ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقلة العلم
يقول بعض الناس أنه لا ينبغي لي أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؛ لأنني لست من أهل العلم الذين يسوغ لهم ذلك.
الرد على الشبهة:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر العلم:
صحيح أنه لا بد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلم بالمأمور به والمنهي عنه، حتى يكون الأمر والنهي على بصيرة، ولكن أي درجة من العلم يحتاجها الآمر والناهي؟
لا شك أن الناس متفاوتون فيما عندهم من العلم بالله وبدين الله، وكلما كان الإنسان أعلم، كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه ألزم، ولا يتصور أن مسلماً ليس عنده من العلم بالله وبدين الله ولو الشيء اليسير، فكل يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجباً على قدر ما عنده من العلم.
والعلم المطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتوقف على نوع المأمور به، والمنهي عنه، فهناك أمور من المعروف معلومة من الدين بالضرورة، لا تحتاج إلى مزيد من العلم حتى يجادل الإنسان ويحاج بها.
يقول الإمام النووي:”إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد، لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء”.
فعلى سبيل المثال إذا رأيت تارك الصلاة، هل يحتاج أمرك له بأداء الصلاة إلى كثير علم؟
لا. بل يكفي للأمر في هذه الحال أن يعرف أن الصلاة من أركان الإسلام، ولا يقوم الإسلام إلا بها.
وكذلك من رأى مسلماً يأكل ويشرب في نهار رمضان من غير عذر، فهذا منكر بَيِّن لا يحتاج إلى كثير علم، فمن المعلوم لدى كل مسلم أن الصيام من أركان الإسلام، وأن الإنسان يجب عليه الإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفي هذه الحالة وأمثالها يجب الإنكار ولو لم يكن لديه كثير علم.
وما يحصل في الأسواق من المنكرات من تبرج النساء، والمعاكسات ونحوها، منكر ظاهر ومعروف لعامة الناس، فهل إنكار مثل هذه الأمور يحتاج إلى كثير علم؟ معلوم أن المرأة المسلمة مأمورة بالتستر والاحتشام، ومخالفة ذلك مخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى، وارتكاب لمنكر يحتاج إلى إنكار.
وغير ذلك الكثير من المنكرات الظاهرة، والمعروفة لعامة الناس، فإنكارها واجب على المتعلم وغير المتعلم، وليست قلة العلم عذراً في عدم إنكار مثل هذه الأمور.
2- حال حديثي الإسلام في الأمر والنهي:
لقد كان بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد أن يسلموا، ويتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمور الضرورية، يأمرهم عليه الصلاة والسلام بدعوة قومهم وأمرهم ونهيهم، ومن ذلك قصة إسلام أبي ذر -رضي الله عنه- حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم»، قال أبو ذر: فأتيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت. قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم.
فأبو ذر -رضي الله عنه- لم يمكث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتعلم منه الشيء الكثير، بل بمجرد إسلامه، وتعلمه الأمور الضرورية، تعلم منه الصلاة والوضوء كما في الرواية الثانية، دعا أخاه وأمه، ثم دعا قومه بعد أن رجع إليهم، وكانت النتيجة أن أسلم نصفهم، والنصف الآخر أسلم بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كما في تتمة الحديث المذكور.
ومن هذا الباب أيضاً قصة مالك بن الحويرث ومَن معه من الشباب، الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى أهليهم فيعلموهم ويأمروهم، كما يحدث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- فيقول: «أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا؟ فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم، ومروهم، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم».
3- الأخذ بهذه الشبهة تعطيل للأمر والنهي:
لو كان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا العلماء وطلبة العلم، لتعطل هذا العمل الجليل؛ لأن العلماء وطلبة العلم في المجتمع قليل، وبالتالي فإنهم لن يحيطوا بالمعروف المتروك ليأمروا به، ولن يحيطوا بالمنكر المرتكب فينهوا عنه، فيبقى الأمر والنهي في المجتمع في دائرة ضيقة.
ولكن إذا حرص كل مسلم على القيام بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب قدرته، وما عنده من العلم، كان في ذلك زيادة في الخيرات، ودفعاً للمنكرات، وتنفيذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده…» الحديث، ففي هذا تكليف لعامة المسلمين في تغيير المنكر لمن رآه، وليس مقصوراً على أهل العلم فحسب.