المحتسبون والحسبة
مصطلح: “حسبة ومحتسب” قديم، من بدايات الدولة العباسية؛ حيث بدأت الحسبة تطوعية دون مقابل، ثم صارت وظيفة رسمية تشرف عليها الدولة، وتدخل في الأعمال الخدمية للناس كافة، إرشاداً ورقابة.
فالأجهزة الحكومية اليوم فيها رقابة إدارية رسمية, هي من وظائف الحسبة سابقاً، مثل: ديوان المراقبة العامة، هيئة الرقابة والتحقيق، هيئة التأديب، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أعمال البلديات في مراقبة المحال التجارية، إدارات الشرطة متمثلة في إدارة الحقوق المدنية، إدارة الدفاع المدني بالتفتيش على المحال والمباني التجارية؛ احترازاً من الحرائق.. وغيرها، مكافحة المخدرات، وزارة التجارة، وإدارة مكافحة الغش التجاري، والتفتيش على المحال التجارية.
ومن أعمال وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التربية والتعليم الاحتساب، ويتضمن الإشراف على التعليم والتذكير والإرشاد والإفتاء.
وكذلك في الخدمات الصحية مثل: مراقبة الأطباء، وطب النساء, ومنع التطبيب بالسحر والشعوذة والكهانة.
وأيضاً أعمال الجمارك، وعلى الحدود والموانئ؛ حيث كان من أهم أعمال الاحتساب: ضبط ما يمكن أن يدخل إلى البلد من الممنوعات.
وأعمال وزارة الإعلام، مثل: المراقبة الإعلامية للمطبوعات والبرامج.. ونحوها.
كل ما سبق.. وغيره يدخل تحت أعمال الحسبة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لا بد من التخصص أولاً، وأن يتحلى المحتسب بصفات، منها:
أن يكون مسلماً، عفيفاً، فقهياً في دينه، عارفاً بالحيل، وطرق الغش، نزيهاً، متجرداً، مدركاً لأبعاد ومآلات عمله، عالماً بأهم الأحكام الشرعية, وما اتفق عليه علماء المسلمين، عارفاً بجزئيات الأمور، ويملك مهارة ولباقة في التعامل مع جمهور الناس، ذا أناة وحلم وتيقظ وفَهْم ووقار، حازماً، لا تأخذه في الله لومة لائم، عارفاً بمسائل الاختلاف بين المسلمين، ومتخصصاً في معرفة ما يُحتسب فيه من الأعمال.. ولن يعدم المجتمع ممن هذه صفاته.
وجهاز الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يصطلح عليه “الهيئة”، أصبح علماً بين الهيئات الحكومية الأخرى؛ حيث يؤدي الوجوب على الكفاية من المسلمين، ويجب لأعضائه ما لا يجب للمحتسب المتطوع.
ويبدو أن غالبية موظفي “الهيئة” هم من المحتسبين؛ لأنهم يجدون وظائف أقل تعباً ونصباً، ويتركونها من أجل الاحتساب؛ فمحبة الدين والخير للمجتمع باعثٌ ومحفّزٌ لهذه الوظيفة.
أما التطوع اليوم لأعمال الحسبة فلأن هذه الشعيرة لها نظام رسمي فلا يمكن الافتئات عليها إلا إذا لم يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في مكان ما، فإذا لم يوجد فمن المهم أن تكون ممن يتصفون بالصفات السابقة، وأن يكون الاحتساب في المسائل المجمع عليها، وتجنب ما يكون فيه الاختلاف؛ لأن الاجتهادات تتعدد في المسائل الفرعية، لكن المعول هو الرأي الرسمي للمرجعية، وللفرد براءة ذمته من المسؤولية إذا تركه؟
والمرأة تشترك مع الرجل في العمل الاحتسابي؛ لعموم الأمر في الآية:?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ?[التوبة:71].
وفي آية أخرى:?وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا?[الأحزاب:32].
فمن الاحتساب الذي يختص بالمرأة: أماكن العبادة: كالحرم, ومشاعر الحج، وطب النساء، وفي أماكن السباحة, ودور التجميل الخاصة بهن.. ونحوها.
فقد كانت المرأة في صدر الإسلام تمارس الحسبة, مثل: إنكارها مزاحمة الرجال عند الحجر الأسود.. وغيرها, واليوم نحن بحاجة إلى محتسبات، خاصة في الأماكن المزدحمة بالنساء؛ فكيف يزاحمهنَّ رجل محتسب؛ فلا تؤمن الفتنة على أحد ولا من أحد!
ويكفي مثالاً: ركوب المجتمع سفينة، وفيها العاقل والسفيه، فكيف ينقذونها من الغرق لو أراد السفهاء ذلك؟!