الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المؤلف:
هو “الشيخ الإمام العالم المفسر الفقيه المجتهد الحافظ المحدث شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة والذكاء المفرط تقي الدين أبو العباس أحمد ابن العالم المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام شيخ الإسلام، مجد الدين، أبي البركات، عبد السلام، مؤلف الأحكام ابن عبد الله بن أبي القاسم الحراني ابن تيمية، وهو لقب لجده الأعلى”([1]).
يقول صالح بن سعيد بن هلابي: “لم يكن ابن تيمية العالم المجتهد في علوم الشريعة وفروعها، أو الناقد اللاذع لخصومه من المخالفين له في العقيدة، أو المحدث البارع في علوم الحديث، ومعرفة طبقات الرجال، ولم يكن ذو عقلية جبارة عظيمة، حتى وصل به الحد أن ينال من كبار الفلاسفة والمناطقة، وبيان أخطائهم وهفواتهم في علومهم التي أدخلوها في علوم الشريعة، لم يكن كل هذا فحسب، وإنما كان أيضًا مع هذا كله قائدًا عسكريًا عظيمًا وسياسيًا محنكًا نابغًا، فقد كتب الرسائل العديدة في السياسة الإسلامية من أهمها رسالة السياسة الشرعية بين الراعي والرعية ورسالة الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية، وفتاوى أخرى لا تحصى، مما حدا بالمستشرق الفرنسي هنري لاوست أن يجمع آراءه في السياسة الاجتماعية، وأن يجعلها موضوعاً لإحدى الرسالتين اللتين تحصل بهما على الدكتوراه من باريس”([2]).
مولده:
“مولده في عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، بحران”([3]).
وفاته:
“توفي سنة ثمان وعشرين وسبع مائة”([4])، حيث “طُلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية. ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة (712 هـ) واعتقل بها سنة (720) وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلًا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته”([5]).
شيوخه:
“سمع الحديث من أحمد بن عبد الدائم، ومجد الدين بن عساكر، وابن أبي اليسر، وأكثر عن أصحاب حنبل، وأبي حفص بن طبرزد، وغيرهم.
وقرأ واشتغل وانتقى، وبرع في علوم الحديث، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-.
ودرس وأفتى، وتصدر للإقراء والإفادة عدة سنين، وفسّر، وصنّف التصانيف المفيدة”([6]).
تصانيفه:
قال الزركلي: “في الدرر: أنها ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة([7])، وفي فوات الوفيات: أنها تبلغ ثلاثمائة مجلد([8])، منها:
(الجوامع – ط) في السياسة الإلهية، والآيات النبويّة، ويُسمى (السياسة الشرعية) و(الفتاوى – ط) خمس مجلدات، و(الإيمان – ط) و(الجمع بين النقل والعقل – خ) الجزء الرابع منه، والثالث في 267 ورقة كتب سنة 737 في شستربتي (3510) و(منهاج السنة – ط) و(الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان – ط) و(الواسطة بين الحق والخلق – ط) و(الصارم المسلول على شاتم الرسول – ط) و(مجموع رسائل – ط) فيه 29 رسالة، و(نظرية العقد – ط) كما سماه ناشره، واسمه في الأصل (قاعدة) في العقود و(تلخيص كتاب الاستغاثة – ط) يعرف بالرد على البكري، وكتاب (الرد على الأخنائي – ط) و(رفع الملام عن الأئمة الأعلام – ط) رسالة، و(شرح العقيدة الأصفهانية – خ) رأيته في المكتبة السعودية بالرياض، و(القواعد النورانية الفقهية – ط) و(مجموعة الرسائل والمسائل – ط) خمسة أجزاء”([9]).
وصف الكتاب:
أصل هذا الكتاب فصل في كتاب “الاستقامة” لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وأول من نشره مستقلًا عن “الاستقامة” هو الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، في الجزء الأول من مجموعة رسائل بعنوان “شذرات البلاتين من طيبات كلام سلفنا الصالحين”، وقد ورد هذا الفصل مستقلًا كذلك في المجلد الثامن والعشرين من مجموع الفتاوى.
بدأ المصنف الكتاب بقوله: “بسم الله الرحمن الرحيم، فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي أنزل الله به كتبه، وأرسل به رسله وهو من الدين، فإن رسالة الله: إما إخبار، وإما إنشاء”([10]).
