ألم الصالحين
إن الدعوة إلى الله من أول الأمور التعبدية التي يجب أن يحرص عليها المؤمن، فهي وظيفته الأساسية في هذه الدنيا، والتي يبتغي فيها الأجر من الله العلي القدير أولاً ثم إصلاح مجتمعه ثانياً، قال تعالى: ” ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي? [يوسف:108] والذي يرسخ هذا المعنى النبيل ويعمل جاهداً على تحقيقه من خلال هذا الطريق، وهو طريق الدعوة إلى الله على مختلف أطرها وطرقها؛ فإنه لا بد أن يكون وبدون أدنى شك عرضة لمواقف الناس السلبية، ومحلاً لتعليق التهم والأحكام الباطلة عليه.
وهذا أمر طبيعي، إذ أن الطبيعة البشرية يحكمها عدة أنماط سلوكية سيئة، فالحسد والانفعال ونكران الجميل وتصيد الأخطاء، إضافة إلى أن الرغبة في جعل الناس يقتنعون بوجهة نظره أو توجهه وإن كان إيجابياً أمر من الصعوبة بمكان.
والداعي إلى الله يجد هذا النوع من المعاملة ألماً يخالج نفسه دائماً.. وهماً يراوده ليل نهار، وطاعوناً يتسرب في أعضائه وأوردته، إلا أنه ومع كل هذا وذاك فإنه يجد في دعوته لذة إيمانية ممتعة وسعادة لا يقابلها سعادة.
كيف لا وهو يعلم أنه يسير في طريق الأنبياء والأولياء الصالحين، ويهتدي بهدي نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ويعلّم الناس الدين والعبادة، ويميز لهم النور من الظلام، ويفرِّق بين الحق والباطل، ويأخذ بأيديهم إلى طريق الجادة، الطريق الحق، طريق ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ? [الفاتحة:5] مهما وجد من المتاعب، ومهما اعترضه في طريقه من العوائق المختلفة.
لكنّ الألم الحقيقي والهمَّ الأكبر لدى الداعية في طريق الدعوة هو حينما يرى مجتمعه في براثن الجريمة ومستنقعات الفساد وبؤر المعاصي، فتتقطع نياط قلبه مما يراه من تجاوز للحدود وامتهان للمصادر الشرعية السليمة.
فتراه يقضي أوقاته في تفكر وأرق وسؤال عن غيره، وقد ينسى بذلك حتى نفسه، ويبحث ويستقرئ ويحاور.. يريد أن يجد حلولاً كافية شافية لإنقاذ هذا المجتمع من غيّه وفساده.
يبكي حسرة عندما يفوّت فرصة لدعوة مسلم هو في حاجة للنصح والإرشاد، ويتوجع ألماً وحزناً على أولئك الذين يجهلون طريق السعادة، ويسأل نفسه دائماً: كيف أنقذ هؤلاء؟ ما العمل تجاه إصلاحهم والأخذ بهم إلى سبل الرشاد؟ ما هو دوري في هذا المجتمع التي تطغى عليه المعاصي والآثام؟ كيف أسمو بغيري عن ما هم عليه؟
ذلكم الألم الحقيقي لأهل الدعوة وهو والله (ألم الصالحين).
المصدر: المختار الإسلامي.