الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الجزء الثاني
سبق الكلام عن المؤلف والكتاب عند تلخيص الجزء الأول وهو موجود في الرابط التالي:
http://www.almohtasb.com/alhesba/Articles/23571
وصف الجزء الثاني:
هذه النسخة التي بأيدينا للجزء الثاني من “الكنز الأكبر”، هي رسالة علمية من إعداد الباحث حسن حسين تونجيبلك، حيث قام بتحقيق هذا الجزء لنيل درجة الدكتوراه، في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى عام 1410، وتقع الرسالة في ثمان وستين وسبعمائة صفحة، وتشمل الأبواب من الخامس إلى نهاية العاشر وهو الأخير، وبضم هذا الجزء إلى الجزء الأول يكتمل الكتاب.
بدأ المصنف هذا الجزء بقوله: “بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي، وعليه اعتمادي، الحمد لله الواحد بلا ثانٍ، المنزه عن الشريك والنظير والأعوان، الذي أطلع للآمرين بالمعروف شموس العرفان، وجذب قلوب الناهين عن المنكر من الأكوان…”([1]).
وختمه بقوله: “وإذ (انتهى) التأليف إلى هذه المقالة، فليكن آخر الكتاب وإكماله في سنة ست وعشرين بعد ثمانمائة من السنين، (والله) سبحانه أعلم).
(تم الكتاب بعون الله سبحانه) والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين، آمين)([2]).
عرض الكتاب:
بعد ذِكْر المقدمة، جاء الكتاب كما يلي:
الباب الخامس: في بيان ما يكره من الأقوال والأفعال والأحوال في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فصل: (تحريم الظن السيئ بمن ظاهره الخير):
وفي هذا الفصل ذَكَرَ من الفوائد ما يلي:
- يحرم الظن السيئ من غير ضرورة، وهو غيبة القلب.
- الظن السيئ هو أن يحملك سوء الاعتقاد في الفاعل على أن تنزله على الوجه الأردأ من غير علامة تخصصه بها.
- وأما التفرس فهو يستند إلى علامة.
- سبب تحريم الظن السيئ أن أسرار القلب لا يعلمها إلا علام الغيوب.
- كل من لم تعرف له أمارة صحيحة، وسبب ظاهر، فظن الفساد به، والخيانة محرم، بخلاف من اشتهر عند الناس بتعاطي الريبة، والمجاهرة بالخبائث.
- لا يُستباح ظن السوء إلا بما يُستباح به المال، وهو يقين المشاهدة، أو بينة عادلة.
- قال الشافعي في تعليقه على قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “على رسلكما إنها صفية”([3]): أنه -صلى الله عليه وسلم- خاف عليهما الكفر لو ظنا به ظن التهمة؛ فبادر إلى إعلامهما بمكانها، نصيحة لهما في أمر الدين، قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما أمرًا يهلكان فيه”([4]).
- الظن له حالتان:
- حالة: تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة؛ فيجوز الحكم بها.
- الحالة الثانية: أن يقع في النفس شيء من غير دلالة؛ فلا يكون ذلك أولى من ضده، وهذا هو الشك، وهو تجويز أحد الأمرين دون ترجيح.
- الظن في الشريعة قسمان:
- محمود: وهو ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه.
- مذموم: وهو ضد المحمود.
- قال العلماء: يُستدل على حال الإنسان من خير وشر بفعله، لا بقوله؛ فالاستدلال بالأعمال أولى من الاستدلال بالمقال؛ لأن المقال قد يحتمل التجوز في الكلام وغيره، والفعل ليس كذلك.فصل: (عدم تحريم الظن السيئ بأهل الشر والفسوق):
- نقل ابن مفلح عن صاحب نهاية المبتدئين([5]): أنه قال: حسن الظن بأهل الدين حسن([6]).فقال ابن مفلح: ظاهر هذا أنه لا يجب، وظاهره أيضًا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن، فظاهره لا يحرم، وظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث”([7]) أنّ استمرار ظن السوء وتحقيقه لا يجوز([8]).
فصل: (الفراسة الإيمانية، حقيقتها وأمثلته، والفرق بينها وبين حديث النفس):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- الفراسة ليست كحديث النفس.
- الفراسة هي الظن الذي يستند إلى علامة؛ فإن ذلك يحرك تحريكًا ضروريًا، لا يُقدر على دفعه.
- قال أبو جعفر الحداد: الفراسة أول خاطر بلا معارض، فإن عارضه معارض من جنسه فهو خاطر، وحديث نفس([9]).
- الفراسة ثلاثة أنواع، هي:
- أحدها: الإيمانية، وهي نور يقذفه الله في قلب العبد، يفرق به بين الحق والباطل.فصل: (الفراسة المكتسبة عن طريق الرياضة النفسية والفراسة الخلقية):
هنا ذَكَرَ المصنف النوع الثاني من أنواع الفراسة، وهو فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي.
- هذه الفراسة لا تدل على الإيمان، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر.
- النوع الثالث من الفراسة هي الفراسة الْخَلْقِيَّةُ، وهي التي صنّف فيها الأطباء وغيرهم، واستدلوا بالخَلْق على الخُلُق لما بينهما من الارتباط.
- لهذه الفراسة سببان:
- الأول: جودة ذهن المتفرس، وحدة قلبه، وحسن فطنته.
- الثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرَّس فيه.فصل: (كراهة التجسس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كراهة تحريم):
مما ذَكَرَه المصنف في هذا الفصل:
- التجسس طلب الأمارات المعرِّفة.
- يجب على من رأى من أحد منكرًا، أو بلغه عنه ألا يأمره حتى يستيقنه من غير تجسس، ولا سؤال عنه، ولكن إن رأى ذلك بعينه محققًّا، أو سمعه بأذنه، أو شهد عنده من يعدله، فإذا استقر ذلك وعظه، وأمره ونهاه، وإلا فلا، فإن فعل ذلك من غير تحقيق دخل في مذمة التجسس.
- إذا اتهم الأمير الرعية، وجاهدهم بسوء الظن فيهم، أو بنقل الفساق، أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن فيهم، ففسدوا، فإن للناس معايب، فأحق من سترها، وكره كشف ما غاب منها: الملك؛ فإنما عليه أحكام ما ظهر، والله تعالى يحكم ما بطن.فصل: (الاكتفاء بالظاهر دون تتبع العورات، أو كشف المستور من المنكرات):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- قال أبو الحسن الماوردي: وليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر له من المحرمات؛ فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة دلت، وآثار ظهرت، فذلك ضربان:
- أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذرًا من فوات الاستدراك، وكذلك لو عرف غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف، والإنكار.
- والضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف أستاره عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة في دار، أنكرها خارج الدار، ولم يهجم عليها بالدخول؛ لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن([10]).
- قال الفراء في الأحكام السلطانية: وإذا رأى رجلًا مع امرأة في طريق سالك، لم يظهر منهما أمارات الريب، لم يتعرض إليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في طريق خالٍ، فخلو المكان ريبة؛ فينكرها ولا يعجل بالإنكار عليهما حذرًا من أن تكون ذات محرم، وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فاحذر خلوة تؤديك إلى معصية الله، وليكن زجره بحسب الأمارات، وإذا رأى المنكِر من هذه الأمارات ما ينكرها تأنى وفحص، ورعى شواهد الحال، ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار”([11]).فصل (وجوب الاستئذان، وحرمة اختلاس النظر من الأبواب المغلقة):
ذَكَرَ من الأحاديث ما يُؤيد عنوان المسألة، ومنه ما ورد في الصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: “من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم؛ فقد حل لهم أن يفقأوا عينه”([12]).
- وقال بهذه الأحاديث الإمام أحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: يضمن؛ لأنه لو دخل منزله، ونظر فيه، أو نال من امرأته ما دون الفرج؛ لم يجز قلع عينه، فمجرد النظر أولى.
- وقال ابن قدامة في تفصيل هذه المسألة:
- ويُفارق ما قاسوا عليه؛ لأن من دخل المنزل يُعلم به؛ فيستتر منه، بخلاف الناظر من ثقب؛ فإنه يرى من غير علم به، ثم الخبر أولى من القياس([13]).
- وظاهر كلام أحمد: أنه لا يعتبر في هذا أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك، لظاهر الخبر.
- وقال ابن حامد[14]: يدفعه بأسهل ما يمكنه دفعه به، فيقول له أولا: انصرف. فإن لم يفعل، أشار إليه يوهمه أنه يحذفه، فإن لم ينصرف، فله حذفه حينئذٍ([15]).
- فأما إن ترك الاطلاع ومضى، لم يجز رميه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطعن الذي اطلع ثم انصرف؛ ولأنه ترك الجناية، فأشبه من عض، ثم ترك العض، لم يجز قلع أسنانه. وسواء كان المطلع منه صغيرًا، كثقب أو شق، أو واسعًا، كثقب كبير([16]).
- والأولى أنه لا يجوز حذف من نظر من باب مفتوح؛ لأن التفريط من تارك الباب مفتوحًا، والظاهر: أن من ترك بابه مفتوحًا أنه يستتر؛ لعلمه أن الناس ينظرون منه، ويعلم بالناظر فيه، والواقف عليه، فلم يجز رميه، كداخل الدار، وإن اطلع فرماه صاحب الدار، فقال المطلع: ما تعمدت الاطلاع لم يضمنه، على ظاهر كلام أحمد؛ لأن الاطلاع قد وجد، والرامي لا يعلم ما في قلبه، وعلى قول ابن حامد يضمنه؛ لأنه لم يدفعه بما هو أسهل([17]).
فصل: (التزام العدل، وتحريم اتباع الهوى في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر):
ذَكَرَ من الأدلة ما يعضد القول بتحريم الهوى، ومما ذكره من فوائد:
- المؤمن المحسن المتبع لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يأمر أحدًا بمجرد غرضه، بل إذا أمر أحدًا بأمر، كان مشروعًا، وكان قصده به انقطاع المأمور، وحصول المصلحة، وله أجر الناصح، الدال على الخير، الداعي إلى الهدى، فهذا هو المشروع للمسلمين مع المسلمين.فصل: (تحريم النصرة بغير الحق عصبية ومحاباة):
- قال ابن الأثير معلقاً على حديث: «العصبي من يعين قومه على الظلم»([18]) العصبي: هو الذي يغضب لعصبته، ويحامي عنهم([19]).فصل: (تحريم لعن المأمور بالمعروف، والمنهي عن المنكر):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- ذهب جماعة من العلماء كالغزالي، وغيره إلى تحريم لعن إنسان بعينه، ممن قد اتصف بشيء من المعاصي، كالكفر والظلم والفسق، وأكل الربا، وغير ذلك([20]).
- أشار الغزالي إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر، كأبي لهب، وأبي جهل([21]).
- أما لعن أهل المعاصي والبدع غير المعينين، فجائز عند جمهور العلماء.
- قال ابن مفلح: ويجوز لعن الكفار عامًّا، وهل يجوز لعن كافر معين؟ على روايتين.
وقال أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى في لعن المعين من الكفار، ومن أهل القبلة، وغيرهم من الفساق بالاعتقاد، أو بالعمل لأصحابنا أقوال:
- أحدها: لا يجوز بحال، وهو قول أبي بكر عبد العزيز؟
- والثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق.
- والثالث: يجوز مطلقًا.
ثم قال([22]): ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز([23]).
- قال أبو الفرج بن الجوزي في لعنة يزيد: أجازها العلماء الورعون، منهم أحمد بن حنبل([24]).
- قال أبو العباس بن تيمية في أمر يزيد: هذا أكثر ما يدل على الفسق، لا على لعنة المعين([25]).
- قال القاضي: فقد توقف -يعني الإمام أحمد- عن لعنة الحجاج مع ما فعله، ومع قوله: الحجاج رجل سوء، وتوقف عن لعنة يزيد مع قوله في رواية المهنا، وقد سأله عن يزيد بن معاوية، فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل، قتل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونهبها؛ لا ينبغي لأحد أن يكتب حديثه، الإمساك أحب إليّ([26]).
فصل: (تحريم الفحش في القول في مخاطبة المأمور بالمعروف، والمنهي عن المنكر):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- الفحش في القول: هو التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كان المتكلم بها صادقًا، وقيل: الرديء من القول القبيح، والتفحش التفعّل منه، يعني: الذي يتكلفه ويتعمده.فصل: (تحريم سب المأمور بالمعروف، والمنهي عن المنكر، وتفسيقه، وتكفيره):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- سباب الآمر بالمعروف للمأمور منهيّ عنه.
- سب المسلم بغير حق حرام بالإجماع، وفاعله فاسق.
- قتال المسلم كفر -أي بغير حق-، فقيل: المستحل له يكفر، وقيل: كفر الإحسان والنعمة لا كفر الجحود، وقيل: يؤول إلى الكفر بشؤمه، وقيل: كفعل الكفار.
- السب والإغلاظ ابتداء يبعث المأمور بالمعروف على لزوم المعصية؛ لتعدي الآمر عن مراتب الأمر والنهي.
- إثم السب يختص كله بالبادئ، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له.
- لا خلاف في وجوب الانتصار، وقد تظاهرت الأدلة عليه من الكتاب والسنة.
- قال العلماء: إذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، والإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى قوله: “على البادئ”([27]) أي: عليه اللوم والذم، لا الإثم.
- لا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبًا، أو قذفًا، أو سبًّا لأسلافه.
- من الانتصار المباح أن يقول: يا ظالم، يا أحمق، يا جاني، أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد ينفك من هذه الأوصاف.
- الفرق بين المناضلة والسفاهة:
- المناضلة: لعبد وصل إليه الظلم؛ فاحتسب في احتماله، ثم رأى ترك المناضلة عن نفسه، ذلة في الإسلام، ووهنًا في أموره، ونقصًا لتدبير أحواله التي دبر الله له، فقام بالذب عن نفسه، مناضلًا عن حقها، فإن للنفس حقًّا.
