الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أضاء السبيلَ للسالكين بنور كتابه، أحمده سبحانه المتفرِّد بأسمائه وصفاته، وأشكره على توضيح ما أحلَّه وما حرَّمه دون غموض فيه ولا إشكال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بكسب الحلال، ونهى عن كسبِ الحرام، فأحلَّ الله البيعَ وحرَّم الربا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل مَن باع واشترى وحثَّ على العمل ورغَّب فيه، وجعل سعي العاملين لكسب الحلال في سبيل الله، ونهى عن كلِّ ما فيه غرر وخداع، وجهالة وغش وخيانة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وكل مَن اهتدى بهديه واستنَّ بسنته, أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى ففي تقواه رضاه، وبرضاه سعادة الدنيا والآخرة والفوز بجنَّاته ودار كرامته: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:34-36].
وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28].
عباد الله! لا يَصِح للمسلم أن يسوم في هذه الدنيا كسوم الأنعام، ولا أن يَظُن بأنه يعيش عيشةَ البهائم, وأنه خُلِق باطلاً؛ فذلك ظنُّ الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار، فالمسلم مَن اقتصر في مأكله ومشربه على ما أحلَّه الله تعالى؛ قال تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة:88]، فيجتنِب ما نهى الله تعالى عنه في مُحكَم كتابه.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
ألا وإن من طُرق أكل أموال الناس بالباطل: الميسر والقمار؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:91].
والميسر هو: القمار بأي نوع كان، مِثل: النَّرد, والشطرنج.. وغير ذلك، وهو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
وداخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وإن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة».
وفي صحيح البخاري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن قال لصاحبه: تعالَ أقامرك، فليتصدَّق».
فإذا كان مجرد القول يُوجِب الكفارة أو الصدقة، فما ظنك بالفعل أيها المسلم؟! صَحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن لعِب بالنرد، فكأنما صبَغ يدَه في لحم ودم الخنزير»؛[أخرجه مسلم].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن لعِب بالنرد، فقد عصى الله ورسوله».
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: “اللعب بالنرد والقمار كأكل لحم الخنزير، واللعب بها من غير قمار كأكل ودك الخنزير”.
ومِثل النرد والشطرنج كل ما شاكَله من الألعاب المُلهية عن ذِكْر الله تعالى وعن الصلاة، سمِّيت بأي اسم كان بالورق.. أو غيره، وإذا كانت بعوض، فهي أشد تحريمًا.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “إذا مررتُم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام: النرد والشطرنج وما كان من اللهو، فلا تُسلِّموا عليهم؛ فإنهم إذا اجتمعوا وأكبُّوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدَق بهم، كلما ذهب واحد منهم يَصرِف بصرَه عنها، لكَزَه الشيطان بجنوده، فلا يزالون يلعبون حتى يتفرَّقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة، فأكلتْ منها حتى ملأت بطونها ثم تفرَّقت”.
وفي الموطأ عن عائشة -رضي الله عنها-: “أنه بلغها أن أهلَ بيت في دارها كانوا سكانًا فيها، وعندهم نَرْد، فأرسلت إليهم: لئن لم تُخرِجوها، لأخرجنَّكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم”.
فما دام الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التسليم عليهم، فما بالك بمن يذهب إليهم ويُشجِّعهم؟!
وهذه عائشة –رضي الله عنها- علِمت أنهم يلعبون النرد في دارها فأخرجتهم؛ لعِلمها أن تأجير الدار لعمل المعصية لا يجوز، فما بالك بمن يؤجِّر دارَه ويقر المعاصي فيها؟!
أيها المسلمون! إن من أنواع القمار ما يُسمَّى بـ (يا حظ)، و(يا نصيب)، وهو ما يحصل من الأموال على المفاجآت؛ كأن يُكتَب في أوراق ويقول: خذ ورقة، فإن صادفته ورقة كذا، لزِمه بأن يُباشِر على الحاضرين بأكل أو شراب.. ونحوه، ومِثلها: الهدايا التي تُباع في الكراتين، فتارة يَجِد المشتري خاتمًا، وتارة يجد قلادة، وتارة لا يجد شيئًا، ولقد نزَّه الله تعالى بلادنا من جميع أنواع القمار؛ بسبب دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ومساندة آل سعود لها منذ سنين طويلة، رحِم الله الأموات ووفَّق الأحياء!
ومما يفعل: أن يُلقي حديدة على لوح فيه أرقام بعد أن يُقدِّم الشخص ريالاً، فإذا صادفت الحديدة رقمًا، أعطي ما أُعِدَّ لهذا الرقم.
وكذلك إلقاء حلقة بعد أن يُقدِّم ريالين، فإذا دخلت الحلقة في خشبة عليها رقم، أعطي ما أُعِد لهذا الرقم، فأخذ الأموال بهذه الطريقة حرام؛ لأنه نوع من القمار، وفيه صدٌّ عن ذِكْر الله تعالى وفساد الأخلاق.
فتوجَّهوا إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع أن يُنزِّه بلادَنا من هذه المفاسد، ويُوفِّق شبابنا إلى ارتياد أماكن العِلم والذِّكر وحلقات القرآن, وما فيه نفْع للإسلام والمسلمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:90-91].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
لا توجد خطبة ثانية