الحسبة والتربية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:
فإن الحسبة عنوان كبير يحمل مضامين جليلة، من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم، والحسبة شجرة مباركة باسقة الفروع، وارفة الظلال لها آثارها الدينية والدنيوية، ولعل منها الجانب التربوي، ويتثمل في الآتي:
1- الحسبة تربي فينا أن نكون إيجابيين مع قضايانا، فالسلبية والأنانية والأثرة من الصفات الممقوتة والممجوجة، فالحرص على مصالح المجتمع وأمنه وسلامته قضية مطلوبة من الجميع، فالسفينة إن غرقت هلك الجميع، والبلاء إذا حل حل بالجميع، فالمجتمع القائم بالحسبة سالم بحول الله من المقت الرباني والسخط الإلهي، قال تعالى: ?أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ? [الأعراف:165]، وقد قالت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث» [متفق عليه].
وما حاقت ببني إسرائيل اللعنة وحل عليهم غضب الله إلا لما أهملوا هذا الجانب العظيم، قال تعالى: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ? [المائدة:78-79]، والقائم بالحسبة المؤدي لها ينفي عن نفسه الصفة التي عاب الله عليها بني إسرائيل.
2- كذلك تربي الحسبة فينا الشعور بالمسؤولية، فالأب والأم مثلا يستشعران مسؤوليتهما بالاحتساب على أولادهما؛ انطلاقاً من قوله تعالى: ?قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا? [التحريم:6]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فحماية الأبناء ورعايتهم وحفظهم من المؤثرات شعور بالمسؤولية، وأمر الأولاد بالصلاة شعور بالمسؤولية، قال تعالى: ?وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا? [طه:132]، وكثير من الأولياء يحتاج إلى أن يربي نفسه على هذا الجانب المهم لا أن يتنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقه، و: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
3- تربية النفس على الصبر والاحتساب وتحمل المشاق؛ ذلك أن لقمان الحكيم أوصى ابنه بالصبر عند قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ?وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ? [لقمان:17].
4- تربية النفس على التطابق بين القول والفعل وعدم ازدواجية الشخصية، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ? [الصف:2]، ولذلك حذر الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من هذه الازدواجية التي كان عليها بنو إسرائيل فقال سبحانه: ?أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ? [البقرة:44]، قال سبحانه عن شعيب عليه السلام: ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ? [هود:88].
وأخيراً قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
هذا ونصر الدين فرض لازم *** لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فإن عجزت *** فبالتوجه والدعا بجنان
ما بعد ذا والله للإيمان حبة *** خردل يا ناصر الإيمان
أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..