المحتسب والابتسامة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد:
فقد جعل الشارع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطب الدين الأعظم.. وعليه مدار خيّريّة هذه الأمة قال الله تعالى: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ? [آل عمران:110].
فالحسبة هي المهمة التي ابتعث الله بها النبيين أجمعين عليهم صلوات رب العالمين، بل هي من أخص صفات صفيّه من خلقه، وخيرته من عباده عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى: ?الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [الأعراف:157] ثم جعله الله سبحانه من أجلِّ أوصاف عباده المؤمنين فقال جل في علاه ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [التوبة:71] ولعلنا نلاحظ منزلة هذه الشعيرة من الدين؛ إذا علمت أن الله قدّمه على الإيمان به كما في قوله عز وجل:?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ? [آل عمران:110].
ولأهميّة هذا الركن يٌعلم أنه لو طُوي بساطه وأٌهمل عمله لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد.. وهلك العباد.
وفي ظل تسارع عجلة الحياة، وتجدد الأحداث، وتغير الطباع، وزحمة الفتن؛ تتعاظم المسؤولية على أهل الخير من المحتسبين، ممن أرادوا الإصلاح وهداية للناس، فما أجلّ وأعظم مهمتهم في هذا الزمن العصيب الذي كثرت فيه المنكرات، وظهرت بأشكال مختلفة قد تنطلي على كثير من غير أولي البصيرة والإيمان:
الحسبة بالموقف:
فيستطيع المحتسب أن يقوم بتوظيف جميع مواقفه، وأفعاله اليومية مع من يتقابل من المحتسب عليهم، ودون أن يتكلم معهم، أو يصنع لهم شيئًا ماديًا، وذلك يكون عن طريق الحسبة بالموقف، ففي أي مكان وفي أي زمان يمكن للمحتسب من القيام بالحسبة بسهولة ويسر، وذلك من خلال توظيف مواقف الحياة اليومية، في توصيل أحد المعاني الاحتسابية البسيطة إلى قلوب الآخرين، حيث يكون تأثيرها أكبر كثيرًا مما تتخيل.
كثيرون انتقلوا إلى طريق الله -عز وجل- بعدما ظلوا لسنوات طويلة، يعيشون كالأموات في ظلمة المعصية، ولم يكن السبب الرئيس الذي أدّى لانقلاب حياتهم بهذه الطريقة رأسا على عقب، سوى كلمة أو عبارة سمعوها في إحدى المرات من أحد الأشخاص، الذين لم يكن لهم بهم سابق معرفة من قبل.
طلاقة الوجه وإلانة الكلام:
فالبشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام تساعد على جذب الناس وامتلاك عواطفهم ومشاعرهم وتوجيهها؛ لاَنّ الناس غالباً ما يتأثرون بالأشخاص قبل التأثر بالأفكار والقيم، ويروى أن وكيعاً شيخ الإمام الشافعي أُتهم بالتشيع في آخر عمره وكان سبب ذلك أنه رأى أحد علماء الشيعة في زمنه فأعجبه سمته فظنّوا الناس أنه تأثر به.
فالابتسامة أحد الأسلحة الرئيسة، التي يجب أن ترفعها شعارا لك في المواقف الاحتسابية، حيث تعد الابتسامة كما يقول خبراء التنمية البشرية، أحد أبرز وسائل كسب القلوب؛ ولذلك يجب على الدوام، أن تتذكر أن الابتسامة المرسومة على وجهك، علاوة على أنها صدقة، فإنها في الوقت نفسه وسيلة دعوية بالغة الأهمية، حيث تعطي الآخرين صورة إيجابية للملتزم الحق، وأنه ليس عبوسا أو غاضبا على حياته، كما يحاول البعض أن يصوّر ويبقى الأثر الأساسي للبسمة، هي أنها تجعل لكلامك وحركاتك تأثير السحر على الآخرين(1).
