وقفات للدعاة في حملات الحج!!
كان الناس في الحج يأتون إليه على هيئة أفراد وجماعات بسيطة، حتى هيأ الله جمع الناس عن طريق الحملات التي تجمع شتاتهم وتنظم سيرهم، وبذلك تهيأ للدعاة فرصة الدعوة عن طريق هذه الحملات التي تسهل مهمة الدعوة وتعليم الناس أمور دينهم.
ولا شك بأن الدعاة يختلفون في الطرق والوسائل التي يحققون بها دعوتهم مع الناس، إلا أن رأس الأمر يكمن في الخلق الحسن الذي يفوح من خلال تعامل الداعية، ولذلك الداعية ينبغي أن يكون على وعي تام بأهمية التعامل الحسن، وتدريب النفس وتربيتها على ذلك؛ لأن الداعية يختلط بكمٍّ غفير من الناس في حملته، حيث أنهم يختلفون في طباعهم وأساليبهم، ومع ذلك قد تأتي أوقات في هذه الأيام يحتاج أن يكون الداعية على مستوى عالٍ من الفقه في التعامل الذي يجتاز بها ظروف أي وقت عصيب يمر به، ومن خلال هذه الكلمات أنطلق وإياك -أيها المبارك- لنتذكر بعض المعالم التي يحتاج أن يربي الداعية نفسه عليها؛ لكي ينجح تعامله مع الناس في حجه، وخصوصاً الذي يرتبط بالحملة.
أصلح نيتك!
من أهم الأمور التي ينطلق من خلالها أي داعية في دعوته هو صلاح النية، وتصفيتها مما يشوبها «فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا شك بأن صلاح النية من إحدى علامتي قبول العمل، فما أجمل أن يفقد المرء رؤية إخلاصه وهو مخلص في عمله ودعوته.
قال السوسي رحمه الله عندما عرف الإخلاص: “الإخلاص هو فقد رؤية الإخلاص؛ فمن رأى في إخلاصه إخلاص فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص”، فليتخلص الداعية من شهوات النفس التي قد تعتريها، وذلك كأن يكون ذهابه للحج عادة في كل عام، أو يكون من أجل رفـقـة معينة، أو من أجل مال يتقاضاه من الشركة التي تقوم على نقل الحجيج وإيوائهم، أو من أجل حظوظ نفس خفية فاسدة الله يعلمها.
ولا شك بأن القصد الأعظم هو تأدية هذه الفريضة العظيمة، فإذا جمع الداعية نوايا كثيرة في مثل هذا الحج، وكانت نيته خالصة لوجه الله، كان ذلك أدعى لتوفيق الله وتيسيره، وتسهيل تعامله مع الناس وقبولهم لدعوته، وتذكر هذه الآية دائماً عندما تتعامل مع الناس في حملتك وفي الحج قول الله تعالى: ?لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا? [النساء:114].
المنهج القرآني يهمس لك!
يقول تعالى: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ? [النحل:125]، فقدم الله عز وجل الحكمة على الموعظة التي يريد أن يصل بها الداعية للمدعو؛ لأن الحكمة هي مدار قبول الموعظة، فالداعية حينما يريد أن يصل بدعوته للمدعو بطريقة مناسبة في وقت مناسب مع التدرج المناسب؛ فإن ذلك أسهل في تأدية دعوته، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان حليماً عفواً لين الجانب في دعوته، ولو لم يكن كذلك لانفض من حوله الناس، ولذلك الله عز وجل يقول ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ? [آل عمران:159]، فنجد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أساليبه في دعوته أن يعفو عنهم، ويتجاوز عنهم أخطائهم، ويشاورهم في الأمر..
* أصلح ما بينك وما بين الله:
صلاح الداعية وتقواه من أهم العوامل التي تصلح ما بينه وما بين الناس، فالله عز وجل إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض، فيحبه الناس ويألفونه، فالله عز وجل هو الذي يؤلف بين القلوب، ويزرع المحبة بين الناس قال تعالى: ?وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [الأنفال:63].
