النصرة بالحكمة
المسلَّمات لا يحتاج المرء أن يقف عندها طويلاً، ولا ريب أن محبة المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم في الذروة من تلك المسلَّمات بعد حب الله جل شأنه، وهذه المحبة تعرضت لابتلاء عظيم بما قامت به بعض الصحف الدنماركية والنرويجية، إذن الذي تعرض للابتلاء هو محبتنا وقناعتنا وإيماننا برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما هو عليه الصلاة والسلام فلم يتعرض في حقيقة الأمر لشيء.
فالله جل وعلا قد قال له من قبل: ?إِنا كَفَيْنَاكَ الْمسْتَهْزِئِينَ? [الحجر:95]، إدراك الوضع القائم بمثل هذا التصور يعني في الوصول إلى الطريقة المثلى في نصرة محبتنا وإيماننا وقناعتنا برسولنا عليه الصلاة والسلام.
وعلى هذا يمكننا القول: إنه لا بد من استصحاب حقائق مهمة قبل أي تصرف، ومن تلك الحقائق والقواعد: أن الطعن في الأنبياء ما كان ولن يكون أمراً عارضا ًفي أهل الإجرام، إن الغاية من الطعن في الأنبياء جملة هو تقليل شأنهم لدى أتباعهم حتى لا يتبعوهم فيما جاءوا به عن الله.
ومن الحقائق التي يجب استصحابها: أن التكاليف الشرعية تختلف أحياناً باختلاف حال المكلف، وعلى هذا فما يطلب من الشعوب والأفراد غير ما يطلب من الحكومات، وإن كان الواجب من حيث الجملة يقع على الجميع.
وبقيت حقيقة نذكرها من باب التذكير لا التبصير: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وعليه أقول: إن الإكثار من التعريف به عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الأيام خاصة هو استثمار إيجابي للحدث.
وأعظم من ذلك: إظهار التمسك بهديه وإعلان شعائر دينه حتى يفقه السفهاء أن محبة المسلمين لنبيهم لم تتغير بما أذاعوه من فجور، وما دوَّنوه من كذب وافتراء يجب أن يعترض المسلمون اعتراضاً لا تراضي فيه عما رسم حول نبيهم عليه الصلاة والسلام، لكن صور هذا الاعتراض لا يلزم أن تكون ذات صبغة واحدة مع مراعاة تقديم الصورة المثلى للإسلام في كيفية الدفاع عن أعظم شعائره وثوابته، فالعالم اليوم تحكمه المصالح والتكتلات السياسية التي لا تعرف -أحياناً- إلا بلغة المصلحة وإن اختلفت في ديانتها، ومن الإجحاف أن نطالب الساسة بما نطالب به الأفراد.
والسيرة العطرة شاهد إثبات على أن الصحابة الأخيار رضي الله عنهم لم يكونوا ينصرون نبيهم عليه الصلاة والسلام بصورة واحدة وإن اتفقوا في محبته ووجوب نصرته.
إن أحداً لا يستطيع أن يحاكم الشعوب المسلمة لماذا قاطعت البضائع الدنماركية؟ لكن من السهل وفق أنظمة الأمم محاكمة الدول بنفس الفعل.
ختاماً: إن الله كلفنا بما نستطيع فعله والقدرة عليه، ولم يكلفنا بما نحب ونرغب في أن نفعله.
وخير الختام: قوله تعالى: ?إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ? [التوبة:40].
صلى الله عليه ما تلألأت النجوم وما تلاحمت الغيوم.