بسم الله الرحمن الرحيم
الوقفة الأولى: أن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس ومن أسباب خيريتها الحسبة:
قال تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ? [آل عمران:110].
الوقفة الثانية: الحسبة من أحب الأعمال إلى الله:
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله, ثم صلة الرحم, ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [حسنه الألباني].
الوقفة الثالثة: الحسبة تعدل ثمني الإسلام:
عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم, والصلاة سهم, والزكاة سهم, والصوم سهم, وحج البيت سهم, والأمر بالمعروف سهم, والنهي عن المنكر سهم, والجهاد في سبيل الله سهم, وقد خاب من لا سهم له» [رواه البزار, وحسنه الألباني].
الوقفة الرابعة: الحسبة من الواجبات الشرعية:
قال تعالى: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [آل عمران:104].
وقال تعالى: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ? [لقمان:17].
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يسأله: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره» [رواه أحمد والبيهقي, وصححه الألباني].
الوقفة الخامسة: الحسبة من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ?يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ? [الأعراف:157].
وهو قدوة -صلى الله عليه وسلم-, قال تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا? [الأحزاب:21].
الوقفة السادسة: من فضائل الحسبة:
أ- أن الحسبة صدقة تنفع صاحبها, فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة, وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة» [رواه الترمذي, وصححه الألباني].
ب- أن المحتسب إذا قتل في حسبته فهو شهيد, فعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد» [رواه ابن عساكر, وصححه الألباني].
ج- أن الحسبة تكفر الخطايا, فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام, والصلاة, والصدقة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [رواه الترمذي, وصححه الألباني].
الوقفة السابعة: آثار الحسبة على المحتسب والمجتمع:
أ- الحسبة من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة, قال تعالى: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [آل عمران:104].
ب- الحسبة من أسباب الرحمة, قال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة:71].
ج- الحسبة من أسباب الصلاح, قال تعالى: ?يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ? [آل عمران:114].
د- الحسبة من أسباب البشرى, قال تعالى: ?التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ? [التوبة:112].
هـ- الحسبة من أسباب النصر, قال تعالى: ?وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ? [الحج:40-41].
و- الحسبة من أسباب سلامة المجتمع من الهلاك, فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم قال-: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة, فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها, فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا, فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا, وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» [رواه البخاري].
الوقفة الثامنة: آثار ترك الحسبة على الفرد والمجتمع:
أ- ترك الحسبة من أسباب الطرد والبعد عن رحمة الله, قال تعالى: ?لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ? [المائدة:78-79].
ب- ترك الحسبة من أسباب عموم العقاب على المجتمع, قال تعالى: ?وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ? [هود:117].
وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» [رواه أحمد, وصححه الألباني].
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا» [رواه أبو داود, وحسنه الألباني].
ج- ترك الحسبة من أسباب عدم استجابة الدعاء, فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر, قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم» [رواه البيهقي, وحسنه الألباني].
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده, ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» [رواه الترمذي, وحسنه الألباني].
د- ترك الحسبة من أسباب الخسف والمسخ والقذف, فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف, قيل: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث» [رواه الترمذي, صححه الألباني].
هـ- ترك الحسبة من أسباب انتكاسة القلوب, فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء, وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا, لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض, والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا, لا يعرف معروفًا, ولا ينكر منكرًا, إلا ما أشرب من هواه» [رواه مسلم].
و- ترك الحسبة والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من صفات المنافقين, قال تعالى: ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ? [التوبة:67].
الوقفة التاسعة: استدراكات:
1– لا بد من التفريق بين المنكر وفاعله, فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].
فالضمير في قوله: «فليغيره» يعود على المنكر؛ لأن الضمير يعود على آخر اسم, وأما الفاعل فمقامه النصيحة.
2- احذر أيها المحتسب أن يخالف فعلك قولك في الحسبة, فعن أسامه بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار, فتندلق أقتابه, فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه, فيطيف به أهل النار, فيقولون: يا فلان! ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى, قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه» [رواه أحمد, وصححه الألباني].
3- شبهة يقولها البعض بقصد أو بدون: إن صلاح النفس يكفي, ولا يضرنا فساد الآخرين, وهذا تقرير يفارق الصواب, فعن قيس بن أبي حازم قال: «قام أبو بكر -رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: يا أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? [المائدة:105], وإنا سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» [رواه ابن ماجه, وصححه الألباني].