الاحتساب في الإجازة الصيفية
د. سليمان العيد
” هاهي الأشهر والأيام تمضي سريعا، ويتنقل فيها المجتمع من حال إلى حال، فقبل فترة ليست ببعيدة كان المجتمع يعيش الفصل الدراسي الأول، ثم انقضى هذا الفصل، وبدأ المجتمع في الفصل الدراسي الثاني، وهاهو هذا الفصل يعتزم على الوداع والرحيل، وتعقبه الإجازة الصيفية، وما أدراك ما الإجازة! فالكثير من الناس يخطط لها.
بهذه الكلمات بدأ الشيخ الدكتور سليمان بن قاسم العيد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود حديثه عن الإجازة الصيفية، وكيفية الاحتساب بها وقال: هذه الإجازة تتغير فيها برامج كثير من الناس، ويحدث فيها ما لا يحدث في غيرها من أيام العام، وكثيرا ما يتحدث الناصحون إذا قربت الإجازة عن أمور من هذه المتغيرات، يتحدثون عن السفر، يتحدثون عن كيفية اغتنام الإجازة، يتحدثون عن المناسبات الحاصلة في الإجازة وغير ذلك من الأمور”.
ثم ينتقل العيد من هذه المقدمة التي يمكن أن نعتبر فيها أنه حاول من خلالها وضع الإطار الذي يطوق الصورة التي سيفصلها عما قليل فيدخل في موضوع هو من الأهمية والخطورة بمكان، وكان بمثابة الإشارة باتجاه توجيه أنظارنا إلى الموضوع الحقيق والجدير بالانتباه، ألا وهو الاحتساب في هذه الفترة من الفراغ والتوجيه إلى آليات مهمة لاستغلال الوقت بالنافع المفيد لنا ولمجتمعنا فيقول:
هناك أمر يجب ألا نغفل عنه في هذه الإجازة ألا وهو (الاحتساب في الإجازة الصيفية)، بمعنى تنشيط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإجازة الصيفية، مشيرا إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب في كل أيام العام. لما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». وليس ذلك محددا بزمن معين؛ إلا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتأكد في الإجازة لما يحصل فيها من التقصير في المعروف وارتكاب المنكر ما لا يحصل في غيرها “.
ثم دخل فضيلته إلى التفصيل في بيان الأماكن التي يمكن أن يتسرب ويتغلغل إليها المنكر، مبينا الأسباب الواقعية لهذا التسرب، ثم وجه إلى حلول واقعية ومنهجية، وهذا ما سنلمسه في ثنايا حديثه حيث قال: وهنا نسلط الضوء على جزئيات تلك الصورة التي نضعها تحت أنظار القراء فإلى إحدى تلك الصور: ” ففي الإجازة الصيفية مثلا تجد الأسواق تنشط لكثرة المناسبات والأفراح عند الناس، ويصاحب هذا النشاط عادة منكرات عدّة، وبسبب الفراغ الذي يعانيه كثير من الشباب والشابات، فإن الأسواق تصبح ميدانا نشطا لتجمعاتهم، فلا بد من بذل الجهد في الاحتساب على هذه المنكرات، كالسفور والمعاكسات، وتحصين الأولاد والبنات من هذه المنكرات، والتحذير من خروج المرأة إلى هذه الأسواق متزينة متعطرة، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية» [رواه الإمام أحمد والنسائي].
وفي جزئية أخرى ينقلنا الشيخ الدكتور سليمان العيد إلى موضوع السفور الذي يتبدى واضحا في الإجازة الصيفية في بعض الأماكن، ويدعو إلى التعامل معه كظاهرة خطيرة من خلال التوجه بالاحتساب فيه فيقول: ” ومن الأمور التي يحتسب عليها في الأسواق ما يحصل من اختلاط الرجال بالنساء، كما يجب الأمر بغض البصر لكلا الجنسين، قال الله تعالى: ?قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ? [النــور:30-31]. وعن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي، لا تتبع النظرة النظرةَ؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة» [رواه أبو داود].
قال ابن القيم: ” فأما اللحظات فهي رائدة الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورد بصره موارد الهلكات “.
