لمؤلف:
هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن بن قاسم بن سعيد العقباني([1]) التلمساني، عالم، فقيه مالكي، أديب وإمام، وشيخ علماء تلمسان، ومحققيهم، كان عارفًا ومشاركًا في عدة علوم، كالعربية واللغة والأدب والفقه والقراءات، وأصول الدين والفرائض، وهو أول من نظر في الحسبة من القضاة الزيانيين، والوحيد الذي نظم في هذا الغرض، وُلد بتلمسان سنة 804ه-1401م، وبها نشأ وتعلم، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأخذ العلوم الدينية عن أبيه، وعن جده قاسم بن سعيد العقباني، وعن محمد بن مرزوق الحفيد، ثم تولى التدريس بمساجد تلمسان، فأخذ عنه أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي وأحمد بن حاتم البسطي، رحل إلى المشرق فحج، ثم رجع إلى تلمسان، وتولة قضاء الجماعة، ثم عُزل، وعوّضه عمه الإمام الخطيب أبو سالم إبراهيم العقباني، واستدعاه السلطان أبو عبد الله محمد الثالث المتوكل على الله، وكلفه بمهمة دبلوماسية، أرسله سفيرًا إلى تونس، حيث اشترك مع بعض أعيان تلمسان في توقيع الصلح مع سلطان تونس الحفصي، عند غزوه تلمسان، ودرء عنها البلاء بحنكته، وحسن تدبره، مرتين في أقل من عشر سنوات.
توفي بتلمسان بعد عزله من منصبه يوم 23 ذي الحجة عام 871ه-1467م، ودفن بالجامع الأعظم، قرب ضريح العلامة ابن مرزوق الحفيد، الكائن بالزاوية الجنوبية الغربية من الجامع الأعظم.
له كتاب في الحسبة سماه: “تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر.
(وقد ترجمه إلى الفرنسية قبل وفاته المرحوم الأستاذ البشير قليل، يحتوي على معلومات قيمة عن المجتمع الزياني في القرن 9ه-15م، توجد نسخة منه في مخطوطات علال الفاسي بالمملكة المغربية)([2]).
سبب التأليف:
ذكر المصنف في المقدمة سبب تأليفه لهذا الكتاب، حيث قال:
“أما بعد: فإنك سألتني أن أقيد لك ما حضرني إملاؤه، وأنهي للمسترجي والناظر والقارئ ما وسعني إنهاؤه، في شأن الواجب من تغيير المنكر، وعلى مَن وجوبه؟ وفي أي وقت يجب؟ وما يسقط وجوبه بحدوث ما يتقى أو يحذر؟ وما يفترق به المنكر من غيره مما لا يسوغ أن يبدو في وقت من الأوقات أو يظهر؟ وهل التغيير مخصوص بأهل هذا الدين من المسلمين طوائف، أو يشمل من آمن ومن كفر؟
فاعلم -وفقنا الله وإياك لجادة الصواب- ومَنَّ علينا بالعصمة من زلة القدم، وعبث القول في الخطاب أو الكتاب: أن علماء الأمة -رضي الله عنهم- بسطوا القول فيما سألت عنه من تغيير المناكر، وإقامة الحدود والزواجر الشرعية لحفظ الشعائر في كتبهم المبسوطة المشهورة، وأقاويلهم المنثورة المأثورة؛ بحيث تكون مراجعتها مغنية عن السؤال، وتلخيص ما طلبته مني في ذلك من جامع الجواب…، ولكني أستمد من فهم كلامهم ما أضعه لك في هذا الكتاب على شكل التذكرة، فلعلك إن راجعت في كتبهم المسطورة، ورواياتهم المشهورة، حصلت على طايل من الاستفادة والتبصرة، فقيدتُ لذلك فيه لك ما حضرني تقييدًا يتبين معه قصوري…”([3]).
وصف الكتاب:
هذا الكتاب يمثل عرضًا للمسائل المتعلقة بالحسبة على المذهب المالكي، وقد اشتمل الكتاب على عرض للمسائل النظرية للحسبة، وتميز بالاستفاضة بعرض الحسبة التطبيقية، لا سيما المتعلقة بالمجتمع الذي كان يعيش فيه المؤلف، وهو مدينة تلمسان.
وجدير بالذكر أن بحثًا علميًا أكاديميًا قدم لنيل درجة الماجستير بعنوان “الواقع الاجتماعي والاقتصادي في تلمسان من خلال كتاب تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم العقباني، ت871ه/1467م”([4])، وهذا يشير لأهمية هذا الكتاب، وتمثيله لجزء من تاريخ الحسبة في هذه البلاد.
تقسيم الكتاب:
قال المصنف عن كتابه: “قسمته على ثمانية أبواب، وخاتمة للكتاب.
الباب الأول: في دليل مشروعيته([5]).
الباب الثاني: في محال فرضه وندبه وحرمته.
الباب الثالث: في المغير وشروطه.
الباب الرابع: في كيفية التغيير، ووجه تناوله.
الباب الخامس: في وجوه مراتبه.
الباب السادس: في معرفة طريق الكشف عنه.
الباب السابع: في أعيان صوره، واختلاف محاله.
الباب الثامن: فيما يختص به من ذلك، من سألت عنه من أهل الذمة، ومن كان في شكلهم من المعاهدين.
الخاتمة: في الأصل في ولاية المتولي لذلك، بم تفترق من غيرها من الولايات الشرعية؟”([6]).
بدأ المصنف الكتاب بقوله: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم، يقول العبد المفتقر إلى عفو ربه بتقصيره وعيبه، راجي رحمته عبيده سبحانه، محمد بن الحسن بن قاسم بن سعيد العقباني، غفر الله له ورحمه بمنه وكرمه آمين…”([7]).
وختمه بقوله: “وقد تم تأليفنا المبارك هذا بنجاح هذه الخاتمة، ختم الله لنا بحسن الخاتمة، بجاه من لم تزل صلاتنا عليه دائمة([8])، وحسبنا الله وكفى، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد النبي المختار المصطفى، وعلى آله وصحبه الخلفاء، والحمد لله وسلام [على] عباده الذين اصطفى، اللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، وانفع به القارئ والناظر والمستعين، بجاه مولانا([9]) محمد النبي الصادق الأمين [صلى الله عليه] وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين”([10]).
عرض الكتاب:
بعد مقدمة تحدّث فيها عن سبب التأليف، وعن تقسيمات الكتاب، شرع في المقصود كما يلي:
الباب الأول: في دليل مشروعيته.
وذكر بعضًا من الآيات والأحاديث التي تدل على مشروعية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
الباب الثاني: في مجال فرضه وندبه وحرمته:
ومما ذكره من الفوائد:
- أما حكمه ففرض متأكد، وواجب متعين، فلا أحد من المخاطبين إلا وقد تعيّن عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولو في نفسه وأهله وعياله.
- كل من حضر مواقعة أحدٍ منكرًا، أو علمه، فأمكنه القيام بالأمر بالمعروف، مع وجود الشروط، وانتفاء الموانع، وجب ذلك عليه.
- لا يسقط جُرحة من رأى منكرًا وعلمه، ولا القيام بتغييره على الفورية، بحيث لا يمر عليه زمن تفريط؛ لأن كون القيام بذلك من الإيمان يدل على أن تركه من الضلال والخسران.
- الأمر بالمعروف على الأئمة والولاة والقضاة، وسائر الحكام أوجب وآكد؛ لأنهم متمكنون من التغيير بعلو اليد، وامتثال الأمر، ووجوب الطاعة، وانبساط الولاية.
- من أنواع القيام بذلك ما يدعو إلى الاستيلاء، وإقامة الحدود والعقوبات، مما لا يفعله إلا الولاة والحكام.
