اللقاء الرابع:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحييكم في لقائنا الرابع مع ( القواعد الشرعية المتعلقة بالاحتساب)
سيكون حديثنا الليلة عن:
القاعدة الرابعة من القواعد الكبرى، وهي قاعدة: ” الضرر يزال ” .
وتعني هذه القاعدة : أن كل ضرر فإنه واجب الإزالة، وبالنظر إلى لفظ (لا ضرر ولا ضرار) فإن معناه نفي الضرر والضرار، وهو نفي لما ليس بمنتف حقيقة، فيكون المراد النهي والتحريم. [شرح القواعد الفقهية، للزرقا ص113].
وللقاعدة عدة صيغ :
1- الضرر لا يزال بالضرر.
2- لا ضرر ولا ضرار.
قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – عند تفسيره لقوله تعالى: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج:78]: “بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن هذه الحنيفية السمحة التي جاء بها سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- ، أنها مبنية على التخفيف والتيسير، لا على الضيق والحرج، وقد رفع الله فيها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا.. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من رفع الحرج، والتخفيف في شريعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- هو إحدى القواعد الخمس، التي بني عليها الفقه الإسلامي، وهي هذه الخمس: الأولى: الضــرر يزال، ومن أدلتها حديث: “لا ضرر ولا ضرار”، وقال رحمه الله: “وليس للمسلم أن يضـر بأخيه، للحديث (لا ضرر ولا ضرار)” [أضواء البيان، للشنقيطي (ص 1252)].
3- يزال الضرر بلا ضرر.
4- الضرر لا يزال مثله، ولا بما هو فوقه بالأولى، بل بما هو دونه.
أهمية القاعدة:
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” إن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ” [إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 92)].
أما أصلها فقوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) وقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا ضرر ولا ضرار” ، وغيرها من الأدلة.
تطبيقات القاعدة في الحسبة :
1- إذا طالت أغصان شجرة لشخص وتدلت على دار جاره فأضرته يكلف رفعها أو قطعها دفعاً للضرر عن الجار.
2- إذا قام أصحاب المحلات بالاستيلاء على الأزقة والممرات لعرض بضائعهم، فإن المحتسب يمنعهم من ذلك دفعاً للضرر الذي يلحق بالناس، ولأن ذلك من شأنه مزاحمة الرجال للنساء وملامستهنّ. قال ابن الأخوة القرشي :” أما الطرقات الضيقة فلا يجوز لأحد من السوقة الجلوس فيها، ولا إخراج مصطبة دكانه عن سمت أركان السقائف إلى الممر؛ لأنه عدوان، ويضيق على المارة فيجب على المحتسب إزالته، والمنع من فعله لما في ذلك من لحوق الضرر بالناس، وكذا إخراج الفواصل، والأجنحة، وغرس الأشجار، ونصب الدكة في الطرق الضيقة منكر يجب المنع منه” [معالم القربة ص91].
روى بان عساكر في تاريخ دمشق قال: ” قدم عمر بن الخطاب مكة، فوقف على الردم فقال له أهل مكة: إن أبا سفيان قد سدّ علينا مجرى السيل بأحجار وضعها هناك، فقال: عليَّ بأبي سفيان، فجاء فقال: لا أبرح حتى تنقل هذه الحجارة، حجراً حجراً بنفسك، فجعل ينقلها، فلما رأى ذلك عمر قال: الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه. [تاريخ دمشق لابن عساكر (23/ 470)].
3- ومن تطبيقات هذه القاعدة في عمل الحسبة: السكوت على إنكار المنكر، إذا كان إنكاره سيؤدي إلى منكر أعظم منه، ومن ذلك سب آلهة الكفار إذا كان سبها سيؤول إلى سب الله تعالى، أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو سب تعاليم دين الإسلام، قال القرطبي: “قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه، وأمن الضــرر على نفسه وعلى المسلمين، فإذا خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه” [الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/253)].
4- ومن تطبيقاتها في عمل المحتسب: منع المتسوقين من إيقاف سياراتهم أمام بوابات الأسواق، وعلى الأرصفة، لما في ذلك من الإضرار بمصلحة العامة من المتسوقين والمارة، كذلك منع الميازيب والمظلات التي تطل على الطرقات، لما فيها من الحاق الضـرر بالعامة، وإن كانت هناك مصلحة خاصة متحققة من وجودها، وقد أمر عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- بقلع ميزاب كان في دار العباس بن عبد المطلب إلى طريق بين الصفا والمروة، قال السنامي: “الميزاب إذا كان في الشوارع يقلع”. [نصاب الاحتساب، للسنامي(ص 353)].
5- ومن ذلك منع المارّ من الجلوس في الطريق، إذا كان جلوسه يضرّ بالمارة، فإن جلس للاستراحة بأن عيي، لا يمنع من ذلك إذا كان لا يضر بالمارة، وإن قعد بغير حاجة يمنع منه.
ومن تطبيقاتها أيضاً :
1 – لا يجوز للإنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره.
2 – لا يجوز للإنسان أن يحفظ ماله بإتلاف مال غيره.
3 – لا يجوز للمضطر أن يتناول طعام مضطر آخر، ولا أن يأكل بدن آدمي