقة البطاقات الائتمانية أو نشر الصور الإباحية. رابعاً/ تصنيف بعض خبراء القانون:
• تصنيف (أولرتش سيبر مدير معهد ماكس بلانك للقانون الجنائي الدولي في ألمانيا ) :
1. جرائم معطيات الحاسب الآلي؛ وهي: الجرائم على المعطيات كمحتويات أجهزة الحاسوب .
2. جرائم الاعتداء على الأفراد؛ كجرائم انتهاك الخصوصية.
3. جرائم الملكية الفكرية، كجرائم الاعتداء على حقوق برامج الحاسب الآلي. • تصنيف (مارتن ويسك)(أستاذ القانون في جامعة مانشستر سابقاً، وأستاذ القانون بجامعة كيل بالمملكة المتحدة حالياً):
1. جرائم الدخول والاستعمال غير المصرح بهما للنظام المعلوماتي.
2. جرائم الاحتيال المعلوماتي وسرقة المعلومات.
3. الجرائم الواقعة من خلال الحاسب الآلي والأفعال المساعدة على ارتكاب الجرائم المعلوماتية.
ويقسم الباحث الجرائم بالنظر إلى الجريمة ذاتها إلى أربعة أقسام:
1. جرائم إساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات.
2. جرائم الاحتيال والخداع .
3. جرائم التعاملات غير المشروعة.
4. جرائم التحريض على الجريمة.
دوافع الجرائم المعلوماتية:
1. الحصول أو الاستيلاء على المال بأسرع الطرق وأيسرها .
2. الانتقام من المجني عليه .
3. الشهرة والاعتقاد بأن فعل هذه الجريمة يعد من البطولات، وقد أشارت بعض الدراسات أن 80% من جرائم الاختراقات هدفها إثبات الذات فقط
4. الدافع السياسي بسبب سوء العلاقات بين البلدان.
5. الفضول؛ وقد يكثر هذا النوع عند صغار السن والهدف هو استكشاف النتيجة أو النتائج لا إلحاق الضرر بالمجني عليه.
6. المنافسات التجارية، حيث تدفع المنافسات التجارية في بعض الاحايين إلى اللجوء إلى الأعمال المشينة والإضرار بالطرف المنافس للنيل من سمعته وتشويهها لدى العملاء والتقليل من أعدادهم.
وهناك عدة أمور تجدر الإشارة إلى أنها محفزات لاستمرار انتشار الجريمة ومن أهمها:
1. نقص الخبرة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية.
2. عدم كفاية بعض القوانين.
3. انعدام التحكم المركزي بالشبكة العالمية، فمن المعلوم أن وزارة الدفاع الأمريكية هي من أسس الشبكة العالمية ومع ذلك لا تستطيع هي أو غيرها من الوزارات بل الدول من التحكم في الشبكة العالمية وفرض السياسات العامة إلا في محيطها الإقليمي فقط، وقد حاولت بعض المنظمات جاهدة في وضع ضوابط ومعايير عالمية لاستخدام الانترنت بالطريقة المشروعة غير أنها لا تمتلك سلطة مركزية على الشبكة في العالم.
ويرى العلامة ابن القيم رحمه الله أن أصول المعاصي ترجع إلى ثلاثة أسباب:
الأول/ التعلق بغير الله ؛ حيث ينتج عنه الشرك.
والثاني/ طاعة القوة الغضبية ؛ حيث ينتج عنه القتل.
والثالث/ طاعة القوة الشهوانية ؛ حيث ينتج عنه الزنا.
ويقول رحمه الله أصل ذلك في قوله تعالى: ?وَ?لَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ ?للَّهِ إِلَ?هًا ءَاخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ ?لنَّفسَ ?لَّتِي حَرَّمَ ?للَّهُ إِلَّا بِ?لحَقِّ وَلَا يَزنُون وَمَن يَفعَل ذَ?لِكَ يَلقَ أَثَاما? .
وفي علم الإجرام ظهرت ثلاث نظريات لدوافع الجريمة:
النظرية الأولى: تقول أن سبب الجريمة راجع إلى المجرم نفسه؛ كنظرية لومبروزو.