- قد ينقلب حكم الأمر بالمعروف إلى الامتناع والحرمة؛ وذلك في حق شخصين:
- أحدهما: الجاهل بالمعروف وبالمنكر، بحيث لا يميز موضوع أحدهما من الآخر، فهذا يحرم في حقه.
- الآخر: من يؤدي إنكاره إلى منكر أعظم منه، مثل أن ينهى عن شرب الخمر، فيؤدي نهيه إلى قتل نفس.
- نقل المصنف عن الشيخ ابن رشد “في مقدماته”([11]) وفي بيانه([12]) أن هناك شرطان مشروطان في جواز الأمر بالمعروف، وشرط مشترط في الوجوب، وأما الشرطان فهما:
- أن يكون عالماً بالمعروف والمنكر.
- وأمن من التسبب بمنكر أعظم.
- وأما شرط الوجوب فهو: أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له، وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع.
- ونقل عن الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه الذي سماه “بالأربعين”([13]) ومن فوائد ما نقل عنه:
- كل من شاهد منكرًا ولم ينكر، وسكت عنه، فهو شريكه، فالمستمع شريك المغتاب، ويجري هذا في جميع العاصي.
- من خالط الناس كثرت معاصيه، وإن كان تقيًا في نفسه، إلا أن يترك المداهنة، ولا يخاف في الله لومة لائم.
- يسقط وجوب الأمر بالمعروف في أمرين:
- أحدهما: أن يعلم أنه إذا أنكر لم يلتفت إليه، ولم يترك المنكر، ونظر إليه بعين الاستهزاء.قال الغزالي: وهذا هو الغالب في منكرات يرتكبها الفقهاء، ومن يزعم أنه من أهل العلم والصلاح فها هنا يجوز السكوت، ولكن يستحب الزجر باللسان إظهاراً لشعائر الدين مهما لم يصدر على الزجر باللسان([14])، ويجب أن يفارق ذلك الموضع، فلا يجوز مشاهدة المعصية بالاختيار.
- الثاني: أن يعلم أنه يقدر على المنع من المنكر، ولكن يعلم أنه يُضرَب، أو يُصاب بمكروه فهنا يستحب له التغيير ولا يجب تركه لأجل ذلك.وعلق المصنف على كلام الغزالي هذا بقوله: الظاهر من كلام ابن رشد وجوب الترك مع تيقن الإذاية لا سقوط الوجوب خاصة، وبقاء الاستحباب، فتلك طريقة عز الدين بن عبد السلام، وعين ما قاله الإمام أبو حامد الطوسي، ولكن ما قاله ابن رشد أظهر من جانب النظر، وأرجح من طريق المعنى.
- قال الغزالي في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] معناه: في الزمان الذي لا ينتفع فيه الأمر بالمعروف، ولا النهي عن المنكر، ولا يقوم من ينكره على القيام بالواجب في ذلك، فيسقط الفرض فيه، ويرجع أمره إلى خاصة نفسه، ولا يكون عليه سوى الإنكار، ولا يضره مع ذلك من ضل.
- قال الغزالي: وعلى الجملة فلا يسقط الوجوب إلا بمكروه في بدنه بالضرب، أو في ماله بالاستهلاك، أو في جاهه بالاستخفاف به بوجه يقدح في مروءته.
فأما خوف استيحاش المنكَر عليه، وخوف تعرضه له باللسان، وعداوته، أو توهم سعيه في المستقبل بالسوء، أو يحول بينه وبين زيادة في الخيرات بتوقعها، فكل ذلك موهومات، وأمور ضعيفة، لا يسقط بها الوجوب.
الباب الثالث: في المُغيِّر وشروطه:
ومما ذكره في هذا الباب:
- يعتبر في مغير المنكر أربعة شروط:أن يكون مسلمًا، مكلفًا، عالمًا بذلك المنكر، وصفة التغيير، والقدرة على القيام به.
- الإسلام والعلم شرطان في صحة القيام بالأمر بالمعروف.
- لا يحل القيام فيما جهل حقيقته من المنكرات، أو طريق الإنكار فيها.
- التكليف والقدرة على التغيير هما شرطا وجوب.
- الصبي إذا عقل القربة، وعرف المناكر، وطريق التغيير، فتبرع به كان منه صحيحًا سائغًا، وأثيب عليه في القيامة، ولا إثم عليه في الترك، بخلاف المكلف.
- اختُلف في العدالة هل هي شرط في صفة المغير أو لا؟ فاعتبر قوم شرطيتها، ورأوا أن الفاسق لا يغير، وأبى مِن اعتِبارها آخرون؛ وذلك الصحيح المشهور عند أهل العلم.
- وكذلك جميع من لزم تعلقه به من أهله ورفيقه وحاشيته فإن أوجب الناس حقًا على المكلف العاقل نفسه، ثم حاشيته.
- فالكيس من اقتص من جوده لحفظ وجوده وأفرغ من اهتمامه وقيامه في استحصال مصلحته وقوامه فكما لا يليق به الاشتغال عن نفسه، والاقتصار على فائدة غيره، فكذلك لا ينبغي له أيضًا الاقتصار على صالحة نفسه، والاعتراض عما باشر من أحوال غيره، فإنهما فرضان متغايران، لا ينوب أحدهما عن الآخر، صدع بوجوبه الكتاب والسنة.
- واختلف أيضًا: هل من شرط مغير المنكر أن يكون مأذونًا من الإمام، أو أحد من الحكام؟ فرآه بعضهم، ومنع آحاد الناس من ذلك، ومنعه آخرون؛ وذلك الصحيح المشهور الذي عليه الكافة والجمهور.
- يتأكد على الإمام الأعظم جعل الله نصره بالتأييد على إقامة الحق داعيًا، وبأعباء معالم الشرع في كل مواطنه وأحيانه قائمًا، لا سيما في نوع يؤدي إلى كثرة أعوان، وتحصيل لما يُخشى من مكابدة، ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الضرورة؛ لما يخشى من فوات التغيير: كالقوم يكونون في البادية يحدث بينهم الفتك، أو القتل، وما أشبه ذلك، من كل ما لا يحل إهماله، فواجب القيام به ودفعه بما أمكن، ودعت الحاجة إليه في كل حال.الباب الرابع: في كيفية التغيير ووجه تناوله.
ومما ذكره في هذا الباب:
- كيفية التغيير في شروعيته على الجملة: تحسين المأخذ والبداية بالترفق والتلطف حتى يستوي من زل، ويهتدي من ضل.
- إذا خاف مع سلوك الترفق فوات التغيير، أو ظهور الإهانة والازدراء بالمُقدِم على ذلك، ويكون رفقه غير مانع لذلك، فهذا يلزم المغير تغييره بما أمكن من العنف المفيد للإزالة، أما إن كان غير مفيد لإثارة منكر أعظم من المنكر المغير، فحكمه على ما سلف.
الباب الخامس: في مراتب التغيير.
ومما ذكره في هذا الباب:
- مراتب التغيير على خمسة أنواع:
- النوع الأول: مجرد التنبيه والتذكير؛ وذلك فيمن يعلم أنه يزيل فساد ما وقع لصدور ذلك على غرة وجهالة.
- النوع الثاني: الوعظ بما يهز النفوس؛ وذلك في سائر من علم أن وقوعه في المناكر على علم منه، وفي المعاصي التي لا يجوز على مسلم مكلف أن يجهل تحريمها.
- النوع الثالث: الزجر والتأنيب والإغلاظ بالقول والتقريع باللسان والشدة في التهديد، وهجن الخطاب في الإنكار؛ وذلك فيمن لا ينفع فيه وعظ، ولا ينجع في شأنه تحذير برفق.