وختمه بقوله: “ولفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات، وفي الاعتقادات، وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات، وهذا كقول ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي الدرداء -رضي الله عنهم-: اقتصاد في سنة، خير من اجتهاد في بدعة، وأمثال ذلك، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين، وأصحابه أجمعين”([11]).
عرض الكتاب:
بدأ المصنف كتابه بمقدمة تضمنت ما يلي:
- رسالة الله إما خبر، أو إنشاء:
- الإخبار إما عن نفسه، أو عن خلقه.
- والإنشاء يشمل الأمر والنهي والإباحة.
- من كمال رسالته -صلى الله عليه وسلم- أن الله أمر على لسانه بكل معروف، ونهى عن كل منكر، وأحل كل طيب، وحرّم كل خبيث.
- تحريم الخبائث يندرج في معنى: النهي عن المنكر، كما أن إحلال الطيبات يندرج في: الأمر بالمعروف.
- الأمة موصوفة بصف نبيها -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
- اقتضت هذه الآية أن ما لم تأمر به الأمة، فليس من المعروف، وما لم تنه عنه، فليس من المنكر.
- هذه الأمة هي خير الأمم للناس: فهم أنفعهم لهم، وأعظمهم إحسانًا إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر.
- ليس من شرط وقوع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من الأمة أن يصل أمر الآمر، ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم، لكن الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم.
- يجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على الكفاية.
مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
- من أعظم الواجبات والمستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة.
- إذا كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به.
- يتم الاهتداء بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال.
- الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد.
- يجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالقلب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله.
- من لم يفعله فليس بمؤمن، وهو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان.
- يغلط في باب الأمر بالمعروف فريقان:
- فريق يتركه متأولًا قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
- الفريق الثاني: من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه، وإما بيده مطلقًا، من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك، وما لا يصلح، وما يقدر عليه، وما لا يقدر، فيأتي بالأمر والنهي معتقدًا أنه مطيع في ذلك لله ورسوله، وهو معتدٍ في حدوده.
- إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها.
- اعتبار مقادير المصالح والمفاسد يكون بميزان الشريعة.
- إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعًا، أو يتركوهما جميعًا:
- إن كان المعروف أكثر أُمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر.
- لا ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذٍ من باب الصد عن سبيل الله.
- إن كان المنكر أغلب نهي عنه؛ وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف.
- وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان:
- ففي الأمور المعينة الواقعة لم يؤمر بهما، ولم ينه عنهما.
- وأما من جهة النوع، فيُؤمر بالمعروف مطلقًا، ويُنهى عن المنكر مطلقًا.
- إذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق، فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية.
- الأصل أن تكون محبة الإنسان للمعروف، وبغضه للمنكر، وإرادته لهذا، وكراهته لهذا: موافقة لحب الله وبغضه، وإرادته وكراهته الشرعيين.
- والأصل في فعل الإنسان للمحبوب، ودفعه للمكروه أن يكون بحسب قوته وقدرته.
- متى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة، وفعل العبد معها بحسب قدرته: فإنه يُعطَى ثواب الفاعل الكامل.
- اتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات.الشروط الواجب توافرها في الآمر والناهي:
ومما ذَكَرَه من الشروط:
- لا بد من العلم:
- علم بالمعروف والمنكر، والتمييز بينهما.
- وعلم بحال المأمور والمنهي.
- لا بد من الرفق.
- لا بد أن يكون حليمًا صبورًا على الأذى.
المعاصي سبب المصائب:
ذَكَرَ المصنف من الآيات ما يُؤكد هذا المعنى، ومما ذكره من فوائد:
- قد يذنب الرجل أو الطائفة، ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارًا منهيًا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديمًا وحديثًا.
- أسباب الضلال والغي البدع في الدين، والفجور في الدنيا.
- الأمور على قسمين:
- ما كان جنسه مباحًا من أكل وشرب ونكاح ولباس وركوب وأموال: إذا وقع فيها الاختصاص حصل الظلم، والبخل والحسد، وأصلهما الشح (الذي هو شدة حرص النفس).
- أمور محرمة كالزنى وشرب الخمر ونحو ذلك؛ وإذا وقع فيها اختصاص فإنه يصير فيها نوعان:
- أحدهما: بغضها لما في ذلك من الاختصاص والظلم، كما يقع في الأمور المباحة الجنس.
