أصفارٌ تحتاج إلى أرقام
(الصفر) يعيش حياة غريبة؛ ففي حين أنه ليس له أي قيمة متى ما كان منفرداً أو بجوار صفر آخر ولو كثر عدد جيرانه من الأصفار، فهو في الوقت نفسه متى ما وقف بجواره عن يساره عدد صحيح كان هذا الصفر هو المؤثر في العدد، فكلما انطلق هذا الصفر باتجاه اليمين زاد قدر هذا العدد وتضخم وأصبح ممتناً لهذه الأصفار المتكاثرة والمتناثرة عن يمينه.
وفي الحقيقة عندما أتأمل حياة الكثيرين منا أجد أنه (كالصفر) ولن أقول: (صفراً) فهو عديم الفائدة متى ما كان بمفرده شعلة من النشاط والحيوية متى ما وجد شخصاً عاملاً يقف بجانبه.
فما هو الحل وما العمل مع هذه الفئة؟
هل نترك هذه الأصفار تعيش أصفاراً وتموت أصفاراً؟؟
هل نترك هذه الأصفار مجتمعة مع بعضها وهي تحسب أن في اجتماعها قيمة ومكانة لها؟! وما علمت أنه لو اجتمعت جميع أصفار الدنيا معاً ما زادت على قيمة أحدها منفرداً!
إن التعامل مع هؤلاء الناس ينبغي أن يكون بعناية ومعرفة بأحوالهم وسبر أغوار نفوسهم.
ولذلك علينا أن نهتم بما يلي:
أولاً: علينا أن نحاول تحويل هذا الصفر إلى رقم وذلك بأن نجعل هذا الشخص يؤمن بأن له قيمة وعنده قدرات وإمكانيات لا تقل عن إمكانيات أكثر الناس نجاحاً وأن سبب سلبيته هو عدم استفادته المثلى من إمكانياته وقدراته بالشكل المناسب.
فهذا بلال رضي الله عنه كان قبل إسلامه صفراً؛ فهو عبد حبشي يباع ويشترى فلما أسلم كان رضي الله عنه وأرضاه رقماً مميزاً في تاريخ أمة الإسلام إلى قيام الساعة.
ففي مكة صبر على أذى قريش له؛ فكلما بالغوا في تعذيبه بالغ في ترديد (أحد أحد) فلما سألوه عن صبره على شدة العذاب؛ قال: “مزجت حلاوة الإيمان مع مرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب”.
وفي المدينة: كان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعند موته قال: “غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه”.
ويوم القيامة: عن بريدة قال: «أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً، فقال: يا بلال! بم سبقتني إلى الجنة، إنني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي؟ فقال بلال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا» صححه بعض أهل العلم.
ثانياً: إذا وجدنا أن هذا الشخص لا يستطيع أن يكون له أثر نافع بمفرده فعلينا أن نجعله مع شخص أو أشخاص يثيرونه ويحمسونه على العمل والنجاح،بمعنى أن ندمج هذا الصفر مع رقم أو أرقام، فالأب إذا كان لديه ابن بهذه الصفة فلا يتركه يعيش حياة سلبية، بل يُشركه مع أحد إخوانه أو أقاربه في عمل جماعي يكون له نتاج طيب، والمعلم القدوة يلاحظ ذلك في تلاميذه فيوزع الأرقام (وهي في الغالب أقل) على الأصفار (وهي في الغالب أكثر) فتتكون مجموعات الطلاب على هذا النحو عسى أن يؤثر المجتهد في غيره؛ وكذلك المدير الناجح يتفقد موظفيه ويقوم بتوزيعهم في الأقسام حسب ما ذكرنا فيؤثر المنتج على غير المنتج. وعليهم جميعاً المتابعة والملاحظة الدائمة حتى لا يحدث العكس فتؤثر الأصفار في الأرقام تأثيراً سلبياً تطمس بها معالمها فتعود أصفاراً مثلها.
وعلينا جميعاً أن نتذكر أن هذا الصفر قد يصبح بعد ذلك هو المؤثر في الرقم وفي غيره من الأرقام، فكم من شخص انتفع بمقولة شخص آخر؛ فإذا به بعد ذلك يؤثر في أمة كاملة.
ثالثاً: علينا أن نعلم أن بقاء هذا الشخص (الصفر) بمفرده ضرر محض، وأضر من ذلك اجتماعه مع غيره من الأصفار والتي قد تتحول إلى أرقام ضارة وليست نافعة؛ فما تدنى مستوى طلابنا في المدارس ولا قلة إنتاجية موظفينا ولا اشتغل أولادنا بالتوافه إلا بسبب اجتماع هذه الأصفار.
رابعاً: علينا أن نعلم أن هناك أصفار مهما بذل نحوها فلن تتبدل قيمتها أبداً وذلك؛ لأنها لا تقف في المكان المناسب فهي وللأسف تقف عن يسار الأرقام وليس عن يمينها.
خامساً: على من يرى نفسه رقماً -ولو صغيراً- أن يسعى في التأثير على هذه الأصفار ولو باليسير، وليعلم أن الدال على الخير كفاعله؛ ومن دعا إلى هدى فله مثل أجر فاعله؛ وأن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
وأخيراً: أخي الكريم! هل أنت صفراً لا تحيى بدون أرقام، أم رقماً تغير مسار الأصفار؟
رجائي إن لم تكن رقماً فكن صفراً مع أرقام!
ورجائي ثم رجائي أن لا تكون صفراً أو صفراً مع أصفار.
ودعائي الصادق لك بأن يُبدل الله حالك إن كنت صفراً تقف عن يسار الأرقام.
والله المستعان، وعليه التكلان، ووفق الله الجميع.
المصدر: صيد الفوائد