- ولا ينبغي أن يتعدى إلى السب الفاحش، والذم الذي ليس من صفة ذلك المخاطَب، فإن فعل ذلك في غير محله، ومع من ليس من أهله، فذلك منكر واقَعَه مغير المنكر، يجب الاحتساب فيه عليه.
- النوع الرابع: التغيير بملاقاة اليد بإزالة ذلك المنكر، وإذهاب وجوده؛ وذلك فيمن كان حاملًا الخمر، أو لابسًا ثوب حرير، أو خاتم ذهب، أو ماسكًا لمال مغصوب، وعينه قائمة بيده، وربه متظلم من بقاء ذلك بيده، طالب رفع المنكر في بقائه تحت حوزه وتصرفه.فأمثال هذا لا بد فيه مع الزجر والإغلاظ من المباشرة للإزالة باليد، أو ما يقوم مقام اليد، كأمر الأعوان الممتثلين أم المغيّر في إزالتهم له بوازع الطاعة.
- حكم ضمان المتلَف من أوعية الخمر على حالتين:- إذا لم يقع التمكن من إراقة الخمر، ولا([15]) بكسر أنابيبها، وتحريق وعائها، فلا ضمان على من فعل ذلك.
– إن أمكن زوال عينها مع بقاء الوعاء سليمًا، ولم يخف الفاعل مضايقة في الزمان، ولا في المكان، بتغلب أو أبنيات، فأتلفه مع انتفاء هذه الموانع، ضمن قيمته إن كان لأمثاله قيمة، [وإلا]([16]) وهو مما ينتفع به في غير الخمر.
- النوع الخامس: إيقاع العقوبة بالنكال والضرب بالأيدي والجلد بالسوط؛ وذلك فيمن تجاهر بالمنكر، ولم يقدر على دفعه إلا بذلك.
- إن دعت الضرورة إلى مقاتلته بالسلاح، ومكافحته بالتناصر والتعاون، وجب على كل من حضر وباشر إذا لم يُقلع عن ذلك المنكر، ولا بمثل ذلك، لكن قد تقدم من الأولوية في هذا النوع عند آخر الباب الثالث، أو يُدفع إلى الإمام، أو إلى أحد من الحكام القائمين به عن إذنه؛ لأن ذلك أدعى إلى النجح، وأرفع لما يُخشى من إثارة الفتنة.
- وإن كان استئذان السلطان يؤدي إلى فوات المطلوب من إزالة المنكر، أو ما تحصل فائدة استئذانه إلا وقد وقع ذلك المنكر، فيجب المبادرة إليه بما أمكن، ولو مع قيام هرج، أو غيره.فصل:
تحدّث في هذا الفصل عن مسألة التعزير بالمال عند المالكية، وذكر من نصوص العلماء ما يُؤيد ذلك، ومما ذكره من فوائد:
- إن العقوبة بالمال أمر كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك كله بالإجماع على أن ذلك لا يسوغ، وعادت العقوبة في الأبدان خاصة.
- اختلف العلماء في قدر التعزير في غير ما جاء به حد:
- العقوبات على الجرائم عند مالك على قدر اجتهاد الوالي، وعظم جرم الجاني، وإن تجاوز الحدود([17]).
- وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالضرب أكثر من ثلاثة أسواط في الأدب، ولا يزاد على الثلاثة إلا في حد من حدود الله([18]).
- وقال أبو يوسف: لا يبلغ في الأدب ثمانين([19]).
- سبيل أرزاق القائمين بتغيير المنكر سبيل أرزاق الأعوان الذين يوجههم الحاكم في مصالح الناس، تكون لهم من بيت المال، كأرزاق القضاة، وسائر العمال والولاة.
- ما ورد من مسائل مذهبية يبدو من ظاهرها الحكم بالعقوبة المالية، وباطنها على خلاف ذلك على أن الذي وقع من ذلك إنما هو فيما كان إتلافًا لمحل المعصية، كما في إراقة اللبن، وقطع الملاحم، وغير ذلك، لا إغرامًا على عصيان أجنبي عن المال، بنقد يؤديه الجاني من ذمته، فينتفع به الحاكم والشرطي في شؤونه، فهذه صورة لم يقل بها أحد من المسلمين، فضلًا عن العلماء والمتفقهين.فائدة:
- إذا لم يطلع على المنكر حتى انقضى فعله، وفات محله، فسبيل النظر فيه للقضاة والحكام؛ لأن بابه الأحكام لا التغيير؛ لفوات دفع المنكر بفوات محله.
- على الحاكم أو السلطان القيام بموجب ما ثبت عنده من ذلك، فما كان فيه حد من الحدود المقدرة في الشرع، كالشرب والسرقة والزنا، وما أشبه ذلك أمضى الحاكم فيه حكمه على طريقه، وموجبه المستوفى.
- ما لم يكن فيه حد من الشرع متقرر كالغصوبات، وإتيان الربويات، والتعرض لكشف العورات، وما لا يحصى عدة من المنكرات، فإنما عليه إقامة العقوبات فيه على قدر اجتهاده ونظره، بحسب كل نوع، وكل شخص؛ إذ المشهور عن مالك: أن ذلك موكول إلى اجتهاد الحاكم([20]).
- لا يهمل الحاكم طريق الترتيب الذي تقدم في الأنواع الخمسة.
- رب رجل من ذي الهيئات لم تقع منه إلا فلتة، أو فلتات يكون مختصًا بخفة العقاب، عمن لا يردعه إلا شدته، كالمجاهر بكبائر المعاصي والمنكرات.الباب السادس: في معرفة وجوه الكشف عنه.
بدأ الباب بالحديث عن التجسس وأحواله، ومما ذكره من الفوائد:
- لا يجوز ابتداء المباحثة التي ليس لها سبب يبدو، ولا تكرر ريبة تظهر، كما يقع من بعض من يتطلع العورات بطبعه الرديء، وشهواته الخبيثة، من استراق السمع، وطلب التعرف لما عليه الناس، وخصوصًا أولو الستر والتخفي.
- لو أوصل التعرف لدليل من أدلة السوء، كنغمات الملاهي، وأصوات السكارى، وانتشار رائحة الخمر، فما كان من ذلك على وجه التجسس فهو في نفسه يجب تغييره؛ لأنه منكر في نفسه، قال الله سبحانه: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
- وأما استخراج ما أخفاه المختفي، ولو كان معلنًا بالفسق، فلا يجوز كشفه؛ لتعرف حقيقة ما هو هل آلة لهو، أو خمر؟ لمجرد ظن ذلك به لفسقه؛ لأن تلك إذاية للظنون به.
- لا ينبغي طلب تقرير المأخوذ في عمل ذنب بأكثر مما وجد عليه.
- ما كان على وجه التجسس، وتطلع العورات، بل بما قامت أدلته لنفسها، ولاحت ظواهره بقرائنها، كما لو وقع المرور على دار فسمع المارة آلة الملاهي، ونغمات السكارى، ونحو ذلك مما يقع الاطلاع عليه عن غير قصد، فالقيام بذلك واجب.
- من كان من أهل الستر، فلا ينبغي تعريف الحكام بما سمع عنه، ولا بما رئي منه.
- ذكر المصنف عددًا من المسائل، وعنون لكل منها، وبدأ بعنوان:
- إذا رُفع للحاكم أن في بيت فلان خمرًا، فليكف عنه، ولا يهتك بذلك ستره.
- ومما ذكره من فوائد:
- نقل في “مفيد الأحكام” عن عيسى بن دينار في الحاكم يُرفع إليه بأن في بيت فلان خمرًا أو أخبره بذلك واحد، أو من لا تجوز شهادته، فليكف عن ذلك، ولا يهتك بهذا ستر المسلم.
- وإن شهد شهود على البيوت كشف الحاكم عن ذلك فأراقها، وضرب ضربًا دون الحد.