- السفاهة: لعبد خلص إليه ألم الظلم؛ فلم يحتسب في احتماله، وحملته الأنفة، وحمية النفس على التشفي والمجازاة؛ فتلك سفاهة؛ فيظهر فيها الرياء والعدوان.
فصل: (النهي عن الشماتة بالمأمور، وتعييره بما هو عليه من المنكر):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- الشماتة محرمة، وقلّ أن يشمت أحد بمساءة إلا ويُبتلى بمثلها.
- الفرق بين الشماتة والاستراحة:
- الشماتة لعبد كان في قلبه حقد وتباعد عن أخيه المسلم، وأصابت المحقود عليه نكبة في دينه، أو دنياه، أو بدنه، ففرح بذلك، وهشت نفسه إلى ما حل به، وطابت، وأصلها من الحسد.
- الاستراحة لعبد كان يتأذى بظالم غشوم، فنكب الظالم ما شغله عن ظلمه؛ فاستراح المظلوم إلى نكبته، من غير أن يرضى بذلك، أو رجل كان يطعن في دينك، ويرميك بألقاب السوء، فبلي بمثل ذلك؛ فاستراحت نفسك إلى ما بلي به من أجل أنه شُغل عنك، وانقمع لذلك.
- قال النووي في قصة تعيير أبي ذر لبلال: وفيه النهي عن الترفع على المسلم وإن كان عبدًا، وفيه النهي عن سب العبيد وتعييرهم بآبائهم؛ فلا يجوز لأحد أن يعير عبده بشيء من المكروه يعرفه في أصوله وخاصته، وفيه: المحافظة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك([28]).فصل: (النهي عن غيبة المنهي عن المنكر، وذكر مساويه إلا لأولي الأمر):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- يُكره للآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر تحريمًا إذا لم يستطع أن يغير بيده، ولا بلسانه، أن يذكر مساوي المسلم لأحد من سوى أولي القوة القادرين على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فتصير غيبة.
- الغيبة هي ذكر الإنسان بظهر الغيب بما يكره، وتُسمى الوقيعة، وفاعلها وقاع ووقاع، وتكون باللفظ، أو الكتابة، أو الرمز، أو الإشارة إليه بالعين، أو اليد، أو الرأس.
- الضابط: كل ما أفهم نقصان مسلم فهو غيبة، سواء كان في البدن، أو النفس، أو الفعل، أو القول، أو الدين، أو الدنيا، حتى في الثوب، والدار، والدابة.
- أما البدن: فكالعمش، والحول، وغير ذلك، أو في نسبه بأن يقول: أبوه نبطي، أو هندي، أو فاسق، أو خسيس، أو غير ذلك.
- وأما النفس: بأن يقول: إنه سيء الخلق، أو متكبر، أو مرائي، ونحو ذلك.
- وأما أفعاله المتعلقة بالدين: كقوله: إنه سارق، أو كذاب، أو شارب خمر، أو خائن، أو ظالم، ونحو ذلك.
- وأما أفعاله المتعلقة بالدنيا: كقول: إنه قليل الأدب، أو متهاون بالناس، أو كثير النوم، أو كثير الكلام.
- وأما في الثوب: كقوله واسع الكم، أو طويل الذيل، أو وسخ الثياب، أو ما يجري مجراه.
- قال الحسن البصري: والغيبة ثلاثة أوجه، كلها في كتاب الله: الغيبة، والإفك، والبهتان.فالغيبة: هو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
والإفك: أن تقول فيه ما يبلغك عنه.
البهتان: أن تقول فيه ما ليس فيه([29]).
- وكان ابن سيرين لا يعجبه أن يغتاب اليهودي والنصراني، وقال في حق النصرانيين: أحدهما أطب من الآخر، ثم قال: أراني قد اغتبته([30]).فصل: (أصل الوقوع في الغيبة، ووجوب حفظ اللسان):
أكثر المصنف من ذكر الأدلة والآثار في فضيلة حفظ اللسان، ومما ذكره من قواعد حفظ اللسان:
- أصل الغيبة إطلاق اللسان بما لا فائدة فيه؛ فيتسلل ذلك؛ حتى يوقع صاحبه للغيبة المحرمة.
- يجب حفظ اللسان عن الكلام إلا بما رجحت مصلحته.
- ذكر أبو الحسن الماوردي: أن للكلام شروطًا أربعة، لا يسلم المتكلم إلا بها، ولا يعرى من النقص إلا أن يستوعبها:
- فالشرط الأول: أن يكون الكلام لداعٍ يدعو إليه؛ إما في جلب نفع، أو دفع ضرر.
- والثاني: أن يأتي به في موضعه.
- والثالث: أن يقتصر منه على قدر الحاجة.
- والرابع: أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به([31]).
فصل (تحريم الاستماع للغيبة):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- يحرم سماع الغيبة، ويجب على السامع ردها، والإنكار على فاعلها، فإن عجز، ولم يُقبل منه، فارق ذلك المجلس إن أمكنه.فصل: (بواعث الغيبة، والأسباب المؤيدة إليها):
ذَكَرَ في هذا الفصل نقلًا عن الغزالي يبين الأسباب الباعثة على الغيبة، وأنها ثمانية تطرد في حق العامة، وثلاثة تختص بأهل الدين والخاصة:
الأول: تشفي الغيظ.
الثاني: موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء.
الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده، ويقبح حاله عند محتشم، أو يشهد عليه بشهادة، فيبادره قبل أن يقبح هو حاله؛ فيطعن فيه ليسقط أثر الشهادة، أو يبتدئ بذكر ما هو فيه صادقًا؛ ليكذب عليه بعده، فيروج كذبه بالصدق الأول.
الرابع: أن ينسب إلى شيء؛ فيريد أن يبرأ منه؛ فيذكر الذي فعله، وكان من حقه أن يبرئ نفسه، ولا يذكر الذي فعله.
الفرق بين الذب عن العرض، وإشاعة الفاحشة:
– فالذب لعبد رُمي ببهتان، فهو يذب عن نفسه بمقالة، إن قالها كان قد أشاع على الظالم بمقالة قبح وسوء؛ فهو معذور؛ لأنه مأمور أن يذب عن نفسه بالغًا ما بلغ.
– وأما إشاعة الفاحشة فهي لمن يسمع بالسوء ويراه؛ فيشيعه في الناس كي يلزق به عارًا.
الخامس: إرادة التصنع والمباهاة، وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره.
السادس: الحسد، وهو أن يحسد من يثني عليه الناس خيرًا؛ فيريد زوال هذه النعمة، فيقدح فيه، ليسقط ماء وجهه عند الناس.
السابع: اللعب والهزل؛ فيذكر عيوب إنسان ليضحك الناس عليه.
الثامن: السخرية والاستهزاء استحقارًا له([32]).
وأما البواعث الثلاثة التي في الخاصة:
الأول: أن تنبعث من الدين داعية التعجب من إنكار المنكر، والخطأ في الدين؛ فيقول: ما أعجب ما رأيت من فلان، فإنه قد يكون صادقًا، ويكون تعجبه من المنكر، ولكن كان حقه أن يتعجب، ولا يذكر الاسم.
الثاني: الرحمة، وهو أن يغتم بسبب ما يبتلى به شخص، ويكون صادقًا في اغتمامه، ويلهيه الغم عن الحذر من ذكر اسمه.
الثالث: الغضب لله، فإنه قد يغضب على منكر قارفه اللسان، فيظهر غضبه، ويذكر اسمه، وكان يجب عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر دون أن يذكر اسمه.
فصل: (ما يُباح من الغيبة شرعًا):
ذَكَرَ المصنف الأسباب المبيحة للغيبة، والتي ذكرها النووي، وهي:
الأول: التظلم: فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان، والقاضي، وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى منهج الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه.
وقال النووي في موضع آخر: فإن علم الآمر بالمعروف أن للمأمور صاحبًا يقبل منه، لزمه أن يقول له ليعظه، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا([33]).
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا، فهل له ذلك؟ ونحو ذلك؛ فهذا جائز للحاجة، ولكن الأفضل أن يقول: ما تقول في رجل كان من أمره كذا وكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود؛ وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة، فإنه من النصيحة، وفي ذلك أحاديث وآثار مشهورة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، ويجب على المشاور ألا يخفي حاله، بل يذكر مساويه بنية النصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقهًا يتردد إلى مبتدع، أو فاسق، أو يأخذ عنه العلم؛ فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلظ فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويخيل الشيطان إليه أنه نصيحة، فليتفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحًا، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلًا، ونحو ذلك؛ فيجب ذكر ذلك لمن له ولاية عامة؛ فيزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه؛ ليعامل بمقتضى حاله.
السبب الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه، معلنًا ببدعته.
- قال أبو العباس ابن تيمية: إن المظهر للمحرمات تجوز غيبته بلا نزاع بين العلماء([34])، وقال في المستتر: ويُذكر أمره على وجه النصيحة([35]).
- قال ابن مفلح: لكن لا يجوز ذكره بغير ما جاهر به من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر([36]).
- سُئل ابن تيمية عن غيبة تارك الصلاة، فقال: إذا قيل عنه: إنه تارك صلاة، وكان تاركها فهذا جائز، وينبغي أن يُشاع ذلك عنه، ويُهجر، حتى يصلي([37]).
- قال الحسن البصري: ليس لأهل البدع غيبة([38]).السبب السادس: التعريف: وهو أن يكون الشخص معروفًا بلقب لا يُعرف إلا به، كالأعمش، ونحوه.
- قال النووي: قال العلماء من أصحاب الحديث، والفقه، وغيرهم: يجوز ذكر الراوي بلقبه، وصفته، ونسبه الذي يكرهه، إذا كان المراد تعريفه، لا نقصه، للحاجة، كالجرح للحاجة([39]).
- قال المحققون: وليس مذمة المواضع التي تدعو إلى المعاصي، والأسباب التي تدعو إليها مذمومًا، فما زال السلف الصالح يعتادون ذلك.
- قال صاحب المختار من الحنفية: ولا غيبة لأهل قرية([40]).
- ولقد اتفق جماعة على ذم بغداد، وطلب الفرار منها، كابن المبارك، وذم العراق جماعة، كعمر بن عبد العزيز، وكعب الأحبار.
فصل: (نهي الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر عن قبول قول من لا يتم به نصاب الشهادة تجنبًا للنميمة، مع بيان مفهومها، وآثارها، وتحريمها):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- النمام هو الذي ينقل بين الناس ما يغير به قلوب بعضهم على بعض؛ فيكون سببًا لإفساد ذات البين، وأمرنا بإصلاحها، وبالتألف، وسمى الله تعالى فاعل ذلك فاسقًا.
- من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار؛ لأن الخبر أمانة، والفسق قرينة تبطلها.
- يجب ألا يسمع من ينم عنده، ومن ينقل الأخبار للناس، وما جرى لهم مما لا يترتب عليه فائدة شرعية.
فصل: (حكم استحلال التائب من الغيبة ممن اغتابه، أو نم عليه):
هل يُشترط للتائب من الغيبة والنميمة ونحوهما أن يستحل ممن اغتابه، أو نم عليه أم لا؟
على روايتين عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، قيل: يُشترط، وقيل: لا يُشترط.
فصل: (نهي عن الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر عن إتيان الفعل الذي ينهى عنه):
- لقد عد الشيخ عبد القادر الكيلاني من شرط الآمر الناهي أن يكون عاملًا بما يأمر، متنزهًا عما ينهى عنه، غير متلطخ به([41]).
- قال العلماء: ومن جملة التعظيم لهذه الشعيرة العظمى الإجلال لها بالفعل، فإذا نطق العالم بلسانه في شيء من الأحكام بالوجوب والندب؛ فيكون هو أول من يبادر إلى فعل الواجب أو الندب؛ ليتصف بالعمل كما اتصف بالقول.
فصل: (مضاعفة عذاب العالم لعصيانه عن علم):
ذَكَرَ المصنف من الأدلة ما يعضد عنوان هذا الفصل.
فصل: (وجوب التزام الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر بما يأمر به، وينهى عنه):
- ذَكَرَ المصنف أنه ينبغي للآمر الناهي ألا يخالف فعله قوله، بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به؛ لأن من شرط الآمر بالمعروف أن يكون متصفًا بالمعروف، ومن حق الناهي عن المنكر أن يكون منصرفًا عن المنكر.
- وذَكَرَ أن رؤية العوام لزلة العالم، أو سماع حكايتها، يهون عليهم أمر تلك البدعة، ويسقط من قلوبهم استعظامهم للإقدام عليها.
- المقصود: أن إنكار المنكر من أعظم العبادات، وكذلك الأمر بالمعروف؛ فعلى العاقل أن يبدأ بنفسه فيأمرها، ويجاهدها جهادًا كبيرًا، وبعد ذلك يأمر غيره وينهاه.
- وأكثر المصنف من ذكر ما يدل على هذه المسألة من أدلة وغيرها.
فصل: (الأسباب الموجبة لالتزام الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر لما يأمر به، وينهى عنه):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- لا يسبق إلى الفكر أن الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر يصير ممنوعًا من القيام بالأمر بتعاطيه للمعصية، ولكن تنفر منه الطباع، ويزول أثر كلامه عن القلوب.
- إذا كان من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر عاملًا بما يأمر، ومنتهيًا عما ينهى كانت الموعظة، والأمر والنهي، أوقع في النفوس وأبلغ، ونجعت الموعظة.
- وكذلك إذا عدل الإمام، كف المفسد والفاسق، وانتشر الدين، وقوي أهله، وكثر الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، وتعاطى الناس الحق، ولزموا قانون العدل.