والنظرية الثانية: تقول أن أسباب الجريمة ترجع إلى الحالة الاجتماعية التي يعيش فيها المجرم ونشأت على ذلك نظريات أخرى من أشهرها نظرية التفكك الاجتماعي.
والنظرية الثالثة: تُرجع أسباب الجريمة إلى الدمج بين النظريتين السابقتين، أي أن الجريمة ترجع إلى أسباب متعلقة بالمجرم نفسه وبالحالة الاجتماعية التي يعيشها ومن أشهر نظريات هذا المذهب نظرية نيكولا بندي.
خصائص الجرائم المعلوماتية:
1. عابرة للقارات.
2. مغرية في كثير من الأحيان للمجرمين لسهولة ارتكابها.
3. مكلفة للضحايا، فقد بينت الإحصاءات أن السطو المسلح على البنوك لم يلحق الخسائر المالية والمادية التي ألحقها المجرم المعلوماتي بالبنوك.
4. سريعة التطور في حيل الجريمة.
5. إحجام الضحية عن الإبلاغ في كثير من الحالات.
6. صعوبة إثبات بعض صور الجرائم المعلوماتية.
أحكام الجرائم المعلوماتية في الشريعة الإسلامية:
أولا/ الجرائم التي تمس الذات الإلهية:
تتنوع الجرائم التي تمس الذات الإلهية في الفضاء الإلكتروني؛ كالاستنقاص من قدره ومكانته، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [ التوبة :65]. قال القاضي عياض: “لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم، واختُلف في استتابته”، وقال ابن قدامه:” من سب الله تعالى، كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً”، وذكر شيخ الإٍسلام ابن تيمية أن سب الله كفر؛ بل أسوأ حالاً، ويجب قتله بالإجماع إن كان مسلماً .
ثانياً/ الجرائم التي تمس الأنبياء:
سب الرسول يعد كفراً ظاهراً وباطناً، ولو كان الساب يعتقد حل ذلك أو حرمته، أو كان ذاهلاً عن الاعتقاد؛ وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[ الأحزاب :57]. قال أحد العلماء: ” هذه توجب قتل من آذى الله ورسوله…يوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ))”وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “أيما مسلم سب الله ورسوله، أو سب أحداً من الأنبياء، فقد كذّب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي ردة، يستتاب، فإن رجع، وإلا قتل، وأيما معاهد عاند، فسب الله أو سب أحداً من الأنبياء أو جهر به، فقد نقض العهد فاقتلوه”. ومما ينبغي الإشارة إليه خطورة إصدار الأحكام من قبل العوام لمن يتحدث بمثل هذه الموضوعات بشكل ملتبس في الفضاء الإلكتروني، حيث ينبغي على العامة عدم العجلة، وأن يتركوا الأمر لنظر الجهات المختصة حتى يبت في الموضوع ويفصل فيه.
ثالثاً/ جريمة الخروج على ولي الأمر:
أصبح الفضاء الإلكتروني ميداناً خصباً للخوارج والناقمين على ولاة الأمور والمفسدين في الأرض، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[النساء:59]. إن الاعتداء على ولاة الأمر والتحريض عليهم هو لون من ألوان العصيان وعدم السمع والطاعة وهو محرم أشد التحريم في الشريعة الإسلامية، ونقصد تحديداً تلك الجرائم التي يكون مقصدها التحريض على الاعتداء على أمن وسياسة الدولة عن طريق وسائل تقنية المعلومات، قال عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)).ومن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الخروج على الإمام إذا اجتمع الناس عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين .
رابعاً/ الجرائم التي تمس الأنظمة والشبكات الحيوية:
كاستهداف نظم المواصلات وإحداث خلل في برامج هبوط الطائرات وإقلاعها، وشبكات وأنظمة القطارات، وشبكات توليد الطاقة، ونظم الاتصالات التي ينتج عنه توقف محطات توزيع الخدمة الهاتفية وتعطل الهواتف الخلوية، و استهداف شبكة التحكم في أنابيب البترول وتعطيل مستوى الضخ الطبيعي، أو الدخول على شبكات المفاعلات الذرية والتلاعب فيها بما قد يؤدي إلى تعطيلها أو انفجارها-ولك أن تتخيل ذلك بما حدث مؤخراً في اليابان-، أو الهجوم على شبكات المنشآت المنتجة للغازات السامة وإحداث خلل بما يؤدي إلى إطلاق الغازات السامة … الخ إلى الجرائم التي قد تحدث عند إحداث خلل في الأنظمة أو شبكاتها، ولا شك أن هذا العمل محرم لأنه يخل بالمصالح العامة للأمة، وقد جاء الإسلام بجلب المصالح ودرء المفاسد، ومعلوم أن الخدمات الإلكترونية التي تقدمها بعض الجهات الحكومية والأهلية في العصر الحاضر تخدم الملايين من المستفيدين، وإن التعرض لهذه الأنظمة أو الشبكات بتعطيلها أو إتلاف محتوياتها أو أي أمر آخر يعيقها عن أداء مهمتها التي أنشأت من أجله -لا شك أنه- نظير ومحاكي بل أشد جرماً من الذي يقوم بالسطو المسلح على الوزارات أوالمصالح الحكومية التي تخدم شريحه كبيرة من المواطنين والمقيمين ولك أن تتخيل مدى الربكة التي ستحصل للموظفين والمراجعين!. وهذا ضرب من أضرب الفساد في الأرض، قال تعالى {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف:56]. وقال تعالى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [ البقرة :205]. وقال تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ المائدة :33].
خامساً/ الجرائم التي تمس المصرفية والتجارة الالكترونية:
تتميز التجارة الإلكترونية بزوال كثير من المعوقات التي تمر بها التجارة التقليدية المعتادة، وهذا سبب سرعة تطورها وخصوصاً عبر شبكة الإنترنت حيث فاقت كل توقعات الدراسات والبحوث، إلا أنها قد تتعرض لعدد من التهديدات سواء كانت على مستوى فردي أو مؤسسي، وتذكر بعض الاحصائيات أن العالم يشهد عملية احتيال مالي كل (14) ثانية!، كما أن النظام المصرفي هو أكثر الأنظمة عرضةً للجرائم المعلوماتية، وتصنف الخدمات في هذا المجال بأنها ضمن خدمات المخاطرة الكبيرة، وقد جاء الإسلام بحفظ المال وجعله من الضرورات الخمس التي اتفقت جميع الشرائع السماوية على حفظه وصيانته كما قال الإمام الغزالي ” ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة.
سادساً/ جريمة النشر المخلة بالأخلاق:
كنشر المواد الإباحية، وقد أظهرت احدى الدراسات في الدول المتقدمة أن المواقع الإباحية باتت تشكل خطراً حقيقاً، وأن آثار هذه المواقع لا يقتصر على مجتمع دون الآخر، ولا أدل على ذلك من انتشار جرائم الاغتصاب، وخصوصاً اغتصاب الأطفال، أضف إلى ذلك النظرة المبتذلة للمرأة ، والدليل على حرمة هذه الأفعال الشنيعة قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [ النور :19]، وجاء في الحديث « احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ». قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ قَالَ « إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلاَ يَرَيَنَّهَا ». قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ « اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ».
سابعاً/ جريمة التشهير:
التشهير بالأشخاص هو من أكثر الجرائم المعلوماتية التي تقع للأفراد في المجتمعات المعلوماتية وله أنواع فقد يكون سباً أو قدفاً أو غيبة أو بهتاناً أو ابتزاز وكلها محرمة في الشريعة الإسلامية قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[ النور :23]، وجاء في الحديث :((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ))، وفي الحديث أيضاً « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ » وكذلك (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ ، وَلاَ الطَّعَّانِ ، وَلاَ الْفَاحِشِ ، وَلاَ الْبَذِيءِ). ونظراً لكثرة ما يرد من قذف وتشهير في شبكات التواصل الاجتماعي فقد دعا سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ إلى مواجهة الشر والقذف في شبكات التواصل الاجتماعي.
