في رحلة البحث عن السعادة والهروب من ضِيق النفس وبُؤسِ العَيْش، يبحث المرءُ عن سبيل يُعيد إليه الطُّمَأْنِينةَ ويُشْعِرُه بالسَّكِينة، ويُصبِح كالغريق الذي يبحث عن قشَّةٍ يتشبَّثُ بها لتُخرِجَه من بحر الكآبة والآلام، فيُصوِّر له الشيطانُ أن طريق السعادة إنما يبدأ بالتحرُّر من بعض تعاليم الدين التي قد يراها قيودًا تُقيِّدُ حُريَّته وتقف عائقًا أمام نيل الملذَّات وتحقيق الرغبات.
وتتهاوى حصونُ الثبات أمام وساوس الشيطان وضَعْف النفس والإيمان، وتخبُّط المشاعر من شدَّة الأحزان، فيسقُط البعضُ للهاوية، ويبدأ في الانسلاخ من عباءة الدِّين، وأصْعَبُ الحرام أوَّلُه، ثم يسهُل، ثم يُستساغ، ثم يُؤْلَفُ، ثم يَحْلُو، ثم يُطْبَعُ على القلب، ثم يَبْحَث القلبُ عن حرامٍ آخَرَ، فانتبه لخُطُوات عدوِّكَ! واقطَعْ عليه الطريقَ من البداية فهو أسهل.
تخلع غطاء وجهها أو حِجابها بحثًا عن السعادة ولا تجدها، فتضع المساحيقَ، وتَلبس الضَّيِّق من الثياب، وتظُنُّ أن معها راحتَها فلا تصل إليها.
يتخلَّى عن وِرْدِه من القرآن، ويستبدله بالأغاني والأنغام، ويظُنُّ أن فيها سعادتَه، فما يزدادُ إلا ضِيقًا، وينام عن صلاته أو يُؤخِّرها أو يتكاسل عنها؛ ليُشاهِدَ برنامجًا أو مسلسلًا، ويظُنُّ أن فيه متعتَه، وهكذا يتنازل عن عباداته ويستبدلها بمتاع الدنيا الزائل، يستبدل راحةً دائمةً بمُتْعةٍ زائفةٍ، لا تدوم إلَّا للحظات، وينسى أن مشقَّةَ الطاعة تذهب ويبقى ثوابُها، وأن لذَّةَ المعصية تذهب ويبقى عِقابُها، لا يعرف أن للطاعة لذَّة لا يستشعر أثرَها إلَّا مَنْ تذوَّقَ طَعْمَها وأنِسَ بوجودها، وأن للقُرْب من الله طُمَأْنينةً لا تصِفُها الكلماتُ، وأن للإيمان حلاوةً لا يُدرِكُها ولا يعرف قِيمتَها إلا مَنْ ذاقها، وأحسَّ بها، وعاش معها.
فيا مَنْ أرَدْتَ السعادة، وبحثْتَ عنها بعيدًا عن الطاعة ورضا الرحمن، انتَبِه فأنت تسير في عكس الاتِّجاه، ولن تصل لمبتغاك، وما أنت فيه إلا سعادة زائفة مؤقَّتة ستتكسَّر سريعًا على صخورِ وَعْدِ الله بأن مَنْ أعْرَضَ عن ذِكْرِه، فإن له معيشة ضَنْكًا، ثم الندم يوم الحساب، فتخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخُسْران المبين.
وإذا تعِبَتْ نفسُكَ واشتاقت إلى شيءٍ من التغيير؛ فاعلَم أن الله قد جعل لك من اللهو المباح ما تستطيع أن تُرفِّهَ به عن نفسِكَ وتُسعِدها، وما يُغنِيك عن المعاصي ووَيْلاتها، فاضْبطْ مَسارَكَ، وعُدْ إلى الطريق الصحيح.