- قال الغزالي: نفرة الطباع عن الآمر الفاسق لشيئين:
- أحدهما: أنه ترك الأهم، واشتغل بما هو مهم.
- السبب الثاني: أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تارة يكون بالوعظ، وتارة يكون بالقهر، ولا ينجع وعظ من لا يتعظ أولًا([42]).
- قال الغزالي: رجع الكلام إلى أن أحد نوعي الاحتساب وهو الوعظ قد بطل بالفسق، وصارت العدالة مشروطة فيه، وأما الحسبة القهرية فلا يُشترط فيها ذلك، فلا حرج على الفاسق في إراقة الخمور، وكسر الملاهي وغيرها إذا قدر([43]).فصل: (نهي الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر عن الإعجاب بنفسه، واحتقار المأمور والمنهي):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- المقصود: أنه لا ينبغي للإنسان أن يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة والمخالفة؛ فلعل من يواظب على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفًا مذمومًا، لا تصح معه تلك الأعمال، ولعل من رأينا عليه تفريطًا، أو معصية، يعلم الله من قلبه وصفًا محمودًا يغفر له بسببه.
- قال أبو عبد الله القرطبي: فالأعمال أمارة ظنية، لا أدلة قطعية، ويترتب على ذلك عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالًا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالًا سيئة، بل نحتقر ونذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات السيئة([44]).
- حاصل الأمر: أنه ينبغي للعبد أن يكون خائفًا على نفسه، راجيًا لغيره، ولا يأمن مكر الله تعالى.
- نقل عن الغزالي معيارًا للآمر الناهي: ينبغي أن يمتحن به الآمر الناهي نفسه، وهو أن يكون امتناع ذلك الإنسان عن المنكر به، وبإنكاره أو بغيره أحب إليه من امتناعه بإنكاره، فإن كان الأمر شاقًا عليه، ثقيلًا على نفسه، وهو يود أن يكتفي بغيره في ذلك، فليأمر ولينه، فإن باعثه ديني، وإن كان اتعاظ ذلك العاصي بوعظه، وانزجاره بزجره أحب إليه من اتعاظه بوعظ غيره، فما هو إلا متبع لهوى نفسه، ومتوسل إلى إظهار جاه نفسه بواسطة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فليتق الله تعالى ربه، وليعظ أولًا نفسه([45]).
فصل: (تابع لما قبلها):
في هذا الفصل تابع المصنف الحديث عن العجب، والتحذير منه، ومما ذَكَرَه من فوائد:
- التلذذ بجاه الإفادة أعظم من كل تنعم في الدنيا، فمن أجاب شهوته فيه فهو من أبناء الدنيا.
- لا يخلو العالم الورع، والآمر الناهي في غالب أحواله عن إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتشار الصيت لها بالتدريس والوعظ.
- من فعل ذلك فقد تصدى لفتنة عظيمة، لا يخلو منها إلا الصديقون؛ فإنه إن كان كلامه مقبولًا، حسن الوقع في القلوب؛ لم ينفك عن الإعجاب، والخيلاء، والتزين، والتصنع؛ وذلك من المهلكات.
- وإن رُد كلامه؛ لم يخل من أنفة وغيظ وحقد على من يرده، وهو أكثر من غيظه على من يرد كلام غيره، وقد يلبس الشيطان عليه ويقول: إنما غضبك لله -عز وجل- من حيث إنه رد الحق وأنكر.
- ينبغي للعبد إذا أمر أو نهى وقُبل منه أن يرى ذلك من الله -سبحانه وتعالى-، ومن توفيقه، وأنه محمول على ذلك، لا من قبل نفسه.
فصل: (نهي الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر عن القطع لنفسه بالنجاة، وأمنه الفتنة، واليأس من رحمة الله في حق المأمور):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- من مذهب أهل السنة القول بغفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله ذلك خلافًا للمعتزلة.
- قال المصنف في التعليق على حديث: “إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم”([46]): اتفق العلماء على أن هذا الذم لمن قال ذلك عجبًا بنفسه، تصاغرًا للناس، ومزدريًا لهم، وارتفاعًا عليهم، فهذا هو الحرام، وهو أشد هلاكًا منهم؛ لأنه لا يعلم سر الله في خلقه، وأما من قال ذلك لما يراه في نفسه، وفي الناس من نقص في أمر الدين، ويرى نفسه بعين الاحتقار تحزنًا على نفسه، وعلى الدين فلا بأس عليه.
- الجاهل والعاصي إذا تواضع وذل هيبة لله، وخوفًا منه؛ فقد أطاع بقلبه، وهو أطوع لله من العالم المتكبر، والعابد المعجب.
فصل: (ما يُعين الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر على مجاهدة نفسه، وعدم القطع بنجاته، وهلاك العصاة):
ذَكَرَ المصنف أن مما يُعين الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر على مجاهدة نفسه، وعدم القطع بنجاته، وهلاك العصاة:
- التفكر في الخاتمة وخطرها.
- وأن الفتنة أقرب إلى الطائع الآمر الناهي من ارتداد الطرف.
- بل لو نظر إلى الكافر ينبغي أن يتصور إمكان إسلامه؛ فيختم له بالإيمان، ويضل هو؛ فيختم له بالكفر، وبالفسوق، والعصيان.
- فإن الكبير هو الكبير عند الله في الآخرة، والكلب والخنزير أعلى رتبة ممن هو عند الله من أهل النار وهو لا يدري.
- حُقّ على العبد ألا يتكبر على عاصٍ، ولا مبتدع، بل ولا كافر، ولا يحتقره، ولا يستهزئ به، ولا يقطع له بالهلاك، ولنفسه بالنجاة.
فصل: (وجوب الالتزام بالرفق واللين في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر):
بهذا الفصل ينتهي الباب الخامس، وذكر المصنف أن غالب ما تقدم في هذا الباب بل وفي غيره هو:
- قول بعض العارفين: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كلمة جامعة، تحتها معانٍ، وهو أنك إذا أمرت بمعروف، أو نهيت عن منكر؛ فإن الذي تأمره وتنهاه على شفير النار؛ فإياك أن تدفعه دفعة؛ فترمي به في قعر جهنم، وقد يتعلق بك فتقعا جميعًا، فإنك إذا لم تحكم الأمر والنهي، ولا ميزت فيه بين الممدوح والمذموم، هلكت، وأهلكت من تأمره.
الباب السادس: في بيان ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باليد واللسان في غالب الأحيان، وأكثر الأزمان
ثم بدأ بذكر فصول الباب دون مقدمة:
فصل: (متى يجب على المرء الاشتغال بعيوب نفسه عن أمر غيره بالمعروف، ونهيه عن المنكر؟)
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- قال العلماء: إذا اجتمعت مصالح ومفاسد:
- فإن أمكن تحصيل المصالح، ودرء المفاسد، فعلنا ذلك امتثالًا لأمر الله -عز وجل- فيهما لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
- وإن تعذر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة، ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من نفعهما.
- وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصّلنا المصلحة مع التزام المفسدة.
- وإن استوت المصالح والمفاسد فقد تخيّر بينهما، وقد يتوقّف فيهما.
- التقرير على المعاصي مفسدة، لكن يجوز التقرير عليها عند العجز عن إنكارها باليد واللسان، ومن قدر على إنكارها مع الخوف على نفسه كان إنكاره مندوبًا، ومحثوثًا عليه.فصل: (بعض ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واليد):
ذَكَرَ المصنف أن العلماء اختلفوا فيما يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذَكَرَ أقوالًا مما تنص على ذلك، ومنها:
- قال قوم: إذا تحقق ضربًا أو إهانة، سقط عنه الفرض، وانتقل إلى الندب.
- قال أبو الوفاء علي بن عقيل: شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يأمن الآمر على نفسه وماله التلف، وهو مذهب الجمهور([47]).
- وأطلق القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين وغيره: سقوطه لخوف الضرب والحبس وأخذ المال، وأسقطه أيضًا في مكان آخر بأخذ المال اليسير([48]).
- قال ابن مفلح: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض عين على من علمه جزمًا، وشاهده، وعرف ما ينكر، ولم يخف سوطًا، ولا عصًا، ولا أذى([49]).
- قال ابن حمدان في الرعاية الكبرى: أذى يزيد على المنكر، أو يساويه، أو فتنة في نفسه، أو ماله، أو حرمته، أو أهله([50]).
- وذكر جماعة من العلماء: أن السب والشتم عذر في السكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنه أذى.
- وقال أبو طالب عمر بن ربيع الخشاب: إذا كان إمساكه عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لإياسه من أن يجيبوه، أو لخوف على نفسه، أو لقلة من يعاونه، كان غير عاصٍ في إمساكه.
- وذكر صاحب نهاية المبتدئين([51]): بأن الإنكار لا يلزم إلا إذا علم حصول المقصود، ولم يقم به غيره([52]).
- وأشار لخلاف العلماء في مسألة: هل يجب الإنكار إذا غلب على ظنه عدم زوال المنكر؟ وفيها عن أحمد روايتان.
فصل: (متى يجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟ ومتى يسقط هذا الوجوب؟)
نَقَلَ المصنف عن الغزالي ما ملخصه ما يلي:
- يُلتفت في الإنكار إلى معنيين:
- عدم إفادة الإنكار امتناعًا.
- الآخر: خوف مكروه.
- يحصل من اعتبار المعنيين أربعة أحوال:
- الحالة الأولى: أن يجتمع المعنيان؛ بأن يعلم أنه لا ينفع كلامه، ويُضرب إن تكلم؛ فلا يجب عليه الإنكار، بل يحرم في بعض المواضع.
- يلزمه ألا يحضر مواضع المنكر، ويعتزل في بيته حتى لا يشاهد، ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب.
- لا يلزمه مفارقة تلك البلدة والهجرة إلا إذا كان يحمل على الفساد ومساعدة السلطان في الظلم والمنكرات؛ فيلزمه الهجرة إن قدر عليها.
- الحالة الثانية: أن ينتفي المعنيان جميعًا؛ فيجب عليه الإنكار، وهذه القدرة المطلقة.
- الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره، ولكنه لا يخاف مكروهًا؛ فلا يجب الإنكار، ولكن يستحب لإظهار الإسلام، وتذكير الناس بأمر الدين.
- الحالة الرابعة: عكس هذا، وهو أن يعلم أن يصاب بمكروه، ولكن يبطل المنكر بفعله؛ فهذا ليس بواجب ولا حرام، بل هو مستحب([53]).
- قال الغزالي في التعليق على الحالة الأولى: كمن يرى فاسقًا متغلبًا وحده، وعنده سيف، وبيده قدح، وعلم أنه لو أنكر عليه لشرب القدح وضربه، فقال([54]): فهذا مما لا أرى للإنكار عليه وجهًا، وهو عين الهلاك؛ فإن المقصود: أن يؤثر في الدين أثرًا، ويفديه بنفسه، فأما تعريض النفس للهلاك من غير أثر فلا وجه له في الدين؛ بل ينبغي أن يكون ذلك حرامًا([55]).
- لو علم أنه لو أنكر لبطل ذلك المنكر، ولكن كان ذلك سببًا لمنكر آخر يتعاطاه غير المنكر عليه:
- لم يجز له الإنكار على الأظهر، كما قال الغزالي([56]) وغيره.
- وذكر الغزالي: أنه يحتمل أن يقال: بأن ينكر هذا المنكر، والمنكر الآخر يتحمله فاعله، والمنكِر غير قادر عليه، وقد ذهب إليه ذاهبون، وليس ببعيد([57]).
- ذكر الغزالي قاعدة لظن المكروه:
- إن غلب على ظن المنكِر أن يُصاب لم يجب.
- وإن غلب على ظنه أنه لا يُصاب وجب.
- مجرد التجويز لا يسقط الوجوب؛ فإن ذلك ممكن في كل إنكار.
- إن شك من غير رجحان فهذا محل النظر:
- والأظهر أن يُقال: الأصل الوجوب للعمومات، ويسقط بمكروه، والمكروه هو الذي يُظن أو يُعلم حتى يكون متوقعًا.
- ويُحتمل أن يقال: إنما يجب إذا علم أنه لا ضرر، أو ظن ذلك.
- وفي تحديد التوقع للمكروه:
- نَقَلَ عن الغزالي: أن التعويل فيه على اعتدال الطبع، وسلامة العقل والمزاج([58]).
- قال الغزالي: فعلى الجبان أن يتكلف إزالة جبنه، بإزالة علته، وعلته جهل أو ضعف؛ فيزول الجهل بالتجربة، ويزول الضعف بممارسة الفعل المخوف منه تكلفًا حتى يصير معتادًا([59]).فصل: (حدود ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باللسان واليد من المكروهات النازلة بالقائم بذلك):
نَقَلَ عن الغزالي حد المكروه الذي يسقط الوجوب، ويتلخص كلامه فيما يلي:
- مطالب الخلق في الدنيا: العلم، والصحة، والثروة، والجاه.
- يكره في هذه الأربعة أمران:
- خوف امتناع المنتظر من علم أو صحة أو ثروة أو جاه: وهذا كله لا يُسقط وجوب الحسبة؛ لأن هذه زيادات امتنعت، وتسمية امتناع حصول الزيادات ضررًا مجاز.- يُستثنى من هذا كل ما تدعو إليه الحاجة، ويكون في فواته محذور، يزيد على محذور السكوت على المنكر.
– والأمر فيها منوط باجتهاد المحتسب، ويُرجِّح بنظر الدين، لا بموجب الهوى والطبع.
– المداراة: أن يرجح السكوت عن الإنكار بموجب الدين.
-المداهنة: أن يرجح السكوت عن الإنكار بموجب الهوى والطبع.
- فوات الحاصل فهو مكروه ومعتبر في جواز السكوت في الأمور الأربعة إلا العلم، فإن فواته غير مخوف إلا بتقصير منه.
