احتساب عبادة بن الصامت رضي الله عنه
(38 ق هـ – 34 هـ = 586 – 654 م)
اسمه ونسبه:
هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري، الخزرجي، المدني، أبو الوليد، أخو أوس بن الصامت.
وأمهما قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مَالِك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف، وجده سالم بن عوف، يقال له: الحبلى، لعظم بطنه، ومن نسب إليه يقال لهم: بنو الحبلى، وبنو غنم بن عوف، وبنو سالم بن عوف، يقال لهم: القواقلة([1]).
فضله ومكانته:
عبادة بن الصامت، صحابي جليل، من الموصوفين بالورع، شهد العقبة، وكان أحد النقباء، وبدراً، وسائر المشاهد، ثم حضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، ومات بالرملة، أو ببيت المقدس.
روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (181) حديثاً، أخرج له في الصحيحين عشرة أحاديث، المتفق عليه منها ستة، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين، وكان من سادات الصحابة([2])
وعن ابن إسحاق قال: عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن الخزرج، في الاثني عشر الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العقبة الأولى([3]).
وقال الزهري: عبادة بن الصامت، قد شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة([4]).
وعن الوليد بن مسلم قال: سمعتُ الأوزاعي يقول: أول من ولي قضاء فلسطين: عبادة بن الصامت([5]).
وقال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسة من الأنصار:
معاذ، وأبي، وأبو أيوب، وأبو الدرداء، وعبادة، فلما استخلف عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن، ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة، فخرج معاذ، وأبو الدرداء، وعبادة([6]).
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: عبادة بن الصامت أبو الوليد، بدري، عقبي، شجري، نقيب([7]).
وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين أبى مرثد الغنوى، واستعمله النبى -صلى الله عليه وسلم- على الصدقات، وكان يعلم أهل الصفة القرآن([8]).
سيرته الاحتسابية
كان عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- من أكثر الصحابة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وهو أحد الصحابة الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على قول الحق، وألا يخافوا في الله لومة لائم، وله مواقف احتسابية عظمية، منها:
1- إنكاره على الخمر:
عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: مرت عليه أحمرة، وهو بالشام، تحمل الخمر، فأخذ شفرة من السوق، وقام إليها حتى شققها، ثم قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع، والطاعة في النشاط، والكسل، وعلى العسر، واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر، أحسبه قال: المظلوم، ونمنع منه ما نمنع منه أنفسنا، وأبناءنا هذا ما بايع عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سيلي أموركم من بعدي نفر يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله))([9]).
2- إنكاره على من زعم أن الوتر واجب:
عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن الصنابحي، قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال: عبادة بن الصامت كذب أبو محمد أشهد، أني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه))([10]).
وفي الموطأ: عن ابن محيريز، أن رجلاً من بني كنانة، يُدعى المخدجي، سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد، يقول: إن الوتر لواجب على الناس، فقال المخدجي: فرحتُ إلى عبادة بن الصامت، فاعترضتُ له، وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم ينقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة))([11]).
3- إنكاره على الربا:
عن أبي الأشعث قال: كان أناس يبيعون الفضة من المغانم إلى العطاء، فقال عبادة بن الصامت: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، مثلاً بمثل، فمن زاد واستزاد، فقد أربى”([12]).
4- إنكاره على معاوية رضي الله عنهما جميعاً:
عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس، وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: يا أيها الناس، إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة)) فقال: له معاوية يا أبا الوليد، لا أرى الربا في هذا، إلا ما كان من نظرة، فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها، وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر([13]).
5- إنكاره على من يسيئ في صلاته:
عن أبي النضر، قال: سمعتُ جبلة بن عبد الرحمن، عن مسلم، قال: رأى عبادة، رجلاً لا يتم الركوع ولا السجود، فأخذ بيده، ففزع الرجل، فقال عبادة: “لا تشبهوا بهذا، ولا بأمثاله، إنه لا يجزي صلاته إلا بأم الكتاب”([14]).
6- إنكاره على الشرك وعبادة الأصنام:
فقد جاء في ترجمة (كعب بن عجرة) أنه كان له صنم في بيته، يكرمه، وكان عبادة بن الصامت صديقاً له، فرصده يوماً، فلما خرج من بيته، دخل عبادة، فكسره بالقدوم، فلما جاء ورآه خرج مغضباً، يريد أن يشاتم عبادة، ثم فكر في نفسه، فقال: لو كان عند هذا الصنم طائل لامتنع، فأسلم، ومات بالمدينة سنة اثنتين وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة([15]).
7- إنكاره على أهل الشام بعض أنواع البيوع:
جاء في أسد الغابة: أنه قام في الشام خطيباً: فقال: “يا أيها الناس، إنكم قد أحدثتم بيوعاً، لا أدري ما هي؟ إلا أن الفضة بالفضة وزناً بوزن، تبرها وعينها، والذهب بالذهب وزناً بوزن، تبره وعينه، ألا ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يداً بيد، والفضة أكثرها، ولا يصلح نسيئة، ألا وإن الحنطة بالحنطة مدياً بمدي، والشعير بالشعير مدياً بمدي، ألا ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير، والشعير أكثرهما، يداً بيد، ولا يصلح نسيئة، والتمر بالتمر مدياً بمدي، والملح بالملح مدياً بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى”([16]).
اشتُهر عن عبادة بن الصامت كثيرٌ من الأقوال، والآراء المتعلقة بالحسبة والاحتساب، منها:
1- ما جاء عن أبي قلابة، قال: قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، لجنادة أبي أمية: “يا جنادة ألا أخبرك بالذي لك والذي عليك؟ إن عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وفي الأثرة عليك، وأن تدع لسانك بالقول، وألا تنازع الأمر أهله، إلا أن تؤمر بمعصية الله براحاً، فإن أمرت بخلاف ما في كتاب الله فاتبع كتاب الله”([17]).
ولعبادة بن الصامت -رضي الله عنه- مرويات تتعلق بالحسبة، ومنها:
1- ما جاء في البخاري ومسلم عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبادة بن الوليد، أخبرني أبي، عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه-، قال: “بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم”([18]).
2- وعن مسلم بن جابر الصدفي عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، كان خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-))([19]).
([1]) انظر ترجمته: في أسد الغابة (3/ 158) وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (14/ 184) وسير أعلام النبلاء (3/ 341) وتاريخ الإسلام (3/ 422) وتاريخ دمشق لابن عساكر (26/ 182) وتلقيح فهوم أهل الأثر (ص: 287) والأعلام للزركلي (3/ 258) وغيرها.
([10]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات (1/ 115-425) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 511-6500) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ص: 2-425).
([12]) أخرجه أحمد (37/ 357-22683) وقال محققو المسند: “إسناده صحيح على شرط مسلم” وابن حبان (11/ 389-5015).
([13]) أخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتغليظ على من عارضه (1/ 8-18) وهو في السنن الكبرى للبيهقي (5/ 455-10481) ومعرفة السنن والآثار (8/ 35-11025) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 90-18).