احتساب قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله
(61 – 118 هـ = 680 – 737 م)
اسمه:
هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسر، حافظ، ضرير أكمه([1]).
فضله ومناقبه:
أسند قتادة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أنس بن مالك، وأبو الطفيل، وعبد الله بن سرجس، وحنظلة الكاتب.
وروى عن قتادة من التابعين عدة منهم: سليمان التيمي، وحميد الطويل، وأيوب السختياني، ومطر الوراق، ومحمد بن جحادة، ومنصور بن زاذان.
وروى عنه من الأئمة والأعلام: شعبة، وهشام، والأوزاعي، ومسعر، وعمرو بن الحارث، ومعمر، وليث بن أبي سليم([2]).
قال ابن المسيب: ما جاءني عراقي أفضل منه.
وقال بكر المزني: ما رأيت أحفظ منه.
وقال محمد بن سيرين: هو من أحفظ الناس، وقال مطر: كان قتادة إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل حتى يحفظه، وقال الزهري: هو أعلم من مكحول.
وقال معمر: ما رأيت أفقه من الزهري وحماد وقتادة.
وقال قتادة: ما سمعت شيئًا إلا وعاه قلبي.
وقال أحمد بن حنبل: هو أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئًا إلا حفظه”([3]).
وقال أحمد بن حنبل: “ما أعلم قتادة روى عن أحد من الصحابة إلا عن أنس، قيل: فابن سرجس، فكأنَّه لم يره سماعًا”([4]).
وكان رأسًا في العربية والغريب، وأيام العرب وأنسابها، حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.
وعن حفص عن قائد لقتادة قال: قدت قتادة عشرين سنة، وكان يبغض الموالي، ويقول: دباغين حجامين، أساكفة، فقلت: ما يؤمنك أن يجيء بعضهم، فيأخذ بيدك فيذهب بك إلى بئر فيطرحك فيها، قال: لا قدتني بعدها أبدًا”([5]).
وقال معمر: كنا نجالس قتادة، ونحن أحداث، فنسأل عن السند، فيقول مشيخة حوله: مه، إن أبا الخطاب سند، فيكسرونا عن ذلك”([6]).
وعن بكر بن عبد الله المزني، قال: “من أراد أن ينظر إلى أحفظ أهل زمانه، فلينظر إلى قتادة، فما أدركنا الذي هو أحفظ منه”([7]).
وعن قتادة، قال: “لزمت سعيد بن المسيب أربعة أيام يحدثني” فقال يومًا: أليس تكتب؟ فهل يصير في يدك شيء مما أحدثك به؟ قلت له: “إن شئت حدثتك بما حدثتني به” قال: “فأعدتها عليه” قال: فبقي ينظر إلي، ويقول: أنت أهل أن تحدث فسل فأقبلت أسأله”([8]).
وعن معمر، قال: سمعت قتادة يقول: “ما سمعت أذناي شيئًا قط إلا وعاه قلبي”([9]).
وعن معمر، قال: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت في المنام كأن حمامة التقمت لؤلؤة فقذفتها سواء، فقال: “ذاك قتادة ما رأيت أحفظ من قتادة”([10]).
وعن مطر، قال: “كان قتادة فارس العلم”([11]).
وعن معمر، قال: قال قتادة لسعيد: “خذ المصحف فأمسك عليّ” قال: فقرأ سورة البقرة فما أسقط منها واوًا، ولا ألفًا، ولا حرفًا، فقال: يا أبا النضر أحكمت قال: “نعم” قال: “لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة، وإنما قدمت عليه مرة واحدة”([12]).
وعن معمر قال: قيل للزهري: من أعلم مكحول أو قتادة؟ قال: قتادة”([13]).
وعن مطر، قال: “كان قتادة عبد العلم، وما زال قتادة متعلمًا حتى مات”([14]).
وعن سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة”([15]).
مات قتادة بواسط في الطاعون.
سيرته الاحتسابية
كان لقتادة رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف المتعددة، نذكر جانبًا، منها:
1- إنكاره على المبتدعة:
وعن عاصم الأحول، قال: جلست إلى قتادة، فذُكر عمرو بن عبيد، فوقع فيه، ونال منه، فقلت له: أبا الخطاب ألا أرى العلماء يقول بعضهم في بعض، فقال: “يا أحيول، ألا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة، فينبغي لها أن تذكر حتى يحذر”([16]).