- فوات الجاه على درجتين:
- درجة الجاه المعتبر فواتها هي المعبَّر عنها بسقوط المروءة، كالطواف به في البلد حاسرًا حافيًا، فهذا يرخص له في السكوت؛ لأن المروءة مأمور بحفظها في الشرع.
- الدرجة الثانية: ما يعبر عنه بالجاه المحض، وعلو الرتبة من الخروج في ثياب فاخرة تجمل، وهكذا الركوب في الخيول؛ فلا ينبغي أن يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بهذا العذر.
– لو ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بلوم لائم، أو اغتياب فاسق، أو شتمه، أو تعنيفه، أو سقوط المنزلة عن قلبه، وقلوب أمثاله، لم يكن للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وجوب أصلًا.
فصل: (حد ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باللسان واليد من المكروهات النازلة بأقارب القائم بذلك):
تحدّث المصنف عن أثر المكروهات النازلة بأقارب القائم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما يلي:
- إن كان ما يفوت من حقوقهم يفوت على طريق المعصية، كالضرب والنهب؛ فليس له الأمر والنهي؛ لأنه دفع منكر يفضي إلى منكر.
- إن كان يفوت لا بطريق المعصية؛ فهذا إيذاء مسلم أيضًا، وليس له ذلك إلا برضاهم.
- إن كان لا ينالهم أذى في نفس ومال، ولكن ينالهم الأذى بالسب والشتم؛ فهذا فيه نظر، ويختلف الأمر فيه بدرجات المنكرات في تفاحشها، ودرجات الكلام المحذور في نكايته في القلب، وقدحه في العرض.
- قال بعض العلماء: إن كان المنكر الثاني أعظم من الأول حرم الإنكار، وإن كان أقل منه وجب.
- ذكر أبو حامد الغزالي: أن من أسباب إسقاط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر اشتغال الآمر بما يحتاجه من كسب قوت يومه([60]).
فصل: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر):
دار هذا الفصل حول حديث ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- للكعبة على ما هي عليه دون محاولة هدمها، وبنائها على قواعد إبراهيم، ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد متعلقة بهذا الحديث:
- إذا تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بينهما بُدئ بالأهم.
- وفي الحديث دلالة على ترك بعض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إذا خُشي منه أن يكون سببًا لفتنة قوم ينكرونه، ويسارعون إلى خلافه واستشناعه.
- وترك النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن المنكر عند تعارض المفسدتين أيضًا دفعًا للأعلى بالأدنى فيها.
فصل: (ما يسقط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باللسان واليد من أحوال الحكام الجائرين):
- دار هذا الفصل حول مسألة إسقاط وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باليد واللسان بسبب الخوف ممن يخاف من أهل التجبر من الملوك وغيرهم؛ فيجب حينئذٍ الكراهة بالقلب، وإنما يجري ذلك عند الأمور التي لا يُطاق القيام بها.
- قال ابن مفلح: وظاهر كلام أحمد وصريحه، عدم رؤية الإنكار على الإمام الجائر([61]).
- وقال القاضي أبو الحسين بن يعلى: واختلفت الرواية: هل يحسن الإنكار؟ على روايتين، وفيه رواية ثالثة: أنه يقبح، وبه قال بعض الفقهاء والمتكلمين([62]).
- من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت؛ بل إنما يأثم بالرضا به، أو بأن لا يكرهه بقلبه، أو بالمتابعة عليه.
- لا يجوز الخروج على الإمام بمجرد الظلم والفسق، ما لم يغير شيئًا من قواعد الإسلام.
فصل: (ما يجيز السكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من خوف الرياء والسمعة والمباهاة):
أجاز بعض السلف السكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إذا حصل للآمر رياء وسمعة؛ خوفًا من إحباط العمل.
فصل: (في جواز العزلة عن الخلق عند شيوع المنكرات، والعجز عن تغييره):
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- استحب جماعة من السلف وأئمة الخلف العزلة والهرب عند فساد الزمان، ومشاهدة المنكرات في الأسواق والمجامع والشوارع، والعجز عن التغيير.
- ممن مال إلى العزلة وفضّلها على الاختلاط سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي، والفضيل بن عياض، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، وبشر الحافي، والإمام أحمد في إحدى روايتيه.
- قال ابن القاسم: سمعتُ مالكًا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسب فيها السلف([63]).
فصل: (فوائد العزلة عن الخلق الدينية والدنيوية):
ذَكَرَ المصنف أن فوائد العزلة لا تحصر، ولكن أصولها ستة، وهي:
- التفرغ لأنواع العبادات الظاهرة والباطنة، والأنس بالله.
- التخلص بالعزلة عن المعاصي، لا سيما التي يتعرض إليها الإنسان بالمخالطة، ويسلم منها في الخلوة، وهي أربعة: الغيبة، والرياء، والسكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا.
- الخلاص من الفتن، والخصومات، وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها والتعرض لأخطارها.
- الخلاص من شرور الناس؛ فإنهم يؤذونه مرة بالغيبة، ومرة بسوء الظن والتهمة، ومرة بالاقتراحات والأطماع الكاذبة التي يعسر الوفاء بها، وتارة بالنميمة والكذب.
- أن ينقطع طمع الناس عنك، وينقطع طمعك عن الناس.
- الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى، وقرناء السوء، ومقاساة خلقهم وأخلاقهم.
فصل: (تفصيل القول في بيان الحدود المبيحة للعزلة عن الناس، أو الاختلاط بهم، أو مداراتهم دون مداهنة):
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- فصّل الخطابي في العزلة، فقال: إن لها وقتًا يجب فيه العمل، ووقتًا يستحب فيه العمل، ووقتًا يباح فيه العمل، ووقتًا يُكره فيه العمل، ووقتًا يحرم فيه العمل([64]).
- قال أبو الفرج ابن الجوزي: فإذا عرفت فوائد العزلة وغوائلها، تحققت أن الحكم عليها مطلقًا خطأ، بل ينبغي أن ينظر إلى الشخص وحاله، وإلى الخليط وحاله، وإلى الباعث على مخالطته، وإلى الفائت بسبب مخالطته من الفوائد؛ فعند ذلك يتبيّن الحق([65]).
- لا ينبغي أن تقطع العزلة عن العلم، والجماعات، ومجالس الذكر، والاحتراف للعائلة، وإنما ينبغي أن يعتزل الإنسان ما يُؤذي، وقد يخاف من المخالطة المباحة أذى فيجتهد في ترك ما يخاف عواقبه.
- الإنسان مع العزلة ينبغي له من مداراة.
- من مداراة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أصحابه كانوا يتحدثون من حديث الجاهلية؛ فيضحكون ويبتسم.
- الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإنك إن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى في إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار، وإن أغضيت لحظ نفسك، واجتلاب شهوتك، وسلامة جاهك، فأنت مداهن.
- المداراة محمودة حتى مع العدو.
فصل: (وجوب اهتمام المرء بإصلاح عيوب نفسه قبل اشتغاله بإصلاح عيوب غيره):
ذَكَرَ من الأدلة والآثار ما يفيد هذا المعنى.
فصل: (طلب العفو عن أصحاب الذنوب دون رفعها إلى الحاكم مع درء الحدود بالشبهات):
- قال المصنف: والمقصود: أنه من جرب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستيفاء الحدود، ندم عليه غالبًا؛ لأنه كجدار مائل، يريد الإنسان أن يقيمه، فيوشك أن يسقط عليه، فيقول: ليتني تركته مائلًا، نعم، لو وجد أعوانًا أمسكوا الحائط حتى يحكمه استقام، ونحن في هذه الأزمان لا نجد الأعوان، ولا نسلم من البهتان والعدوان؛ فينبغي لنا حينئذٍ أن ننجح برؤوسنا خوفًا من المهلكة.
الباب السابع: في عدم الاشتراط للآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر: أن يكون سليمًا من المعاصي، وأن الأمر والنهي غير مختص بولاة الأمور، وفيه ذكر شيء من المنكرات المألوفة بين الناس
اشتمل هذا الباب على الفصول التالية
فصل: (عدم اشتراط سلامة الناهي عن المنكر مما ينهى عنه، ولا أن يكون الآمر الناهي عدلًا):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- قال المحققون من العلماء: ليس من شروط الناهي عن المنكر أن يكون سليمًا من تعاطي المعاصي؛ بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا، حتى قال بعض الأصوليين: فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا.
- الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف.
- الصحيح: أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.
- السلطان الذي يتعاطى الفواحش يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ لأن السلطنة هي هذا، فلو انقبضت يده عنه لم يكن سلطانًا.
- قال أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: وليس من شرط الناهي أن يكون عدلًا عند أهل السنة خلافًا للمبتدعة، حيث يقولون: لا يغير إلا عدل، وهذا ساقط، فإن العدالة محصورة في القليل من الناس، والأمر بالنهي عن المنكر عام في جميع الناس([66]).
- قال أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسيره: وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره، وهذا ضعيف([67]).
- وقد رد المصنف على استدلالات الفريق المشترط للعدالة بأمور منها:
- قال الغزالي: فأما الآيات التي استدلوا بها إنما هي إنكار على الآمرين من حيث تركهم المعروف، لا من حيث أمرهم، ولكن أمرهم للغير على قوة علمهم، وعقاب العالم أشد؛ لأنه لا عذر له مع قوة علمه([68]).
- ورد الغزالي على استدلالهم بمنع الكافر من الاحتساب على الزاني قائلًا: الكافر إن منع المسلم بفعله فهو تسلط عليه، فمنعه من حيث إنه تسلط، وما جعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا، وأما مجرد قوله: لا تزن؛ فليس بمحرم عليه من حيث إنه نهي عن الزنا، ولكن من حيث إنه إظهار لدلالة الاحتكام على المسلم، وفيه إذلال للمحتكم عليه، والفاسق يستحق الإذلال، ولكن ليس من الكافر الذي هو أولى بالذل منه([69]).
- نَقَلَ عن الغزالي: أن اشتراط العدالة هو خرق للإجماع([70]).
- استدل الغزالي بجواز غزو شارب الخمر للكفار، واحتسابهم عليهم إجماعًا([71]).
- رد الغزالي على استدلالهم باستحباب التسحر للصوم بأن ما كان مرادًا للغير فلا ينفك عن ذلك الغير، وإصلاح الغير لا يراد لإصلاح النفس، ولا إصلاح النفس لإصلاح الغير، فالقول بترتب أحدهما على الآخر تحكم([72]).
- ورد الغزالي على استدلالهم بترتب الصلاة على الوضوء، أن الوضوء لا يراد لنفسه، بل للصلاة، فلا حكم له دون الصلاة، وأما الإنكار فليس شرطًا في الانتهاء والائتمار، ولا مشابهة بينهما([73]).
فصل: (تعليل جواز قبول الأمر والنهي ممن لا يخلو من الخطيئة):
نَقَلَ المصنف من الآثار ما يدلل لعنوان الفصل.
فصل: (عدم اختصاص الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بولاة الأمور):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- قال أكثر العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين.
- ونَقَلَ عن الجويني نصّاً يُستفاد منه فوائد:
- الدليل على عدم اختصاص الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بولاة الأمور هو الإجماع.
- يختلف الآمر الناهي حسب اختلاف العلم بالمأمور به، والمنهي عنه، كما يلي:
- ففي الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة فكل المسلمين علماء بها.
- في دقائق الأقوال والأعمال، فلا مدخل للعوام، ولا إنكار لهم، بل ذلك للعلماء، وإنما ينكرون المجمع عليه، وأما المختلف فيه؛ فلا إنكار فيه، ولكن إن ندبه على جهة النصيحة للخروج من الخلاف فهو حسن.
فصل: (جواز إنكار العلماء على ولاة الأمور):
ذَكَرَ من المواقف ما يُؤيد ذلك.
فصل: في ذكر شيء من المنكرات المألوفة التي قد أهمل الناس إنكارها بسبب تكرار مشاهدتها):
ذَكَرَ المصنف مقدمة تدل على خطورة تكرار مشاهدة المنكرات، ثم ذكر بعضًا من المنكرات المألوفة المحرمة التي يجب إنكارها:
- ترك التعليم لما يجب تعليمه من الفرائض والواجبات.
- إساءة الصلاة بترك الطمأنينة؛ فيجب النهي عنه لغير الحنفي.
- إدراك الإمام راكعًا، أو ساجدًا، مع تكبيرة واحدة، ناويًا بها الركوع، أو السجود فقط، أو الإحرام معهما، أو لم ينو شيئًا.
- الصلاة في الثوب الرقيق الذي يدرك معه لون البشرة.
- تأخير النساء لغسل الجنابة، أو الحيض مما يفوت صلاة أو صلوات.
- كل ما يقدح في صحة الصلاة.
- منكرات مألوفة في المساجد، ومنها:
- تراسل المؤذنين.
- تلحين الأذان.
- انحرافهم عن جهة القبلة بجميع الصدر في الحيعلتين.
- انفراد كل واحد بأذان، بحيث يضطرب على الحاضرين الجواب.
- ارتباط حركة الإمام بأصوات المؤذنين.
- فرش بساط يسع الجماعة، ولا يصلي عليه إلا واحد.
- ما يفعله بعض المتكبرين ألا يصلي معه في صفه أحد.
- لبس الخطيب لصلاة الجمعة أو غيرها ثوبًا أسود يغلب عليه الإبريسم، أو ممسكًا لسيف مُذهّب.
- قول المأموم إذا قال الإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فيقول مثله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
- كون الواعظ أو المقرئ أو القصاص شابًّا متزينًا مع حضور النساء، بل يجب ضرب حائل بين الرجال والنساء.
- حضور النساء للصلاة في المساجد إذا خيف منهن فتنة.
- تغليب بعض الوعاظ في حديثهم لجانب الرجاء على الخوف.
- قراءة بعض سورة السجدة في ركعة من صبح الجمعة، وبعضها في الثانية، والأشد قراءة موضع في سجود التلاوة ليسجد.
