احتساب أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(51 ق هـ – 13 هـ = 573 – 634 م)
اسمه:
هو عبد الله بن أبي قُحَافَة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي، أبو بكر، الملقب بالصديق؛ لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء([1]).
مناقبه وفضله:
هو أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال، وأحد عظماء العرب.
ولد بمكة، ونشأ سيداً من سادات قريش، وغنياً من كبار موسريهم، وعالماً بأنساب القبائل وأخبارها، وسياستها، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش.
وحرم على نفسه الخمر في الجاهلية، فلم يشربها، ثم كانت له في عصر النبوة مواقف كبيرة، فشهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال.
وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، سنة (11هـ) فحارب المرتدين، والممتنعين من دفع الزكاة، وافتتحت في أيامه بلاد الشام، وقسم كبير من العراق، واتفق له قواد أمناء، كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبي عبيدة بن الجراح، والعلاء بن الحضرميّ، ويزيد بن أبي سفيان، والمثنى بن حارثة، وكان موصوفاً بالحلم والرأفة بالعامة.
وكان خطيباً لسناً، وشجاعاً بطلاً، مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف شهر، وتوفي في المدينة، وله في كتب الحديث (142) حديثاً([2]).
ومن فضائله أيضاً:
رجوعه للحق:
كما جاء في البخاري ومسلم:
قالت عائشة رضي الله عنه: “فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة؛ لقرابته منه:
والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] فقال أبو بكر: بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه”([3]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة”.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
قال: “نعم، وأرجو أن تكون منهم”([4]).
وعن الشعبي قال: سألتُ ابن عباس: من أول من أسلم؟
فقال: أبو بكر الصديق، ثم قال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة *** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها *** بعد النبي، وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده *** وأول الناس منهم صدق الرسلا([5]).
وفي البخاري: عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كنتُ جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما صاحبكم فقد غامر” فسلم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: “يغفر الله لك يا أبا بكر” ثلاثاً، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي” مرتين، فما أوذي بعدها([6]).
وعن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة” قال أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لست ممن يصنعه خيلاء”([7]).
وفي مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم اليوم صائماً؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: “فمن تبع منكم اليوم جنازة؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: “فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: “فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة”([8]).
وفي الصحيحين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، عاصب رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: “إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر”([9]).
وفي سنن ابن ماجه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر” قال: فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!([10]).
سيرته الاحتسابية
كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه سيرة احتسابية حافلة بالاحتساب، لا يمكن أن نحيط بها في هذا المقام، وإنما نذكر طرفاً منها:
1- إنكاره على من أَخَذَ سَلَب غيره:
عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلًا من المشركين علا رجلاً من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه، حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه” فقمت فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، ثم قال: “من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه” فقمت فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله، فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما لك يا أبا قتادة؟” فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل: صدق يا رسول الله، وسلبه عندي فأرضه عني، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “صدق” فأعطاه، فبعت الدرع، فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام([11]).
2- إنكاره على مانعي الزكاة ومقاتلتهم:
عن سعيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله”
فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها” قال عمر رضي الله عنه: “فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق”([12]).
فأعز الله به الدين، وحمى بيضته.
قال علي بن المَدينيّ: “إن الله أعَزَّ هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنَة”([13]).
وقال المزني: “أبو بكر يوم الردة، وَعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين، وأحمد بن حنبل يوم المحنة”([14]).
3- إنكاره على عمر:
عن القاسم بن محمد قال: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فركب عمر يوماً إلى قباء، فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده، فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إياه، فأقبلا حتى أتيا أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-، فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكر: خل بينها وبينه، فما راجعه عمر الكلام([15])
4- إنكاره على من طعن في عمر:
عن القاسم بن محمد، عن أسماء ابنة عميس، قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو شاك، فقال: استخلفت علينا عمر، وقد عتا علينا، ولا سلطان له، فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى، فكيف تقول لله سبحانه وتعالى إذا لقيته؟
فقال أبو بكر: أجلسوني فأجلسوه، فقال: هل تفرقني إلا بالله عز وجل؟ فإني أقول إذا لقيته: استخلفت عليهم خير أهلك، قال معمر: فقلت للزهري: وما قوله خير أهلك؟ قال: خير أهل مكة([16]).