- وإن قالوا للحاكم بلغنا ذلك:
- فإن لم يكن مشهورًا، وله حرمة تركه، ويُعْلِمه بما قيل عنه، ويحذره أن يبلغ عنه مثل ذلك.
- وإن كان متهمًا كشف عنه، فإن وجد ذلك كما قيل أدبه، وإن لم يوجد كذلك زجره وتوعده.
- قال ابن فرحون: وهل للقاضي أن يتعاطى هذا الكشف؟ ظاهر كلامهم أن ذلك للوالي والشرطي دون القاضي، وقد تقدم أن للمحتسب أن يفعل ذلك؛ لأن أصل ولايته الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
- أما المشهور بذلك فيرى المصنف تعاهده، والكشف عن بيته، ذُكر للحاكم عنه شيء، أو لم يذكر، ولم يذكر الحكم في الدار المعدة لذلك.
- حكم الفاسق الذي يأوي إليه أهل الفساد:
- ورد عن مالك روايات:
- وقع في سماع أبي زيد من ابن القاسم، قال: سُئل مالك عن فاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله، ويحاز عنه الدار والبيوت.فقال: قلت: لا تباع عليه؟ قال: لا، لعله يتوب، فيرجع إلى منزله([21]).
قال ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثًا، فإن لم ينته أخرج، وأكري عليه([22]).
- قال ابن رشد -رحمه الله-: “قد قال مالك: “في الواضحة”([23]) إنها تباع عليه، خلاف قوله في هذه الرواية، وقوله فيها أصح؛ لما ذكره من أنه قد يتوب فيرجع إلى منزله([24]).
- ما ذكر ابن لبابة عن يحيى بن يحيى: من إحراق بيته، وأنه أخبره بذلك بعض أصحابه عن مالك رواية شاذة لا عمل عليها.
- لا يجوز للولاة أن يختلوا بالمحبوس في تهمة، ويقولون له: أخبرنا ولك الأمان.فإذا فعل ذلك الحاكم كان فيما أخبره وأقر له على نفسه، كمن أقر تحت الوعيد والتهديد، لم يلزمه إقراره.
فصل: مسألة ما إذا انقضى زمن المنكر، ولم يبق إلا ما لزم فاعله، فما الحكم الشرعي؟ وما فيه من التفصيل:
ذكر أن في المناكر التي لا يستدام فيها التحريم على حالين:
الأول: إن كان الذي واقع ذلك من المتسترين، ففيه ما يلي من أحكام:
- فلا إثم على تارك الشهادة عليه.
- الستر عليه، وعدم أداء الشهادة بما شاهد من فعله أولى وأحق بالندب والقربة.
- ينبغي له أن يتقدم له بالحكمة، والموعظة الحسنة.
الثاني: إن كان الذي واقع ذلك من المجاهرين، ففيه ما يلي من أحكام:
- أداء الشهادة، وإقامتها لله في حقه أولى وآكد.
- لا ينبغي تركه عن إقامة الحد، أو العقاب، فيخشى أن يكون تركه رضا بأفعاله، واستهانةً بما غضب له ربنا.
من حضر مواضع المجّان والفُسّاد:
دار حديثه في هذا الفصل حول:
- أن من حضر مواطن المجّان، ومواضع الشراب والفساق، ولم يفعل فعلهم، لا يسلم من العقوبة إن ظهر عليه معهم؛ إذ هو كالآلة لهم، ومن كثر سواد قوم فهو منهم.
تنبيه:
قال في “تنبيه الحكام”([25])، وكل ما تقدم تقريره في أولوية الرفع في شأن المجاهر وعدمها في شأن المستتر إنما هو فيمن يبلغ أمره للحكام بطريق الثبوت عنده، لا سيما فيما لزم فيه حد من حدود الله.
“لحد يُقام بأرض خير له من مطر أربعين صباحًا”([26]).
ومما ذكره في هذه المسألة من فوائد:
- غير الحاكم ممن شاهد منكرًا، أو علمه يقينًا يفارق الحاكم في فسحة مجال العفو والستر؛ فالستر على المسلم حيث يكون مستترًا غير مجاهر أولى من فضيحته.
- وأما ما يستدام فيه التحريم بتكرر ذلك المنكر ما دام لم يرفع به من علمه إلى الإمام، كمن طلق زوجه طلاقًا بائنًا، ثم بقي معها، فالمبادرة لأداء الشهادة بذلك لدى لحاكم واجبة كان فاعل ذلك مستترًا، أو مجاهرًا.
الشهادة في الحقوق على خمسة أقسام:
حيث ذكرها، كما يلي:
- شهادة لا يصح القيام بها إلا بعد الدعاء إليها، وهي الشهادة بالمال الحاضر.
- شهادة يلزم الشاهد القيام بها، وإن لم يُدع إليها، وهي الشهادة بما يستدام في التحريم من الطلاق والعتق وشبهه.
- شهادة يختلف في وجوب القيام بها، وفي صحتها إذا لم يدع إليها، وهي الشهادة بالمال الغائب.
- شهادة لا يلزم القيام بها إذا لم يُدع إليها، وهي الشهادة على ما مضى من الحدود، التي لا يتعلق بها حق لمخلوق، كالزنا وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، فهذا لا يلزم القيام فيه، ويستحب الستر فيه إلا في المشتهر.
- شهادة لا يجوز للشاهد القيام بها، وإن دُعي إليها، وهي الشهادة التي يعلم الشاهد من باطنها خلاف ما يوجب ظاهرها.
فرعان:
الأول: ترك الشاهد الرفع للحاكم بما يستدام فيه التحريم جرحة فيه، إذا لم يُبد عذرًا لسكوته يحسن قبوله، كتقية ممن يُخشَى، أو فقد من يرفع إليه في مسكنه ومقره من ولاة المسلمين وحكامهم، فلو لم يبد من العذر إلا جهله بحكم الشهادة، فنقل عن ابن رشد قولين، هما:
- الاتفاق على أنه لا يعذر في ذلك بالجهل.
- أن في المسألة قولان في قبول عذره بالجهل وعدم قبوله.
- الثاني: إذا رفع الشهود بالزنا أو غيره مما فيه حد أو عقوبة المشهود عليه للحاكم متعلقين به:
- إن كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر، ورفعوه، أو أحدهم، فأخذوه أو أخذه، فجاءوا به، وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم؛ لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم.
- إن لم يكونوا كذلك لم تجز شهادتهم عليه؛ حيث صاروا بفعلهم هذا طالبين له، ومدعين عليه، وقذفة، فوجب عليهم الحد له، إلا أن يأتوا بشهود آخرين غيرهم.تكملة في هذا الباب تمس الحاجة إليها:
قال في “تنبيه الحكام”: ينبغي للحاكم إذا خاف أن تتعذر عليه الإحاطة بحفظ الحوائم والأسواق، وشوارع المسلمين ومجتمعاتهم من وقوع المناكر، وتعرف ما يعرض في ذلك من النوازل، أو خشي أن يتشاغل عن البحث والكشف والنظر في ذلك بما يشغله من أمور المسلمين، والنظر في مصالحهم: أن يختار أمينًا عدلًا، أو أمناء عدولًا عارفين بذلك، يتفقدون ما حمل إليهم من حفظ الحوائم، ويرفعون إليه ما يتعذر عليه النظر فيه من ذلك، وإن أفرد لكل سوق وحومة أمينًا ينظر في ذلك فعل بحسب اجتهاده، وحاجة الناس إلى ذلك بوجود القائم به، فإن ذلك من التعاون على الخير الواجب على كل مسلم؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
الباب السابع: في أعيان صوره واختلاف محاله:
ذكر في هذا الباب جملة من المنكرات، وكما قال المصنف: “وكان هذا الباب هو المقصود بالذات، وكل ما تقدمه من الأبواب كالوسيلة إليه، والطليعة بين يديه”.