- قراءة القرآن بين يدي الواعظ، مع تمديد وألحان تغيّر نظم القرآن.
- قيام السُؤّال في المساجد.
- دخول الصبيان والمجانين والسكارى المسجد، إذا خيف منهم ضررًا، أو إيذاءً.
- يُضرب السكران لزجره عند إقراره، أو شهادة عدلين، والضرب لولي الأمر.
- لا يُضرب السكران لظهور الرائحة.
- ويُضرب السكران إذا مشى بين الناس متمايلًا، بحيث يعرف سكره؛ فإظهار الفاحشة فاحشة، كما قال الغزالي([74]).
- البيع والشراء في المساجد.
- الإجارة ونحوها من العقود في المساجد.
- إنشاد الضالة في المساجد.
- الجلوس في المساجد للحديث عن أمور الدنيا.
- رفع الصوت في المسجد بالخصومات بما لا فائدة فيه.
- إعارة قناديل المساجد والبسط والحصر في الأفراح والولائم، بل ولا إلى مسجد آخر.
- تعليق قناديل الفضة والذهب في المساجد.
- جلوس أرباب الصنائع اللطيفة، والحرف النظيفة أكثر الأوقات في المساجد حرفةً واكتسابًا.
- وقوف الدواب على أبواب المساجد، لا سيما في الجمع والأعياد.
- إحداث بيوت في المساجد، أو في أسطحتها للسكنى، ومنها اقتطاع أماكن من المسجد يمنع منها الغير.
- التفلية([75]) في المساجد، ورمي القمل فيها.
فصل: (منكرات الولائم):
قدّم للفصل بمقدمة تدلل على عدم حضور الولائم التي فيها منكرات، ولا يقدر على تغييرها، ثم ذَكَرَ من هذه المنكرات ما يلي:
- كون الطعام حرامًا.
- كون الدار مغصوبة، أو كان فيها منكر.
- إذا كان الداعي ظالماً، أو فاسقًا، أو مبتدعًا، أو مفاخرًا بدعوته.
- فرش الحرير للرجال، والتبخير بمبخرة ذهب أو فضة.
- الشرب في أواني الذهب والفضة.
- وضع الشموع في الشماعنين المضببة بالذهب والفضة.
- سماع الأوتار أو القينات، أو ما عدا ذلك من آلات اللهو.
- اجتماع النساء على السطح للنظر للرجال.
- تعليق ستور الحرير، والتي نسجت بالذهب، والتي عليها صور حيوان.
- إذا كان هنالك من يلبس الحرير، أو خاتم الذهب فلا يجوز الجلوس معه.
- إذا يكون في الوليمة مبتدع يدعو إلى بدعته، ولا يقدر الرد عليه فلا يجوز الحضور.
- إذا كان هنالك مضحك بالكذب أو الفحش، أو بالمباح، ولكن اتخذه صنعة وعادة لم يجز الحضور.
- الإسراف في الطعام والشرب والبناء.
- في المال منكران، هما: الإضاعة، والإسراف:
- الإضاعة: تفويت مال بلا فائدة يُعتد بها، كإحراق الثوب وتمزيقه، وفي معناه: صرف المال إلى النائحة، وإلى المطرب، وفي أنواع الفساد.
- الإسراف: يُطلق لإرادة صرف المال إلى النائحة والمطربات والمنكرات، وقد يُطلق على الصرف في المباحات، ولكن مع المبالغة، والمبالغة تختلف باختلاف الأحوال.
- ومنها: ما يُعمل من الولائم عند ختم الصبيان القرآن في تراويح شهر رمضان، وخطابتهم في الجوامع على المنابر، وإضاءة الشموع، وقراءة المقرئة بين يدي الصبي، لا سيما مع اجتماع النساء المتجملات، والصبيان مع الرجال بالجوامع، والزفاف، وحصول اللغط الزائد، والكلام البذيء.
- ومن منكرات الأعراس: كتابة الصداق في ثوب الحرير.
- جلاء المرأة العروس على الزوج بحضور النساء المتجملات، وأقبح من ذلك جلاء المرأة العروس على الزوج بحضور الرجال الأجانب عنها.
فصل: (منكرات الأسواق):
ذَكَرَ المصنف من منكرات الأسواق ما يلي:
- الكذب في المرابحة، وإخفاء العيب.
- التفاوت في الذراع والمكيال والميزان.
- بيع السند: وهو أن يحضر اثنان سلعة إلى عند صاحب حانوت تكون قيمتها مثلًا مائتي درهم؛ فيقول: بع لي هذه بمائتي درهم وخمسين درهمًا، وخذ لك من الثمن عشرة دراهم؛ فيجبر صاحب الحانوت بشرائها بذلك الثمن الذي قدره له صاحبها.
- تلقي الركبان أو السلعة من حيث الجملة قبل أن يجئ إلى السوق.
- ترك الإيجاب والقبول على من عده واجبًا.
- الشروط والتصرفات الفاسدة.
- بيع أهل السوق المماكس بسعر، والمسترسل بسعر، والمسترسل هو الذي لا يماكس، وقيل: لا يعرف قيمة السلعة.
- سبق ركاب الحجاج إلى المنازل لمشتري الطعام والعلف بدون قيمة المثل بينهم، ثم يبيعونه كما يريدون.
- بيع العنب لمن يعصره خمرًا.
- بيع الكرم إذا خيف أن يعصره خمرًا، إذا كان المشتري مسلمًا، وأما إذا كان يهوديًا أو نصرانيًا فلا يحل بيعها لهم بحال.
- بيع العسل والتمر والزبيب والقمح ممن يعمل منه مسكرًا.
بيع الفضة الحجر بالدراهم المغشوشة، وبيع الدينار الأفلوري([76]) بالذهب المتعامل به بالمثقال باعتبار القيمة، وبيع الذهب المكسور بالمختوم متفاضلًا، وكل ذلك ربا.
- بيع الذهب بالفضة نسيئة.
- أن يشتري سلعة بفلوس، أو بفلوس وفضة، أو بفلوس وذهب، فيخبر بمشتراها بما فيه حظ له من ذلك كله.
- بيع الملاهي، وبيع أشكال الحيوانات المصورة في أيام العيد وغيرها لأجل الصبيان.
- بيع الأواني المتخذة من الذهب والفضة.
- بيع ثياب الحرير، وقلانس الحرير.
- بيع الثياب المستعملة المقصورة بزعم أنها جديدة.
- تلبيس انخراق الثوب بالرفو([77])، أو ما يُؤدي إلى الالتباس.
- جميع أنواع العقود المؤدية إلى الالتباس.
- إيجار حانوت أو طاحون، وغير ذلك بأجرة معينة، على ألا يبيع أحد غيره تلك السلعة.
- أن يلزم الناس ألا يبيع الطعام، أو غيره من الأصناف إلا أناس معروفون؛ فلا تباع تلك السلعة إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون.
- اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم لما فيه من التواطؤ على إغلاء الأجرة.
- احتكار ما يحتاج إليه الناس من الطعام والشراب والثياب عند حاجتهم إليه، وكذلك السلاح عند الجهاد.
- جلوس البياعين ببضائعهم في الطريق، وفي أبواب المساجد، وأقبح من ذلك أن يترك حانوته، ويضع البضاعة على الطريق.
فصل: (منكرات الحمامات):
- منها الصور على باب الحمام، أو داخله.
- كشف العورات، والنظر إليها.
- الانبطاح على الوجه بين يدي المدلك؛ ليغمز الأعجاز والأفخاذ.
- كشف بدن المرأة المسلمة للمرأة الذمية.
- غمس اليد والأواني النجسة والإزار والطاس النجس في المياه القليلة؛ فإنه ينجس الماء إلا على مذهب مالك.
- أن يكون في مداخل بيوت الحمامات مسارب ومجاري مياهها حجارة ملساء مزلقة.
- ترك السدر والصابون المزلق على أرض الحمام.
- الإسراف في صب الماء، والزيادة في ذلك على قدر حاجته.
فصل: (منكرات الشوارع):
- تضييق الطريق، واستضرار المارة بوضع الأساطين، وبناء المصاطب والدكاكين، وغيرها.
- ربط الدواب على الطريق، بحيث يضيق الطريق، ويتنجس المجتازون فيها.
- سوق الدواب وعليها الحطب والشوك، بحيث يمزق ثياب الناس.
- تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه.
- ذبح القصاب على باب حانوته، أو في مكان يضر المارة.
- طرح الكناسة على جواز([78]) الطريق، وتبذير([79]) قشور البطيخ، أو رش الماء.
- إرسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط إلى الطريق الضيقة.
- ترك مياه الأمطار والأوحال والثلج في الطريق بدون كسح منكر، ولكن لا يختص به أحد إلا الثلج الذي يختص بطرحه على الطريق واحد، والماء الذي يجتمع على الطريق من ميزاب معين، فعلى صاحبه كسح الطريق.
- على الولاة تكليف الناس بالقيام بها، وليس للآحاد إلا الوعظ.
- الكلب العقور بباب الدار إن كان مؤذيًا يُمنع.
- إيجار بيت أو حانوت أو دابة أو غلام ممن يستعملهم في الخمر مسلمًا كان أو كافرًا.
- ومنها دوران محمل الحجاج في القاهرة ودمشق، وما يتفق في هذه الأيام من منكرات.فصل: (منكرات ركب الحجاج):
ومن هذه المنكرات:
- تضييع الصلوات، والتهاون في أدائها، ومنهم من يتركها كلية، وفاعل ذلك كافر.
- واجب على أمير الركب إيقافه وقت الصلوات، وتفقد من لم يصل، وتعزيره.
- على من كان في الركب من أهل العلم والخير إنكار ترك الصلاة.
- ما يكون في الركب من محفات([80]) ومحاير ومراكيب أحدثها الحجاج.
- تزيين الجمال بالحرير والذهب والفضة والقلائد في رقابها، والخلاخل في أرجلها.
- ما يفعله ذو الجاه من السبق لموارد المياه، ومنع الناس بالضرب وغيره حتى ينتهي.
- شراء الطعام والعلف بدون قيمة المثل، ثم بيعه كما أرادوا.
- ما يفعله النساء عند استقبال الحجاج من منكرات.
فصل: (المنكرات العامة):
اكتفى بنقل نص عن الغزالي، يُستفاد منه ما يلي:
- واجب أن يكون في كل مسجد ومحلة من البلد فقيه يعلم الناس دينهم.
- واجب على كل فقيه فرغ من فروض عينية، وتفرغ لفروض الكفايات: أن يخرج إلى من يجاور بلده ليعلمهم دينهم، ويستصحب زادًا يأكله، ولا يأكل من أطعمتهم، فإن أكثرها شبهة.
- كل عامي عرف شروط الصلاة فعليه أن يُعرِّف غيره.
- كل من تيقن منكرًا في السوق، وكان قادرًا على تغييره كله أو بعضه، لزمه الخروج من بيته وتغييره، ولا يضره مشاهدة ما لا يقدر على تغييره.
فصل: (المنكرات التي تجري في مجتمع الفقهاء والصوفية):
تناول المصنف في هذا الباب منكرًا يقع فيه من ينسب إلى الفقهاء، ومن ينسب إلى خرقة الصوفية، وهو السعي إلى أبواب الأمراء، وأرباب الدول الفساق وغيرهم من الظلمة والمفسدين، وترك الإنكار عليهم، بل والمبالغة في الثناء عليهم في حضورهم وغيبتهم، والدفاع عنهم بالتأويلات الفاسدة، ودلّل على ذلك بذكر الآثار.
فصل: (منكرات أخرى شائعة بين الناس):
ومما ذَكَرَه المصنف:
- إشاعة عورات المسلمين، وذكر معاصيهم، والتحدث بها لغير ضرورة.
- اتخاذ الحمام لغرض مذموم، واللهو به، وقال ابن القيم: وعلى ولي الأمر أن يمنع اللاعبين بالحمام على رؤوس الناس؛ فإنهم يتوسلون بذلك إلى الإشراف عليهم، والتطلع على عوراتهم.
فصل: (منكرات تشيع بين الناس):
ومما ذَكَرَه المصنف من المنكرات:
- إبداء النساء بعض وجوههن، وما تحت الإزار من الزينة، والمبالغة في إظهار ذلك في الشوارع والأسواق، وغيرهما، واختلاطهن بالرجال متزينات متجملات.
- دخول السقاء والنجار الذي يعمل الضبات والمفاتيح، وغيرها على المرأة في بيتها.
- دخول بعض البياعين إلى زقاق غير نافذ، فتجتمع عليه النساء من غير احتجاب.
فصل: (منكرات تتعلق بأمور العقيدة):
ومما ذَكَرَه المصنف:
- قول أحد الناس: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، أو نحو ذلك.
- رمي المسلم بالكفر.
- الدعاء على المسلم بسلب الإيمان.
- قول الإنسان للمسلم عند الخصومة: يا حمار، يا تيس، يا كلب، ونحو ذلك؛ فهو قبيح؛ لأنه كذب وإيذاء، وهذا بخلاف يا ظالم، ونحوه؛ فإنه يسامح به للضرورة والمخاصمة.
- قول أحدهم عند تورعه عن الحلف: الله يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا، ونحوه؛ فإن كان متشككًا في ذلك فهو منكر.
- الحلف بغير الله وصفاته.
- الحلف على البيع والشراء، وإن كان صادقًا.
- تسمية قوس الله تعالى بقوس قزح؛ فقزح اسم للشيطان.
فصل: (منكرات عيادة المرضى، والجنائز، وبناء المقابر):
ومما ذَكَرَه المصنف:
- منع بعض الناس للعيادة يوم السبت.
- ترك العيادة بالليل تطيرًا بذلك، وهو بدعة.
- النوح، وشق الجيب، وقطع الشعر.
