الحمد لله وحده لا شريك له, وصلى الله على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد:
لما رأيت كثرة الفتن والمصائب وتسارع المنكرات خطر على بالي جمع بعض النصوص القرآنية, التي تكون عوناً وتسلية وتثبيتاً للمحتسب, وسط هذه المعمعة التي يخشى المسلم فيها على دينه وعلى مجتمعه, وعلقت عليها تعليقات يسيرة، فهذه هي بين يديك:
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214].
( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف:110].
قد يتسلل الملل واليأس لقلب المحتسب فليتذكر هاتين الآيتين الكريمتين, وأن العاقبة كانت لمن سار على نهج الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-.
( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249].
لا تغرك كثرة المفسدين وتمكنهم؛ فالله وعد بنصر عباده المصلحين ولو كانوا فئة قليلة.
( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)[الأعراف:165].
إذا حل العذاب فالناجون هم الموصوفون بالنهي عن السوء, جعلني الله وإياكم منهم.
( فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) [هود:116].
عندما تعلم أنك من ( أولو بقية) الذين اصطفاهم الله جل جلاله فهذا يُسليك ويزيدك ثباتاً على الطريق الحق.
( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17].
طريق الاحتساب ليس مفروشاً بالورود وتقبيل الرؤوس, بل هو طريق الأنبياء والمصلحين من قبل, يتعرض فيه المحتسب للأذى والمصاعب, فليصبر عليه؛ لأن ذلك من عزم الأمور.
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-، يحكي عن شيخه ابن تيمية -رحمه الله- أنه كان يقول: “بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين”.
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].
ينجي الله القرى والبلدان إن كان أهلها مصلحون وليس صالحون, فهولاء نفعهم لأنفسهم مع أهمية العبادة للمحتسب, والمصلحون نفعهم متعدٍ.
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت:14].
ما أعجبه من ثبات (950) سنة!! وبعضنا يحتسب يوماً أو يومين ثم ينسحب!! وتعجب أيضاً عندما تعلم أن من آمن به خلال هذه الفترة الطويلة فئة قليلة جدًا, قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: “وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة, فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كانوا ثمانين نفسًا معهم نساؤهم.
وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفسًا، وقيل: كانوا عشرة”.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفِّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [أخرجه البخاري برقم: (1318), ومسلم برقم: (144)].
اعلم أن ما يمر بك من فتنة في أهلك ومالك وجارك فكفارته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.