كيف يخبو وهج الداعية؟
يلاحظ المرء بين آونة وأخرى أن بعض الدعاة يخبو وهجهم، ويذبل عطاؤهم، ويهزل إنتاجهم بعد أن كانوا أصحاب وهج قوي وعطاء قوي وغزارة إنتاج.
فما السبب؟
الإجابة متشعبة وطويلة أذكر بعض النقاط حولها:
1- تمر المجتمعات عبر الزمان بمراحل مختلفة تتطور فيها كل نواحي الحياة في المجتمع، ومنها وسائل التلقي والتعليم والتربية، وهذا من سنن الله في الكون أن يستمر التجدد والتغير في حياة البشر، فما كان يصلح في المجتمع القديم من خطاب لا يناسب المجتمع الحديث مجتمع الإنترنت والقنوات الفضائية والانفتاح الثقافي، وهذا لا يعني انتهاء مفعول الوسائل القديمة، بل انحسار دورها مؤقتاً أو لفترة قد تطول وقد تقصر، وبعض الدعاة لا يفقه هذا التغير أو لا يحب أن يفقه، فتراه يصر على وسائل قديمة لا تناسب المجتمع قل مفعولها وانتهى روادها، فتكون النتيجة الطبيعية لأساليبه الجامدة أن يخبو وهجه، كيف لا والله قد أرسل الرسل بلسان أقوامهمّ؟! وفي هذا دلالة بليغة على وجوب مخاطبة كل مجتمع باللغة والوسيلة التي تناسبه، فيما يستغل آخرون الوسائل الحديثة من الفضائيات والإنترنت وغيرها، فتصل دعوتهم وأفكارهم إلى أصقاع بعيدة ومجتمعات لا يعلم بها إلا الله، وما ذاك إلا أنهم علموا سنن الكون فعملوا بها، ومن جد وجد.
2- كما أن بعض الدعاة يكون في مقتبل أمره ودعوته واسع الاطلاع، كثير التزود بالمعارف، يغرف من كل بحر، فتكون النتيجة الطبيعية له أن يزدهر إنتاجه، وتتورق أشجاره، ويزداد توهجاً، ويتفوق على غيره باعتبار أن حوضه مليء بشتى المعارف والثقافات والعلوم، لذا فهو يستطيع أن يروي العدد الكبير على اختلاف أصنافهم واحتياجاتهم، وهذه سنة الله في خلقه: من جد وجد ومن زرع حصد، ولكن مع مرور الزمن وكثرة المشاغل يسهو الداعية أو يغفل أو يتكاسل عن مصدر مهم من مصادر توهجه، فيزهد في التزود بالثقافات والفنون وتجديد علومه ومعارفه والاطلاع على الجديد والمفيد، ويحدث هذا على فترة من الزمن قد تقل وقد تكثر فتكون نهايته الطبيعة الذبول وخبو الوهج، مثل المحرك الذي بدأ وقوده في النفاد.
3- كما أن بعض الدعاة إذا حقق نجاحاً وشهرة وأصبح له جمهور ومتابعين، عندئذٍ قد يدخل نفسه شيء من العجب والغرور، ويغفل عن حقيقة مهمته ودعوته، فينصرف إلى تحصيل المجد والشهرة وهو لا يشعر، فتراه يحرص على إبراز نفسه، وتصدر المجالس بحق أو بغيره، مما يجعله يتآكل ويقتات على أمجاده وسمعته السابقة حتى يضمحل ويذوي، نسأل الله العافية والسلامة.
4- ويتوهج الداعية عندما يتواصل مع الناس ويعيش همومهم ويعبر عما في صدورهم، ولكنه عندما يعيش في برج عاجي وينعزل عن الناس ويخاطب الناس بفوقية وتعالي عندئذٍ يخسر عاملاً قوياً ومهماً من عوامل توهجه.
5- وقبل كل ذلك وبعده يجب أن لا يغفل الداعية عن صلته بالله، وأن لا يركن إلى الأسباب بل يستحضر دائما صلته بالله -عز وجل- وأن الحول والقوة والتوفيق والنجاح من الله -عز وجل- قبل كل شيء، فيحرص على زيادة الصلة بالله والتقرب إلى الله، وإخلاص العمل لله، وهذا أول وأهم أسباب توهج الداعية.
هذا فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله منه.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: المختار الإسلامي.