بسم الله الرحمن الرحيم
أقوال العلماء في شرح الحديث:
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا»(1).
قال العلامة ابن بطال: “في قوله عَلَيْهِ الصلاة والسَّلام: «كمثل قوم استهموا على سفينة»، جواز القرعة؛ لإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، وأنه لم يذم المستهمين في السفينة، ولا أبطل فعلهم، بل رضيه وضربه مثلاً لمن نجى نفسه من الهلكة فى دينه… قال المهلب: وفى حديث النعمان بن بشير -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه: استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفيه: تبيين العالم للمسألة بضرب المثل الذى يفهم للعوام، وفيه: أنه يجب على الجار أن يصبر على شيء من الأذى لجاره؛ خوفًا مما هو أشد منه. وأما أحكام العلو والسفل تكون بين رجلين، فيعتل السفل, أو يريد صاحبه هدمه، فذكر سحنون، عن أشهب أنه قال: إذا أراد صاحب السفل أن يهدم، وأراد صاحب العلو أن يبني علوه، فليس لصاحب السفل أن يهدم السفل إلا من ضرورة يكون هدمه له أرفق لصاحب العلو؛ لئلا ينهدم بانهدامه العلو.
«فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»: ولا يجوز الأخذ إلا على يد الظالم ومن هو ممنوع من إحداث ما لا يجوز له في السنة”(2).
وقال صاحب الفتح العلامة ابن حجر: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ» أَيِ: الْمُحَابِي, وَالْمُدْهِنُ وَالْمُدَاهِنُ وَاحِدٌ, وَالْمُرَادُ بِهِ: مَنْ يُرَائِي وَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَلَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ… إِذَا كَانَ الْمُدَاهِنُ مُشْتَرِكًا فِي الذَّمِّ مَعَ الْوَاقِعِ صَارَا بِمَنْزِلَةِ فِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ, وَبَيَانُ وُجُودِ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فِي الْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ أَنَّ الَّذِينَ أَرَادُوا خَرْقَ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ, ثُمَّ مَنْ عَدَاهُمْ إِمَّا مُنْكِرٌ وَهُوَ الْقَائِمُ, وَإِمَّا سَاكِت وَهُوَ المدهن, وَحمل ابن التِّينِ قَوْلَهُ هُنَا: «الْوَاقِعِ فِيهَا» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَائِمُ فِيهَا, وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ?إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ? [الواقعة:1] أَيْ: قَامَتِ الْقِيَامَةُ, وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ, وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا وَقَعَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْوَاقِعِ بِالْقَائِمِ… قَوْلُهُ: «اسْتَهَمُوا على سَفِينَةً» أَيِ: اقْتَرَعُوهَا, فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا, أَيْ: نَصِيبًا مِنَ السَّفِينَةِ بِالْقُرْعَةِ, بِأَن تكون مُشْتَركَة بَينهم, إِمَّا بِالْإِجَازَةِ, وَإِمَّا بِالْمِلْكِ, وَإِنَّمَا تَقَعُ الْقُرْعَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ, ثُمَّ يَقَعُ التَّشَاحُّ فِي الْأَنْصِبَةِ, فَتَقَعُ الْقُرْعَةُ لفصل النزاع كَمَا تقدم, قَالَ ابن التِّينِ: وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي السَّفِينَةِ.. وَنَحْوِهَا فِيمَا إِذَا نَزَلُوهَا مَعًا, أَمَّا لَوْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ, قُلْتُ: وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتْ مُسَبَّلَةً مَثَلًا, أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مَثَلًا فَالْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ إِذَا تَنَازَعُوا, وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: «فَتَأَذَّوْا بِهِ» أَيْ: بِالْمَارِّ عَلَيْهِمْ بِالْمَاءِ حَالَةَ السَّقْيِ. قَوْلُهُ: «فَأَخَذَ فَأْسًا» بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ مَعْرُوفٌ وَيُؤَنَّثُ. قَوْلُهُ: «يَنْقُرُ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ, أَيْ: يَحْفِرُ؛ لِيَخْرِقَهَا. قَوْلُهُ: «فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ» أَيْ: مَنَعُوهُ مِنَ الْحَفْرِ. «أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ…» أَيْ: كُلٌّ مِنَ الْآخِذِينَ وَالْمَأْخُوذِينَ.. وَهَكَذَا إِقَامَةُ الْحُدُودِ يَحْصُلُ بِهَا النَّجَاةُ لِمَنْ أَقَامَهَا وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ, وَإِلَّا هَلَكَ الْعَاصِي بِالْمَعْصِيَةِ, وَالسَّاكِتُ بِالرِّضَا بِهَا, قَالَ الْمُهَلَّبُ.. وَغَيْرُهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْذِيبُ الْعَامَّةِ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ, وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ الْمَذْكُورَ إِذَا وَقَعَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ مِنْ ذُنُوبِ مَنْ وَقَعَ بِهِ أَوْ يَرْفَعُ مِنْ دَرَجَتِهِ, وَفِيهِ: اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ بِتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ, وَتبيين الْعَالِمِ الْحُكْمَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ, وَوُجُوبُ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْجَارِ إِذَا خَشِيَ وُقُوعَ مَا هُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا, وَأَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ مَا يَضُرُّ بِهِ, وَأَنَّهُ إِنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ ضَرَرًا لَزِمَهُ إِصْلَاحُهُ, وَأَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ مَنْعَهُ مِنَ الضَّرَرِ”(3).
وقال أمالي محمد أنور شاه: “إنَّ الدنيا بأَسرها كالسفينةِ الواحدة، جَلَس فيها كلٌّ: مُسْلمٌ وكافِرٌ، مطيعٌ وعاصٍ، فإِذا فشت فيهم المعصيةُ، فلم يأْخُذ أَحَدٌ يَدَ أَحدٍ هلكوا جميعًا لا محالة؛ وذلك لأنها دارُ تلبيس وتخليط، وليست بدارِ تمييز، فلا يزال الحقُّ والباطلُ فيها مختلطين كذلك, فلو هلك العَاصُون دون المُطِيعين، لوقع التمحيصُ في تلك الدار، دارُ الإِيمان بالغيب، ويناسبه السِّتر والإِبهام؛ ولو انكشفت الغِطاء، وارتفعت الحُجُبْ، وانجلى الامْرُ ووقع التمييزُ فلماذا يقومُ الحَشْر والميزان؟ وإنما أراد اللهُ سبحانه أنَ يَبْقى الأَمْر في تلك الدَّار كذلك، مُلتويًا يجري الحقُّ مع الباطل، والحرب سجال، أما إذا قامت الساعةُ، وظهرت الحقائقُ على ما هي، فالنِّعْمَةُ للمُطِيع، والنِّقْمة للعاصي، فريق في الجنة، وفريق السعير؛ فهذا هو التمييزُ الذي تذهب إليه الدنيا، فلا يقع قبل أوانه؛ ونعم ما ذكره الملا عبد الرؤوف المُنَاوي، وهو تلميذ السُّيوطي: أنَّ إبقاءَ المُطِيعين مع العصاةِ للتخفيف في حَقِّ العُصَاة، ولولا المطيعونَ معهم لاستحقوا التدمير، والاستئصال”(4).
