الاختلاط .. شبهات وردود
1- بين الفريقين
2- المانع من الجناية
3- اعتراض
4- حكمة العقوبة
* بين الفريقين:
فأما المفسدون الذين يعلمون بثمرة عملهم، ويحبون ذلك، وهم:
1- قلة من أولياء الأمور.
2- وقلة من الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة التي هم مسئولون عنها.
3- وأولئك الذين يستغلون وسائل الإعلام لترويج الفساد.
فهؤلاء يحبون الفاحشة، ويعرفون أنهم متسببون في مآسي هؤلاء المساكين من الأطفال؛ لذا فهم ساكتون، وإن تكلموا فتعرف اللحن في كلامهم.
أما الذين تسببوا في الجناية بغير قصد، الذين لا يرضون بالإثم، وهم:
1- بعض أولياء الأمور.
2- وبعض الذين يسمحون بالاختلاط في الأمكنة التي هم مسئولون عنها.
3- والذين يفتون بجواز الاختلاط من المشتغلين بالشريعة.
فإنهم قالوا: لسنا جزءا من المشكلة، ونحن لا نرضى بهذه العلاقات الآثمة، وإذ سمحنا بالجمع بين الجنسين فنحن نقصد تهيئة علاقات طبيعية بين الجنسين، ليس فيها شبق ناتج عن فصل متعسف، مبناها على الثقة المتبادلة والاحترام، فالمشكلة ليست في الاختلاط إذن، إنما في قلة الوعي، والتربية، وفي آلات الإعلام.
وقبل الجواب يقال: قد تبين أن السبب ذاته يرتكبه فريقان، يكون أحدهما: آثماً، والآخر: مغفوراً له، فأولياء الأمور الذين أذنوا لمحارمهم بالاختلاط بالأجانب، وأولئك الذين يأذنون بالاختلاط فيما يقع تحت مسؤولياتهم:
– فيهم من هو آثم؛ كونه يعلم بما يترتب عليه من الآثام ولا يبالي.
– وفيهم من هو مغفور له -إن شاء الله تعالى- غافل غير مدرك، اشتبه عليه، لو أدرك الحقيقة لما أذن.
ثم يقال لهذين الصنفين اللذين عندهما كثير من حسن الظن، وقليل من الإدراك والوعي: قد أقررتم بأن آلات الإعلام لها دور في هذه المشكلة، وأنتم لا تملكون منعها، أفلا منعتم ما تقدرون منعه، فامتنعتم من انتهاك جدار الحجاب، فتركتموه كما هو؟
فما حاجتكم إلى دفع المرأة إلى الاختلاط، وقد علمتم أن آلات الإعلام تفعل فعلها إذا حصل الاختلاط؟
ثم من أين لكم أن التربية والتوعية وحدها تكفي في تجنب هذه المشكلة؟
هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ربى أصحابه فأحسن تربيتهم، وربى أهله بيته فأحسن تربيتهم, فهل رأيتموه جمع بعد ذلك بين أصحابه وأزواجه وبناته ونساء الصحابة في مجلس واحد للشورى، أو للعلم، أو للعمل، أو للتحضير للغزو، أو في السفر، أو في الحضر؟
وهل رأيتموه يدعو إلى الجمع بين الجنسين ولو في نص واحد بدعوى المساواة، وإعطاء المرأة حقوقها؟
هل رأيتموه يأمر المرأة أن تخرج من بيتها لتشارك الرجل الأجنبي في بناء المجتمع المسلم؟
أم رأيتموه يأمر بقرارها في البيت حتى جعل صلاتها في بيتها خيراً من صلاتها معه في مسجده؟
أم رأيتموه ينهى النساء عن التقارب مع الرجال حتى في الطرقات، ترسيخاً لمبدأ الفصل؟
أم رأيتموه يجعل للنساء مكاناً في مؤخرة المسجد، وباباً خاصاً، ترسيخاً لمبدأ الفصل لا الجمع؟
أم رأيتموه يخصص لهن يوماً للتعليم؟ أفلا جمعهن مع الرجال في الحلق كل يوم؟
ألم تقفوا على هذه النصوص، وأنتم تحتجون بالثقة، أفكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يثق في بناته، ونسائه، وقريباته، ونساء الصحابة؟!
كلا! وحاشا! بل عين الدين والحكمة أن تمنع أسباب المنكر والفاحشة، مع التحصين منه بالتربية, فالتحصين نافع إذا تورط الرجل والمرأة في اختلاط لم يرغبا فيه، ولم يسعيا من أجله, والمنع نافع في قطع الفتنة والبلية من أصلها.
وليس العاقل من تعرض أو عرض غيره للمهالك بدعوى الثقة والخبرة, كمن خرج في سفر، فبدل أن يحث السير اشتغل بالبحث عن جحور الحيات والعقارب بدعوى أنه خبير بها، فضيع وقته، فيما لو أنفقه في السير لكان أسرع وصولاً، وربما لدغته حية فعطلته عن سفره، وربما قتلته؛ فهل ما فعله فيه شيء من العقل أو الحكمة؟!
