احتساب الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله
(… – 75 هـ = … – 694 م)
اسمه:
هو الأسود بن يزيد بن قيس([1]) النخعي، أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، تابعي، فقيه، من الحفاظ، كان عالم الكوفة في عصره([2]).
فضله ومناقبه:
قال عنه أبو نعيم: “ومنهم القارئ القوام، الساري الصوام، الفقيه الأثير، الفقير الأسير، الأسود بن يزيد النخعي”([3](.
وقال عنه ابن كثير: “الأسود بن يزيد، صاحب ابن مسعود، وهو الأسود بن يزيد النخعي، من كبار التابعين، ومن أعيان أصحاب ابن مسعود، ومن كبار أهل الكوفة، وكان يصوم الدهر، وقد ذهبت عينه من كثرة الصوم، وقد حج البيت ثمانين حجة وعمرة، وكان يهل من الكوفة، توفي في هذه السنة، وكان يصوم حتى يخضر ويصفر”([4]).
وعن شعبة عن أبي حصين قال: أوصى عبيدة السلماني أن يصلي عليه الأسود بن يزيد، وكان عند غروب الشمس، فخشي أن يصلي عليه المختار، فبادر فصلى عليه([5]).
وعن حنش بن الحارث قال: رأيت الأسود بن يزيد، وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم.
وعن زياد النخعي قال: كان الأسود يصوم في السفر حتى يتغير لونه من العطش في اليوم الحار، ونحن يشرب أحدنا مراراً قبل أن يفرغ من راحلته في غير رمضان.
وعن علي بن مدرك أن علقمة كان يقول للأسود: ما تعذب هذا، فيقول: إنما أريد به الراحة.
وعن زياد النخعي قال: سافرت مع الأسود إلى مكة، فكان إذا حضر وقت الصلاة نزل على أي حال كان عليه، وإن كان على حزونة نزل فصلى، وإن كان يد ناقته في صعود أو هبوط أناخ ولم ينتظر.
وعن مسعر قال: كان أبو وائل يأتي الأسود بن يزيد، فيقول: ما جئتك من مرة إلا تمنيت أن الناس ينعوك إلي، قال: فقال الأسود: آسى على شهر أعيشه، فيكتب الله لي فيه خمسين صلاة، قال مسعر: فكان قول الأسود أعجب إليهم([6]).
روى عن: معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وبلال، وحذيفة، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وقرأ القرآن على عبد الله.
روى عنه: ابنه، وأخوه، وابن أخيه إبراهيم، وعمارة بن عمير، وأبو إسحاق السبيعي وخلق، وقرأ عليه القرآن: يحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق.
وكان من العبادة والحج على أمر كبير.
فروى شعبة، عن أبي إسحاق قال: حج الأسود ثمانين من بين حجة وعمرة.
وقال ابن عون: سئل الشعبي، عن الأسود بن يزيد فقال: كان صواماً، قواماً، حجاجاً([7]).
وعن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين.
وعن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين: وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال.
وعن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود يجتهد في العبادة، يصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: ما لي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير، فيعفو عنه، فلا يزال مستحيياً منه([8]).
وفي مرآة الجنان: الأسود بن يزيد النخعي، الكوفي، الفقيه، العابد، وورد أنه كان يصلي في اليوم والليلة سبع مائة ركعة، وهو الذي استسقى به معاوية بن أبي سفيان، فقال: اللهم إنا نستسقي إليك بخيرنا وأفضلنا، الأسود بن يزيد، ثم قال: ارفع يديك، فرفع يديه فدعا، فسقوا([9]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد أن عائشة قالت: ما بالعراق رجل أكرم علي من الأسود([10]).
وعن عمارة بن عمير؛ قال: ما كان الأسود بن يزيد إلا راهباً من الرهبان([11]).
وعن أبي طالب قال: قلت لأحمد بن حنبل الأسود يعني بن يزيد، فقال: ثقة من أهل الخير([12]).
وسئل الشعبي عن الأسود بن يزيد، فقال: كان صواماً، قواماً، حجاجاً، أهل بيت خلقوا للجنة علقمة، والأسود، وعبد الرحمن بن يزيد.
وقال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود بن يزيد([13]).
سيرته الاحتسابية
كان للأسود بن يزيد النخعي رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف العظيمة، نذكر جانباً منها:
1- إنكاره على من ترك الحج وهو موسر:
عن إبراهيم، قال: قال الأسود لرجل منهم موسر: “لو مت ولم تحج لم أصلِّ عليك”([14]).
وعن مالك بن مغول قال: سمعت أبا معشر ذكره عن إبراهيم قال: كان الأسود لا يصلي على أحدهم إذا كان موسرًا فمات ولم يحج([15]).
وعن عمارة قال: كان في النخع رجل موسر، يقال له: مقلاص لم يكن حج، فقال الأسود: لو مات لما صليت عليه([16]).
2- إنكاره على بدع الجنائز:
عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد أنه قال لرجل عند الموت: إن استطعت أن تُلَقِّنِّي حتى يكون آخر ما أقول لا إله إلا الله فافعل، ولا تجعلوا في قبري آجراً.