- والثاني: بغضها لما في ذلك من حق الله.
أقسام الذنوب:
- أحدها: ما فيها ظلم للناس، كالظلم بأخذ الأموال، ومنع الحقوق، والحسد، ونحو ذلك.
- والثاني: ما فيه ظلم للنفس فقط، كشرب الخمر والزنى، إذا لم يتعد ضررهما.
- والثالث: ما يجتمع فيه الأمران، مثل أن يأخذ المتولي أموال الناس يزني بها، ويشرب بها الخمر.
- أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم.
- الناس في الأمر والنهي ثلاثة أقسام:
- قوم لا يقومون إلا في أهواء نفوسهم، فلا يرضون إلا بما يعطونه، ولا يغضبون إلا لما يحرمونه، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات الحلال والحرام، زال غضبه، وحصل رضاه، وصار الأمر الذي كان عنده منكرًا مرضيًا عنده، وصار فاعلًا له، وشريكًا فيه، ومعاونًا عليه، ومعاديًا لمن نهى عنه، وينكر عليه، وهذا غالب في بني آدم.
- قوم يقومون ديانة صحيحة مخلصين لله، مصلحين فيما عملوه، ويستقيم لهم ذلك، حتى يصبروا على ما أوذوا، وهؤلاء هم الذين آمنوا، وعملوا الصالحات.
- وقوم يجتمع فيهم هذا وهذا، وهم غالب المؤمنين، فمن فيه دين، وله شهوة، تجتمع في قلوبهم إرادة الطاعة، وإرادة المعصية، وربما غلب هذا تارة، وهذا تارة.
أقسام الأنفس:
- أمارة: تأمر صاحبها بالسوء.
- ومطمئنة.
- ولوامة: التي تفعل الذنب، ثم تلوم عليه، وتتلون: تارة كذا، وتارة كذا، وتخلط عملًا صالحًا، وآخر سيئًا.
- في زمن أبي بكر وعمر كان الناس أقرب عهدًا بالرسالة، وأعظم إيمانًا وصلاحًا، وأئمتهم أقوم بالواجب، وأثبت في الطمأنينة: لم تقع فتنة، إذ كانوا في حكم القسم الوسط.
- في آخر خلافة عثمان، وخلافة عليّ كثُر القسم الثالث، فصار فيهم شهوة وشبهة مع الإيمان والدين، وصار ذلك في بعض الولاة، وبعض الرعايا، ثم كثر ذلك بعد، فنشأت الفتنة.
- يؤمر المؤمن بأن يصلح نفسه؛ وذلك بشيئين: بفعل الحسنات، وترك السيئات، مع وجود ما ينفي الحسنات، ويقتضي السيئات، وهذه أربعة أنواع.
- ويؤمر أيضًا بإصلاح غيره بهذه الأنواع الأربعة بحسب قدرته وإمكانه.
- إذا أمر الآمر غيره بحسن، أو أحب موافقته على ذلك، أو نهى غيره عن شيء، فيحتاج أن يحسن إلى ذلك الغير إحسانًا يحصل به مقصوده، من حصول المحبوب، واندفاع المكروه، فإن النفوس لا تصبر على المر إلا بنوع من الحلو.
- الحاجة إلى السماحة والصبر عامة لجميع بني آدم، لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا به.
ذم البخل والجبن:
ذَكَرَ من الأدلة ما يُؤكد ذم الشرع للبخل والجبن.
- الشجاعة ليست هي قوة البدن، وإنما هي قوة القلب وثباته.
- القتال مداره على قوة البدن، وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة، دون التهور الذي لا يفكر صاحبه، ولا يميز بين المحمود والمذموم.
الصبر على المصائب:
ومما ذَكَرَه المصنف:
- الصبر صبران: صبر عند الغضب، وصبر عند المصيبة.
- المؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن.
- الإنسان محتاج عند المحبة والشهوة أن يصبر عن عدوانهما، وعند الغضب والنفرة أن يصبر عن عدوانهما، وعند الفرح أن يصبر عن عدوانه، وعند المصيبة أن يصبر عن الجزع منها.
- الأصوات أربعة:
- صوت يوجب الاعتداء في الفرح، حتى يصير الإنسان فرحًا فخورًا.
- صوت يوجب الجزع.
- صوت يثير الغضب لله، كالأصوات التي تقال في الجهاد من الأشعار المنشدة، فتلك لم تكن بآلات.