بدأ الحديث بذكر ما ينكر اعتياده في معاهد الصلوات، ومساجد الجمع والجماعات.
- لا شيء أوجب على مغيّر المنكر-بل وعلى سائر الحكام وآحاد المسلمين ومن له مسكة علاقة بالدين- من البداية بالنظر في إيقاع الصلاة، وتطهير محل الإيقاع.
- شدّد الشرع في شأن الصلاة بقتل الممتنع من إيقاعها إن مضى عليه وقت صلاة واحدة، ولم يزل على الإباء والامتناع حدًّا في المشهور.
- لا بد للحاكم فيمن علم منه الجفاء والبداوة، وتفرّس فيه ترك الصلاة والجهل بإقامتها أن يباحثه، ويتنزل معه في السؤال عنها بالترفق والاستكانة، حتى يحصل على طائل من معرفته منه ما لا بد منه أم لا؟ ولا يتعمق معه في السؤال عن غوامض الصور.
- فإن حقق منه عند اختباره جهله بها، فإن تحقق عذره في ذلك بكونه حديث عهد بالبلوغ، وهو من جفاة البادية المظنون بهم عدم التعلم في الصغر علّمه، أو أمر بتعليمه.
- وإن تحقق أن جهله في الحاضرة، ومقر العلم، وتصدير العلماء، إنما هو لتركه الصلاة، وتشاغله عنها في أوقاتها بسواها أدّبه، وأحسن تأديبه، وأجهد في تعليمه.
- يجب تعليم من رأى صلاته غير مؤداة حق الأداء في إقامة أركانها: من ركوع وسجود كل ذلك يتأكد النظر فيه على الحكام، وولاة الأمور.
- وكذلك ما يخص الرجل في عياله وبنيه الأصاغر قرب السبع سنين، فما فوق، وسائر أهل منزله ومحلته يتوجه نحوه الخطاب الشرعي في ذلك كما توجه إلى الحكام في سائر الناس.
- يجب على الولاة البحث عن تاركي شهود الجمعة، والتنقيب عمن عرف منه ذلك، والاشتداد على فاعله، والمساعد عليه، واضطرار الكافة إلى شهود الجمعة، بما يؤديه الاجتهاد، ويقتضيه الحال.
- تصح الحسبة بالتأديب والتقريع والتأنيب على تارك الجمعة إذا قام الثبوت على تركه إياها ثلاث مرات تهاونًا، أما المرة والمرتين فلا، على قول سحنون، واختيار ابن رشد له([27]).
- وكذلك القول في تارك الصلاة من الصلوات، حتى يخرج وقته بغير عذر، ولا يجب أن ترد بذلك شهادته، حتى يكثر ذلك من فعله.حكاية لطيفة:
حيث ذكر حكاية تؤيد رد قول تارك الصلاة.
- من المناكر تقديم العوام والجهال للإمامة بالمساجد.
- من المناكر قراءة القرآن بالألحان المشبهة للغناء.
- قراءة القرآن بالألحان المشاكلة في الترجيع، وتقطيع الصوت بالحنك للغناء المطرب من المناكر عند من لا يجيزها، أو يكرهها، والأكثر على تصحيح الإباحة، فأما إيراده على التجويد والصوت الحسن، فمتفق على الترغيب فيه.احترام المساجد:
فمن احترام المساجد منع شواب النساء الممتليات لحمًا، اللواتي تخشى منهن الفتنة من مساجد الجمع والجماعات.
- النساء أربع:
- عجوز قد انقطعت حاجة الرجال منها، وهي كالرجال في ذلك.
- متجالة([28]) لم تنقطع حاجة الرجال منها بالجملة، فهذه تخرج إلى المسجد، ولا تكثر التردد إليه.
- شابة من الشواب، فهذه تخرج إلى المسجد في الفرض، وفي الجنائز، جنائز أهلها وقرابتها.
- فاذة شابة في الشباب والثخانة، فليس لها أن تخرج أصلًا.
- فإن حضر المسجد منهن من يسوغ حضورهن، فلا بد من ضرب حائط فاصل بينهن وبين الرجال.
- لا يدخل المسجد من فيه رائحة ثوم.
- لا ينشد بالمسجد شعر ولا ضالة.
- لا بأس بإنشاد شعر به غير الهجاء، والغناء به.
- وينبغي أن يكون ما فيه مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه محل وفاق.
- لا يترك به صبي إن كان يعبث ولا يكف إذا نُهي، ومثله المجنون، ويدخل منع السكير والخِمّير فيه بالأحروية.
- نصب الشموع والقناديل في المساجد.
نقل المصنف فتوى للعز بن عبد السلام، وكان فيها من الفوائد ما يلي:
- لا بأس بتزيين المساجد بالشمع والقناديل.
- ولا بأس بالستور، وإن كانت من غير الحرير.
- وإن كانت من الحرير احتمل أن تلحق بالتزيين بقناديل الذهب والفضة.
- ويجوز استعمال النسوج من الحرير وغيره إذا كان الحرير مطلوبًا، ولا يجوز مثل ذلك في الذهب والفضة.
- وأما ما يُهدَى إلى المساجد من شمع وزيت فله أحوال:
الأولى: أن يقول المهدِي: هو منذور، فهذا لا يجوز بيعه، ولا التصرف فيه، ويجب صرفه في جهة النذر.
الحالة الثانية: إن ظهر من المهدِي أنه تبرع، لم يجز التصرف فيه، إلا على وفق إذنه، وهو باقٍ على ملكه، إلا أن يعين الاستعمال في جهة النذر.
فإن طالت المدة، وعُلم أن باذله قد مات، فقد بطل إذنه:
– فإن عُرف ورثته، وُجّهوا في ذلك.
– وإن جُهلوا بحيث يُئس منهم، فقد صار لمصالح المسلمين العامة، وإن توقع معرفة الوارث ومراجعته وجب حفظه إلى أن يظهر، فيُراجع فيه.
الحالة الثالثة: إن دفع المهدِي ذلك إلى متولي المسجد، وهي من المشكلات؛ إذ من الجائز أن يكون منذورًا، وهو الغالب فيما يُهدى، فتجري عليه أحكام الحالة الثانية.
- يجوز إيقاد اليسير من المصابيح ليلًا مع خلو المساجد من الناس.
- ولا يجوز ذلك نهارًا؛ لما فيه من السرف، وإضاعة المال فضلاً عن التشبه بالنصارى.
- وأما تعليق الستر في المساجد:
- إن عُلّقت بحيث تشغل المصلي، ويتشوش عليه، فلا شك في كراهة ذلك.
- إن عُلقت في جهة لا تشغل المصلي، فلا بأس به.
- لا يحل الانتفاع بها إلا بإذن مالكها، إلا أن تبلى، بحيث لا يعلق مثلها في المساجد، فإن سقطت جاز لكل أحد أخذها.
- اتخاذ البوقات في رمضان بالمساجد.
- من منكرات المسجد سؤال الضعفاء به.
- ومن ذلك رفع الصوت في المسجد، ولو بالعلم.
- ومن ذلك قص الشعر، وتقليم الأظافر، والفصد، وغير ذلك.
- ومن ذلك إدخال الحيوان لرفع الأثقال غير ما فيه مصلحة له: أما ما كان لمصالحه، فعن مالك: “أكره إدخاله الخيل والبغال والحمير لنقل ما يحتاج لمصلحته؛ ولينقل على الإبل والبقر”([29]).ومن ذلك أكل الطعام به، إلا خفيف الطعام، كالسويق والتمر، ونحو ذلك.
- وما له نوى كالتمر يجب طرح نواه خارج المسجد، وكذلك القشور والعظام.
