همسات في أُذن المعلمة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله سيد المرسلين وإمام المتقين,-صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين, أمـا بـعـد:
فإن الله عز وجل لما أرسل الرسل إلى البشر كان هدفهم الأول والرئيسي هو إصلاح ما فسد من البشر؛ ولذلك كان الأنبياء –عليهم السلام- معلمين الناس الخير، ولما انتهى زمن النبوة ورث العلماء منهم العلم, كما قال خاتم الرسل -عليه الصلاة والسلام-:«إن العلماء هم ورثة الأنبياء…» الحديث.
ومازال العلماء منذ زمن النبوة حتى زماننا هذا يعلمون الناس ما يصلح دنياهم وآخرتهم، ولمّا كان دور المعلمة لا يقل أهمية عن دور العلماء, فهي كالداعية بين الطالبات, وهي قدوة لهنَّ؛ والجميع ينظر إليها على اعتبار أنها معلمة للخير؛ ولذلك تجد أنه ربما إذا أخطأت طالبة سرعان ماينسى الناس خبرها، وإذا أخطأت المعلمة فإن الخبر ينتشر بسرعة في جميع أرجاء المدرسة, وربما يستمر أيامًا وأسابيع حتى ينساه الناس؛ وكل ذلك لأنهن ينظرن إليها نظرة القدوة لهن، والذي ينظر إلى حال بعض المعلمات في هذا الزمان يضرب بكفيه من هول ما ينظر، فهذه معلمة قد نتفت الحاجب، وهذه قد تبرجت، وأخرى قد ملأت المكان بعطرها الفواح، وهذه لبست الضيق.. وغيرها من أمور لا تليق بامرأة خارج سور المدرسة، فكيف إذا صدرت من معلمة وهي داخل سور المدرسة!، حتى وصل الأمر إلى أن الطالبات أصبحن يرين المعلمة على أنها تحتاج إلى من يدعوها ويقدم لها النصيحة؛ ولذلك وجدت لِزاماً علينا أن نبين بعض المخالفات الشرعية التي تقع فيها المعلمة؛ لعل بيانها يكون سبباً في عودتها إلى رشدها، وسوف أقوم بسردها بطريقة مختصرة؛ لأن المقام لا يسمح بالتفصيل، والله المستعان:
النمص:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله»[متفق عليه].
التبرج:
يقول الله تعالى:?يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا?[الأحزاب:59].
والجلباب: هو الملاءة أو الرداء الواسع الذي يشمل جميع البدن.
التبرج داخل سور المدرسة بحضرة الرجال، وهذا يكون أمام حارس المدرسة أو الموَجه أو أمام أولياء الأمور، وربما تكون هذه المعلمة ممن تستر نفسها خارج المدرسة، ولكن إذا دخلت المدرسة تنزع العباءة ولا تبالي بنظرات الرجال داخل المدرسة.
اللباس الضيق:
الكثير من الطالبات يتعجبن من اللباس الضيق لبعض المعلمات، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»[رواه مسلم].
وضع العطر بحضرة الرجال:
إذا خرجت مع السائق، أو عند مرورها على الحارس، أو عند أولياء الأمور، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:«إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا. يعني: زانية».
[رواه الترمذي].
الغيبة والنميمة:
هذا الأمر يكثر عند النساء، وخاصة الموظفات بسبب الفراغ لديهن، وقد قال أنس -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما عرج بي، مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء ياجبريل؟ قال: هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم»[رواه أبو داود].
اللعن:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»[رواه الترمذي].
الحسد:
الحسد: هو محبة زوال النعمة التي أنعم الله بها على الآخر، قال الله تعالى:?أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ?[النساء:54].
قال عمر بن عبد العزيز–رحمه الله-:”لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد”.
وجاء في الحديث:«… ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان, والحسد»[صحيح الجامع].
الاسترسال في الحديث مع الرجال:
إن مما ينبغي للمعلمات الانتباه له هو عدم الإطالة في الحديث مع الرجال الأجانب, سواء كانوا أولياء أمور أو موجهين.. أو غيرهم، وكذلك عدم ترقيق الصوت عند الكلام؛ لأنه يوجد من الرجال من في قلبه مرض, وقد قال الله تعالى:?فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا?[الأحزاب:32].
الإسراف:
من الأمور التي تهتم لها الكثير من المعلمات هو مسألة الإسراف، وقد يكون الإٍسراف في اللباس والهواتف والاكسسوارات, والغالب في دفع هذه المبالغ الضخمة على هذه الحاجات هي الغيرة النسائية فقط!