نعم. هناك فئات نياتها حسنة، ومقاصدها طيبة، لكن أعمالها فتنة عمياء، وجزء خطير من المشكلة، فكم من مريد للخير لم يبلغه؟!!
* المانع من الجناية:
قد أصابنا ما أصابنا من الألم في سماع هذه القصص، والأحوال المؤلمة لهؤلاء الفتية، وفيهم الفتيات كذلك، وما من أحد عاقل إلا يود لو منع حصول هذا من أصله، وإن أهم وسيلة لمنعه هو:
1- منع الأسباب المغرية بالعلاقات المحرمة، المنتشرة في: القنوات، المجلات، الصحف، الروايات، والقصص، والتي تغري إليها هذا الإثم، مثل: تكشف النساء، وميلهن، وما يمارس فيها من مقدمات النكاح علناً.
2- منع الاختلاط بين الجنسين تحت أية دعوى كانت، فلا شيء مفيد ينتج عن الاختلاط، إنما ينتج عنه: طفلة أو طفل مجروح، وخراب البيوت، وفساد الأخلاق، وعلى قصير الفهم: أن ينظر في تجربة الدول المتقدمة.
3- منع المرأة من الخروج متزينة في فتنة بادية، فليس كل عباءة اليوم تستر، بل فيها ما يغري ويزين.
4- قيام ولي أمر المرأة بواجبه مع محارمه، فلا يسافرن إلا بمحرم، وعليه أن يقوم بحاجتهن، وأن يخرج معهن.
فإذا تحققت هذه الأربعة، فانظروا: هل توجد مشكلة كهذه المشكلة بعدها؟
كلا! لن توجد، وإن وجدت فبصورة محدودة جداً، فما هذه المشكلة إلا من تلك الأسباب.
وإذا أردنا ترتيب الأسباب من حيث الأهمية, فأهم وسيلة لمنع العلاقات المحرمة: منع الاختلاط.
فكل ما سبق من مسببات للمحرم لن يكون له أثر مباشر كالاختلاط، المصيبة كلها في الاختلاط؛ فإن التقارب، والتعارف، والصداقة، والكون معاً في مكان واحد: مكتب واحد، وفصل واحد، ومختبر، وعيادة، ومناوبة، ورحلات مشتركة.. ونحو هذا.
ليس شيء مثل هذا في الخطر؛ إذ به تستيقظ الغرائز، وتستجيب لداعي الهوى، فالرجل والمرأة إذا اجتمعا اشتعلت الغريزة، وتجاوبت النفس، وفي هذه الأحوال: تنسى المواعظ، وتختفي الأخلاق، ويرتفع الإيمان، وتذوب القيم، وتتلاشى التربية، وتتحلل الثقة بالنفس.. فكم من أديب سقط، وكم من عفيفة واثقة سقطت، وما زال الحكماء يرددون، ويحذرون من اختلاط وتقارب كهذا.
وليحذر من كل غرّ مخدوع، أو ماكر مخادع يريد أن يقنع: أن لا شيء من ذلك يكون. فكما قال القائل:
وليس يصح في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل
تأتى بعدها في الأهمية: قرار المرأة في بيتها.
فإذا خرجت فلحاجة وضرورة، من غير زينة؛ فإن المرأة إذا قللت من خروجها، فلم تخرج إلا لضرورة، تاركة الزينة، كان تقديرها أعظم من الفتنة بها؛ لزوال الفتنة، وحلول أسباب التقدير والتعظيم.
– بعدها في الأهمية: قيام ولي الأمر بواجبه، في صون وليته.
وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة المؤمنة موصوفة بالغفلة، في قوله تعالى: ?الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ? [النور:23]؛ لأنها لا تدرك الشر الذي يراد بها، فإذا لم يقم الولي بواجبه ضيعها.
آخر الوسائل أهمية في هذه المعنى: منع وسائل الإعلام من المشاهد الآثمة، من خروج المرأة كاشفة ستر الله عليها، إلى المناظر والأفعال المحرمة.
ومع أن وسائل الإعلام خطيرة جداً، إلا أن تأثير لن يكون فعالاً ما دام أن المرأة لا تختلط بالرجال، ولا تخرج في زينة، والولي قائم برعايته، فإن الناس مهما رأوا في هذه الوسائل، فإن المتمني لن يستطيع فعل محرم، وهو لا يجد الوسيلة إلى ذلك، وإذا ما رأى امرأة تسير، فكانت محجبة بلا زينة، ولا فتنة، فإنه لن ينساق وراء شهواته، لشعوره أن هذه مصونة، ولا تصلح إلا للزواج، لا لشيء آخر.
وهكذا فإن تأثير هذه الوسائل حينئذ سيكون في الرغبة في الزواج السريع، لا غير ذلك.
