شروط المحتسب
1- الإسلام:
الإسلام شرط للمخاطبة به في الدنيا، وكذا في صحته وقبوله عند الله، ولكن لو أن كافراً رأى مسلماً يزني فنهاه عن ذلك؛ لوجب على المسلم قبول ذلك لحق الله تعالى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لأبي هريرة رضي الله عنه عندما نصحه الشيطان، قال له: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»(1).
وذلك لأن الحق يقبل من كل قائل به ولو كان أكفر الكفار، وهذا استجابة لأمر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية عن المشركين: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا»(2).
فهذه طاعة لأمر الله لا لأمر الكافر، ولا متابعة لهم، ولكنه انقياد للحق الواجب.
2- التكليف:
هو شرط وجوب؛ فالاحتساب واجب على العقلاء البالغين، وليس معنى ذلك أن يمنع الصبي المميز من القيام بالأمر والنهي، بل ينبغي تربية الأبناء على ذلك، قال تعالى في وصية لقمان
لابنه: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ? [لقمان:17].
مثال ذلك: أن يقال للصبي ذي السبع سنين أن يأمر زملائه بالصلاة، وينهاهم عن السب والبذاء مثلاً.
وينبغي أن يكون ذلك في الأمور المعلومة المشهورة لدى الجميع؛ لئلا يحتاج الأمر إلى فقه وضوابط معينة؛ فيقع الصبي في خلافها، ويكون تحت إشراف من يراقبه؛ ليعلم انضباطه في هذا الباب، وبهذا يتربى الأبناء على القيام بهذا الأمر.
هل تشترط العدالة في المحتسب؟
العدالة: هي هيئة كامنة في النفس، توجب على الإنسان اجتناب الكبائر والصغائر من الذنوب
والمعاصي، والتعفف عن بعض الأمور المباحة، التي ليس على فعلها ثواب ولا عقاب، مما قد
يخالف حسن الخلق وجميل العادة.
والعدالة لا تشترط في المحتسب على الراجح من أقوال العلماء؛ إذ إن الاحتساب فرض كسائر
الفروض، لا يتوقف القيام به على أكثر مما يتطلبه هذا الفرض، وترك الإنسان لبعض الفروض لا يسقط عنه فروضاً غيرها.
وأما قوله تعالى: ?أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ? [البقرة:44].
وقوله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ? [الصف:2]، فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف لا من حيث أمرهم به.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ»(3).
فتعذيبه لأمرين: فعله المنكر، وتدليسه على الناس، أنه من أهل التقوى والصلاح.
ولا شك أن العدالة من آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب نجاحه، ولكنها ليست
شرطاً، ولا تشترط العصمة بالإجماع.
هل يشترط تولية الإمام أو إذنه؟
عدم اشتراط الولاية أو إذن الإمام هو مذهب جماهير العلماء؛ لعموم الأدلة، وعدم المخصص، ثم إجماع المسلمين في الصدر الأول، أما عموم الأدلة؛ فلأن الله سبحانه وتعالى أمر الأمة الإسلامية كأمة بهذا الواجب، فقال: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ? [آل عمران:104].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً أمته: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ»، وكذا في تغيير المنكر، وجهاد من خالف سنته، قال صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»(4).
وأما الإجماع: فقد نقله إمام الحرمين، فقال في عدم اشتراط الولاية أو إذن الإمام: “والدليل عليه
إجماع المسلمين؛ فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه، كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية”.
ومما يدل على أن هذا هو فهم السلف: قصة أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في حديث: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ» إنما كان في التغيير على مروان بن الحكم، حينما بدأ بالخطبة قبل صلاة العيد؛ فحاول أبو سعيد منعه من الخروج للخطبة قبل الصلاة في العيد، فلم يستجب؛ فقام رجل فقال: “الصلاة قبل الخطبة، فقال مروان: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا -يقصد الرجل- فقد أدى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ»” وذكر الحديث.
وفي بعض الروايات: أن أبا سعيد حاول منع مروان من الخطبة قبل الصلاة فلم يمكنه(5)؛
فدل ذلك على تغيير منكرات الأئمة أنفسهم.
3- العلم:
يشترط العلم في القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ? [يوسف:108].
قال النووي: “إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء؛ فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا والخمر.. ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام فيه مدخل ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء”(6).
4- القدرة:
ذلك لقوله تعالى: ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16]. وقوله: ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286].
وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (7)، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَاكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، وهذا يدل على أن شرط القدرة إنما هو في تغيير المنكر باليد واللسان، أما الإنكار بالقلب فيجب أن يكون كاملاً ودائماً، وهو متعين؛ إذ هو مستطاع لكل أحد.