- ولا تسل فيه سيوف، ولا أسلحة.
- لا يبصق في حائط قبلة المسجد، ولا على ظهر حصيره، ويدلك، وهو غير محصب.
- فإن كان محصبًا فلا بأس أن يبصق تحت قدمه وأمامه أو يمينه وشماله ويدفنه.
- وأما ما يدب عليه من القمل، فيخرج ويطرحها خارج المسجد.الحكاية التونسية:
حيث ذكر المصنف أن البرزلي كان من متأخري التونسيين، وأحد شيوخ ابن عبد السلام، مدرسًا بمدرسة التوفيق، وكانت داره قبلي جامع الزيتونة، بل جامع التوفيق، فكان إذا أتى المدرسة دخل من باب الجامع القبلي، ويخرج من الباب الجوفي، فعيب عليه ذلك؛ لما فيه من اتخاذ المسجد طريقًا، فاحتج بأن مالكًا أجازه في المدونة([30]).
- الفتوى بمنع قراءة المقامات.
- غرس الأشجار في المسجد.
- إرسال حدث الريح في المسجد.اعرف الفتوى بإخراج من يكثر إذاية الناس بلسانه من المسجد:
- قد أفتى فقهاء الأندلس فيمن كثرت إذاية لسانه أنه يخرج من المسجد قياسًا على آكل الثوم.
- ثم تحدث عن إيذاء أعظم، وهو الغيبة في المساجد.
- وهذه المعصية من أعظم الكبائر، ومن أشنع المناكر، التي يجب الاحتساب في تغييرها، ومحل تغييرها في أي محل ارتكبت، وفي أي زمان ابتدعت، ففي مساجد الله، وأوقات دواعي أمره أحق وأولى بالتغيير، وأجدر بالإغلاظ والتشديد بالنكير.
- فعلى من ولاه الله شيئًا من أمر أمة محمد -عليه السلام- السعي بما أمكنه في إزالة هذا المنكر الخبيث.
المسائل الثمان المستثنيات من منع الغيبة:
الأول: المتظلم يذكر ظلم ظالمه عند ذي سلطان؛ ليدفع ظلمه، فأما عند غير ذي سلطان، وعند من لا يقدر على الدفع فلا، اغتيب الحجاج عند بعض السلف، فقال: إن الله ينتقم للحجاج ممن اغتابه، كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه.
الثانية: الجرح والتعديل في الشهود عند الحكام، فلا يحرم، وكذلك رواة الحديث، ويشترط في ذلك:
- أن تكون النية خالصة لله سبحانه في نصيحة المسلمين، وعند حكامهم، وفي ضبط شرائعهم، وأما إذا كان ذلك للهوى فهو حرام، وإن حصلت به المصالح عند الحكام والرواة.
- ويشترط أيضًا في ذلك: الاقتصار على القوادح المخلة بالشهادة أو الرواية.
الثالثة: المستفتي إذا افتقر إلى ذكر السؤال.
الرابعة: الاستشارة في مصاهرة، أو مشاركة، أو معاملة.
الخامسة: ذكر ما عليه ذي المنكر من المناكر متجاهرًا بها للقائم بتغييرها.
السادسة: أن يكون معروفًا باسم فيه عيب، كالأعمش والأعرج وغير ذلك، فيجوز على نية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة التنغيص([31]).
السابعة: أن يكون مجاهرًا بذلك العيب، كالمخنث، وصاحب الماخور([32])، وكذلك الفاسق المعلن بالفسق.
الثامنة: أرباب البدع والتصانيف المضلة، فينبغي أن يشهر في الناس فسادها وعيبها.
- قال النووي: فيجب على المغتاب التوبة، وطلب العفو من صاحبها، ولا بد من استحلاله. قال: وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتك، فاجعلني في حل أم لا بد له من ذكر ما اغتابه فيه؟ وجهان لأصحاب الشافعي:
أحدهما: يشترط بيانه، فإن أبراه من غير بيانه لم يصح، كما لو أبراه عن مال مجهول.
والثاني: لا يشترط؛ لأن هذا ما يتسامح به، فلا يشترط علمه، بخلاف المال، قال: والأول
أظهر؛ لأن الإنسان قد يعفو عن عيب دون عيب([33]).
ما يعالج به داء الغيبة:
نقل عن الغزالي من علاجها ما يلي:
- تفكر المغتاب في الوعيد الوارد فيها.
- تفكره في عيوب نفسه.
- إن خلا عن العيوب، فليشكر الله تعالى، بدلاً من الغيبة.
شروط التوبة من الغيبة:
- من شروط التوبة من الغيبة: أن يعين لصاحبها ما قاله، كما في أحد الوجهين.
- يكذّب نفسه بين يدي من قال ذلك عنه، شريطة: أن يكون آمنًا من زيادة غيظه، أو تهييج وفتنة تصدر منه، أو من أحد بسببه.
- إن خشي من ذلك فعليه الركون إلى الله تعالى؛ ليرضيه عنه، وليكثر من الاستغفار لصاحبه.
- إن كان صاحب الغيبة ميتًا، أو غائبًا، فقد تعذر تحصيل البراءة منها، لكن قال العلماء -رحمهم الله تعالى-: ينبغي أن يكثر الاستغفار له، والدعاء، ويكثر من الحسنات.
- قال بعض الشيوخ: مع غيبته فلا تعذر في استحلاله من ذلك؛ لأنها ممكنة بالكتب إليه، وقد اقتصر الإمام أبو حامد الغزالي على الاكتفاء بالاستغفار له، والثناء عليه.اغتياب العلماء ليس كاغتياب الجهال:
- قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: اعلم يا أخي أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم مشهورة معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب([34]).
- إذا أتى المغتاب لمن اغتابه متحللًا منه، وتائبًا مما وقع في عرضه، فينبغي أن يحله.حكم النميمة:
- النميمة أخت الغيبة في التحرير، وهي: أن ينقل إليه من غير أن يتعرض لأذاه.
- النميمة والغيبة تفارقان النصيحة، فالفرق بين النصيحة والأخريين: أنهما يردان من قائلهما في غيبة المنقول عنه، دون سؤال يسأل، أو استعلام منه يستعلم، بخلاف النصيحة، فإنها لا ترد من الناصح، إلا بعد استنصاح الناصح المستنصح.اعرف الفرق بين المداهنة والمداراة:
- المداهنة حقيقتها: بذل الدين بالدنيا، والمداراة حقيقتها: بذل الدنيا بالدنيا، فالمدارة جائزة، والمداهنة حرام.
- يجب تطهير المساجد من المراء والمجادلة.
- حقيقة المراء: الاعتراض على كلام الغير، بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ، أو في المعنى.
- شكل بناء المساجد، وطريق وضعها.
- بناء المساجد للجماعة والجمعة واجب في كل قرية، وأما إقامة الجماعات، فيندب في محلة بعيدة عن جامع بلدها.
- لا بأس بإحداث مسجد ثان بقربة؛ لكثرة أهلها، وعمارتهم إياهما، وإن قل أهلها، وخيف تعطيل الأول، منعوا؛ لأنه ضرار.كراهة الكَتْب والتزويق بالذهب في قبلة المساجد:
نقل المصنف في هذه المسألة هذه الأقوال:
- في المدونة: كراهة الكتب والتزويق في قبلة المسجد حين جعل بالذهب؛ لأنه يشغل المصلين([35]).
- ابن رشد لابن نافع وابن وهب: جواز تزويق المساجد، والكتب في قبلتها.
- ختم المسالة بقوله: وإلا فالظاهر من فعل أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وعمر بن عبد العزيز ذلك، ولا نكير من الصحابة والتابعين: أن ذلك جائز…، وعلى القول بالجواز اعتمد الناس في تزخرف المساجد، وتزويقها.الحصباء بالمسجد:
- في المدونة: يكره له أن يحمل حصباء من موضع الظل لموضع الشمس، يسجد عليها؛ لأنه يحفر المسجد([36]).
