الاحتساب في احتفالات النساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
مِن حق المسلمة على أختها المسلمة إجابة دعوتها ومشاركتها أفراحها؛ فإن ذلك مما يقوي العلاقات الاجتماعية ويزيد روابط المحبة بين الأقارب والأصحاب والجيران.
ومع التغيّر الاجتماعي الذي تشهده الأسر في المجتمع تغيّرت كثيرٌ من العادات الاجتماعية، وتحولت من موافقة الشرع إلى مخالفته: إما كراهة وإما تحريما.
ومن ذلك مثلاً: مناسبات الزواج فقد تَوسَّع الناس في استخدام آلات اللهو ومُكبِّرات الصوت والأغاني التي لا تخلو كلماتها من فحش أو إثارة الغرائز الجنسية… إلى التوسع في اللباس ولبس الضيق والشفاف والقصير، بل إنَّ بعضهن وصلن إلى لبس ما فوق الركبة -نسأل الله السلامة-، وأيضا الإسراف في المآكل والمشارب، والمباهاة في التقديم والتوزيع؛ مما أدى إلى كثرة الشكوى من عدد من السيدات وامتناعهن عن حضور هذه المناسبات لكثرة المنكرات فيها؛ حتى إن إحداهن قالت شاكية: “حضرتُ الحفل وفي نيّتي تغيير هذه المنكرات، ولكن عجزت، فمثلاً ما إن ابتدأتُ بتذكير الأخوات بتقوى الله في لباسهن؛ إلا ويَحتجنَّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” «عورة المرأة عند المرأة من السرة إلى الركبة» فلماذا تضيقين واسعاً؟! وما أن أُحدثهنَّ عن الإسراف وحرمته إلا ويحتجن بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
ولنا مع ذلك وقفات:
أولا: أما حديث: «عورة المرأة عند المرأة من السرة إلى الركبة».
فهذا الحديث ورد بعدة روايات؛ منها:
– ما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما فوق الركبتين: من العورة، وما أسفل من السرة: من العورة» [رواه الدارقطني والبيهقي من طريقه].
وهذا الحديث لا يصح ألبته؛ فقد رواه الدار قطني والبيهقي من طريق سعيد بن راشد بن عباد بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي أيوب رضي الله عنه. وسعيدُ بن راشد وعباد بن كثير: متروكان؛ فسقط الاستدلال بهذا الحديث.
– وما روي عن عَمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زَوَّجَ أحدُكم أَمَتَه عبدَه أو أجيره فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السرة والركبة» [رواه البيهقي].
وهذا الحديث جاء من طريق الخليل بن مُرة، عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن شعيب، به. والخليل: ضعيف، وليث: مختلط لم يتميّز حديثُه؛ فسقط الاستدلال به.
– وما رواه أبو داود بلفظ: «إذا زَوَّجَ أحدُكم عبدَه أمتَه فلا ينظر إلى عروتها»، وفي رواية أخرى عنه: «فلا يَنظُر إلى ما فوق الركبة ودون السرة».
وهذه الرواية قد اضطرب الرواة عن عمرو بن شعيب فيها:
فجاء كما ذكرنا من النهي عن النظر إلى عورة الأمة إذا زُوِّجَت، وحُدَّدت فيها العورة من السرة إلى الركبة.
وفيه من رواية أخرى من طريق النضر بن شميل، عن أبي حمزة الصيرفي -وهو سوار بن داود-، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا زَوَّج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره؛ فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت سرته إلى ركبته من العورة» [رواه الدار قطني والبيهقي].
وهذه الرواية فيها تحديد العورة للسيد وهو الرجل بخلاف الرواية الأولى؛ مما يدل على اضطراب الراوي في ضبط هذه اللفظة.
والرواية الأخيرة مدارها على أبي حمزة الصيرفي؛ وفيه ضعف؛ فهذا الاضطراب منه، وقال الدار قطني عنه: لا يُتابع على رواياته.