وقال: ” والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة تقوى فتصير جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر على ألم ما بعده، قال الشاعر:
كـل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبـد مـا دام ذا طرف يقلبه *** في أعين الغير موقوف على الخطر
يسـر مقلتـه مـا ضر مهجته *** لا مرحبـا بسـرور عاد بالضرر
ثم ينتقل فضيلته إلى صورة أخرى هي ما يحدث في المناسبات التي تكثر في الإجازات الصيفية بالذات من أفراح تحتوي على غناء ومعازف تلعب على أوتار المشاعر، التي تسبح في فراغ الوقت وملله؛ بسبب عدم إشغال النفس بالصالحات من الأعمال فيقول: ” ومما يحتسب عليه في الإجازة الإسراف في الطعام الحاصل في المناسبات، وما يحصل من الغناء والطرب في تلك المناسبات.. والغناء ثبت تحريمه في الكتاب والسنة المطهرة. قال الله تعالى: ?وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا? [الإسراء:64] قال ابن كثير: “وقوله: ?وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ? قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك “. وقال تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ? [لقمان:6]، ولهو الحديث: هو الغناء، كما قال ابن مسعود: ” الغناء، والله الذي لا إله إلا هو” يرددها ثلاث مرات. وعن أبي عامر -أو أبي مالك- الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» [رواه البخاري].
قال ابن القيم في المعازف: ” وهي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك “.
وإلى صورة متكررة، لكنها أشد خطورة وفتكا بسلامة الفكر والعقل ينقلنا الشيخ الدكتور سليمان العيد، فيقول: يكثر طلبها واللجوء إليها في الإجازة الصيفية ألا وهي السفر إلى بلاد عاداتها ليست كعاداتنا، وأفكارهم غير أفكارنا، ويكثر في الإجازة الصيفية السفر إليهم؛ بحجة الترويح والترفيه والاطلاع، فيقول الشيخ العيد: ” ومما يحتسب عليه في الإجازة الصيفية السفر إلى بلاد تكثر فيها الإباحية والفساد لمجرد السياحة: وهذا من المنكرات الظاهرة والمحرمات الواضحة؛ إذ السفر لبلاد يظهر فيها الشرك والفسوق واستحلال المحرمات لا يحل إلا لضرورة أو حاجة، وممن يتأكد الاحتساب عليه في هذا هو المسافر إلى الخارج بنية ارتكاب الرذائل، قال الله تعالى: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً? [الإسراء:32].
وفي صورة أخرى خطيرة يقول الشيخ العيد: ” ومما يتأكد الاحتساب النوم عن الصلاة المفروضة، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. قال ابن كثير: ” إما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها “، فمنهم من يفوت صلاة الفجر بسبب سهر الليل، ومنهم من يتجاوز ذلك فيمتد به سهره إلى الظهر أو بعده، فيفوت صلاة العصر والمغرب والعشاء، ويبدأ نهاره بعد صلاة العشاء، وهذا أمر ملاحظ في الإجازات، من الشباب والشابات الذين ليس لديهم ارتباطات دراسية أو وظيفية “.
وصورة أخرى عن تساهل المسلمات بالحجاب فيقول الشيخ العيد: ” ومما يحتسب عليه في هذه الإجازة الصيفية: تساهل النساء المسلمات بالحجاب، ويظهر هذا في بعض العوائل التي تسافر إلى خارج البلاد، فهي في بلدها متحجبة متسترة، ولكنها تترك حجابها إذا خرجت من بلادها، سبحان الله! وهل حجابها عن رجال بلدها فقط؟! فالمسؤولية في ذلك تقع على ولي أمرها الذي سمح لها بكشف حجابها، أين هو من أمر الله تعالى لرسوله الكريم: ?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ? [الأحزاب:59].
وينبه فضيلته قائلا: ” يجب أن لا يمتنع أحد من الاحتساب على تلك المنكرات وغيرها؛ بحجة أنه ليس عضوا في الهيئة، بل إنه مأمور بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. الحديث وفي المقابل لا بد أن يعمل بحدود الشرع والصلاحيات، فليس له أن يقبض على أحد أو يحقق مع أحد، فهذه صلاحية رجال حددهم ولي الأمر بل عليه النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة “.