- في سماع أشهب وابن نافع: من خرج منه بحصباء بيده نسيها، أو تعلقت بنعله، إن ردها فحسن، وما ذاك عليه.
- وأما لو حملها قصدًا، فلا يجوز؛ لأنه نقل الحُبُس عن محله.
- قال المصنف: كان يتقدم لنا في مجلس شيخنا: أن من حمل حصباء من الأماكن المشرفة ورد إلى محلها في الوقت أخرى، فإنه لا حرج عليه في نقل التي حمل لوجود العوض، كما أن من استهلك وقفًا، فإنما يلزمه مثله، ولو كان من المقومات كالبناء ونحوه، ما لم يكن مما لا عوض له؛ لتعلق الفضل بعينه، كالحجر الأسود، وكقواعد البيت، فلا يسوغ ذلك.تجمير المسجد:
- رأى مالك: أن الصدقة بثمن ما يُجمّر به المسجد، أو يخلق أحب إليه([37])، وتجميره: هو تبخيره بالبخور، وتخليقه: جعل الخُلوق في حيطانه، وهو الطيب المعجون بالزعفران.تنبيهان:
تحدث عن مسألتين، وهما:
الأولى منهما: إن قلت: ما الذي يكون بناء شكل هذا المسجد الذي له هذه الحقوق في الاحترام والإعظام وقفًا وحبسًا، وهل لظهره ولما تحته من الحرمة؟
وفيها نقل خلاف مذهب مالك، وأصحابه.
الثانية منهما: إن قلت: ما وَقَع اختلافُ نقله بما تُنزه المساجد إيقاعُه بها منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، وما للمكروهات والمناكر التي تغير.
قال المصنف: وإن كانت المناكر التي يجب تغييرها، ويضرب المغير على أيدي فاعليها جبرًا وقهرًا، هي المحرم فعلها، لكن المكروهات والمندوبات يدخلها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على سبيل الإرشاد؛ لما هو أولى من غير تعنيف ولا توبيخ، بل يكون ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، قاله القرافي في قواعده([38]).
- من أعظم المناكر الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته.بعد ما تحدث المصنف عن حقوق المساجد، وما يجب تغييره من مناكرها، تكلم عن منكرات غير المساجد.
بدأ بالحديث عن الحلف بغير أسماء الله تعالى، ومما ذكره من فوائد:
- الحلف بالله وبأسمائه وصفاته ينحل بالمشيئة وبالكفارة بعد الحنث؛ لكونه مأذوناً فيه ما لم يكن غموسًا، وإن كان لغواً فلا شيء فيه.
- الحلف بغير أسماء الله تعالى لا ينحل بكفارة، ولا مشيئة بالله ما لم يحلف بمشيئة مخلوق؛ لأنه غير مأذون فيه، والوقوع فيه ابتداء محظور.
- من المنكرات الحلف بالطلاق، فالحالف بالطلاق قد عقد على نفسه طلاقًا بشرط، فيلزم الطلاق مع وجود ذلك الشرط، وهو محظور الإيقاع ابتداء، وفيه مفاسد، فكان أن حسم هذا الباب بتغيير منكرها بالأدب والزجر من اللازم للحكام على حسب ما يقع منه من الإكثار والإقلال.
- من المناكر إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة.ومما ذكره من فوائد:
- قال في تنبيه الحكام: وكثيرًا ما يقع اليوم الناس في التساهل في ذلك، وتطلب الفتوى بأن لا تلزمه، إلا واحدة، وهذا من أمرهم أنكر وأشد بلاء من الأول، فينبغي للحاكم حسم ذلك كله، وقطعه بمنع الناس ابتداء من استعمال لفظ الثلاث والاشتداد عمن صدر منه بالأدب الرادع لأمثاله.
- ولكن المصنف بعد نقله لاختلاف العلماء في إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة، ختم بحثه بقوله:”فتأمل بنظرك، وأجد استعمال فكرك، هل يحسن أو يجمل أن يكون من نسبت إليه هذه المقالة من هؤلاء الأشياخ الأكابر أولى([39]) النظر والاستدلال والترجيح والقياس حقيقاً بالعقاب والأدب المبرح على اختيارها، والإفتاء بها…، لكن اللائق أن يقال: لا يصح إطلاق الأعنة، وخلع القيود لكل مفتٍ، مع كل مستفتٍ، لكن لمن علا قدره علمًا وورعًا، مع من يبدو له وجه المصلحة القائمة في إفتائه بذلك هيئة وصفة”.
منكرات الشوارع والطرقات:
قسّم المصنف هذه المنكرات إلى:
- ما كان في الأبنية.
- ما كان في الطرق والأبنية.
- ما كان في صفة المتصرفين والمتصرفات.
- ثم تحدث عما كان في الأبنية:فكل ضرر عام تنال ضرورته الكافة والدهماء:
- كالحائط المائل، فإنه إذا تُرك على الإهمال، ولم يقع في شأنه إنذار لمالكه، ولا مسارعة بالزوال أدرك من وقوعه بغتةً إتلافَ الأنفس والأموال، إلا أنه مقيد بضمان مالكه؛ لما أتلف بمجرد إنذاره في المشهور، وقيل من زيادة حكم الحاكم بعد الإنذار، وقيل به مطلقاً مع عدمهما.
- مثل الحائط في الحكم الكلب العقور، والجمل الصؤول.
- كذلك يلزم المحتسب بتغيير المنكر أن يؤدب مقتني الكلب، ومتخذه في غير محل اتخاذه، كما قالوا: لزرع، أو ضرع.
- ومن ذلك إخراج روشن([40]) وساباط([41])؛ لاتخاذه مسكناً فوق فضاء الطريق، فيجعله صاحبه منخفضاً، بحيث يضر بركبان المارة، فيتقدم إليه برفعه أو إزالته.
- وأما ما لا ضرر فيه على السكة، ولا على أحد من المسلمين، فلا يمنع.
ميزاب المطر:
- قال المصنف بعد ذكره لاختلاف علماء المذهب: الواجب على الناظر في مناكر الشارع تفقد مثل ذلك: إما لهدمه مطلقًا، أو لهدم ما أضر بالتضييق.الأبواب التي بأفواه السكك:
- ومن ذلك المنع من جعل باب على الرحبة والفناء الذي لأرباب الدور ملكه، بل الانتفاع به؛ لما للمسلمين في ذلك من الارتفاق إذا ضاق الطريق بهم.
- وجه المصنف هذا المنع بعدة وجوه، وهي:
- قد يقيد المنع بما لم تعلم له أصالة وضع باب، فلا يتُرك لذلك يريد الإحداث.
- يكون مقيدًا بما جعلت الباب عليه للتحجير، فمتى فُقد كونها آلة لذلك ساغ عملها، كما في الأدراب، حيث تفتح الأبواب نهارًا، وتُغلق ليلًا؛ لمنع السرقة، وغيرها.
- أو يقال: إنما ذلك في الشارع المتسع النافذ، وأما الضيق وما كان من السكك غير نافذ فلا فناء له، فلا يتناوله المنع من التحجير.
إلقاء الأزبال بالأفنية والطرق:
- فما كان فيه بلل منها، ورُمي ذلك على ملقيه إن عُلم، وإلا فعلى المجاورين للمكان كنسه ورميه، يؤخذ به الأقرب فالأقرب، وعلى هذا القول العمل.
- ومن ذلك ما يجمع بالطرق من تكديس الرحاضات([42])، وطين المطر، ونحوه.
إلقاء الجيف بالطرقات:
- إن كانت في الشوارع فحكمها في حملها على ما تقدم في الكناسات والرحاضات.