وقال البيهقي في السنن الكبرى بعد روايته لهذا الألفاظ: وهذه الرواية إذا قُرِنَت برواية الأوزاعي؛ دلنا على أن المراد بالحديث: نهي السيد عن النظر إلى عورتها إذا زَوَّجَها، وأن عورة الأمة ما بين السرة والركبة، وسائر طرق هذا الحديث يدل -وبعضها ينص- على أن المراد به: نَهيُ الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعدما زُوِّجَت، أو نهي الخادم من العبد والأجير عن النظر إلى عورة السيد بعد ما بلغا النكاح. فيكون الخبر وارداً في بيان مقدار العورة من الرجل، لا في بيان مقدارها من الأمة. اهـ.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله حول هذا الحديث-: “عورة المرأة مع المرأة: كعورة الرجل مع الرجل -ما بين السرة إلى الركبة-، ولكن هذا لا يعني أن النساء يلبسن أما النساء ثياباً قصيرة لا تستر إلا ما بين السرة والركبة؛ فإن هذا لم يَقُلْه أحد من أهل العلم، ولكن معنى ذلك أن المرأة إذا كان عليها ثياب واسعة فضفاضة طويلة ثم حصل أن خرج شيء من ساقها أو مِن نَحرِها أو ما أشبه ذلك أمام الأخرى فإن هذا ليس فيه إثم. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إن لبس النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ساتراً من الكف (كف اليد) إلى كعب الرِجل”. اهـ.
وقال -في إجابة حول حديث «عورة المرأة عند المرأة من السرة إلى الركبة»-: الخلاصة: أن اللباس شيء، والنظر إلى العورة شيء آخر، أما اللباس فلباس المرأة مع المرأة المشروع فيه أن يستر ما بين كف اليد إلى كعب الرجل، هذا هو المشروع، ولكن لو احتاجت المرأة إلى تشمير ثوبها لشغل أو نحوه فلها أن تُشَمِّر إلى الركبة، وكذلك لو احتاجت أن تشمر الذراع إلى العضد فإنها تفعل ذلك بقدر الحاجة فقط، وأما أن يكون هذا هو اللباس المعتاد الذي تلبسه؛ فلا. والحديث لا يدل عليه بأي حال من الأحوال؛ ولهذا وَجَّه الخطابَ إلى الناظرة لا إلى المنظورة، ولم يتعرض الرسول -عليه الصلاة والسلام- لذكر اللباس إطلاقاً، فلم يَقُل: “لباس المرأة ما بين السرة والركبة”؛ حتى يكون في هذا شبهةٌ لهؤلاء النساء ا.هـ.
وقد بَيَّنَت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بيان لها عن حدود نظر المرأة للمرأة وما يلزمها من لباس، بأنه:
يجب على المرأة أن تتحلى بالحياء الذي جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان وشعبة من شعبه.
ومن الحياء المأمور به شرعاً وعرفاً: تَستُّر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تُبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة.
وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تُبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، وحال المهنة ويشق عليها التحرّز منه.
وذكروا أن التوسع في التكشف -فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سُنَّة-: فهو أيضاً طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها -وهذا موجود بينهن-.
وفيه أيضاً أنها قدوة سيئة لمن تقتدي بها من النساء.
كما أن فيه تَشَبُّهاً بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الفتوى في (مجوع فتاوى اللجنة الدائمة) (17/290).
كما أن لبس مثل هذه الملابس (القصيرة والضيّقة والشفافة والمفتوحة الصدر والظهر) يعد من التبرُّج الذي نَهى الله عنه بقوله تعالى: ?وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى…? الآية.
ثانياً: وأما حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
فالله جميل يحب الجمال، وشَرَع لنا عزّ وجلّ من الأكل والشرب والملبس ما تستلذ به الأنفس وتقرّ به الأعين، ولكن باعتدال دون إسراف قال تعالى: ?وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ?، وقال تعالى: ?إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا…? الآية.
وحَثَّنَا على كرم الضيافة، وذكر كرم إبراهيم عليه السلام حين قال تعالى: ?فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ…? الآية.
وكل ذلك بحدود المشروع؛ فلا إفراط ولا تفريط.
وأما أن تُقام الولائم والأصناف المتنوّعة والباهظة السعر والتي لا يُؤكَل حتى ربعها! وتُشتَرى ملابس الأفراح بالآلاف من الريالات ثم لا تلبس إلا مرة واحدة! فهذا إسراف ما أنزل الله به من سلطان.
ومن المنكرات في هذا المناسبات: ترك بعض المسلمات لصلاة العشاء بعد اكتمال زينتهن للشعر والوجه، حتى إن بعضهن لا تصليها إلا مع الفجر، وبعضهن بعد ذلك؛ متناسيات ما جاء في مسند الإمام أحمد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله».
واعتقاد كثير من النساء أن هذه الليلة يرخص فيها ما كان ممنوعاً، ويحل ما كان محرماً فتُستبَاح المعازف والغناء، وهذا من الجهل عن بعضهن، وإتباع الشهوة والهوى عند بعضهن الآخر.
أسأل الله لنا ولنساء المسلمين التبصرةَ في الدين وإتباع سنةِ سيدِ المرسلين.
وصلى الله على نبينا محمد.
المصدر: موقع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.