أما إذا كانت المرأة هي الأخرى تتبدى بين الرجال، تصادقهم، وتزاملهم، مع كل تلك الوسائل المثيرة للغريزة: فهل يريد ذاك أن يقنع الناس أنه لا ضير من ذلك، وأن التربية كفيلة بمنع كل ما يخشى؟!
* اعتراض:
قال قائل اشتبه عليه ما لا يشتبه: هل تريد القول: أن كل اختلاط ففيه علاقة محرمة؟
فالجواب: ليس كل اختلاط فيه علاقة محرمة, فالمعادلة ليست كذلك، بل كما يلي:
– كل اختلاط فبيئة ملائمة مهيأة لعلاقة محرمة، قد ينتج عنها وليد مجروح أبد الحياة.
فكونه بيئة يفيد أنه: ليس من اللازم حدوث علاقة, بل مظنّة قوية، وداعٍ قريب غير بعيد، كما يقال: هذه الأرض وباء, ولا يلزم من ذلك مرض كل من فيها، لكن الكل معرض للمرض, كذلك الحرب مظنة الموت, وليس كل من ذهب فهو مقتول، لكن الكل معرض للقتل.
فكون الظن قويًا, فإن من المعقول والحكمة إعمال هذا الظن، باجتناب ما يؤدي إلى الهلكة, والناس يعرفون هذا، ويطبقونه في كل شيء، فإذا ما جاءوا إلى الاختلاط نسوا، وما تذكروا إلا الأغلوطات، وضيعوا كل القواعد والأصول!!
قال القائل: ألا ترى أنك تبالغ في خطر الاختلاط، فقد صوّرته وكأنه كارثة محققة؟
فالجواب: ليست مبالغة، بل حقيقة، المبالغة هي التي لم تسند بأدلة، أما والأدلة كلها وتنطق بالخطر فلا.
فهذا العالم يشتكي من الفجور وانتشار الزنا بشكل لم يعرف، وإذا نظرنا إلى السبب الذي تغير فيما يتعلق بهذه المشكلة خصوصاً: وجدناه خروج المرأة واختلاطها بالرجال، بصورة لم تكن معهودة من قبل؛ فبان أن العلة هو الاختلاط.
حتى البلاد الإسلامية تئن من هذا المصاب؛ ليعلم أن بلية الاختلاط وأثره لا يحمي منه الانتماء إلى الإسلام.
* حكمة العقوبة:
لقد كان من عقوبة الزانية والزاني إذا كان محصنين: رجمهما بالحجارة حتى الموت.
ويمكن أن تلتمس الحكمة من هذه العقوبة الشديدة البالغة: أن هذين بفعلهما، هدما بيتيهما، وأسرتيهما، فكانا في المثال كمن هدم بنيان بيته، فشرد منه أهله وساكنيه، فاستحق بذلك أن يرجم بحجارته، فيُشّرد بها كما شرد أهلها، فيذوق الألم، كما أذاقه.
فالمحصن هو: الذي تزوج، وأنشأ أسرة.
– فعلم وأدرك عظم حاجة الطفل إلى الأسرة، وأن يكون ذا أبوين.
– وفهم واستوعب الآلام والوحشة التي يعانيها المحروم من الأسرة والأبوين.
– وعرف أن العلاقة الجنسية هي سبيل نتاج الأطفال.
فإذا جنح بعد هذا العلم والإدراك، والفهم والاستيعاب، والمعرفة: فاقترف جناية محرمة، فهو كمن يتعمد إيذاء وجرح إنسان في قلبه، وروحه، وعقله، هو ذلك الطفل الوليد، جرحا لا يلتئم، أبد الحياة.
فهل عرفنا لم استحق الرجم، ومثله تلك المحصنة الزانية؟
وإن كانا بكرين: فالجلد مائة، والتغريب عاماً.
وفي هذا التغريب شعور بالوحشة، والوحدة، والكآبة، والبعد عن الإلف، والقرابة؛ لعله يتذكر حال مولود يجيء من هذا الطريق، فيعيش في: وحدة، وكآبة موحشة، وبعد، وغربة، وانفصال عن القريب.
ليتذكر كل من تمنى أو أراد فعل فاحشة: أن من الآثار الموحشة لفعله: الإساءة إلى طفل وإنسان، يعيش أبد حياته كسير النفس، مليء الحزن، يدعو باللعنة والانتقام على من تسبب في حاله.
ليتذكر هذا كل فتى وفتاة، وكل رجل وامرأة.. وليتذكره كل من أسهم ولو بشكل غير مباشر في هذا الجرح.
أيها المستهين بالأعراض، الهاتك لستر الغافلات! هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة؟
أيتها المستهينة بالعفة المتلاعبة بنفسها! هل شعرت بألم هذا الطفل أو الطفلة؟
هل شعرتما بالجرح الذي في نفس هذا المجروح المسكين البريء الذي سيكبر، ويكبر الجرح معه؟
هل علمتما من كان الذي جرحه، فحطّمه، فجعله كسير النفس، معذبا، يتلوى ألما؟
الجواب: أنتما!!