الدعوة إلى الله في الحج
الحج ركن في الدين، وهو من أجل الفضائل والأعمال الربانية، هو دعوة إلى الله بالفعال والحال؛ فالحاج يتعبد الله تعالى مادام في أيام الحج بكل جوارحه، وبانتظار أركان الحج وواجباته والقيام بها، كما المصلي في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.
ومن هنا فإن الدعوة إلى الله تعالى لصيقة الحاج لا تنفك عنه في قيامه وتلبيته وصلاته وخروجه للطواف والسعي والرمي، وحتى الوقوف والدعاء.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل من أيام الحج أيام تربية وتقويم وسلوك قويم حين كان يؤدب أصحابه حتى في نبرة أصواتهم وحماس الملبين، عن أبو موسى الأشعر قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً، إنه معكم إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده» [الجامع الصحيح 2992]، فالسكينة في التلبية والهدوء أدعى للخشوع، فهذه دعوة صامته ينطلق بها المسلم بين الجموع, وحين يحتاج المسلم السكينة في صوته ومناجاته ليخشع يحتاجها في مشيته وسعيه وحركته.
عن عبد الله بن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً، وضرباً وصوتاً للإبل؛ فأشار بسوطه إليهم، وقال: «أيها الناس! عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع. أوضعوا -أسرعوا- خلالكم -من التخلل بينكم» ?وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا? [الكهف:33] بينهما [البخاري].
إن الحرص النبوي على الخشوع والسكينة كمظهر إسلامي لا ينفك عن الحاج وهو تأكيد على أن الحاج داعية إلى الله في سلوكه وحركته وسكونه، وقدوة حسنة للمؤمنين ولمن حوله في خشوعه وإخباته, واليوم والدنيا كلها تتفرج على الحجيج عبر الفضائيات تشتد الحاجة إلى سلوك السكينة ومظاهر الخشوع.
إن الحجاج في أعوامهم الأخيرة -للأسف- ومع كثرة العدد حولوا الحج بسلوكهم واستعجالهم والغوغائية والأذى الذي يصدر منهم إلى كارثة سنوية دينية يتندر بها العالم، تهدم ولا تبني وتنفر ولا تبشر, هذا فضلاً عما يصدر من إلقاء للأقذار وأذية ضيوف الحرم بما يتنزه عنه الأسوياء من بصق وبول في الطرقات والأماكن النافعة، مما يخشى منه تعرض صاحبه للعنة الموعود بها من آذى الناس, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم»، وعن معاذ رضي الله عنه: «والموارد»، ولفظه: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل» [صحيح سنن أبي داود].
إنني حين أتحدث عن الدعوة إلى الله في الحج فإني لا أدعو إلى عمل جماهيري، وإلقاء خطب ومواعظ, وإن كان ذلك مما يجب لحاجة الناس؛ لكني أؤكد أن الدعوة هي سلوك قبل القول والتحبير؛ إنها صورة ينقلها المسلم للعالم يظهر فيها عظمة هذا الدين وتهذيبه لأتباعه صورة لا تحتاج إلى خطيب يهز المنابر، ولا إلى بليغ أو جهوري الصوت، أو حتى عالم يشار له بالبنان, صورة أحملها أنا وأنت وكل مسلم يتأدب بأدب الإسلام.