التهاون في العمل:
عليك -أيتها المعلمة- بالمحافظة بمواعيد العمل الرسمي، حضوراً وانصرافاً، والالتزام بمواعيد دخول الحصص والخروج منها؛ حتى لا تنظر إليك الطالبات بنظرة المعلمة التي لاتحترم المواعيد, وتذكري قول الله تعالى:?وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ?[المؤمنون:8].
السخرية:
هذا يكون من قبل بعض المعلمات التي تسخر من شكل الطالبة أو لباسها أو طريقة كلامها أو مشيتها, أو حتى السخرية من معلمة إلى أخرى، والله تعالى يقول:?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ?[الحجرات:11].
الكذب:
عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»[متفق عليه].
الظلم:
لاشك أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وهو من الأمور التي حرمها الله على نفسه وحرمها بين عباده، فكيف لمعلمة بسبب مشاكل عائلية.. أو غيرها تدعوها نفسها إلى ظلم إحدى الطالبات، فكيف لها أن تهنأ بالعيش!
سوء الخلق مع الطالبات:
هناك من المعلمات من يكون طبعها القسوة والشدة, وقد قال الله عز وجل:?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ?[آل عمران:159].
فباللّين والرحمة تملك القلوب، وبالقسوة والشدة تنفر القلوب.
الإجازات المَرَضَية المكذوبة:
تعمد بعض المعلمات لكي تحصل على الإجازة للكذب, فتدّعي المرض, وربما تحال إلى التقاعد الطبي، وهذا كله حرام؛ لأنه كذب وغش وخداع، والمال المصروف من الدولة خلال فترة الإجازة المرضية المكذوبة يعتبر حرامًا, وفي الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»[رواه الإمام أحمد].
التشجيع على الاحتفال بمناسبات الكفار:
البعض من المعلمات تتساهل بمسألة التهنئة بمناسبات الكفار, مثل: عيد الحب، عيد الأم، عيد رأس السنة.. وغيرها من الأعياد الباطلة، وهذا محرم؛ لأنه ليس من ديننا؛ ولأنه تشبه بالكفار, وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«من تشبه بقوم فهو منهم».
التشجيع على العادات السيئة:
كوني سبباً في معالجة المواقف السلبية لدى الطالبات, ولا تكوني سبباً لتشجيعهن على بعض العادات السيئة, مثل: النفاق، والكذب، والغيبة، والنميمة، وسماع الأغاني، والحسد، والغضب, وتذكري قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه, لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»[رواه أحمد].
الإعجاب المذموم:
إياكِ والإعجاب المفرط الذي يكون منكِ تجاه إحدى الطالبات, والذي ذمه أهل العلم وهو العشق، والذي يفضي إلى أمور محرمة، قال ابن القيم -رحمه الله-:”العشق: هو الإفـراط في المحبة؛ بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق، حتى لا يخلو من تخيُّلِه وذِكره والفكرِ فيه؛ بحيث لا يغيب عــن خـاطـره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القُوى، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُـزُّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختلُّ جميع ذلك, فتعجـز البشر عن صلاحه”.
أختي المعلمة الغالية! إن ما أردت الوصول إليه من خلال هذه الهمسات هو إبلاغك بأنك تؤدين من خلال عملك مهمة هي في غاية الصعوبة إذا خالفتِ الشارع الحكيم، وفي نفس الوقت هي سهل وبسيط إذا وافقت أفعالك وأقوالك الدين الحنيف.
وهناك أمر لابد من معرفته: وهو أن الأمر يحتاج إلى جهاد.
أخيرًا:
هذا ماتيسر لي جمعه لكِ أختي الغالية، وربما تشعرين أني قد قسوتُ عليكِ في بعض العبارات, ولكن اعلمي بأن قسوتي هذه هي بسبب خوفي عليكِ, وبسبب مكانتك الحساسة بين الناس، فأنت معلمة, وشأنك عالٍ يا أخيتي، وأنت قدوة لطالباتك، وأنهن ينظرن إليك، فإن وافق سلوكك هذا الدين فإن شأنك يعلو، وإن كان خلاف ذلك نظرن إليك بنظرة الازدراء، وهذه المنزلة التي أنت فيها كانت سبباً في أمر عظيم ربما أنت في غفلة عنه، اسمعي ماذا يقول رسول رب السماوات والأرض في الحديث الذي رواه الترمذي, حيث قال -صلى الله عليه وسلم-:«إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليُصلون على معلمي الناس الخير».
فالمأمول منك -أيتها المعلمة- هو التحلي بخلق الإٍسلام وتعاليمه ظاهرةً وباطنة.
أسأل الله الكريم المنان أن يعين المعلمات على أداء رسالتهن السامية، ويسدد على الخير خطاهن؛ لنرتقي ببناتنا وبوطننا وبأمتنا الإسلامية إلى معارج الرقي والتقدم، وأن يجعلهن مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.