ومن معنى حصول القدرة: غلبة الظن بالسلامة من الأذى والمكروه لنفسه وغيره من المسلمين.
قال النووي: “واعلم أنه لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا بأن يخاف منه على نفسه أو ماله، أو يخاف على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع”(8).
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: “من شرطه أن يأمن على نفسه وماله خوف التلف”(9).
قال القرطبي: “قال ابن عطية: والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض على من أطاقه، وأمن القدر على نفسه وعلى المسلمين؛ فإن خاف فينكر بقلبه، ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه”(10).
سقوط الوجوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحصول المكروه، لا يسقط استحبابه إذا لم يتعد الضرر على الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غيره؛ فإن الوجوب إذا سقط لا يسقط الاستحباب، إذا كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثر في رفع المنكر أو في كسر جاه صاحبه، أو في تقوية قلوب أهل الدين، وذلك لقوله تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ? [آل عمران:21].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أفضل الجهاد: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»(11).
مراعاة المصلحة والمفسدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى: ?وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ? [البقرة:205]، وقال عن شعيب: ?إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ? [هود:88]، وقال: ?وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ? [المائدة:64].
قال ابن القيم: “إنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بالكلية.
الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأوليتان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة”(12).
كيف نوازن بين المصالح والمفاسد؟
يقول ابن تيمية: “وقد تكلمت على قتال الأئمة في غير هذا الموضع، وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيئات، أو تزاحمت؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها، إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلّ أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام”(13).
أنواع المصلحة:
قد بين أهل العلم أنواع المصلحة من حيث اعتبارها شرعاً إلى:
1- مصلحة شهد الشرع لاعتبارها:
وهي نوعان:
الأول: ما دلت أصول الشرع لنوعها، وهي في الحقيقة نوع من القياس، بل هي القياس الصحيح، ومثالها: تضمين السارق قيمة المسروق قياساً على الغاضب.
الثاني: ما دلت أصول الشرع لجنسها، وقد اختلف العلماء في القول بها من عدمه، وإن كان تصرف أكثر العلماء على اعتبارها في الجملة.
2- مصلحة شهد الشرع لبطلانها:
وهي ما وجدت في الواقعة نصوص شرعية تناقض الحكم الذي تمليه المصلحة، ومثالها: فتوى
بعض المنتسبين للفقه لأحد الملوك بالصوم بدلاً من العتق في الكفارة المرتبة زجراً له، وهذا القول باطل باتفاق من يعتد به من أهل العلم؛ إذ هذه المصلحة متوهمة باطلة وليست مصلحة في الحقيقة.
ولا شك أن تعطيل النصوص بزعم المصلحة كما في تحليل الربا والخمر وسائر المحرمات بزعم
المصلحة، وكذا تعطيل الحدود، هو من هذا الباطل الذي يراد به هدم الشريعة.
ومن هنا نعلم أن النصوص الشرعية هي الأصل في معرفة المصالح وليس العكس، ولا شك أن
الموازنة بين المصالح والمفاسد من أعظم الأمور خطراً، وهى تحتاج إلى علم واجتهاد وبصيرة وفقه عظيم في دين الله، وسنن الأنبياء في الكتاب والسنة؛ ليكون الترجيح بموجب الدين، لا بموجب الطبع والهوى.
هل يشترط الانتفاع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوجوبه؟
الأظهر من قولي العلماء: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب مع ظن التأثير والنفع،
ومع عدمه إذا كانت فيه مصلحة أخرى، كانتفاع غير المحتسب عليه، أو إظهار شعائر الإسلام، أو حصول الأثر والنفع آجلاً لا عاجلاً؛ فإن عدم ذلك سقط الوجوب، وعليه تحمل الأحاديث الواردة في ترك الأمر والنهي.. ونحوها مما ورد في تفسير قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? [المائدة:105].
شروط المنكر:
1- أن يكون ظاهراً بدون تجسس:
سواء عن طريق البصر أو السمع.. أو غيرها من الحواس)، حتى لو غلب على الظن الاستسرار بها، إلا ما ظهرت أماراته أو آثاره، ويكون في تركه حرمة يفوت استدراكها؛ فيجوز الإقدام والكشف، مثل: أن يخبره من يثق به أن رجلاً خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها.
2-أن يكون قائماً في الحال:
فما لم يقع بعد من المنكرات لا يجوز فيها الانكار بغير الوعظ والإرشاد، إذا ظهرت بوادره، وما وقع وانتهى من المنكرات، فالعقوبة عليه من حد أو تعزير لولي الأمر، ومن يقوم مقامه.