الاتصاف بالخيرية:
وأوضح العيد أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة – أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما في قوله سبحانه وتعالى ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ? [آل عمران:110]. قال مجاهد: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ على الشرائط المذكورة في الآية “. والشرائط المذكورة في الآية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ثم قال: ” من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها “.. ومن لم يتصف بذلك أشبه بأهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: ?كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ? [المائدة:79].
تحقيق الفلاح:
وواصل حديثه قائلا: لقد رتب المولى سبحانه وتعالى الفلاح على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال سبحانه، قال تعالى: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [آل عمران:104]، والفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فلاح في الدنيا، وفلاح في الآخرة، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة، بما فيها من سعة الرزق، وصحة البدن، وأمن في الوطن، وصلاح في الأهل والولد، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة. وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم، فيا له من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النجاة من الهلاك:
وبين الشيخ العيد: إنما تهلك المجتمعات، ويحق عليها العذاب، إذا كثر فيها الفساد، وطغى العباد، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم سبب نجاة المجتمع من الهلاك، الذي ربما أصابه بسبب الذنوب الحاصلة، وتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى بالمعاصي من ارتكاب المحرمات، والإعراض عن الواجبات، وقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك مثلا بديعا حين قال: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا»، [رواه البخاري].
وأوضح أن من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أن جعل لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سببا لتكفير الذنوب، كالصلاة والصوم والحج ونحوها، وقال: من هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما في الصحيحين من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ففتنة الرجل التي تحصل له في أهله وولده وجاره هو ما يقع فيه من الإثم بسببهم، إما في التقصير بما لهم من الواجبات، أو الوقوع بسببهم في المحرمات، فالفتنة في الأهل على سبيل المثال تكون في الميل إليهن أو عنهن بالقسمة والإيثار، والفتنة بالولد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، أو الالتهاء بهم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، والفتنة في الجار تكون على سبيل المثال في التقصير بحقه، ونيله بالأذى، وهذه الفتنة بالمذكورين قلما يسلم منها إنسان، ولذا فإنه من رحمة الله سبحانه وتعالى جعل لها أسبابا تكفرها، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كسب الأجر الكثير:
وواصل العيد حديثه قائلا: من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل هذا العمل العظيم سببا لحصول الإنسان على ثواب عبادات لم يباشرها، فمن أمر بصلاة مثلا كان له مثل أجر من صلاها، ومن أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحو ذلك من الطاعات، الواجبات أو المستحبات، كان له من الأجر مثل أجر من فعلها، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا» [رواه مسلم]، وكذلك في قوله: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم].
وفي المقابل بين الدكتور العيد أن المقصر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خطر عظيم، ومن ذلك:
استحقاق اللعنة:
واستدل الدكتور العيد على خطورة هذه الظاهرة بقوله تعالى: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ? [المائدة:78-79] ، وفي سنن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا». وزاد في آخره من وجه آخر: «أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم».
استجابة الدعاء:
وبين فضيلته بأن الدعاء ربما تعوقه عوائق وترده عوارض، ومن العوائق التي تحول دون الاستجابة: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في سنن ابن ماجه من حديث عائشة قالت -رضي الله عنها -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم».
التعريض للعقوبة:
وشدد: إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في التعرض لعقاب الله سبحانه وتعالى، وهذا العقاب ربما كان عاما، كما في حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ? [المائدة:105]، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه».
وقال ابن العربي: ” وهذا الفقه عظيم، وهو أن الذنوب منها ما يعجل الله عقوبته، ومنا ما يمهل بها إلى الآخرة، والسكوت على المنكر تتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل والظلمة للخلق “.
وقال بلال بن سعد: ” إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا أهلها، وإذا أعلنت ولم تغير ضرت العامة “.
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: ” كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا كلهم العقوبة “.
المصدر: مجلة الحسبة