وعن أبي هلال قال: “كنا في بيت قتادة، فجاءنا الخبر أن الحسن قد توفي، فقلت: لقد كان غُمِس في العلم غَمسة. فقال قتادة: لا والله، ولكنه ثبت فيه، وتحقَّنه، وتشرَّبه، والله لا يبغض الحسن إلا حروري”([17]).
2- إنكاره على من أراده أن يفتي برأيه:
وعن أبي هلال قال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري.
فقلت: قل برأيك.
قال: ما قلت برأي منذ أربعين سنة.
فقلت: ابن كم هو يومئذٍ؟ قال: ابن خمسين سنة”([18]).
3- إنكاره على رجل:
عن معمر، قال: صك رجل ابنًا لقتادة فاستعدى عليه عند بلال بن أبي بردة، فلم يلتفت إليه، فشكاه إلى القسري، فكتب إليه: إنك لم تنصف أبا الخطاب، فدعاه، ودعا وجوه أهل البصرة، يتشفعون إليه، فأبى أن يشفعهم، فقال له: صكه كما صكك، فقال لابنه: “يا بني أحسر عن ذراعيك، وارفع يديك وشد”.
قال: فحسر عن ذراعيه، ورفع يديه فأمسك قتادة يده، وقال: “قد وهبناه لله، فإنه كان يقال لا عفو إلا بعد قدرة”([19]).
4- إنكاره على مُحدِّث:
عن همام، قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام، قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريًّا، فقال قتادة: “هذا كان سائلًا قبل الجارف، لا يعرض في شيء من هذا، ولا يتكلم فيه، فو الله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة، ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة، إلا عن سعد بن مالك”([20]).
5- إنكاره على من يسأل عما لم يقع:
عن النضر بن محمد قال: دخل قتادة الكوفة، ونزل في دار أبي بردة، فخرج يومًا، وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال قتادة: والله الذي لا إله إلا هو ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلا أجبته، فقام إليه أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا فظنت امرأته أن زوجها مات فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه، لئن حدّث بحديث ليكذبن، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن، فقال قتادة: ويحك أوقعت هذه المسألة؟
قال لا، قال: فلم تسألني عما لم يقع؟ قال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه، والخروج منه”([21]).
أقواله المأثورة
كان لقتادة الكثير من الأقوال، نذكر منها:
1- عن قتادة قال: “باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه، وصلاح الناس، أفضل من عبادة حول كامل”([22]).
2- وقال قتادة: “إن الذنب الصغير يجتمع إلى غيره مثله على صاحبه، حتى يهلكه، ولعمري إنا لنعلم أن أهيبكم للصغير من الذنب، أورعكم عن الكبير”([23]).
3- وقال قتادة: “ما نهى الله عن ذنب إلا وقد علم أنه موقوع، ولكن تقدمة وحجة”([24]).
4- وعن مطر، عن قتادة، قال: “من يتقي([25]) الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل”([26]).
5- وعن قتادة، قال: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا على ما أمر الله، وصابروا أهل الضلالة، فإنكم على حق، وهم على باطل، ورابطوا في سبيل الله، واتقوا الله لعلكم تفلحون”([27]).
6- وعن عفان قال: أهدى حسام بن مصك إلى قتادة نعلًا، قال: فأخذه قتادة بيده، فجعل يحركها، وهي تنثني من رقتها.
قال: فقال قتادة بيده: “إنك لتعرف سخف الرجل في هديته”([28]).
7- وقال قتادة: “إن أكل[29] الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا؛ وذلك عَلَمٌ لأكلة الربا يعرفهم بهم أهل الموقف، يعلم أنهم أكلة الربا في الدنيا”([30]).
8- وعن سعيد، عن قتادة، قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] قال: كانوا يأتون الفاحشة في ناديهم”([31]).
9-وعن سعيد، عن قتادة، قوله: {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71]: “كتموا شأن محمد، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر”([32]).
10- وعن سعيد، عن قتادة، قوله: {أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: 154] قال: رب إني أجد في الألواح أمة، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد”([33]).
11- وعن سعيد، عن قتادة {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] قال: “هذا مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، منهم قوم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر”([34]).
12- قال قتادة: “إن العمل الصالح، والأجر أعظم في الأشهر الحرم، والظلم والذنب فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما شاء، ويصطفي من خلقه من شاء”([35]).