- قراءة المقرئين أمام الجنازة، لا سيما مع التمطيط والزيادة في الحروف، وقال بعض العلماء: إن كانت من غير تمطيط فهي بدعة مكروهة.
- الذكّارون مع الجنازة بدعة.
- أخذ الغاسل ثياب الميت، أو شيئًا من الكفن، وغالب الوقت يأخذه خفية.
- ما يفعله بعض الجاهلات إذا كانت الميتة صغيرة أو عروسة من تزيينها كالعروس، ولبس أفخر الثياب من الذهب والفضة.
- تأخير دفن الميت.
- وضعه في الجامع في الصف الأول، أو قريبًا منه، وقد يخرج من الميت شيء.
- فرش النعش، وتغطيته بالحرير، فالحرير حرام على الرجال.
- نقل الميت من بلد إلى بلد إلا إذا كان قريبًا من مكة أو المدينة أو بيت المقدس.
- الكلام في الجنازة في أمور الدنيا، وربما ارتفعت بالضحك والتشاجر.
- الدفن في قبر فيه غيره.
- ما يفعله أهل الميت من الأطعمة، ودعوة الناس إليها، وقراءة الختمات:
- فإذا كان من مال من جاز تبرعه من الورثة فهو بدعة.
- وإن كان من تركة فيها يتيم، أو محجور، أو غائب، ولم يوص الميت بذلك؛ فيحرم الحضور والأكل، ووجب الإنكار على القادر.
- البناء في المقبرة المسبلة.
الباب الثامن: في الحث على إقامة الحدود، وبيان تحريم تعطيلها بشفاعة وغيرها إذا اتصلت بولي الأمر
اشتمل على الفصول التالية:
فصل: (فضل إقامة الحدود، والنهي عن تعطيلها):
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- الحد لغة: المنع.
- وفي الشريعة: كل عقوبة مقدرة، تستوفى لحق الله تعالى.
- ثم ذَكَرَ من الأدلة ما يدل على فضل إقامة الحدود.
فصل: (حد الزنا وأدلته):
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- وجوب حد الزنا، فقد اتفق عليه الأئمة الأربعة، وعلى أن حده يختلف باختلاف أحوال الزناة.
- الزاني: هو من أتى الفاحشة من قبل أو دبر.
- المحصن الذي حده الرجم: هو من اجتمع فيه أربعة أوصاف: العقل، والبلوغ، والحرية، والإصابة بالنكاح الصحيح، مسلمًا كان أو ذميًا.
- إذا وجدت الأوصاف في أحد الزوجين دون الآخر:
- قال أبو حنيفة وأحمد: لا يحصل الإحصان بذلك لواحد منهما.
- وقال مالك والشافعي: يثبت الإحصان لمن وجدت فيه شرائطه.
- اختلف العلماء في الجمع بين الجلد والرجم على الزاني المحصن:
- فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا يجتمع الجلد والرجم على الزاني المحصن.
- وعن أحمد روايتان، الأظهر الجمع بينهما.
- اختلف العلماء في الجمع بين الجلد والتغريب على البكر:
- فقال أبو حنيفة: لا ضم إلا إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك؛ فيغربهما بقدر ما يرى.
- وقال مالك: يجب تغريب البكر الحر دون الأنثى، وفيه وجه لبعض الشافعية.
- وقال أحمد والشافعي: يجمع في حقهما بين الجلد والتغريب.
- يثبت الزنا واللواط بـ:
- إقرار مكلف مختار صريحًا.
- إشارة أخرس أربع مرات في مجلس واحد.
- شهادة أربعة رجال أحرار عدول، يصفون حقيقة الزنا.
- اختلفوا في صفة الإقرار:
- فقال أبو حنيفة: لا يُقبل إقراره إلا في أربعة مجالس من مجالس المقر.
- وقال أحمد: إن أقر أربع مرات في مجلس واحد، أو في مجالس قُبل إقراره.
- إن شهد الشهود بالزنا في غير مجلس واحد:
- صاروا قذفة، عليهم الحد عند الأئمة الثلاثة غير الشافعي.
- وعند الشافعي: لا بأس، وتُقبل أقوالهم.
- واختلفوا في صفة المجلس:
- فقال أبو حنيفة ومالك: المجلس الواحد شرط في مجيء الشهود مجتمعين.
- وقال الشافعي: المجلس الواحد ليس شرطًا في اجتماع الشهود، وأداء الشهادة.
- وقال أحمد: المجلس الواحد شرط في اجتماع الشهود، وأداء الشهادة([81])، وإن بان فيهم فاسق، أو أعمى، أو صبي، أو امرأة، أو عبد، ولم يعلمه، أو جاءوا في أكثر من مجلس؛ فهل يحدون؟ على روايتين عنه.
- واتفقوا على أنه إذا شهد نفسان أنه زنا بها مطاوعة، وشهد آخران أنه زنا بها مكرهة؛ فلا حد على واحد منهما.
- اتفق الأئمة على أن النساء لا تقبل شهادتهم في الحدود والقصاص.
- واختلفوا في اشتراط العدد في الإقرار بالزنا:
- فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يثبت الإقرار إلا بإقرار العاقل البالغ على نفسه أربع مرات.
- وقال مالك والشافعي: يثبت بإقراره مرة واحدة.
- واتفقوا على أنه إذا أقر على نفسه، ثم رجع، فإنه يسقط الحد.
- وقال مالك: إن رجع لشبهة يُعذر، وإن كان لغير شبهة فعنه([82])روايتان.
- من الذي يقوم بالحدود؟
- لا يحد حرًا، ولا من بعضه حر، ولا أمة مزوجة، ولا مكاتبة، ولا رقيقًا مشتركًا، إلا الإمام، أو نائبه.
- للسيد حد رقيقه، وأم ولده، ومدبره لزنا، أو شرب، أو قذف، إذا قامت عنده البينة، أو أقر بين يديه، وهو مذهب الشافعي وأحمد، والمشهور عن مالك.وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك.
- وفي قتل العبد وقطعه لسرقة روايتان عن أحمد، أظهرهما ليس لسيده ذلك.
- إن كان السيد فاسقًا أو امرأة فوجهان لأصحاب أحمد.
- اتفق الأئمة الأربعة على أن حد العبد والأمة إذا زنيا خمسون جلدة، وأنهما لا يرجمان، واختلفوا في وجوب التغريب في حقهما.فصل: (أحكام حد الزنا بالنسبة لأهل الذمة):
- قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد: يقام الحد على الذمي إذا زنى.
- وقال مالك: لا يُقام عليه.
- إذا زنى اليهودي البالغ العاقل الحر المتزوج زواجًا صحيحًا:
- عند أبي حنيفة يجلد مائة جلدة.
- وعند مالك: يعاقبه الإمام اجتهادًا.
- وقال الشافعي وأحمد: هو محصن، وعليه الرجم في أظهر روايتيه.
فصل: (حد الزنا بالمحارم):
مما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- حد من زنا بذات محرم القتل.
- أجمع العلماء على وجوب حد الزاني بالسوط.
- السوط: هو الذي يُضرب به البعير.
فصل: (عدم الرأفة بالزناة، وحكم شهود المؤمنين لعذابهم، وعلته):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- قال النووي: ومذهبنا أن حضور الطائفة الزنا يُستحب، وليس بواجب([83]).
- اختلف العلماء في المراد بحضور الطائفة:
- منهم من قال: المقصود الإغلاظ على الزناة، والتوبيخ بحضرة الناس.
- ومنهم من قال: للدعاء لهما بالتوبة والرحمة.
فصل: (حد اللواط):
- اختلف العلماء في حد اللواط:
- قال مالك والشافعي وأحمد: يوجب الحد.
- وقال أبو حنيفة: يُعزّر في أول مرة، فإن تكرر منه ذلك قُتل.
- واختلف موجبو الحد في صفته:
- فمنهم من قال: حده كحد الزاني، إن كان بكرًا جُلد، وإن كان ثيبًا رُجم.
- ومنهم من قال: حده الرجم مطلقًا.
- واتفق الأئمة عدا أبي حنيفة: أن بينة اللواط لا تثبت إلا بأربعة شهود، كالزنا، وعند أبي حنيفة بشاهدين.
- إذا تدالكت المرأتان، فعليهما التعزير فحسب.
- اختلف العلماء فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد؟:
- فقال إسحاق بن راهويه: يضرب كل واحد منهما مائة جلدة([84]).
- وقال ابن المنذر: والأكثر ممن رأيناه يرى على من وجد على هذه الحالة الأدب([85]).
فصل: (عقوبة إتيان البهيمة):
- اختلف العلماء فيمن أتى بهيمة:
- فعند أبي حنيفة ومالك: عليه التعزير.
- وعن الشافعي ثلاثة أقوال: أظهرها: الحد، ويختلف باختلاف الثيوبة والبكر.
- وعن أحمد روايتان: الحد والتعزير.
- واختلفوا في الشهود: فإن قيل بالحد: لم يثبت إلا بأربعة شهود.
- وإن قيل بالتعزير، فوجهان: أحدهما: لا يقبل إلا بأربعة شهود، والثاني: يُقبل فيه شاهدان.
- واختلف العلماء في ذبح البهيمة، واختلفوا أيضًا هل يأكل منها هو أو غيره؟
- قال العلماء: العلة في قتل البهيمة لئلا يعيّر الفاعل بها، ويُذكّر برؤيتها، ولا يجب قتلها إلا أن يثبت ببينة، فأما إن أقر الفاعل؛ فإن كانت البهيمة له؛ ثبت إقراره، وإن كانت لغيره، لم يجز قتلها؛ لأنها إقرار على ملك غيره، ويحرم أكلها على هذه الرواية، ويضمنها لربها.
فصل: (حد القذف، وأحكامه):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- القذف كبيرة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.
- يجب في قذف المحصن الحد.
- المحصن: المسلم الحر العاقل العفيف عن الزنا، ومثله يطأ أو يُوطأ، مع تكليفه.
- الحد لله تعالى، فلا يسقط بالعفو عنه، ولا بالإبراء، ولا يستوفيه إلا الإمام، أو نائبه بشرطه، وعن أحمد: بل الحد للمقذوف، فيؤخذ بطلبه، ويسقط بعفوه.
- قُدّر حد الحر المكلف المختار ثمانون جلدة.
- حد العبد والأمة في ذلك أربعون.
- يُحد الأخرس إذا قذف محصنًا بإشارة تُفهم.
- لا يُحد أب بقذف ولده وإن سفل، وفي الأم وجهان.
- قذف غير المحصن تُوجب التعزير فقط.
- ألفاظ القذف تنقسم إلى:
- صريح: كقوله: يا زاني، يا عاهر، أو غير ذلك مما لا يحتمل غير القذف.
- كناية.
- من قال لمسلم: يا كافر، ولم يعتقد كفره، أو يا عدو الله، أو يا ديوث أُدّب، ولم يُحد.فصل: (حد السرقة، وأحكامه):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- السرقة هتك الحرز، وأخذ المال منه خفية بشروط.
- واختلف الأئمة الأربعة في نصاب السرقة:
- أبو حنيفة: النصاب عشرة دراهم، أو دينار، أو قيمة أحدهما من العروض.
- مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه: النصاب ربع دينار، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض، والتقويم بالدراهم خاصة، والأثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض.
- الشافعي: النصاب ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار من الدراهم، أو غيرها، ولا نصاب في الورق.
- حرز كل مال بحسبه عرفًا في بلده، مع قوة سلطانه وضعفه، وعدله وجوره، وهو ما لا يعد ربه وأمينه مفرطًا بوضعه فيه عرفًا.
- حد السرقة وجب بالكتاب والسنة والإجماع.
- أما تكرار القطع وترتيبه فثبت في أحاديث كثيرة.
- لا يقطع السارق إلا الإمام أو نائبه، بشهادة عدلين، يصفان السرقة والحرز.
- إن قيل: لمَ كانت دية اليد في باب الجنايات خمسمائة دينار ونصاب السرقة ربع دينار؟
قيل: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت.
فصل: (حد شرب الخمر، وأحكامه):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- اتفق الأئمة الأربعة على:
- أن الخمر حرام، قليلها وكثيرها.
- يجب في الخمر الحد بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- يجب الحد فيما يسكر كثيره، من أي شيء كان، للذة، أو تداوٍ، أو عطش.
- من يُقام عليه الحد هو المسلم الحر المكلف المختار العالم أن كثيره مسكر.
- الحد ثمانون جلدة إذا صحا، وقيل: أربعون بالإقرار أو البينة.
- يكفي في الإقرار مرة واحدة، وعن أحمد: مرتين، فمتى رجع عن إقراره قُبل رجوعه.
- البينة رجلان مسلمان شاهدان أنه شرب مسكرًا.
- مذهب الإمام أحمد: التسوية بين عصير العنب وغيره في القليل والكثير.
- السعوط([86])، والغرغرة، والحقنة، وأكل ما خلط به كشربه، نص عليه أحمد.
فصل: (متى يثبت حد شرب الخمر في حق الشارب؟):
- هل يجب الحد بوجود الرائحة؟
- الجمهور: لا يجب، ورواية عن أحمد.
- إذا قيل: يُحد بالرائحة، فينبغي أن يستنكهه عدل، يعرف رائحة الخمر، والاستنكاه: شم رائحة الفم.
- من تقيأ الخمر، أو وجد سكرانًا:
- فعن أحمد: لا حد عليه، وهو مذهب الشافعي.
- ورواية أبي طالب عن أحمد في الحد بالرائحة يدل على وجوب الحد هنا من باب أولى.فصل: (عدد الضربات في حد شرب الخمر):
ذَكَرَ المصنف من الروايات المخبرة بالاختلاف في عدد وصفة الضرب في حد شرب الخمر، وحاصلها، كما يلي:
- أورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين من باب تغليظ العقوبة والزجر.
- وورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلد بجريدتين نحو أربعين.