وفي الحديث: «إذا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً نادى جبريلَ: أنّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبُّهُ، فَيُحِبُّّهُ جبريلُ، فينادي جبْريلُ في أهْلِِ السماءِ: أَنَّ اللهَ يُحِبَّ فُلاناً فَأَحِبّوهُ فَتُحِبُّهُ أَهلُ السَّماءِ، ثم يُوضَع لَهُ القََبولُ في أَهلِ الأرضِ» [رواه بخاري].
سلم على من عرفت ومن لم تعرف!!
السلام باب واسع يمكن به الدخول إلى قلوب الآخرين، وفي الحديث: «لا تَدْخُلوا الجنةَ حتَّى تُؤْمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتّى تَحابوا، أَوَلا أُدِلّكُم على شيءٍ إذا فعلتموهُ تحابَبَتُم؟ أفَشْوا السلامَ بينَكُمْ»، والمشاهد بين أروقة الحملة كثرة الناس، وكثرة ذهابهم ومجيئهم، وحينما تستغل ذلك بإفشاء السلام مع ابتسامة براقة؛ فإن ذلك يؤثر في النفوس بلا شك!!
أحب له كما تحب لنفسك!
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ»، إن الحاج في فترة الحج يحتاج إلى من يرعاه، ويبصره، ويراعي ظروفه وطبيعته، فكما أنت تريد حجاً مبروراً فهو يريد ذلك، وكما أنك تحتاج إلى البشاشة والتقدير والكلمة الطيبة، فهو أيضاً ينتظر منك ذلك، فعاملهم كما تحب أن يعاملوك به، وأجرك على الله.
أشعر الحاج باهتمامك!
من القواعد المهمة في السلوك الإنساني: أن تشعره بالأهمية؛ لأن أقسى شيء على الإنسان أن يشعر بالتهميش وعدم الأهمية، وحينما يشعر الداعية الحاج بأهميته فإنه يصل إلى قلبه، وحينما يصل إلى قلبه تحصل الاستجابة -بإذن الله-.
ومن الأمثلة التي بالإمكان أن يشعر الحاج بأهميته كأن تقول: (ما رأيك يا فلان في برنامجنا الثقافي؟) (وجودك مهم)،(لا يمكن أن يُستغنى عنك) (أنت صاحب ابتسامة مشرقة)، (تنصت له حينما يتحدث أو يسأل)، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أَنْفَعُهم للناسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلمٍ».
لا تطفئ النار بالنار!
عادة في الحج يمر على الدعاة الذين يقومون على شؤون الناس، إما حاجاً شديد الغضب، أو حزيناً مهموماً، أو خائفاً قلقاً، وهنا يظهر معدن الداعية وحلمه وصبره، فلا يقابل ذلك بالغضب أو ردة الفعل السلبية التي تنفر الحجاج منه.
تكلم من غير صوت!!
من خلال ذهابك ومجيئك وجلوسك وقيامك في حملتك، تستطيع أن تتكلم دائماً من دون صوت، وهذا الكلام له أثر بالغ في نفس الحاج، حيث يفعل الأفاعيل، ويجذب القلوب، ويدعو إلى الخير من غير تعب أو تحضير.
إذا أردت مجامع الخير كله سواء تحدثت أو لم تتحدث؛ فاجعل الابتسامة على محياك، فهي كلمة طيبة بغير حروف، وتذكر هدي الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذكر أحد صحابته بأنه ما رآه منذ أن أسلم إلا متبسماً!!
وإذا أردت الأجر والخير فإن ذلك لا يكلفك سوى أن تستخدم ثلاث عشرة عضلة من عضلات وجهك، وإذا أردت العبوس فأعانك الله على أن تستخدم أربعاً وسبعين عضلة!!
حتى تكون أكثر تأثيراً!!
الداعية في الحج له أهداف سامية من خلال الطرائق الدعوية التي يسلك من خلالها في الحج، وهذا شيء جميل ومطلوب، ولكن الأثر الذي يبقى في نفوس الناس هو ذلك الداعية الذي يتسم بالقدوة الحسنة في أفعاله وأقواله من غير تكلف أو تصنع!!
الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة المطلقة؛ فكل ما يفعله أو يقوله أو حتى يتركه هو محل أسوة وقدوة، يقول جل وعلا: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا? [الأحزاب:21].
لا شك بأن أي داعية يتميز بأمر معين في سلوكه أو عبادته، وحينما يتواجد الدعاة باختلاف أجناسهم وطرائقهم؛ فإنهم يصنعون ملامح مؤثرة يقتدي بها الناس من خلال هذه الأيام، ولكن إذا كان الوضع دعوة باللسان وفوضوية بالأعمال فهذا يشكل خطوطاً عريضة في أذهان الناس على من حملوا على عواتقهم الهم والعمل الخيري في الحملة، وما أجمل مقولة جعفر الصادق في هذا الباب: “كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، حتى يروا منكم الصدق والصلاح والورع”.
وأحب أن أفيدك أيها الداعية بأنه ثبت تربوياً: أنّ “التربية غير المباشرة” العملية، أكثر تأثيراً من “التربية غير المباشرة” القولية.
وعمل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل!!
أشعر رفقتك بالتفاؤل مهما كان الحال!!
يحصل أثناء الحج طوارئ عدة، سواء كان ذلك أثناء الرمي، أو التنقل بين المشاعر، أو خلل بين من قبل الحملة، وبعض الدعاة يكون على لسانه دائماً عبارات الضجر والخوف والشكوى، وهذا ينفر الناس، ويزعزع مكانتك عندهم، ولكن حينما تكون ميالاً إلى التفاؤل، وقلبك يخفق بالأمل دائماً؛ فإنك تداوي من يتعرض للضغوط النفسية والبدنية بمهدئات مسكنة تبعث على الاستقرار، وعدم الصخب والشكوى!
لا تتدخل فيما لا يَعنيك:
إن الداعية الحصيف لا يقدم على قول أو فعل إلا إذا وجد فيه خيراً مرجواً، أو شراً مجتنباً.
والشاهد في الموضوع: أن من الدعاة من يحمل هم الحملة على عاتقه، فهو الذي ينظم السير، وهو الذي يجمع الأموال، وهو الذي يجهز الحافلة، وغير ذلك من الأشياء التي قد تقوده إلى الخلل والتقصير، حتى يكون في أذهان الحجاج بأن المسئول عن هذه الأمور هو الداعية المشرف، وعندما يحصل التقصير؛ فإنه سيفقد الاستجابة التي يـُهدف إليها!!
أشكر حجاجك!!
«مَنْ لَمْ يَشكرِ الناسَ لمْ يشكرِ اللهَ»، فإذا شكرت الناس على صنيعهم شكرك الله وشكرك الناس، وزادت محبتك في قلوبهم، ودام الودّ، والألفة، وحسن التواصل بينك وبينهم.. قد لا يكون هناك شيء كبير يستحق الشكر عليه، ولكن لن يخلو الناس من أفعال طيبة تستحق الثناء، وجهود مساندة تستحق الإشادة، فالتقدير والتشجيع يؤثر في مشاعر الناس، وإذا أراد الداعية أن يكون مؤثراً فليسلك هذا المسلك الجميل!! فالشكر هو الماء لشجرة الأعمال الطيبة التي تحمل المزيد من الثمار.
تهادوا تحابّوا!!
الهدية لا تكون إلا بمعناها وليس بثمنها، وحينما تهدي لمن أحببته ورغبت منه التواصل، وشعرت بتأثيرك عليه؛ فإن ذلك يترك أثراً طيباً، ولعل ذلك قد يكون مناسباً في لحظات الوداع!!
فرمت نفسك في النهاية!
“الفورمات” تزيل كل “الفايروسات” في الكمبيوتر لكي يستقيم العمل عليه، وأنت -أيها الداعية- بعد هذا الجهد الكبير، والصبر على الناس في هذه الفترة، ينبغي أن تقوم “بفرمتت” نفسك بأن تحاول أن تنسى ما حصل من أخطاء عليك، وتذكر قول الله ? وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [النور:22].