يا أمةً ستروي قصة رقصها الكتب ُ
د. أميرة الصاعدي
تُقاس الأممُ بعقولِ واهتمامات أبناءها، وترقى الدولُ بأعظم إنجازاتها وصناعاتها، ويخلّد التاريخ أسماء من نفع البشرية بعلمه أو بفكره أو باختراعه، ولا يوجد أمة من الأمم على مر التاريخ، قامت على أكتاف العاطلين والساقطين واللاهين والراقصين.
ويعجب المرء عندما يقرأ تاريخ أمتنا الحافل بسير رجال كالنجوم، يُهتدى ويُقتدى بهم، ونساء كالدّرر يلمعن في سماء الفضيلة، وفتيات كالنور يسطعن في صفحات الأمة.
ولا يزال في سجل التاريخ، أسماء لامعة كاللؤلؤ، بينما أخرى سوداء كالبؤبؤ، وبقية لا ذكر لها ولا سؤدد. وبمثل أولئك الرجال النجوم، والنساء الدرر، بلغ هذا الدين مابين المشرق والمغرب، وفتحت البلاد والأمصار، وسقطت ألوية الكفر وأمارات الظلام.
فانطلقت الفتوح انطلاق السهم من الرمية، وأضاء الدين كل قارة وقرية، ورُفعت راية الجهاد خفاقة عليّة، فلبست أمة الإسلام عزاً، وتدثرت فخراً، وتوسعت شبراً شبراً، وعلا ملكها أرضاً وبحراً ، كلّ ما أضاء نجمٌ في السماء ولاح، وكلّ ما لمع دُريّ في الأفق وسطع، وكل ما أشرق شمس وقمر ونُودي هي على الفلاح.
رجالٌ ما عرفوا لهواً ولعباً، وعاشوا قادة وسادة وأُسداً. ونساءٌ ما عرفوا رقصاً وهزاً ولا فحشاً، وعشن مخدرات مقصورات منصورات. رجالٌ حموا الديار، وغضوا الأبصار، وحفظوا النساء الأحرار.
طهّروا قلوبهم، فطهُرت بيوتهم، وعلت نفوسهم، فعلت منازلهم، وكمُلت عقولهم، فكمُلت أخلاقهم.
ونساءٌ مربيات فاضلات، وحافظات للغيب قانتات، ومتحجبات متسترات حييات.
تربين على الفضيلة، فأحسنّ الخطاب والحجاب، ورضعن العفة، فأبين التبرج والتغنج.
ونشأن على الحياء، فرفضن التبذل والتبختر في أوساط الرجال.
قديماً قالوا لنا: “من رقص نقص”، فتركناه طلباً للإبقاء على عقولنا، فلا نزيد النقص نقصاً، وكرهناه حفاظاً على هيئاتنا، لئلا نسقط من أذهان قدواتنا..
كل ذلك ونحن في أوساط النساء.. وفي غمرة الأفراح.. وأوقات المباحات.
ولم يدُر بخلدنا برهة، أن أمتنا يوماً، سترقص على جراح أحزاننا، وستتهاوى طرباً على ثوابت ديننا، وستتمايل رقصاً في أوقات صلواتنا..
ولم نصدق لحظة، أننا سنشاهد مقطعاً محزناً مؤسفاً مؤلماً، يُقطّع القلوب كمداً، ويُدمي العيون حزناً، فنرى رجالاً أشباه رجال، ونساءً من ربات الحجال، يتمايلن رقصاً، ويتناغمن طرباً، فيُلوحن بأيديهن طرداً للحياء، ويتحركن هزاً ، تحية للشيطان والسفهاء.
يضربن بأرجلهن، ليبدين زينتهن ومحاسنهن، ويتبرجن ليَفتنّ ويُفتن، ويتضاحكن مرحاً ليطمع الذي في قلبه مرضا. بلا دينٍ يمنع، أو راعٍ يردع، أو حياءٍ يشفع، أو ناصحٍ يُسمع.
والأعجب والأغرب: أن من يحتسب يُسجن ويُوقف، ومن نصح وذكّر يُشهر به ويُكذّب، ومن يصدق ذلك يُتوعد ويُهدد.
والمحزن المبكي: جراح إخواننا في سوريا تسيل وتضيع، وأعراض أخواتنا العفيفات تُنتهك وتُستباح، وأطفالهم يُقتّلون ويُذبّحون.
بينما في بقعة من الأرض: الغناء يعلو ويصدح، والرقص يحلو ويُشجّع، والباطل يزهو ويصدع، والحق يسكت ويمنع. فأنّى لأمةِ الغناء والرقص، أن تُورّث القيم والخلق، أو تلد القادة والسادة ، أو تصنع الرجال والأبطال!!.
يا أمتي مهلاً! فماذا أقول لابني حين يسألني: لماذا لا يعود لنا مجداً يوماً أضعناه؟!
ولماذا لا نرُجع بلداً قرناً ملكناه؟! أو نصنع نجاحاً دهراً بلغناه؟!
وكان جوابي حائراً خجلاً: لأننا يا ولدي رقصنا فنقصنا، وطربنا فثملنا، ولعبنا فغفلنا، ولهونا ولغونا، وضربنا يدَ كل من أيقظنا لنصحو، وأوقفنا لنعلو، وأسكتنا لنسمو. عذراً يا أمتنا ليت التاريخ يقف فترة، فلا يسطر فينا حرفاً أو سطراً، وليتجاوز هذه المرة، فرب طفلاً يُولد بعدُ ليحي هذه الأمة، أو غيثاً ينزل يغسل هذه الكبوة، أو فرجاً يأتي يكشف عنا الغمة.
وصدق القائل: الإسلام رداءٌ لا يُوضع على الأرض، فإن نزعه قومٌ ألبسه الله آخرين
?فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ? .
والله يذّكرنا بقوله: ?وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ?.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تقبض أرواحنا إلا وأنت راض عنا. واستعملنا في طاعتك ولا تستبدلنا، وارزقنا الإيمان والعمل الصالح ولا تخذلنا. وصلى اللهم على نبيك محمد سيدنا وقائدنا، وعلى آله وصحبه ومن والاه منا.
الثلاثاء 29/3/1433 هـ.