الابتزاز.. جريمة عصرية
انتشرت في الآونة الأخيرة مظاهر سيئة، وأخلاقيات مشينة لم تكن ظاهرة في المجتمع المسلم، سيما المجتمع السعودي, ولم تعرف من قبل، فقد يكون ذلك نتيجة عوامل إيمانية واجتماعية وثقافية وبيئية واقتصادية.
من أبرز تلك المظاهر السيئة: الابتزاز؛ حيث ظهرت مؤخراً بشكل كبير وبصورة مخيفة ومقلقة, ولعلنا من خلال اطلاعنا على هذا التقرير نطلع على صورة مبسطة عن الابتزاز: تعريفه – أقسامه – عوامل ظهوره – علاجه- إحصائيات وأرقام.
التعريف الإجرائي للابتزاز:
يعرف الابتزاز بأنه: أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية، مستخدماً أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق، أو إبلاغ ذوي المرأة زوجاً كان أو أباً أو أخاً؛ حتى يجعل الضحية تقع تحت وطأة ضغوط المبتز ليجبرها على مجاراته وتحقيق رغباته الجنسية أو المادية.
أقسام الابتزاز:
الابتزاز العاطفي: وهو سلوك ينتهجه شخص لتحقيق أهدافه الشخصية على حساب البناء العاطفي والوجداني للمرأة، وهو يعتبر نوع من ممارسات العنف النفسي، وهو أسوأ بكثير من العنف الجسدي كالضرب ونحوه؛ حيث يترك أثراً قوياً في وجدان المرأة؛ إذ بسبب الإهمال النفسي الذي تتعرض له المرأة يبدأ ابتداءً من احتقار الذات، ومروراً بترك الأعمال، وانتهاء بعدم جدوى البقاء في هذه الحياة، وهو ما يعرف في علم النفس بانخفاض تقدير الذات.
فهو شكـل قوي من أشكال الاستغلال، حيث يـقـوم به الأشخاص المقربون بالتهديد، سـواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, وهو أيضاً موقف أو حديث يأخذه شخص ليسبب لديك إحساساً بالخجل أو بالخطأ، أو ليحملك المسئولية التي لا ينبغي أن تتحملها, ويستخدم الابتزاز العاطفي لتحقيق السيطرة العاطفية والنفسية على الآخرين؛ فيجعل الآخر يشعر أنه مدين أو مذنب في حق الشخص الذي يبتزه.
وهو نوع من أنواع العنف النفسي، بل هو أعنفها وأشدها إيذاءً؛ فهو يترك أثراً كبيراً في نفسية الضحية وشخصيته، حتى يحتاج إلى سنوات من العلاج النفسي المستمر بعد إبعاده عن الطرف الذي يمارس الابتزاز العاطفي معه، وبالنسبة للأطفال غالباً ما يتحولون هم أنفسهم عندما يكبرون إلى أشخاص غير أسوياء، يمارسون هذا الابتزاز العاطفي في المستقبل مع أبنائهم أو زوجاتهم، أو يتعمدون التخريب والإيذاء، كما أنهم يصبحون ضحية سهلة للإدمان والانحراف؛ بسبب القلق النفسي وعدم الطمأنينة الداخلية، ويسبب لدى الزوجات الاكتئاب الشديد، بل يصل الأمر إلى الانتحار في بعض الحالات.
الابتزاز الجنسي: وهو أن يقوم المبتز(الرجل) من المبتزة (الفتاة) بطلب ممارسة الجنس معها.
وقد ظهرت إحصائيات لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العام الماضي بوجود أكثر من (377) قضية ابتزاز جنسي وما يماثلها من حالات هروب لفتيات كان أبرز أسبابها الخوف من فضيحة الابتزاز والتشهير.
وحسب الباحثة الاجتماعية: “هدى العريني” فإن السبب الأول في بروز الظاهرة: هو غياب التوجيه الأسري، وتراجع الدور الأخلاقي في المدارس والجامعات.
ويظهر التقرير أن قضايا الاعتداء على العرض بشكل عام ارتفعت بنسبة (25%)، فيما ارتفعت حالات الاغتصاب بنسبة (75%)، وقضايا اختطاف النساء أو ابتزازهن بنسبة (10%).
ففي مقالة: “تحرش وابتزاز” في صحيفة “الرياض” يطالب الدكتور فهد الطياش بأحكام تعزيرية محددة لجريمتي التحرش والابتزاز تردع كل من تسول له نفسه تمريغ كرامة إنسان في وحل الإهانة بحجة ضعفه أو حاجته، مشيراً إلى أن لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العام الماضي أكثر من (377) قضية ابتزاز، ومثلها هروب فتيات؛ بسبب الخوف من الابتزاز والتشهير.
يقول الكاتب: “التحرش الجنسي حسب التعريف الذي استخدمه القانوني خالد الشهراني: أقوال وأفعال وإيماءات تخرج عن نطاق اللياقة، وتصدر من أشخاص يقصدون من ورائها استمالة الآخرين ليمارسوا معهم سلوكاً جنسياً؛ وقد يتم ذلك بالتهديد أو الابتزاز أو التخويف، ما يعد تعدياً فاضحاً على حرية الآخرين وكرامتهم، وعليه فالابتزاز شكل من أشكال التحرش الجنسي”.