وقال صاحب عمدة القاري: “«مثل الْقَائِم على حُدُود الله تَعَالَى» أَي: الْمُسْتَقيم على مَا منع الله تَعَالَى من مجاوزتها، وَيُقَال: الْقَائِم بِأَمْر الله مَعْنَاهُ: الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر. وَقَالَ الزّجاج: أصل الْحَد فِي اللُّغَة: الْمَنْع، وَمِنْه حد الدَّار، وَهُوَ مَا يمْنَع غَيرهَا من الدُّخُول فِيهَا، والحداد الْحَاجِب والبواب، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «مثل الْقَائِم على حُدُود الله تَعَالَى والمدهن فِيهَا» أَي: الغاش فِيهَا، ذكره ابْن فَارس، وَقيل: هُوَ كالمصانعة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ?وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ? [الْقَلَم:9]. وَقيل: المدهن المتلين لمن لَا يَنْبَغِي التلين لَهُ. قَوْله: «وَالْوَاقِع فِيهَا» أَي: فِي الْحُدُود، أَي: التارك للمعروف المرتكب للْمُنكر. قَوْله: «استهموا» أَي: اتخذ كل وَاحِد مِنْهُم سَهْمًا، أَي: نَصِيبًا من السَّفِينَة بِالْقُرْعَةِ. قَوْله: «على من فَوْقهم»، أَي: على الَّذين فَوْقهم. قَوْله: «وَلم نؤذ»، من الْأَذَى، وَهُوَ الضَّرَر. قَوْله: «من فَوْقنَا» أَي: الَّذين سكنوا فَوْقنَا. قَوْله: «فَإِن يتركوهم وَمَا أَرَادوا», أَي: فَإِن يتْرك الَّذين سكنوا فَوْقهم إِرَادَة الَّذين سكنوا تَحْتهم من الْخرق، وَالْوَاو، بِمَعْنى: مَعَ، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: «هَلَكُوا»، جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ قَوْله: «فَإِن…» قَوْله: «هَلَكُوا جَمِيعًا» أَي: كلهم الَّذين سكنوا فَوق وَالَّذين سكنوا أَسْفَل؛ لأَن بخرق السَّفِينَة تغرق السَّفِينَة وَيهْلك أَهلهَا. قَوْله: «وَإِن أخذُوا على أَيْديهم» أَي: وَإِن منعوهم من الْخرق نَجوا, أَي: الآخذون «ونجوا جَمِيعًا» يَعْنِي: جَمِيع من فِي السَّفِينَة، وَلَو لم يذكر قَوْله: «ونجوا جَمِيعًا»، لكَانَتْ النجَاة اخْتصّت بالآخذين فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كلهم نَجوا؛ لعدم الْخرق، وَهَكَذَا إِذا أُقِيمَت الْحُدُود وَأُمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهي عَن الْمُنكر تحصل النجَاة للْكُلّ, وإلاَّ هلك العَاصِي بالمعصية.. وَغَيرهم بترك الْإِقَامَة.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَحْكَام فِيهِ: جَوَاز الضَّرْب بِالْمثلِ وَجَوَاز الْقرعَة، فَإِنَّهُ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ضرب الْمثل هُنَا بالقوم الَّذين ركبُوا السَّفِينَة، وَلم يذم المستهمين فِي السفينة وَلَا أبطل فعلهم، بل رضيه وَضرب بِهِ مثلًا لمن نجا من الهلكة فِي دينه. وَفِيه: تَعْذِيب الْعَامَّة بذنوب الْخَاصَّة, وَاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة بترك النَّهْي عَن الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة. وَفِيه: أَنه يجب على الْجَار أَن يصبر على شَيْء من أَذَى جَاره خوف مَا هُوَ أَشد. وَفِيه: إِثْبَات الْقرعَة فِي سُكْنى السفينة إِذا تشاحوا، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا نزلُوا مَعًا, فَأَما من سبق مِنْهُم فَهُوَ أَحَق. وَذكر ابْن بطال هُنَا مَسْأَلَة الدَّار الَّتِي لَهَا علو وسفل؛ لمناسبة بَينهَا وَبَين أهل السَّفِينَة، فَقَالَ: وَأما حكم الْعُلُوّ والسفل يكون بَين رجلَيْنِ، فيعتل السّفل وَيُرِيد صَاحبه هَدمه فَلَيْسَ لَهُ هَدمه إلاَّ من ضَرُورَة، وَلَيْسَ لرب الْعُلُوّ أَن يَبْنِي على سفله شَيْئًا لم يكن قبل, إلاَّ الشَّيْء الْخَفِيف الَّذِي لَا يضر صَاحب السّفل”(5).