مشروعية الاحتساب على الجرائم المعلوماتية:
المدخل:
معنى الحسبة: الحِسْبة في اللغة: هي اسم من الاحتساب وتطلق على عدة معان، منها: طلب الأجر، والإنكار، والظن. أما في الاصطلاح يخلص الباحث إلى تعريفها بأنها “وظيفة مهمتها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله في شؤون الحياة كافة”. وما عدا ذلك فهوا داخل في عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
موضوع الحسبة: بكونها ولاية من الولايات الإسلامية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن لا يقصد به عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد في نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الوارد في الكتاب والسنة عام والولاية أخص من هذا العموم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة”.
واجبات المحتسب: قال الشيزري بعد بيان أبواب الحسبة في كتابه نهاية الرتبة في طلب الحسبة: “ولو شرعت أن أذكر جميع ما ينبغي للمحتسب أن يفعله من أمور الحسبة لطال الكتاب، ولم يقع عليه حصر، ولكني قد وضعت أصولاً وقواعد يقيس عليها المحتسب ما يجانسها. ولعمري إن الضابط في أمور الحسبة هو الشرع المطهر، فكل ما نهت الشريعة عنه يكون محظوراً، ووجب على المحتسب إزالته والمنع من فعله، وما أباحته الشريعة أقره على ما هو عليه”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم”. وقال ابن القيم :” وأما ولاية الحسبة: فخاصتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما ليس من خصائص الولاة والقضاة، وأهل الديوان ونحوهم، فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره، ويتعاهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب عليه من حقوق الأمة وخرج عن المشروع ألزمه به، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والقاضي”. وقال ابن الاخوة القرشي: “والمحتسب؛ من نصبه الإمام، أو نائبه للنظر في أحوال الرعية، والكشف عن أمورهم، ومصالحهم”. وقال ابن خلدون- في بيان مهمة المحتسب- : “ويبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدّب على قدرها ويحمل النّاس على المصالح العامّة”.
أدلة مشروعية الاحتساب على الجرائم المعلوماتية:
قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، ولتكن منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ )).
قال الإمام النووي وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضا من النصيحة التي هي من الدين؛ ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم.
قال الإمام الشاطبي – عندما ذكر بيان قصد الشارع في وضع الشريعة وأنها تنقسم لثلاثة أقسام، ضرورية، وحاجية، وتحسينية – : “فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين.
والحفظ لها يكون بأمرين:
أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبِّت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم…إلى أن قال …. ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم”.
واجبات ولي الأمر: قال الإمام الجويني:” فإن النظر في أمور الرعايا يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا، وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف، وأسبلت العماية دون معرفتها أسداد الأعراف، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية على صفة الإشراق والإشراف، امتدت أيدي الظلمة إلى الضعفة بالإهلاك والإتلاف، والثلة إذا نام عنها راعيها عاشت طلس الذئاب فيها، وعسر تداركها وتلافيها، والتيقظ والخبرة أس الإيالة، وقاعدة الإمرة، وإذا عمى المعتدون أخبارهم، أنشبوا في المستضعفين أظفارهم، واستجرؤوا على الاعتداء، ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم؛ ويخون حينئذ المؤتمن، ويغش الناصح، وتشيع المخازي والفضائح”.
قواعد الشريعة الإسلامية ومنها : قاعدة الضرر يزال، والضرر يدفع بقدر الإمكان؛ أي الضرر مفسدة يجب رفعه وإزالته إذا وقع، كما يجب دفعه قبل وقوعه، فإن أمكن إزالته كلياً وجب، وإلا فبالقدر الممكن. وقاعدة در المفاسد مقدم على جلب المصالح إلا إذا كانت المصالح أعظم، وإذا تعارضت مفسدة ومصلحة أو مضرة ومنفعة، فرفع المفسدة يقدم في الغالب إلا أن تكون المفسدة مغلوبة؛ وذلك لأن الشرع اعتنى بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات. قال العز بن عبد السلام: “الشريعة كلها نصائح؛ فهي إما درء مفاسد، أو جلب مصالح”.
[1] رسالة نال بها الباحث محمد الفريحي درجة الدكتوراه في الحسبة والرقابة، وحظيت بإشراف أ.د/ رزين الرزين.