لأن دين الإسلام دين المعاملة الحسنة الذي يجعل من الكلمة الطيبة صدقة، والتبسم في وجه الآخرين من المسلمين صدقة، ومن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ويعطي أعظم الأجر على إفشاء السلام، بل ويجعل مما يحط الخطايا عن المسلم: مصافحة أخيه المسلم، والمسح على رأس اليتيم، فيقول المولى عز وجل: ?وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا? [البقرة:83].
فالمؤمن هين لين يألف ويؤلف. ومن حسن السمت في الهدي الظاهر طلاقة الوجه وانطلاقة أساريره. فقد كان هذا من هديه -صلى الله عليه وسلم- وفعله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»(2). وقال أيضاً: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»(3).
إذن فمن المخالفات التي يقع فيها بعض المحتسبين في الهدي الظاهر عبوس الوجه، والإكفهرار في وجوه الناس، وعدم التبسم. وقد أورد الذهبي في ترجمة يحيى يبن حماد أن محمد بن النعمان بن عبد السلام قال فيه: “لم أر أعبد من يحيى بن حماد، وأظنه لم يضحك”. ثم علق الذهبي على هذا القول بقوله: “الضحك اليسير والتبسم أفضل، وعدم ذلك من مشايخ العلم على قسمين:
أحدهما: يكون فاضلاً لمن تركه أدباً وخوفاً من الله، وحزناً على نفسه المسكينة.
والثاني: مذموم لمن فعله حمقاً وكبراً وتصنعاً، كما أن من أكثر الضحك استخف به. ولا ريب أن الضحك في الشباب أخف منه وأعذر سنه في الشيوخ، وأما التبسم وطلاقة الوجه فأرفع من ذلك كله… وقال جرير-رضي الله عنه-:”ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم”(4). فهذا هو خلق الإسلام، فأعلى المقامات من كان بكاء بالليل بساماً بالنهار”(5).
وكذلك يمكن للمحتسبب من أن يحمل في جيبه على الدوام بعض المطويات أو الكتيبات الصغيرة، والتي يفضل أن تكون مرتبطة بأحد الأحداث أو المناسبات الإسلامية، وقم بإعطائها كهدايا للناس الذي تقابلهم سواء بصورة مستمرة أو لمرة واحدة في أي مكان من الأماكن، وأعطها لهم وأنت تنظر عليهم، والابتسامة تعلو وجهك، وقل لهم في عبارة موجزة يسعدني أن تقبلوا هديتي البسيطة، ولا تنسونا من دعائكم، ولا توصل إليهم رسالة أنك لم تقم بإعطائهم هذه الهدية سوى لشعورك أنهم مقصرون أو مذنبون في حق الله -عز وجل- فهذا الأمر قد يجعلهم يشعرون بالصدود أو النفور منك، خاصة إذا كان هؤلاء الأشخاص ممن لم يسبق لك رؤيتهم من قبل، وهو ما يعني أن الاحتمال الغالب، أنهم سوف يهملون هديتك، ولا يقومون بقراءتها على أقلّ تقدير، وربما يصل بهم الأمر إلى أن يقوموا بتمزيقها أو إلقائها في الطريق(6)!
__________________________________
(1) انظر: إضاءات على طريق المحتسبين لعبد الرحمن بن حسن البيتي ص (23)، مقال بعنوان:” الدعوة بالمواقف… انطلق الآن” لـ/السيد شحتة موقع: صيد الفوائد:
http://www.saaid.net/alsafinh/kutob.htm
(2) سنن الترمذي – الذبائح أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء في صنائع المعروف حديث:1928، وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الشيخ الألباني في: الصحيحة رقم (572).
(3) أخرجه مسلم في البر والصلة باب استحباب طلاقة الوجه (2626).
(4) البخاري في الجهاد (3035)، ومسلم (2475).
(5) سير أعلام النبلاء (10/ 140- 141).
(6) مقال بعنوان:” الدعوة بالمواقف… انطلق الآن” لـ/السيد شحتة موقع: صيد الفوائد:
http://www.saaid.net/alsafinh/kutob.htm