الابتزاز المادي: وهو أن يقوم المبتز بطلب أشياء مادية أو عينية أو نقدية؛ بسبب هفوة أو خطأ وقع فيه الشخص في يد المبتز.
صور من الابتزاز المادي:
الأولى: أن يتجرد آباء من معاني الأبوة، فنجدهم يمانعون ويؤخرون زواج بناتهم الموظفات من أجل الاستفادة من رواتبهن لأطول مدة ممكنه؛ مما يسبب تأخيراً في تقليل فرص الزواج، فتعيش بدون زوج، أو تقبل بخاطب لا يحمل نصف طموحها وأحلامها خوفاً من العنوسة.
الثانية: عندما يستغل نساء ثراء أزواجهن؛ فيأخذن يسرفن ويبذرن في متع الحياة، فكل يوم تجدهن بالأسواق وشراء ما يلزم وما لا يلزم، ولا يقتصر الأمر عليهن، بل ينفقن أموال أزواجهن على أهلهن وصديقاتهن دون علم منهم ولا دراية!
الثالثة: يوجد هناك بعض الأزواج يلتفون على زوجاتهم، فيحاول الانقضاض على مال الزوجة بطرق غير مباشرة من خلال التهرب من التزاماته المادية، أو تجاهل بعض احتياجات الأسرة، أو عدم الإنفاق عليها (غذاء – كساء – دواء…) حتى تضطر إلى أن تدفع هي من مالها الخاص؛ لقضاء مصالح الأسرة حتى لا تتعطل السفينة.
وقد يصل الابتزاز للحصول على راتب الزوجة أو مالها الخاص لدرجة العقاب العاطفي والجسدي إذا لم تعطه ما يحتاجه من مال، ويرهن حقوقها على استجابتها لمطامعه وابتزازه.
الرابعة: أن يتحرش الرجل بالمرأة جنسياً، أو يكون لديه صور أو مقاطع فيديو فيعمد لتهديدها وتخويفها إن لم تنفذ له مطالبه الشيطانية بنشرها وفضحها، يلجئها لتلبية كل مطالبه لتستر على نفسها، خصوصاً إذا كان الأهل غير متفهمين ويصعب التعامل معهم والتعاون منهم.
الابتزاز بقصد أن تتنازل المرأة عن حق من حقوقها, وأغلب من يتعرض لهذا النوع من الابتزاز المطلقات والمعلقات ومن على شاكلتهن, فيعمد الزوج المطلق إلى أن يبتز زوجته حينما ترغب بالطلاق بأن يمتنع عن تطليقها أو منعها من حضانة الأبناء لتتنازل عن حقوقها في المهر والنفقة وكثير من الحقوق, فتلجأ المرأة للخلع عندما تصل الحياة الزوجية إلى طريق مسدود، وتصبح الحياة المشتركة كارثة للطرفين، عندها لا بد من حل لإنهاء هذه العلاقة بالتراضي بين طرفي الخلاف.
هذه المخالعة سميت رضائية، لكنها لا تحمل إلا نوعاً من الابتزاز المبطن للمرأة؛ ليفرض عليها أن تتنازل تحت بند الاتفاق الرضائي عن كامل حقوقها, بل تضطر غالباً لأن تدفع مقابل هذا البدل افتداءً وثمناً غالياً يكلفها الكثير للوصول إلى هذا الخلع.
والبعض من الأزواج استغل الاتفاق الضمني الذي سمح به القانون ليطلب من المرأة ليس التنازل عن حقوقها فقط وإنما التنازل عن كل ما صرفه الزوج طيلة فترة الزواج، وكل هدية مادية أو عينية، وكل تكلفة تكبد بها هذا الزوج على زوجته طيلة فترة الزواج.
وقد ترك هذا البدل الرضائي مفتوحاً لكلا الطرفين حسب الاتفاق بينهما، لكن عملياً نسبة صغيرة جداً من الزوجات من تقوم باستغلال هذا البدل لصالحها.
بينما النسبة الباقية والتي تمثل أصلاً الوضع الحقيقي للمجتمع، والذي نستطيع فيه لمس الموقف السلبي الواحد والذي لا نظير له في الاتفاقيات التي استطاعت أن تجمع النصوص القانونية والشرعية والقضاء في اتفاق واحد، وموقف واحد لخدمة سلطة الزوج في فرض سيطرته على المرأة عبر أي تصرف أو اتفاق يجمع بينهما.
لعل الطلاق هنا لم يتم بإرادة منفردة كما عهدنا الطلاق، لكن المرأة لم تكن بحال أفضل، فهي تتعرض لضغط يفوق تجاهل رغبتها وإرادتها في الطلاق من عدمه، إلى إعطائها الحق في الطلاق، لكن شرط أن تتنازل عن كل ما شرعته لها التشريعات والقوانين والأعراف، وكأن ذلك ثمناً غالياً لطلبها حريتها.