- وورد أن شارب الخمر كان يُضرب بالأيدي والنعال والأردية، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر، وصدر خلافة عمر، ثم جلد عمر أربعين، ثم لما عتا الناس وفسقوا جلد ثمانين.
- وقيل: إن عثمان جلد الحدين.
- قال القاضي عياض: المعروف من مذهب علي -رضي الله تعالى عنه- الجلد في الخمر ثمانين([87]).
- وقيل: إن معاوية أثبت الثمانين.
- حكى القاضي عياض عن طائفة شاذة: قتل شارب الخمر بعد جلده أربع مرات؛ لهذه الأحاديث([88]).
- وقال النووي: وهذا القول باطل([89])، ونسخ القتل في هذه الأحاديث بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث”([90]) الحديث.
فصل: (الرفق بشارب الخمر في إقامة الحد عليه، وتحريم لعنه):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- يُسن زيادة الرفق بشارب الخمر دون غيره من أرباب الجرائم.
- من ادعى جهله بإسكار غير خمر، أو بتحريمه، أو بوجوب الحد به، صُدِّق ولم يُحدّ.
- يجوز شرب الخمر لدفع لقمة غص بها إذا لم يجد غيره، كما ذُكر في الرعاية.
فصل: (الأحوال الموجبة لتخفيف عقوبة الشارب، وشدتها):
- اختلف العلماء في قدر حد الخمر:
- فعند الشافعي وأبي ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون، ورواية عن أحمد: حده أربعون.
- الصحيح من مذهب أحمد، ونقله القاضي عياض وغيره عن الجمهور من السلف: كمالك وأبي حنيفة وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وغيرهم: حده ثمانون([91]).
- ذكر ابن العربي: أنه أتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسكران في رمضان؛ فضربه ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر([92]).
- وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين.
- العبد والأمة يجلدان نصف حد الحر.
فصل: (أداة ضرب الشرب، وكيفيته):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- أجمع العلماء على حصول حد الخمر بالجلد بالجريد والنعال وأطراف الثياب إذا رأى الإمام ذلك.
- اختلفوا في جواز جلد الشارب بالسوط، فالجمهور على جوازه.
- يكون السوط معتدلًا في الحجم بين القضيب والعصا.
- إن ضرب بجريدة فلتكن خفيفة بين اليابسة والرطبة، ويضربه ضربًا بين ضربين، فلا يرفع يده فوق رأسه، ولا يكتفي بالموضع، بل يرفع ذراعه رفعًا معتدلًا.
- لا يُبالغ في ضرب المحدود، بحيث إنه يوسم المحدود؛ لأن المقصود أدبه، لا إهلاكه.
- اختلف العلماء في أشد الحدود ضربًا:
- قال أحمد: أشد الضرب في الحد ضرب الزاني، ثم حد القاذف، ثم حد الشرب، ثم التعزير.
- قال مالك: الضرب في الحدود كلها سواء، ضرب بين ضربين، وهو قول الشافعي.
- قال أبو حنيفة: التعزير أشد الضرب، وضرب الزنا أشد من الضرب في الخمر، وضرب الشارب أشد من ضرب القاذف.
- واختلف العلماء في الحالة التي يضرب عليها:
- قال مالك: يُضرب جالسًا.
- وقال أبو حنيفة: يُضرب قائمًا.
- وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
- واختلف العلماء: هل يجرد عند الضرب؟
- فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجرد في حد القذف خاصة، ويجرد فيما عداه.
- وقال أحمد: لا يجرد في الحدود كلها.
- وقال مالك: يجرد في الحدود كلها.
- واختلف العلماء فيما يضرب من الأعضاء في الحدود:
- قال أبو حنيفة وأحمد: يضرب جميع البدن إلا الوجه والفرج، ويتقى الرأس، ويكثر منه على مواضع اللحم.
- وقال الشافعي: يضرب جميع البدن إلا الوجه والبدن والخاصرة، وسائر المواضع المخوفة.
- وقال مالك: يضرب الظهر، وما يقاربه.
- أما المرأة:
- فقال مالك وأحمد: يحفر لها.
- وقال الشافعي: يحفر لها إن ثبت زناها بالبينة، وإن ثبت بإقرار فلا.
- وقال أبو حنيفة: الإمام بالخيار في ذلك.
- وتضرب جالسة، وتشد عليها بثيابها، وتمسك يداها؛ لئلا ينكشف بدنها.فصل: (كيفية إقامة الحد على المريض):
اختلف العلماء في ذلك:
فنَقَلَ المصنف عن شرح المقنع ما يتلخص فيما يلي:
- إذا كان الحد رجمًا فلا يؤخر.
- إن كان جلدًا، فالمرض على ضربين:
- يرجى برؤه:
- قال أصحاب أحمد: يقام الحد، ولا يؤخر، فإن خشي عليه أقيم بالعثكول([93])، وقال القاضي أبو يعلى: وظاهر قول الخرقي تأخيره([94])، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي.
- المرض الذي لا يرجى برؤه:
- يُقام عليه الحد في الحال، بسوط يؤمن معه التلف، فإن خيف من ذلك جمع ضغثًا([95]) فيه مائة شمراخ([96])، فضُرب به ضربة واحدة، وبه قال الشافعي وغيره.
- إن جلد الإمام أو نائبه في حر أو برد أو مرض وتلف، فهدر في الأصح من مذهب أحمد.
- تجلد النساء إن أمن تلفها، وإن خيف جلدت بما يؤمن معه تلفها.
- لا يجوز تفويض الحد والتعزير إلى عدو المحدود، ولا إلى الآباء والأبناء.فصل: (الضرب المفضي إلى القتل في إقامة الحدود، والأحكام المترتبة عليه):
- قال ابن قدامة: ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في سائر الحدود أنه إذا أُتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة أنه لا يضمن من تلف بها([97]).
- إن زاد الضارب سوطًا فأكثر عمدًا فقتله؛ ضمن كل الدية، وقيل: نصفها.
- إن قال له الإمام: اضرب ما شئت؛ فالضمان على عاقلته.
- إن كان له من يَعُد عليه، فزاد في العدد ولم يجزه، فالضمان على من يعد سواء تعمد أم أخطأ.فصل: (فيمن لا يجب عليه الحد):
- ذَكَرَ من الأدلة ما يفيد أن القلم مرفوع عن: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ.
- لا يُقام الحد على السكران حتى يصحو.
- لا ينبغي لولي الأمر أن يقيم الحد، وهو غضبان.
- لا تُقام الحدود في المساجد، وبهذا قال: أبو حنيفة ومالك وأحمد، وغيرهم.فصل: (التعزير، وأنواعه، واختلاف درجاته تبعًا للمعاصي):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها ولا كفارة.
- اختلف العلماء هل التعزير فيما يستحق التعزير في مثله حق لله تعالى واجب أم لا؟
- فقال الشافعي: لا يجب.
- وقال أبو حنيفة ومالك: إذا غلب على ظنه أنه لا يصلحه إلا الضرب وجب، وإن غلب على ظنه صلاحه بغير الضرب لا يجب.
- وقال أحمد: إذا استحق بفعله التعزير وجب.
- إن كان الحق لآدمي فطلبه لزمه إجابته، كسائر حقوق الآدميين.
- الفرق بين الحد والتعزير:
- تعزير ذوي الهيئات أخف من تعزير غيرهم، ويستوون في الحد.
- جواز الشفاعة والعفو في التعزير دون الحد.
- لو تلف في التعزير ضمن، وإن تلف في الحد لم يضمن على قول من قال به.
- التعزير على ما يرى الإمام: من ضرب وصفع ولوم وتوبيخ حتى بالحبس.
- عزّر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالهجر، والنفي.
- يسوغ التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى غير كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
- التعزير يجب في أشياء، منها:
- الاستمتاع الذي لا يوجب الحد.
- إتيان المرأة المرأة.
- سرقة ما لا يُوجب القطع.
- الجناية على الناس بما لا قصاص فيه.
- القذف بغير الزنا، ونحوه.
- النهب، والغصب، والاختلاس.
- الظلم يستحق التعزير بالعقوبة، وهذا متفق عليه بين العلماء.فصل: (أنواع المعاصي بحسب العقوبة عليها):
المعاصي ثلاثة أنواع:
- نوع فيه حد، ولا كفارة فيه: كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف، ويكفي الحد عن الحبس والتعزير.
- نوع فيه كفارة، ولا حد فيه: كالجماع في نهار رمضان، وهل يكفي عن التعزير؟ فيه قولان للفقهاء.
- نوع لا كفارة فيه، ولا حد، كسرقة ما لا قطع فيه، والنظر إلى الأجنبية، فهذا يسوغ فيه التعزير وجوبًا عند الأكثرين، وجوازًا عند الشافعية.
- إن كان الضرب على ترك واجب مثل أن يضرب ليؤدبه؛ فهذا لا يَتَقَدّر، بل يضرب يومًا، فإن فعل وإلا ضرب يومًا آخر، حسب ما يحتمله.
فصل: (عدد الضرب في التعزير، وحكم العفو عنه، وعن المحدود، وما الذي يجب بالتعزير المفضي إلى الموت؟):
- المشهور عن أحمد، وأشهب المالكي، وبعض أصحاب الشافعي: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط، وبه قال إسحاق بن راهويه([98]).
- ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط.
- قال أبو حنيفة: لا يبلغ به أربعين.
- وقال الشافعي: لا يبلغ بتعزير كل إنسان أدنى حدوده، فلا يبلغ بتعزير العبد عشرين، ولا بتعزير الحر أربعين.
- هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟
فيه قولان.
- لا يجوز قطع شيء من المعزَّر، ولا جرحه، ولا أخذ ماله.
- إن عفا مستحق الحد سقط التعزير.
- إن عفا مستحق التعزير لم يسقط.
- للإمام العفو عن حق الله تعالى دون حق الآدمي.
- للأب تعزير ولده الصغير كمعلمه، وللسيد تعزير رقيقه.
- اختلف الأئمة فيما يستوفيه الإمام من الحدود والقصاص، مما عساه يجري فيه الخطأ:
- قال أبو حنيفة: أرش الخطأ في بيت المال، وكذلك عن أحمد والشافعي.
- وعن أحمد والشافعي: أنه على عاقلتهما.
- وقال مالك: هو هدر.
- إذا عزر الإمام رجلًا فمات منه:
- فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد: لا ضمان عليه.
- وقال الشافعي: عليه الضمان.
- إذا ضرب الأب ابنه ضرب تأديب فمات، وكذلك المعلم:
- قال مالك وأحمد: لا ضمان.
- وقال أبو حنيفة ومالك: عليه الضمان.فصل: (حكم التعزير بالعقوبات المالية):
التعزير بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة في مذهب مالك، وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وقد جاءت المواضع في السنة، ومنها:
- إباحته -صلى الله عليه وسلم- السلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده.
- أمره -صلى الله عليه وسلم- بكسر دنان الخمر، وشق ظروفها.
- أمره -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو لحرق الثوبين المعصفرين.
- أمره -صلى الله عليه وسلم- بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمير الأنسية، ثم استأذنوه في غسلها؛ فأذن لهم؛ فدل على جواز الأمرين.
- هدمه -صلى الله عليه وسلم- مسجد الضرار.
- تحريق متاع الغال.
- إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر.
- إضعاف الغرم على كاتم الضالة.
- أخذه شطر مال مانع الزكاة.
- أمره لابس خاتم الذهب بطرحه.
- قطع نخيل اليهود إغاظة.
- تحريق عمر وعلي المكان الذي يباع فيه الخمر.
- تحريق عمر بن الخطاب قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الناس.
فصل: (إخلاص النية في إقامة الحدود):
ينبغي للقائم بالحدود أن تكون نيته إظهار طاعة الله، وأن تنقص المعصية من الأرض، وإذا كان كذلك حصل له قصد النصر.
فصل: (تحريم تعطيل الحدود بالشفاعة فيها إذا بلغت ولي الأمر، وحكم الشفاعة في التعزيرات):
- أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحدود بعد بلوغها الإمام، وعلى أنه يحرم التشفيع فيها.
- وأما قبل بلوغها الإمام فقد أجاز الشفاعة أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس.
- أما المعاصي التي لا حد فيها، وواجبها التعزير؛ فيجوز الشفاعة فيها، سواء بلغت الإمام أم لا، والشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس.
- قال العلماء: ولا تجوز الشفاعة في أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى ناظر على طفل، أو مجنون، أو وقف، ونحو ذلك.
فصل: (جواز إسقاط التعزير):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- الحدود لا تكفرها الصلاة.
- لا يجوز للإمام ترك الحدود إذا اتصلت به.
- قال أبو الفرج بن الجوزي: لا ينبغي أن يُظن بعبد الرحمن بن عمر أنه شرب الخمر، وإنما شرب النبيذ متأولًا يظن أن الشرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة([99]) من أهل بدر، فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلب التطهير بالحد، إذ كان يكفيهما مجرد الندم على التفريط، غير أنهما غضبا لله تعالى على أنفسهما، فأسلماها إلى إقامة الحد، وأما كون عمر -رضي الله عنه- أعاد الحد على ولده، فليس ذلك حدًّا، وإنما ضربه غضبًا وتأديبًا، وإلا فالحد لا يتكرر([100]).
فصل: (حرمة تعطيل الحدود بدفع فدية مالية، حتى ولو كان ذلك لبيت المال، وحرمة الرشا وهدايا الولاة والقضاة):
- يحرم أخذ مال على حد، أو منكر ارتكب.
- قال ابن تيمية: وهذا المال المأخوذ من هذه الجهات لولي الأمر، أو لبيت المال سرًّا وعلانية، جميعه حرام بإجماع المسلمين، وهو مثل تضمين خانات المناكر من خمور وغيرها، فمن مكّن من ذلك، أو أعان أحدًا عليه بمال يأخذه، فالجميع من جنس واحد، والمال المأخوذ على ذلك شبيه بما يؤخذ من مهر البغي، وحلوان الكاهن، وثمن الكلب، وأجرة المتوسط في وطء حرام، وغيره([101]).