- أصوات الشهوة في الفرح، فرخص منها فيما وردت به السنة من الضرب بالدف في الأعراس والأفراح للنساء والصبيان.
- عامة الأشعار التي تنشد بالأصوات لتحريك النفوس هي من هذه الأقسام الأربعة، وهي التشبيب، وأشعار الغضب والحمية، وهي الحماسة والهجاء، وأشعار المصائب كالمراثي، وأشعار النعم والفرح، وهي المدائح.أصناف الناس في الشجاعة:
- لقد حمد الله سبحانه الشجاعة والسماحة في سبيله.
- الناس أربعة أصناف:
- من يعمل لله بشجاعة وسماحة، فهؤلاء هم المؤمنون المستحقون للجنة.
- ومن يعمل لغير الله بشجاعة وسماحة، فهذا ينتفع بذلك في الدنيا، وليس له في الآخرة من خلاق.
- ومن يعمل لله لكن لا بشجاعة ولا سماحة، فهذا فيه من النفاق، ونقص الإيمان بقدر ذلك.
- ومن لا يعمل لله، وليس فيه شجاعة ولا سماحة، فهذا ليس له دنيا ولا آخرة.
- يحتاج الناس في وقت الفتن إلى صلاح نفوسهم، ودفع الذنوب عن نفوسهم عند المقتضي للفتنة عندهم، ويحتاجون أيضاً إلى أمر غيرهم ونهيه بحسب قدرتهم.أقسام الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
- ذَكَرَ أن الناس ثلاثة أقسام:
- قسم يأمرون وينهون ويقاتلون، طلبًا لإزالة الفتنة التي زعموا، ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة، كالمقتتلين في الفتنة الواقعة بين الأمة.
- وأقوام ينكلون عن الأمر والنهي والقتال الذي يكون به الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا؛ لئلا يفتنوا، وهم قد سقطوا في الفتنة، وهذه حال كثير من المتدينين، يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين كله لله.
- قسم يقوم بالواجب من الأمر والنهي وترك المحظور([12]).
- كل بشر على وجه الأرض فلا بد له من أمر ونهي، ولا بد أن يأمر وينهى، حتى لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها، إما بمعروف، وإما بمنكر.
من هم أولو الأمر؟
- (أولو الأمر) أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس؛ وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء، والأمراء.
- إذا صلح أولو الأمر صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس.
- على كل واحد منهم أن يأمر بما أمر الله به، وينهى عما نهى عنه.
- على كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه في طاعة الله، ولا يطيعه في معصية الله.
فصل في الإخلاص والصواب:
منزلة الإخلاص في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
- لا بد في جميع الحسنات من شيئين: أن يراد بها وجه الله، وأن تكون موافقة للشريعة، فهذا في الأقوال والأفعال، في الكلم الطيب، والعمل الصالح، في الأمور العلمية، والأمور العبادية.
- يحتاج المخبر بالأمور العلمية الكلامية كالإخبار عن الله واليوم الآخر حقًّا صوابًا.
- ويحتاج العباد في العبادات أن تكون حقًّا وصوابًا، أي: مما شرعه الله، وأمر الله به ورسوله.
- ما لم يكن من القسمين كان من الباطل والبدع المضلة والجهل، وإن كان يسميه من يسميه علومًا ومعقولات، وعبادات ومجاهدات، وأذواقًا ومقامات.
- ويحتاج أيضًا أن يؤمر بذلك لأمر الله، وينهى عنه لنهي الله، ويخبر بما أخبر الله به؛ لأنه حق وإيمان وهدى، كما أخبرت به الرسل.
- وتحتاج العبادة أن يقصد بها وجه الله.
- أقسام الأمور ثلاثة: مأمور، ومحظور، ومشتمل على الأمرين.
- وقد يكون لصاحب الأمر نية حسنة، وقد يكون متبعًا لهواه، وقد يجتمع له هذا وهذا.
إسلام الوجه لله والإحسان هما أصلا الشريعة:
- إسلام الوجه لله، والإحسان هما الأصلان المذكوران: كون العمل خالصًا لله، صوابًا موافقًا للسنة والشريعة.
- حيث توجّه الإنسان توجّه وجهه، ووجهه مستلزم لتوجهه، وهذا في باطنه وظاهره جميعًا، فهذه أربعة أمور، والباطن هو الأصل، والظاهر هو الكمال والشعار.