احتساب بلال بن رباح رضي الله عنه
(000 – 20 هـ = 000 – 641 م)
اسمه:
هو بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخازنه على بيت ماله، من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام؛ ولما توفي رسول الله أذن بلال، ولم يؤذن بعد ذلك، وأقام حتى خرجت البعوث إلى الشام، فسار معهم، وتوفي في دمشق([1]).
مناقبه وفضله:
شهد بلال رضي الله عنه المشاهد كلها، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخى النبي صلى الله عيه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح.
جاء عنه: أربعة وأربعون حديثًا، منها في (الصحيحين): أربعة، المتفق عليها: واحد، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديث موقوف([2]).
وفي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: “عند صلاة الفجر يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعتُ دف نعليك بين يدي في الجنة” قال: ما عملت عملًا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورًا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور، ما كتب لي أن أصلي” قال أبو عبد الله: “دف نعليك يعني تحريك”([3]).
وفي البخاري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان عمر يقول: “أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالًا”([4]).
وعن عاصم عن زر، عن عبد الله: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد.
فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر: فمنعهما الله بقومهما، وأما سائرهم، فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد([5]).
سيرته الاحتسابية
كان لبلال رضي الله عنه سيرة احتسابية عطرة، مليئة بالمواقف الاحتسابية، منها:
1- إنكاره على الاعتداء في الطهور:
عن مكحول عن بلال أنه رأى رجلاً يتوضأ، فنزع خفيه، فقال له بلال: لا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين.
فقال الرجل: أفي الوضوء اعتداء يا بلال؟
فقال: نعم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، وعلى النصيف”([6]).
2- إنكاره على مسيء في صلاته:
عن قيس، أن بلالًا رأى رجلًا لا يتم الركوع، ولا السجود، فقال: “لو مات هذا مات على غير ملة عيسى ابن مريم”([7]).
وعند الطبراني: عن قيس بن أبي حازم، عن بلال، أنه رأى رجلًا يسيء الصلاة، لا يتم ركوعها، ولا سجودها، فقال: “لو مت الآن لمت على غير ملة عيسى عليه السلام”([8]).
3- موقفه مع أمية بن خلف:
فعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن، قال: كاتبت أمية بن خلف، فلما كان يوم بدر، فذكر قتله وقتل ابنه، فقال بلال: “لا نجوت إن نجا أمية”([9]).
4- احتسابه على أخيه:
عن عبد الواحد بن زياد، ثنا عمرو بن ميمون، حدثني أبي، أن أخًا لبلال كان ينتمي في العرب، ويزعم أنه منهم، فخطب امرأة من العرب، فقالوا: إن حضر بلال زوجناك، قال: فحضر بلال، فقال: أنا بلال بن رباح، وهذا أخي، وهو امرؤ سوء سيئ الخلق، والدين، فإن شئتم أن تزوجوه، فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوه فدعوه، فقالوا: من تكن أخاه نزوجه، فزوجوه([10]).
5- إنكاره على كفار قريش:
عن الشعبي، قال: كان موالي بلال يضجعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون: دينك اللات والعزى، فيقول: ربي الله، أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها.
فمر أبو بكر بهم، فقالوا: اشتر أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقية، فأعتقه([11]).
من أقواله ومروياته الاحتسابية
كان لبلال بن رباح رضي الله عنه أقوال ومرويات احتسابية كثيرة، منها:
1- عن عقبة بن عبد الغافر، قال: سمعت أبا سعيد، يقول: جاء بلال بتمر برني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أين هذا؟”
فقال بلال: “تمر كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله عند ذلك: “أوه عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به([12]).
2- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: “جاء بلال يريد أن يستأذن على عمر، فقلت: إنه نائم، فقال: يا أسلم كيف تجدون عمر؟ فقلت: خير الناس، إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم، فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه”([13]).
3- وكان يقول: “اللهم العن عتبة، وشيبة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء”([14]).
([1]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 455)، وسير أعلام النبلاء (1/ 347)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 147)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 436)، والأعلام للزركلي (2/ 73)، وغيرها.
([2]) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 455)، وسير أعلام النبلاء (1/ 360)، والأعلام للزركلي (2/ 73).
([3]) صحيح البخاري في كتاب التهجد، باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار (2/ 53-1149)، صحيح مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل بلال رضي الله عنه (4/ 1910-2458).