3- أن يكون غير مختلف فيه اختلافاً سائغاً:
أما الخلاف غير السائغ، وهو الذي دل صريح القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي على بطلانه وشذوذه، فلا يمنع الإنكار.
قال ابن رجب: “المنصوص عن أحمد الإنكار على اللاعب بالشطرنج، وتأوله القاضي على من لعب بغير اجتهاد أو تقليد سائغ، وفيه نظر؛ فإن المنصوص عنه أنه يحد شارب النبيذ المختلف فيه، وإقامة الحد أبلغ مراتب الإنكار، مع أنه لا يفسق عنده بذلك، فدل على أنه ينكر كل مختلف فيه، ضعف الخلاف فيه؛ لدلالة السنة على تحريمه، ولا يخرج فاعله المتأول من العدالة بذلك”.
ومن هذا الكلام يتضح لك معنى قول من أطلق من أهل العلم أنه لا ينكر إلا ما كان منكراً في مذهب فاعله، أو إلا ما كان متفقاً عليه؛ فإن العلماء يستثنون ما خالف النص أو الإجماع، أو القياس الجلي، مع أن الصحابة أنكروا على من خالف النصوص، ولو متأولاً، فقد أنكر ابن الزبير على ابن عباس فتواه في المتعة، وغلظ عليه، ورد عليه ابن عباس بقوله: “إنك لجلف غليظ، قد كانت تفعل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم، فقال: جرب بنفسك، وإن فعلت لأرجمنك بأحجارك”(14).
وأنكر ابن عمر على ابنه وسبه؛ لما حدثه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ».(15).
درجات التغيير:
أولاً: يبدأ بالتعريف، وهذا في حق الجاهل.
ثم: الوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى، وهذا في حق من يعلم ويصر، ويكون برفق من غير عنف وشدة.
ثم: التعنيف والتغليظ بالقول الخشن، عند العجز عن المنع بالرفق.
ثم: تغيير المنكر باليد، كإراقة وكسر آلات اللهو والباطل كالموسيقى.. وغير ذلك، ويدخل في
ذلك إتلاف كتب البدع والضلال، من غير تعرض لمرتكبه.
ثم: التهديد والتخويف بالعقوبة لمرتكبه، ثم مباشرة العقوبة كالضرب باليد والرجل.. وغير ذلك مما ليس فيه شهر سلاح، وذلك مشروع للآحاد حال وجود المنكر بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة للدفع، ولو أدى للقتل كدفع الصائل على نفسه.. أو غيره، وإن احتاج إلى شهر سلاح وجمع أعوان فللآحاد ذلك، ما لم يثر فتنة ومفسدة أعظم.
وينبغي أن يعلم أن الأمر بالمعروف النهي عن المنكر مع الوالدين لا تتعدى التعريف والوعظ والنصح؛ لقوله تعالى: ?فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ? [الإسراء:23]، وقوله: ?وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا? [لقمان:15].
وكذا الزوجة مع زوجها لقوامته، وأما الأب مع الولد غير البالغ والزوج والزوجة، فله تعزيرهم في حدود ما أذن به الشرع، بغرض الإصلاح، بل للأب تعزير ولده البالغ، كما في حديث التيمم، ففيه تعزير أبي بكر لعائشة رضي الله عنها.
آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التحلي بالرفق والصبر، والعفو والإعراض عن الجاهلين، قال تعالى: ?وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا? [المزمل:10]، وقال تعالى: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ? [الأعراف:199]، وأن يجتهد في إخلاص النية لله تعالى.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
____________________
(1) رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري في صحيحه ضمن حديث طويل عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(3) متفق عليه.
(4) رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(5) راجع الحديث والقصة في صحيح مسلم.
(6) شرح النووي على مسلم (2/ 23).
(7) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8) روضة الطالبين (10/ 231).
(9) الآداب لابن مفلح (1/ 355).
(10) تفسير القرطبي: (6/ 253).
(11) رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه في سننه، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، ورواه النسائي في سننه من حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم (1100)، وفي السلسلة الصحيحة برقم (491).
(12) أعلام الموقعين (3/ 4-5).
(13) الحسبة (ص:75).
(14) رواه مسلم في صحيحه من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه.
(15) مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه، ورواه بنفس اللفظ الإمام أحمد في مسنده، ورواه الإمام البخاري وأبو داود وابن ماجه والحاكم بألفاظ متقاربة.