قال وكيع ومحمد بن عبد الله الأنصاري: قال ابن عون في الحديث: ولا تتبعوني بصوت، أو قال: بنوح([17]).
3- إنكاره على خارجي:
قال ابن عبد البر: “روينا عن خليفة الطائي قال: لما رجعنا من النهروان لقينا العزار الطائي قبل أن ينتهي إلى المدائن، فقال لعدي بن حاتم: يا أبا طريف أغانم سالم أم ظالم آثم؟ قال: بل غانم سالم إن شاء الله، قال: فالحكم والأمر إذا إليك؟
فقال الأسود بن يزيد والأسود بن قيس المراديان: ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر، وإنا لنعرفك برأي القوم، فأتيا به علياً، فقالا: إن هذا يرى رأي الخوارج، وقد قال كذا وكذا، قال: فما أصنع به؟ قال: تقتله، قال: لا أقتل من لا يخرج عليَّ، قال: فتحبسه، قال: ولا أحبسن من ليست له جناية، خلِّيَا سبيل الرجل”([18]).
4- إنكاره على حذيفة:
عن إبراهيم، عن الأسود، قال: كنا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة، حتى قام علينا فسلم، ثم قال: “لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم”.
قال الأسود: سبحان الله! إن الله يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فتبسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله، فتفرق أصحابه، فرماني بالحصا، فأتيته، فقال حذيفة: “عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم، ثم تابوا، فتاب الله عليهم”([19])، ([20]).
5- إنكاره على الجهر بالقراءة خلف الإمام:
عن إبراهيم قال: قال الأسود: “لأن أعض على جمرة أحب إلي من أن أقرأ خلف الإمام، أعلم أنه يقرأ”([21]).
وعن إبراهيم، عن الأسود قال: “وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فاه تراباً”([22]).
وعن معمر قال: وأخبرني رجل، عن الأسود، أنه قال: “وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام إذا جهر عض على جمر”([23]).
ويحتمل أن يكون أراد الجهر دون السر، كما قال ابن عبد البر([24]).
ويدل على هذا رواية ابن أبي شيبة السابقة: “لأن أعض على جمرة أحب إلي من أن أقرأ خلف الإمام أعلم أنه يقرأ”.
6- إنكاره على الشعبي:
عن أبي إسحاق، قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجعل لها سكنى ولا نفقة” ثم أخذ الأسود كفاً من حصى، فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت، أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]([25]).
وفي رواية في سنن الدارقطني: عن الشعبي قال: لقيني الأسود بن يزيد، فقال: يا شعبي اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر “كان يجعل لها السكنى والنفقة” فقلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم([26]).
7- إنكاره على الزيادة في التشهد:
عن أبي إسحاق، قال: أتيت الأسود بن يزيد، وكان لي أخاً وصديقاً، فقلت: إن أبا الأحوص يزيد في التشهد عن عبد الله: والمباركات، فقال: “ائته فانهه عن هذا، وقل له: إن عبد الله علم علقمة التشهد يعقدهن في يده”([27]).
من أقواله المأثورة
كان للأسود بن يزيد النخعي رحمه الله الكثير من الأقوال المأثورة، منها:
1- عن أبي إسحاق، قال: سمعت الأسود بن يزيد، يقول: “ما رأيت أحداً كان آمر بصوم عاشوراء من علي بن أبي طالب وأبي موسى رحمهما الله”([28]).
2- وعن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، أن ابن الزبير، قال له: أخبرني بما، كانت تقضي إليك أم المؤمنين، فقال الأسود: أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: “لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين” فلما ملك ابن الزبير هدمها، وجعل لها بابين([29]).
3- وعن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، قال: كان الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه سألهم عن أميرهم، فيقولون خيراً، فيقول: هل يعود مرضاكم؟ فيقولون: نعم، فيقول: هل يعود العبد؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها: لا، عزله([30]).
4- وقال الأسود بن يزيد: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى([31]).
5- وعن إبراهيم، عن الأسود، قال: ذكروا عند عائشة أن علياً رضي الله عنهما كان وصيا، فقالت: “متى أوصى إليه، وقد كنت مسندته إلى صدري؟ -أو قالت: حجري- فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرت أنه قد مات، فمتى أوصى إليه”([32]).
([2]) انظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (5/ 359) والطبقات الكبرى (6/ 134) والمعارف (1/ 432) والمعرفة والتاريخ (2/ 559-560) وموسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله (1/ 116)
والأعلام للزركلي (1/ 330) وغيرها.
([19]) (أنزل النفاق) أي ابتلي به واختبر والمنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام. (خير منكم) أي لأنهم كانوا في طبقة الصحابة رضي الله عنهم، والمقصود جماعة نافقوا ثم صلحوا واستقاموا، (فتبسم) تعجباً من حذيفة رضي الله عنه، وسروراً بما قام به من قوله الحق وتحذيره من الباطل (فرماني) القائل الأسود، والرامي حذيفة رضي الله عنه (وقد عرف ما قلت) عرف ما أقصد بقولي.