شوكت محمد العمري
المساواة في الحقوق القضائية في الشريعة الإسلامية (4):
ومن أنواع القضاء الذي استحدثه الإسلام: قضاءُ الحسبة، وهو: نوع من القضاء المستعجل، والذي تغلب فيه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
يقول الأستاذ العقاد: “ومن النظم الخاصة بالقضاء الإسلامي: قضاء الحسبة، وهو القضاء الذي يفصل في بعض الأمور، وإن لم تقم بها دعوى، ويشبه في النظم الحديثة قيام النيابة برفع الدعوى العمومية، ولكن قاضي الحسبة يحكم، وموظفو النيابة يرفعون الأمر إلى القضاء”(1).
ويرجع تاريخ “قضاء الحسبة” إلى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه -: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صُبْرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: يا صاحب الطعام، ما هذا؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ حتى يراه الناس، ثم قال: مَن غشَّ فليس منا»(2).
ووظيفة الحسبة في الإسلام يتولاها الرجل والمرأة على السواء؛ فقد روي: “أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولَّى أم الشفاء امرأة من قومه السوق”(3).
بل “كان عمر -رضي الله عنه- يقوم بعمل المحتسب بنفسه، فقد ضرب -رضي الله عنه- جمَّالاً حمَّل جَمَله ما لا يُطِيق، ويقول له: حمَّلت جملك ما لا يُطِيق”.
أما اختصاصات المحتسِب، فهي كثيرة ومتنوعة؛ منها:
- ما يتعلق بتطفيف الميزان والمكيال.
- ضبط التلاعب بأسعار المواد والصناعات المختلفة.
- مراقبة المباني الآيلة إلى السقوط، والأمر بهدمها؛ حفاظًا على أرواح الناس.
تلك هي عجالة سريعة حول موضوع المساواة القضائية في الإسلام، هذه المساواة التي سبقت سائر النظم القضائية في العالم، فكان العدل فيها روحًا وتطبيقًا يطبق على كل الناس الموجودين داخل إطار الدولة الإسلامية، بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم، وغناهم وفقرهم.
تلك هي عدالة الإسلام، فهل وصلت قوانينُ الأرض إلى ما وصلت إليه قوانينُ الإسلام؟
___________________
(1) الديمقراطية في الإسلام، لعباس محمود العقاد، (ص:118).
(2) سنن الترمذي (3/ 606).
(3) التراتيب الإدارية، الكتاني، (1/ 286).