وقال القسطلاني في شرحه للحديث: «مثل القائم على حدود الله» الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, «والواقع فيها» أي: في الحدود التارك للمعروف والمرتكب للمنكر, «كمثل قوم استهموا» اقترعوا, «على سفينة» مشتركة بينهم بالإجارة أو الملك, تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً, «فأصاب بعضهم» بالقرعة, «أعلاها, وبعضهم أسفلها, فكان الذين -وللحموي والمستملي: “فكان الذي”- في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم».
قال في المصابيح: يظهر لي أن قوله: «الذي» صفة لموصوف مفرد اللفظ كالجمع, فاعتبر لفظه فوصف بالذي, واعتبر معناه فأعيد عليه ضمير الجماعة في قوله: «إذا استقوا», وهو أولى من أن يجعل «الذي» مخففًا من «الذين» بحذف النون. انتهى.
وفي الشهادات: «فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به, فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ» أي: لم نضر, «من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا» من الخرق في نصيبهم, «هلكوا جميعًا» أهل العلو والسفل؛ لأن من لازم خرق السفينة غرقها وأهلها, «وإن أخذوا على أيديهم» منعوهم من الخرق, «نجوا» أي: الآخذون, «ونجوا جميعًا» أي: جميع من في السفينة.. وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه, وإلا هلك العاصي بالمعصية, والساكت بالرضا بها…، وفيه: وجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررًا, وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضرّ به, وأنه إن أحدث عليه ضررًا لزمه إصلاحه، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر, وفيه: جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة”(6).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي: “يعني: أن السفينة مكونة من طابقين, وكل طائفة سكنت في طابق, فكان الذين في الطابق الأسفل إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ونأخذ منه الماء ولم نؤذ من فوقنا, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإن هم أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا, وإن هم تركوهم هلكوا وهلكوا جميعًا» أي: إذا تركوهم يخرقون دخل الماء فغرق أهل الدور الأول وأهل الدور الثاني, وإذا أخذوا على أيديهم ومنعوهم سلموا وسلم الجميع, فكذلك من يفعل المنكرات والمعاصي, إذا أخذ الناس على يديه ومنعوه سلموا من العقوبات, وإذا سكتوا جاءت العقوبات, وعمت الصالح والطالح”(7).
الاستنباطات في الحسبة:
1- أن ترك صاحب المنكر بلا إنكار قد يكون سببًا في هلاك المجتمع.
2- أن أصحاب المنكرات يظهرون منكرهم في قالب خير للمجتمع, كما قال المنافقون: ?وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ? [البقرة:11].
3- تعذيب العامة بذنوب الخاصة إن لم تُنكر.
4- حث المجتمع المسلم ككل على الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- من الرحمة بالمسلم العاصي أن ننصحه.
الشبهات التي يرد عليها هذا الحديث:
مقولة أو عبارة صاحب المنكر:
1- حرية شخصية.
2- أمثل نفسي.
3- ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ? [الكافرون:6].
4- ?عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ? [المائدة:105].
5- ?كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ? [المدثر:38].
______________________
(1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب: الشركة، باب: هل يقرع في القسمة…، رقم الحديث: (2493) (3/ 139)، ورواه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، مسند النعمان بن بشير، رقم الحديث: (18361) (30/ 310)، ورواه الترمذي في سننه، كتاب: الفتن رقم الحديث: (2173) (4/ 40)، ورواه البزار في مسنده، مسند النعمان بن بشير، رقم الحديث: (3251) (8/ 211).
(2) شرح صحيح البخاري، ابن بطال (7/ 12-14).
(3) فتح الباري، ابن حجر (5/ 295-296).
(4) فيض الباري، أمالي محمد أنور شاه (4/ 6-7).
(5) عمدة القاري، بدر الدين العيني (13/ 56-57).
(6) إرشاد الساري، شهاب الدين القسطلاني (4/ 288).
(7) منحة الملك الجليل شرح صحيح محمد بن إسماعيل, عبد العزيز بن عبد الله الراجحي حفظه الله (13/ 100-101).