الطفل الداعية
كثير من المسلمين يغفلون عن تربية أولادهم التربية الصحيحة، ومن هذه الأشياء التي يغفلون عنها هذا الجانب المهم من جوانب تربية الأولاد، وهو: كيف نربي الطفل الداعية؟
فكثير من المسلمين يهتمون بتعليم أولادهم مظاهر الرقي والرفاهية الحديثة في المأكل والمشرب، في طريقة الجلوس، في كيفية المشي، وفي كيفية الكلام فيما يسمونه (فن الإيتيكيت).
وكثير منهم يهمه في المقام الأول أن يكون ولده نسخة كربونية منه، فقد يكون الأب طبيباً أو مهندساً، فيكون هدف الأب والأم أن يكون الطفل مثل أبيه أو مثل أمه.
ومنهم من يتطلع إلى شخصية في المجتمع فتعجبه هذه الشخصية سواء في شهرتها، أو في عملها أو في وجاهتها فيحب أن يرى ابنه مثل ما تَطَلَّعَ إليه.
ولكن من المسلمين من يربي ابنه كداعية، ونقصد بكون الطفل داعية: أن يربى الطفل على حب الدعوة إلى الله، فهي نابعة من محبته لله -عز وجل- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- فيتمثل الطفل منذ صغره بمهمة الدعوة إلى الله بأن يكون داعية في مظهره، وفي جوهره، ترى أثر الدعوة في عباراته، وفي قسمات وجهه، في مأكله، وفي مشربه، وفي كل أموره.
وإذا تتبعنا آيات القرآن الكريم لوجدنا أن القرآن يهتم بإبراز هذا النوع من التربية، ويدعو الآباء والمربين على تربية أولادهم على أن يكونوا دعاة إلى الله -عز وجل- ويذكر بعض النماذج لتحفيز الآباء والمربين على تربية أولادهم ليكونوا مثل هذه النماذج، ومن هذه النماذج: غلام الأخدود، هذا الطفل الذي ذكره الله -عز وجل- نموذجاً يتلى إلى يوم القيامة في الصبر والتضحية في سبيل الله رغم صغر السن، فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه.
قال – تعالى-: ?قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ? [البروج:4-8].
وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أطفال المسلمين على أن يكونوا دعاة إلى الله -عز وجل- منذ صغر سنهم.
فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده» [متفق عليه].
وفي غزوة أحد لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أحد، وعرض أصحابه فرد من استصغر رد سمرة بن جندب، وأجاز رافع بن خديج، فقال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان: «يا أبت! أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رافع بن خديج وردني، وأنا أصرع رافع بن خديج، فقال مري بن سنان: يا رسول الله! رددت ابني، وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرافع وسمرة: تصارعا، فصرع سمرة رافعاً، فأجازه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشهدها مع المسلمين».
وها هو زيد بن أرقم يكشف زيف المنافقين رغم صغر سنه، قال الله -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله: ?هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ? [المنافقون:7-8].
نزلت هذه الآية في زيد بن أرقم -رضي الله عنه- حيث ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية نزلت تصديقاً لهذا المسلم الذي ينتمي للأنصار الذين استقبلوا المهاجرين أفضل استقبال، وقدموا لهم المال والأنفس، وقد نشأ ابن أرقم في كنف الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه-.
وهكذا تعلم السلف الصالح من نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فها هو عمر بن عبد العزيز دخلت وفود المهنئين من مختلف البلاد عليه وهو أحد خلفاء المسلمين في أول خلافته، فتقدم للكلام من أحد وفود الحجاز غلام صغير لم تبلغ سنة إحدى عشرة سنة، فقال له عمر: ارجع وليتقدم من هو أسن منك، فقال الغلام: أيد الله أمير المؤمنين، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لساناً لافظا، وقلباً حافظا، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمور يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا، فقربه عمر واستمع لحديثه.
وما زال أطفال المسلمين يسطرون بدمائهم مواقف الشجاعة والإقدام والتضحية في أرض الرباط فلسطين، يقفون أمام أسلحة العدو بصدورهم فهيا نربي أولادنا على أن يكونوا دعاة إلى الله.
المصدر: المختار الإسلامي.