فصل: (الحدود كفارات للذنوب في الآخرة بشرط التوبة):
- الحدود كفارات لأهلها، إذا أقيمت عليهم في الدنيا سقطت في الآخرة، وتكفر ذنوبهم على الصحيح من قولي العلماء بشرط التوبة.
- من ارتكب كبيرة ومات ولم يتب فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه.
الباب التاسع: في فضل الإصلاح بين الناس، واستحباب معونتهم على البر والتقوى
فصل: (فضل الإصلاح بين الناس):
- الإصلاح بين الناس نهي عن البغي، وإعادتهم إلى الطاعة، وهو عام هنا في الأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي به، والاختلاف فيه بين المسلمين.
- جعل الشارع -صلى الله عليه وسلم- درجة الإصلاح أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة.
فصل: (جواز الكذب في الإصلاح بين الناس، وفي إصلاح أمر الزوجة، وفي الخديعة في الحرب):
ومما ذَكَرَ المصنف من فوائد:
- الإصلاح بين الناس من أهم أمور المسلمين، وآكد حقوق المؤمنين، ومن أدلة ذلك:
- جواز الكذب في الإصلاح بين الناس.
- أباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ الزكاة المفروضة مع الغنى في صلح الحَمالة، وهو أن يقع بين القريتين، أو الحيين عداوة وضغائن تتلف فيها نفس أو مال، ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك؛ فيسعى بينهم إنسان في الإصلاح بينهم متحملًا الدماء والأموال.
- اختلف العلماء في جواز الكذب في الإصلاح بين كافرين، واستحبابه، وكراهته.فصل: (استحباب تعاون المسلمين على البر والتقوى مع بيان وجوه التعاون بينهم في ذلك):
- أجمع المسلمون على استحباب المعونة على البر والتقوى.فصل: (ترتيب الأجر على أعمال التعاون حسب رتبتها وأثرها ونية صاحبها):
- الإنسان مندوب إلى مساعدة إخوانه من المسلمين بأنواع المعونات، ومأجور على ذلك بحسب رتب الأعمال والنيات.فصل: (فضل القيام -بقوة وأمانة وتقوى- على وقوف المسلمين وأحباسهم وصدقاتهم ووصاياهم لمستحقيها معونة لهم):
- من معونة المسلمين التكلم في أوقافهم، وأحباسهم، وصدقاتهم، ووصاياهم بتقوى الله تعالى لمن وثق من نفسه بالتمكن، وإعطاء كل ذي حق حقه.
- الوقوف العامة جميعها على اختلاف مصارفها، وتباين جهاتها مشتركة في القصد بها، وهو التقرب إلى الله تعالى؛ فإنها معدودة في الصدقات، داخلة في باب القربات.
- المشارِك في عمل الطاعة مشارِك في الأجر، وأن له أجرًا كما لصاحبه من غير مزاحمة له، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء.
فصل: (الشفاعة الحسنة في معونة المسلمين: بيان مفهومها، وفضلها، وحدودها الشرعية):
- من معونة المسلمين الشفاعة الحسنة، والمشي مع الرجل إلى ذي سلطان ونحوه؛ وذلك من مراتب الجود، وهو زكاة الجاه المطالب بها العبد.
- استحب العلماء والأخيار الشفاعة إلى ولاة الأمور من أصحاب الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن شفاعة في أمر لا يجوز تركه، كالحدود، وأموال اليتامى، والمجانين، وغيرهم.
- قال العلماء: ولا عتب على المشفوع عنده على رد الشفاعة لعذر؛ فإنه بالخيار بالقبول والرد.
فصل: (حرمة أخذ الأجر على الشفاعة الحسنة):
- لا يجوز للشافع أن يأخذ على الشفاعة أجرًا، وإذا فعل ذلك فقد أتى محذورًا عظيمًا.
- ينبغي ألا يمتنع الشافع من الشفاعة ظنًّا ألا يُقبل منه.
فصل: (من وجوه معونة المسلمين بذل الماعون لهم، وقضاء مصالحهم، وحوائجهم، ومساعدتهم بالمال والنفس):
- قال ابن القيم: والمنافع التي تجب نوعان:
- منها: ما هو حق المال، ما تقدم في الإبل والحلي.
- ومنها: ما يجب لحاجة الناس.
- وأيضًا: فإن بذل منافع البدن تجب عند الحاجة، كتعليم العلم، وإفتاء الناس، والحكم بينهم، وأداء الشهادة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من منافع الأبدان، وكذلك من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه، فإن ترك ذلك -مع قدرته عليه- أثم وضمنه([102]).فصل: (إعانة الولاة والعامة على إزالة المنكرات، ومتى يكون ذلك واجبًا عينيًا؟ ومتى يكون واجبًا كفائيًا؟):
- من أعظم المعونات الإعانة على إزالة المنكرات.
- أجمع العلماء على وجوب هذه الإعانة، ومساعدة القائمين في نصرة الدين من الأئمة والأمراء، وغيرهم من عامة المسلمين، ونصرتهم على ذلك، وإزالة المنكر معهم إذا احتاجوا إلى معونتهم.
- المقصود: أن من رأى منكرًا:
- وجب إنكاره إذا كان فيه كفاية، إلا أن يشاء أن يعاونه؛ فإن ذلك نافلة.
- وإن ليس فيه كفاءة؛ فإن أول من يطلع عليه وجب عليه معاونته فرضًا لازمًا.
فصل: (تحريم الإعانة على الإثم والعدوان):
- تحرم الإعانة على الإثم والعدوان؛ وذلك مثل أن يعين ظالماً، أو بدعيًا، أو فاسقًا، ومن أشبههم؛ لأن هجرهم واجب.
- ونَقَلَ عن العز بن عبد السلام: أنه قد يجوز المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان، لا من جهة كونها معصية، بل من جهة كونها وسيلة إلى مصلحة، وله أمثلة:
- منها: ما يبذل في افتكاك الأسرى، فإنه حرام على آخذيه، مباح لباذليه.
- ومنها: أن يريد الظالم قتل إنسان مصادرة على ماله، ويغلب على ظنه أنه يقتله إن لم يدفع إليه ماله؛ فإنه يجب عليه بذل ماله فكاكًا لنفسه.
- منها: أن يكره امرأة على الزنا، ولا يتركها إلا بافتداء مالها، أو بمال غيرها؛ فيلزمها ذلك عند إمكانه([103]).
الباب العاشر: في خاتمة الكتاب، وفيه أربعة فصول تزيل الاكتئاب
الفصل الأول: في بيان ما تلبس على قوم من مفهوم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
دار حديث المصنف في هذا الفصل عن هذه الآية، وأن ظاهرها يدل على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ليس القيام به واجبًا، إذا استقام الإنسان فإنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ولولا ما ورد من تفسيرها في السنة، وأقاويل الصحابة والتابعين، وغيرهم؛ لكان هذا تفسيرها.
وذكر المصنف من الآثار والأقوال التي ترد هذا الظاهر الغير مراد، وتُؤكد على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم سقوطه، وتركه إلا في حالات قد مر ذكرها، وذكر من تأويلات أهل العلم لهذه الآية، ككونها محصورة في آخر الزمان، حيث تنتشر الفتن، وتنعدم جدوى الأمر والنهي، أو كونها في أقوام خاصة، أو غير ذلك، مما نُقل عن المفسرين.
فصل: (خطأ المنع من الأمر والنهي لغير السالمين من الذنوب، مع بيان التأويل الصحيح للآيات الموهمة لذلك):
ومما ذَكَرَه المصنف من فوائد:
- تأول قوم غير ما تقدم، وقالوا: لولا ثلاث آيات في كتاب الله تعالى، ما تخلفنا عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
- وذَكَرَ بعضًا من الآيات التي يستدل بها من نحا هذا المذهب، وهي:
- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
- قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
- قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
- وقال أبو طالب عمر بن الربيع معلقًا على هذه الآيات: هذا خطأ من التأويل.
- ومنهم من تأول قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] فقال: إنما ذلك على الأئمة؛ لأنهم المتمكنون، فقال أبو طالب: وهذه الفرقة قد غلطت؛ لأن الكتاب والسنة والإجماع يبطلون هذا، ويمكن أن تكون هذه الآية تأكيدًا على الأئمة لبسط أيديهم، وطاعة الناس لهم.
فصل: في ذكر بعض من بذل نفسه لله تعالى في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ووعظ الخلفاء والملوك، وغيرهم:
أكثر المصنف من ذكر القصص والمواقف التي فيها وعظ للخلفاء والملوك، وغيرهم.
فصل: في ذكر من رأى منكرًا فلم يقدر على إزالته فبال دمًا، أو مرض أيامًا:
حيث ذَكَرَ المصنف بعضًا من هذه المواقف.
فصل: في ذكر بعض من نيل بضرب، أو حبس، أو اختفى، أو نفي بسبب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
- حيث ذَكَرَ المصنف بعضًا ممن تعرّض للضرب بالسوط، ومنهم:
- الزهري.
- سعيد بن المسيب.
- أبو الزناد عبد الله بن ذكوان.
- محمد بن المنكدر.
- أبو عمرو بن العلاء.
- ربيعة الرأي.
- عطية العوفي.
- يزيد الضبي.
- ثابت بن أسلم البناني.
- عبد الله بن عون.
- مالك بن أنس.
- أبو السوار العدوي.
- عقبة بن عبد الغافر.
- وتحدّث عن محنة الإمام أحمد مع فتنة خلق القرآن.
- وممن حُبس في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
- نعيم بن حماد.
- أبو يعقوب البويطي.
- أبو عمرو الحارث بن مسكين الضبي.
- عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي الغساني.
الفصل الرابع: في ذكر بعض من قُتل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
حيث ذَكَرَ من الأدلة والآثار والمواقف ما يؤكد ابتلاء الله تعالى للآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر من الأنبياء والمرسلين، ومن الصحابة، والتابعين، ومن الصالحين، فهناك من قُتل من الأنبياء، كما سُم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقتل من الصحابة، كما سُم الحسن بن علي، وقتل أخوه الحسين، وعبد الله بن الزبير، وكما قُتل عمر بن الخطاب بسبب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقُتل من الصالحين، كحطيط الزيات، وأحمد بن نصر في فتنة خلق القرآن.
([3]) صحيح البخاري في كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد برقم (2035) ومسلم في السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة… برقم (2175).
([5]) نهاية المبتدئين في أصول الدين، تأليف أحمد بن حمدان بن سبيب بن حمدان النمري الحراني الحنبلي، المتوفى سنة 695 هـ. وقد حققها الشيخ ناصر بن سعود بن عبد الله السلامة، طبعة مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الاولى 1425 هـ (ص: 61).
([7]) صحيح البخاري في كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع برقم (5143) ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس برقم (2563).
([14]) هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، من مصنفاته: “الجامع في المذهب”، “شرح الخرقي”، “تهذيب الأجوبة”. (ت403هـ) ينظر: المقصد الأرشد (1/319).
([18]) سنن ابن ماجه في كتاب الفتن باب العصبية (2/ 1302) (3949) ولفظه: “ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم”.
([27]) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ» صحيح مسلم (4/ 2000/2587).
([40]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (6/ 408) وعبارته: “ولو اغتاب أهل قرية فليس بغيبة لأنه لا يريد به كلهم بل بعضهم وهو مجهول”.
([75]) فَلَى رَأْسَهُ فَلْيًاً، وَفَلاهُ، بَحَثَهُ عن القمْلِ. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم (10/ 419).
([76]) من أصناف الذهب: “ذهب يقال له: الأفرنتي والأفلوري والبندقي والدوكات، وهو يجلب من بلاد الإفرنج، وعلى أحد وجهيه صورة إنسان في دائرة مكتوبة بقلمهم، وفي الوجه الآخر صورتان في دائرة مكتوبة، ولم يكن يعرف هذا الصنف قديماً مما يتعامل به الناس، وإنما حدث في القاهرة من حدود سنة تسعين وسبعمائة، وكثر حتى صار نقداً رائجاً، وبلغ إلى مائتي درهم وثلاثين درهماً من الفلوس، كل دينار منه، ووزن كل مائة دينار من هذا الذهب أحد وثمانون مثقالاً وربع مثقال، غير أن الناس قصوه حتى خف وزنه، واستقر ثمانية وسبعين وثلثا، وضرب كثير من الناس على شكله، وتسامح الناس في أخذه، فراج بينهم كرواج الإفرنجي، ويقع فيه اختلاف كبير، فيقال: هذا تركي وهذا خارج الدار، وهذا ناقص الوزن، وهذا ليس بجيد العيار، ويجعل بإزاء كل عيب حصة من المال تنقص من صرفه” السلوك لمعرفة دول الملوك (6/ 379).
([80]) (المحفة) بالكسر مركب من مراكب النساء كالهودج إلا أنها لا تقبب كما تقبب الهوادج. مختار الصحاح (ص: 76).
([90]) صحيح البخاري في كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] (9/ 5) (6878) ومسلم في القسامة باب ما يباح به دم المسلم رقم (1676).
([93]) العثكول والعثكولة، بضمهما، وكقرطاس، واقتصر الجوهري على الأولى والأخيرة: العذق أو الشمراخ، وهو ما عليه البسر من عيدان الكباسة، وهو في النخل بمنزلة العنقود من الكرم، كما في الصحاح، وفي الحديث: خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة. تاج العروس (29/ 430).
([96]) شِمراخ [مفرد]: ج شَماريخُ:
1 – سُباطة البلح.
2 – عنقود عليه العنب.
3 – غُصن دقيق رخص ينبت في أعلى الغصن الغليظ. معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1233).