من أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
في صحيح البخاري: «أن رجلاً أعرابياً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يطوف بالكعبة فجبذه بشدة مع ردائه أو بردائه، فأثر ذلك في رقبته، فالتفت إليه مبتسماً عليه الصلاة والسلام، فقال الأعرابي بشدة وغلظة، وبدون مقدمات: يا محمد أعطني من مال الله الذي ليس من مالك، ولا من مال أبيك, فقال الشفيق العطوف على أمته: أعطوه، فأعطاه الصحابة وادٍ من الغنم، فذهب الرجل إلى قومه، وقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة» وفي رواية: «لا يخشى الفقر»(1).
إنه فعل مشين، وأمرٌ منكر، أن يُصنع بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ويفعل معه هذا الفعل، جذبٌ بقوة، وتأثير في رقبته الشريفة، ثم ماذا؟ نداء فيه سوء أدب مع معلم البشرية -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كلّه قابله -صلى الله عليه وسلم- بابتسامة مشرقة، وفعل جميل، وكانت النتيجة والثمرة لتصرفه الحكيم -صلى الله عليه وسلم-، أن الرجل أصبح داعية إلى قومه يحثهم على الدخول في الإسلام؛ لذا قال أنس -رضي الله عنه-: «خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لي: أفٍ قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟، ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وكان من أحسن الناس خُلُقاً، ولا مسست خزاً قط ولا حريراً، ولا شيئاً كان ألين من كفّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت مسكاً قط، ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي -صلى الله عليه وسلم- »(2).
فأسلوب التعامل فيمن يقع في الخطأ مهم جداً، فأنت حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تذكّر أمرين:
الأول: النيّة، فاستحضر النية الصالحة, فأنت في عمل جليل ومبارك، وستؤجر وتثاب عليه.
الثاني: تخيّر في نفس الوقت الأسلوب الجميل، والتصرف الحكيم، والكلمة الطيبة والتي لها تأثير في إنكارك، وذلك حسب المقام والحال.
وانظر إلى موقف آخر، موقف رائع وجميل، يتجلى فيه مكارم الأخلاق، ويشرق فيه خُلق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكيف يتعامل مع الخطأ!؟
يقول معاوية بن الحكم -رضي الله عنه-: «صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمّتونني، فلما رأيتهم يسكتونني سكت، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي وأمي ما ضربني ولا سبني». وفي رواية: «فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: “إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن»(3).
وقصة الصحابي الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد، فقام الصحابة لينهروه، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فترك حتى فرغ من حاجته، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووجهه توجيهاً نبوياً رفيقاً بقوله: «إن هذه المساجد لا تصلح لهذا, إنما هي لذكر الله والصلاة، فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحد, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يضحك: لقد حجرت واسعاً»(4).
وأذكر موقفين رائعين في كيفية التعامل مع من ارتكب خطأً:
الأول: “أن زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله خرج من المسجد يوماً، فاعترضه رجل في طريقه فسبه، فقام الناس إليه يريدون ضربه، فقال: دعوه، ثم أقبل عليه، وقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، فألقى عليه خميصة، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل إذا رآه قال: إنك من أولاد الأنبياء”.
الثاني: ومرة “كان يتوضأ فصب عليه مولاه ماءً حاراً ففزع، وغضب، فقال له: والكاظمين الغيظ، قال زين العابدين: كظمت غيظي، قال: والعافين عن الناس، قال: عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين، قال: اذهب فأنت حر لوجه الله”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري (5809).
(2) الترمذي (2015)، وقال: حديث حسن صحيح. وأصله في الصحيحين: البخاري (3561)، مسلم (2330).
(3) مسلم (537)، أبو داود (930).
(4) البخاري (6025)، مسلم (284).