5- إنكاره على رفع الصوت عند النبي حياً وميتاً:
عن عبيد بن عمير عن أبي بكر الصديق، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف أصحابه، فقال بعضهم: ادفنوه في البقيع، وقال بعضهم: ادفنوه في مقابر أصحابه، فقال أبو بكر الصديق: أخروا فإنه لا ينبغي رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً، أو ميتاً، فقال علي: أبو بكر مؤمن على ما جاء به، فقال أبو بكر: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه “ليس من نبي يموت إلا دفن حيث يقبض”([17]).
6- إنكاره على أبي طالب:
عن أبي السفر سعيد بن أحمد الثوري قال: بعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطعمني من عنب جنتك، وأبو بكر الصديق جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: حرمها الله على الكافرين، فقال أبو طالب: فلأبي قحافة آكل الذبان تدخرها”([18]).
7- إنكاره على التمثيل في الحرب:
عن عقبة بن عامر، أن عمرو بن العاص، وشرحبيل ابن حسنة بعثاه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برأس يناق، بطريق الشام، فلما قدم عليه أنكر ذلك أبو بكر رضي الله عنه، فقال له عقبة: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم يصنعون ذلك بنا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “أفاستنان بفارس والروم، لا تحملوا إلي رأساً، إنما يكفي الكتاب والخبر”([19]).
8- إنكاره على ولده:
عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، كان يوم بدر مع المشركين، فلما أسلم؛ قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر، فصرفت عنك، ولم أقتلك.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك([20]).
9- إنكاره على من خصه بالسلام من دون الناس:
عن ميمون بن مهران، قال: جاء رجل إلى أبي بكر الصديق، فقال: السلام عليك يا خليفة رسول الله، فقال أبو بكر: من بين هؤلاء أجمعين سلمت علي([21]).
10- إنكاره على عروة بن مسعود:
ففي البخاري: في قصة الحديبية:
فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيتَ إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى، فإني والله لأرى وجوهاً، وإني لأرى أوشاباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك.
فقال له أبو بكر الصديق: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟
فقال: من ذا؟
قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك([22]).
11- إنكاره على رجل سرق:
عن نافع أن رجلاً أقطع اليد والرجل، نزل على أبي بكر الصديق، فكان يصلي من الليل، قال: فقال له أبو بكر: “ما ليلك بليل سارق، من قطعك؟” قال: يعلى بن أمية ظلماً، قال: فقال له أبو بكر: “لأكتبن إليه” وتوعده، فبينا هم كذلك؛ إذ فقدوا حلياً لأسماء بنت عميس، قال: فجعل يقول: “اللهم أظهر علي صاحبه” قال: فوجد عند صائغ، فألجئ حتى ألجئ إلى الأقطع، فقال أبو بكر: والله لغرته بالله كان أشد علي مما صنع، اقطعوا رجله” فقال عمر: بل نقطع يده، كما قال الله عز وجل، قال: “دونك”([23]).
12- إنكاره على أبي برزة الأسلمي:
عن أبي برزة الأسلمي، قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم([24]).
13- إنكاره على غلامه:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ” كان لأبي بكر غلام، يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟
قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه([25]).
14- إنكاره على كفار قريش أذاهم للنبي:
عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو، عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر، حتى دفعه عنه، فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]([26]).
15- إنكاره على من أنكر موت النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن عباس، أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: “أما بعد: فمن كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، قال الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 145] وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: “والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت، حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات”([27]).
أقواله وآراؤه واجتهاداته الاحتسابية
كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه الكثير من الأقوال والآراء والاجتهادات الاحتسابية، منها:
1- عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع…، فقال أبو بكر: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً، إلا لمأكلة، ولا تغرقن نحلاً، ولا تحرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن([28]).
2- وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: أن رجلاً من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: إن الأخر زنى، فقال أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا قال أبو بكر: فتب إلى الله، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فلم تقرره نفسه، حتى أتى عمر بن الخطاب، فقال كما قال لأبي بكر، فقال له عمر كما قال له أبو بكر، فلم تقرره نفسه، حتى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن الأخر زنى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، كل ذلك يعرض عنه، حتى إذا أكثر عليه، بعث إلى أهله، فقال: أشتكى، أم به جنة؟ فقالوا: لا والله يا رسول الله، إنه لصحيح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكر أم ثيب؟ فقالوا: بل ثيب، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجم([29]).
3- وعن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق رحمة الله عليه، دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله جل وعز([30]).
4- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق رحمة الله عليهم، وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد([31]).
5- وعن ابن أبي مليكة أن أباه أخبره أن إنساناً جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعضه إنسان، فانتزع يده منه، فذهبت ثنيته، فقال أبو بكر رضي الله عنه: تعدت ثنيته([32]).
6- وعن الحسن: أن سلمان الفارسي رضي الله عنه أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه؛ فقال سلمان: أوصني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى فاتح عليكم الدنيا؛ فلا يأخذن أحد منها إلا بلاغاً([33]).
7- وعن الحسن: أن سلمان الفارسي أتى إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في مرضه الذي مات فيه؛ فبكى عند رأسه، ثم قال: يا خليفة رسول الله! أوصني.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى فاتح عليكم الدنيا، فلا تأخذن منها إلا بلاغاً، واعلم أن من صلى صلاة الصبح؛ فهو في ذمة الله؛ فلا تخفرن الله عز وجل في ذمته، فيكبك الله على وجهك في النار([34]).
([1]) الأعلام للزركلي (4/ 102)
([2]) الأعلام للزركلي (4/ 102)
([3]) صحيح البخاري في كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً (3/ 173-2661) وصحيح مسلم في كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (4/ 2129-2770).
([4]) صحيح البخاري في كتاب الصوم باب الريان للصائمين (3/ 25-1897) وصحيح مسلم في كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر (2/ 711-1027).
([5]) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 133-103).
([6]) صحيح البخاري في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كنت متخذاً خليلاً” (5/ 5-3661).
([7]) صحيح البخاري في كتاب اللباس باب من جر إزاره من غير خيلاء (7/ 141-5784).
([8]) صحيح مسلم في كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر (2/ 713-1028).
([9]) صحيح البخاري في كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد (1/ 100-467) وصحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4/ 1854-2382).
([10]) سنن ابن ماجه في فتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (1/ 36-94) وصححه الألباني.
([11]) صحيح البخاري في كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلاً فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه (4/ 92-3142) وصحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل (3/ 1370-2).
([12]) صحيح البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (2/ 105-1399) وصحيح مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 51-20).
([13]) تاريخ بغداد (4/ 418)، تاريخ دمشق (7/ 240).
([14]) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (2/ 27).
([15]) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 517-3016).
([16]) أخبار مكة للأزرقي (2/ 152).
([17]) مسند الحارث = بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 885-955).
([18]) الكنى والأسماء للدولابي (2/ 627-1120).
([19]) السنن الكبرى للبيهقي (9/ 223-18351) وشرح مشكل الآثار (7/ 404).
([20]) المجالسة وجواهر العلم (3/ 468-1076).
([21]) من حديث خيثمة بن سليمان (ص: 133).
([22]) صحيح البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (3/ 193-2731).
([23]) سنن الدارقطني (4/ 243-3401).
([25]) صحيح البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية (5/ 43-3842).
([26]) صحيح البخاري في كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كنت متخذاً خليلاً” (5/ 10-3678).
([27]) صحيح البخاري في كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (6/ 14-4454).
([28]) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (1/ 357-918).
([29]) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 16-1756).
([30]) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 121-1982).
([31]) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 166-2078).
([32]) مسند الشافعي – ترتيب السندي (2/ 100).
([33]) المجالسة وجواهر العلم (3/ 510-1123).
([34]) المجالسة وجواهر العلم (5/ 320-2191).