شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرها في تحقيق الأمن للمجتمعات
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فإن الله سبحانه أمر بكل ما يكون فيه مصلحة خالصة أو راجحة, ونهى عن كل ما فيه مفسدة خالصة أو راجحة, فكل أمرٍ أمر الله به فهو متضمن للخير والصلاح, وكل نهيٍ نهى الله عنه فهو متضمن للشر والفساد, وهذا يوقن به كل مسلم مؤمن بربه, فلا خير إلا فيما أمر الله به, ولا شر إلا فيما نهى الله عنه.
وقد بين الله سبحانه أن فِعل ما نهى الله عنه إفساد في الأرض يستحق صاحبه اللعنة, قال تعالى: ?وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ? [الأعراف:56]
وقال تعالى: ?وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ? [الرعد:25].
ومن هنا كان يجب علينا أن نأخذ على يد الظالم, فعقوبة الله إذا حلت لم تفرق بين محسن وظالم, ومؤمن وفاسق, كما قال تعالى: ?وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ? [الأنفال:25].
وعن إسماعيل عن قيس قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها ?عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ? [المائدة:105], وإنا سمعنا النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب» [سنن أبى داود].
والناس فيهم خير ولله الحمد, فكثير منهم إذا سمع نصوص الوحيين في التحذير من ارتكاب المنهيات انزجر, وتحرك فيه الوازع الديني.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هدفه إقامة دين الله في الأرض, وإيجاد مجتمع أساسه التقوى, لا يعبد إلا الله, ولا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم -معاشر الأحبة- أن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضروريات الخمس: الدين, والنفس, والعقل, والنسل, والمال, فكل ما يرجع بالضرر على هذه الأمور جاء الإسلام بتحريمه, والابتعاد عنه.
ولا سبيل لإقامة ذلك إلا بالأخذ على يد ضعاف النفوس الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
ولكي يتضح لك -أخي القارئ- هذا أكثر, فلنضرب أمثلة توضح المقصود وتبينه:
لقد انتشر في مجتمعنا المسلم السحرة والمشعوذون, فعم ضررهم, وتأذى منهم كثير من الناس, فكم من امرأة امتنع من خطبتها الرجال من أجل السحر, وكم من رجل طُلقت منه امرأته بسبب السحرة والمشعوذين, وكم, وكم… فهؤلاء لا بد لهم ممن يردعهم ويوقفهم عند حدهم, ويطبق عليهم حكم الله عز وجل؛ حتى يسعد الناس, وينزجر من تُسَوِّل له نفسه أن يسحر الناس ويؤذيهم. ومن هنا تظهر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فبه تنزل على الناس رحمة الله, قال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة:71]. ويمكَّن لهم في الأرض, كما قال تعالى: ?الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ? [الحـج:41]. ويتحقق لهم الفلاح, قال تعالى: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [آل عمران:104]. ويكونون من الصالحين, قال تعالى: ?يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ? [آل عمران:114].
فالبدارَ البدارَ معاشر الإخوة لتحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ به يتحقق الخير والصلاح.
وعلينا أن نأخذ على أيدي السحرة والمشعوذين, وأصحاب الخمور.. ونحو ذلك من المنكرات؛ حتى نعيش في مجتمع لا نخشى فيه إلا الله, تسوده الألفة والمحبة, مجتمعين على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, فيتحقق لنا الأمن؛ إذ لا تحقق للأمن ومعاصي الله تنتهك علانية, فنعمة الأمن مرتبطة بإقامة دين الله في الأرض, قال تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ? [الأنعام:82]. وهذه النعمة -نعمة الأمن- تثبت بفعل أوامر الله, واجتناب نواهيه, فإذا اختل شيء من ذلك نزلت العقوبة من عند الله, وإن كان فينا الصالحون؛ فعن زينب بنت جحش: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: لا إله إلا الله, ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا, وحلق بإصبعه وبالتي تليها, فقالت زينب: فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» [صحيح البخاري].
وعن حذيفة عن اليمان: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه, ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» [سنن الترمذي].
فحريٌّ بنا أن نسارع لإقامة هذه الشعيرة التي من ثمارها تحقيق الأمن والأمان, والرخاء والاستقرار؛ إذ لا أمن من عقوبة الله إلا بتحقيق أوامره سبحانه, واجتناب نواهيه, فلا نأمن عقوبة الله إلا بذلك, وقد قال سبحانه: ?وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ? [النحل:112].
هذا وأسأل الله أن ننعم في بلادنا بالأمن والاستقرار إنه ولي ذلك والقادر عليه.