المهر الذي خصص للمرأة في حال تم الطلاق ليكون على الأقل ذلك السند الضعيف الذي قد تستند إليه ليقيها من عوز الطلب من الغير، والذي خصصه قانون الأحوال الشخصية كحق أساسي للمرأة، نجده هنا يصبح موضوعاً للمبارزة في سبيل الوصول إلى اتفاق معين للتنازل عنه.
الابتزاز بقصد الانتقام: وهو أن يقوم المبتز بمحاولة الانتقام من المرأة لرفضها الزواج، أو لقطعها علاقة محرمة سابقة أو غيرها.
عوامل الابتزاز في المجتمع السعودي:
1- ضعف الوازع الديني لدى الشباب والفتيات.
2- تأخر الزواج لدى الشاب والفتاة.
3- التنشئة الاجتماعية غير الصالحة.
4- الأصدقاء وجماعة الرفاق.
5- الحرمان العاطفي.
6- المشاكل الزوجية (للمتزوجات خصوصاً).
7- إساءة استخدام وسائل التقنية الحديثة (الانترنت – أجهزة الجوالات).
8- وسائل الإعلام (السيئة) التي تحرض الشباب والفتيات على التعارف فيما بينهم، وإقامة العلاقات المحرمة.
9- الفراغ والبطالة.
10- الفقر والحاجة الماسة.
11- التفكك الأسري في بعض الأسر السعودية.
12- العمالة الوافدة وما تحمله معها من عادات وثقافات تتنافى مع طبيعة المجتمع السعودي المحافظ.
13- انتشار العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات.
وسائل العلاج لقضايا الابتزاز:
أولاً: التوبة إلى الله والاستغفار، والعزم على الإقلاع وعدم الرجوع إلى هذا الذنب.
ثانياً: المجاهدة والصبر والمصابرة، فبعد الصبر ينفرج الهم والكرب، قال الله تعالى: ?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا? [العنكبوت:69]، فالصبر على إيذاء المبتز ستكون عاقبته إلى خير بإذن الله.
ثالثًا: على من تقع من الفتيات في الابتزاز مصارحةُ الأم أو الأب أو أحد الأهل والأقارب بحقيقة الأمر، والاعتراف بالذنب والخطأ مع التوبة.
وفي هذه المرحلة ندعو أولياء الأمور إلى التعقّل وضبط النفس؛ لأن التوبة والاعتراف خير من التمادي في الباطل، ثم إنه لا يوجد هناك من لا يخطئ، فكّل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون.
رابعًا: إبلاغ الجهات المعنية كأقسام الشرطة، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد سجلت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاحاً واضحاً، وقد أثبتت فعاليتها في حل هذه القضايا، وحفظ فتيات المسلمين ممن يحاول إيقاع الشر بهن، ومما يجدر به الذكر أن الهيئة تتعامل مع مثل هذه القضايا بسرية تامة، بحيث تحافظ على سمعة هذه الفتاة، وتخلصها من شر هذا المبتز.
صور من الابتزاز:
الابتزاز من قبل بائع أو صاحب محل حصل على صورة أو غير ذلك في جهاز جوال أو كمبيوتر اشتراه من امرأة، وكانت صورة المرأة فيه ولم يتم حذفها قبل ذلك.
الابتزاز عبر صديق الانترنت الذي مثَّل أنه حمل وديع، حتى إذا حصل على الصور أو أي مقاطع انقلب ذئباً بشرياً خبيثاً.
ابتزاز الزوج لزوجته مادياً، إذا كان لديها دخل جيد فيعمل على الاستحواذ عليه والاستئثار به لنفسه.
ابتزاز الأخ الأكبر لإخوانه الصغار في الميراث واستئثاره به.
الابتزاز من قبل سواق التاكسي حينما تكون معه المرأة بغرض توصيلها يستغل وجودها معه، وتكون له الفرصة لاستغلالها وتهديدها بالإكراه إلى أن يوقعها في الرذيلة، ومن ثم يقوم بتصويرها وتبدأ معها أولى فصول الابتزاز.
وثمة صور للابتزاز كثيرة وخطيرة تختلف طرقها من ذئب لآخر.
إحصائيات وأرقام الابتزاز:
أفاد تقرير حديث لوزارة الداخلية بأن عدد قضايا التحرش والابتزاز قد ارتفع من(1031) عام 1426هـ إلى (3253) قضية عام 1427هـ.
بلغت إحصائية القضايا التي تندرج تحت التهديد والابتزاز (97) قضية في مدينة تبوك لعام 1428هـ- 1429هـ وتتنوع ما بين: ابتزاز أخلاقي، وابتزاز مادي.. وقد ذكرها المؤلف فلاح بن محمد النماش الشمري في دراسة ميدانية في مدينة تبوك خلال عامي (1428و1429هـ) بعنوان: (جريمة ابتزاز النساء ودور جهاز الحسبة في مكافحتها).
شهدت المنطقة الشرقية خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2010م (30) قضية ابتزاز لفتيات على أيدي شبان، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من معالجة (22) منها.
المصدر: وفاء لحقوق المرأة.