- وإن كانت ميتتها في دار شخص، وهي لغيره، فقيل: حملها على مالكها، وقيل: على رب الدار.
الميازيب التي تقطر بالنجاسة واتخاذ مرابط الدواب على الطرق:
- قال المصنف في تعليقه على كلام (تنبيه الحكام): ظاهر قصره هذا الحكم بالمنع على ما يقطر من الميازيب بالغسالة والنجاسة: أن ما كان بالماء الطاهر فلا يمنع، والحد: أنه على أصل المنع، كما قدمناه لحصول الضرر العام للمارة.بسط الخرّازين:
- ومن أشد ما قامت به مظنة التزليق والعثار ما يفعله الخرازون من بسط جلود البقر بمحجة الطريق لتنالها أقدام المارة، فيحصل فيها ذلك قريب مما يحصل بالدبغ.إيقاف الدواب:
- ومن ذلك إيقاف الدواب بالخشب والحطب، بحيث يقع التضييق بذلك على المارة، وكذلك احتيازها بالشوك لما يؤدي إليه من تمزيق الثياب، وكذلك ذبح الجزور بالطريق.بناء الدكاكين بين أيدي الحوانيت:
- ومن ذلك بناء الدكاكين بين أيدي الحوانيت في بعض الأسواق، وربما يضر بالمارين، ويضيق عليهم عند اصطدام الأحمال، وكثرة الناس.
- فقال في “جامع الأحكام”: لا خلاف في هدمه إذا أضر بالمارة، وزواله إذا ضيق، حتى لا يبقى له رسم، وغلته مردودة، لا تترك للمغتل، وتصرف للفقراء، ولا تنفع الحيازة في ذلك على العامة.
باب السُّوَيْقة بتونس:
- قال الشيخ أبو القاسم البرزلي: قد نزلت هذه المسألة بباب السويقة وغيرها من أسواقها، ولم يزل القضاة بتونس يوقفون ويحتسبون عليهم، لكن العامة تغلب، والصواب مراعاة الضرر، حيثما ثبت في حق العامة قُطع؛ لأنه أكبر، وإذا لم يثبت في حق العامة، روعي الضرر الأصغر، كما اختاره المازري، وأفتى به، ونقله عن شيخه في فتح الأبواب وتحويلها، وغير ذلك من الضرر؛ إذ المفتي عنده أخف الضررين.ما للبهائم الحاملة:
- ومن ذلك ما للبهائم الحاملة للثقل على ظهرها من الحق في الترفق والتوسط في قدر المحمول، فخير الأمور أوسطها.
- قد يستحق بعض الناس من أذى البهائم والعنف على بعض الدواب، فهذا من المناكير التي يجب الاحتساب فيها، ومنعهم منها، وصرفهم على كل حال عنها، وسواء كانت الدابة لمثقلها، أو لغيره، ولا حجة في كونها ملكه، فإن تعذيب الحيوان محرم.
المناكر المتعلقة بصفات المتصرفين:
- من ذلك تحرك السكارى المجاهرين بسكرهم، وبما ينشأ عنه من العرابد، وعبث القول، وما أشبه ذلك من منكر أحوالهم.
- واجب على مغير المنكر كف أذيتهم المصاحبة للتظاهر منهم بهذا المنكر.
- فيسارع بالسكران إلى السجن، حتى يضيق، ثم يجلد ثمانين سوطًا حدًّا من حدود الله.
- وبيّن المصنف: أن القتل في حقه مع الإدمان شذوذ.إعلان النساء بالنوح ولطم الخدود:
- إن اجتمع النساء للطم الخدود والصراخ عند موته، فليأمرهن برفق؛ وليزاول مدة، فإن عدن فلينههن، ويغلظ عليهن، فإن أبين فليهجم عليهن بالضرب، والطبع عليهن، وخلع أبوابهن، ويعاقبن، ولا يبيح لهن أن يفعلن ما لا يحل لهن.خروج النساء متزينات بأنواع الزينة:
- ومثله اجتماعهن للملاهي والرقص الذي ليس من طور العقلاء.
- ومن ذلك تصرفهن بأنواع الزينة البادية، وأسباب التجميل الظاهرة على اختيال في المشي، وإعمال منتشر الطيب، وإظهار ما يستدعي الفتنة.
- مثل هؤلاء ينبغي منعهن من التصرف على هذه الحالة.ما يفعله شرار النساء من التفاعيل([43]):
- لا سيما ما يدعو إليه إطلاع بعض الفاسقات على محاسن الأخرى، من تحرك شهوة التفاعل الذي يختار بعضهن لذّته عن مباضعة الرجل.
- والحكم في أدبهما على قول ابن القاسم راجع إلى اجتهاد الحاكم([44]).حديث من أشراط الساعة:
حيث نقل المصنف هذا الأثر: فعن الطرطوشي في “كتاب البدع”([45]) من طريق سلمان عنه -صلى الله عليه وسلم-: “أن من أشراط الساعة أن يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وتركب ذات الفروج السروج، فعليهم من أمتي لعنة الله، وفيه: “ويغار على الغلام كما يغار على الجارية البكر، ويخطب كما تخطب النساء” فقال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم يا سلمان([46]).
دخول النساء الحمام:
- قد شاع في هذا الوقت وذاع أن النساء لا يستترن بحال إلا القليل؛ وذلك القليل يرى عورة غيره، فأراه مجمعًا على تحريمه، إلا أن يخلو لها الحمام، أو تكون مع من يجوز له الاطلاع عليها.هل يجوز للنساء النظر إلى الأجانب من الرجال لغير ضرورة؟
- ذكر عز الدين: أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى من يشتهيها، وتخشى الافتتان به، وإذا نهى الزوج عن ذلك امرأته، ولم تنته لزمه سد الطاق لوجوب إزالة المنكر باليد والفعل إذا لم يفد القول، ومتى قدر على الحيلولة بين العاصي وعصيانه باليد لزم ذلك.
- وما قاله ظاهر إذا خشيت الفتنة، وأما إذا لم تخش، ففي المسألة خلاف فيما يجوز للمرأة أن تراه من الأجنبي، وفيما تراه ذات المحرم من ذي رحمها، والعكس.إفتاء العقباني:
تحدث المصنف عن مسألة: اجتماع النساء صبيحة ثاني يوم من إقبار الميت مع القراء العميان؛ لتحصل مثوبة تلك القراءة لميتهم، وأظهر جوازه.
ما يفعل بمن دخل الحمام غير مستتر:
- حكم ما يفعل مغير المنكر فيمن وجده مكشوف العورة:
- فيه الأدب والإيلام بالقول والفعل.
- وعلى قاعدة الآداب في تفاوتها، فليس فعله ذلك مع ذي الهيئة، وصاحب الفلتة، كفعله مع المتكرر منه ذلك؛ لعدم مبالاته بفضيحة نفسه.
- وكذلك يجب تأديب المتقبل للحمام على إيقاع المنكر لديه كبيت الخمار، ودور أهل الفسق إذ كشف العورة مثل ذلك وأشد.اجتماع النساء للتويزة:
- تحدث عن منكر خروج النساء لمجالس تجمعهن، ومما ذكره:
- ما يقع من اجتماع النساء على احتفال، أو تزين، فيحلقن دائرة على رجل غير محرم، يغنيهن، ويطربهن، فمحرم اتفاقًا.
- قال في “جامع الأحكام”:
- تعليمهن من القراءة ما يصلين به حسن.
- يمتنع تعليمهن الشعر والرسائل.
- ترك تعليمهن الخط أصون.
- يمنعن من خروجهن إلى المقابر.خروج النساء إلى المقابر:
- ومن ذلك اجتماعهن في الجبانات.جلوس النساء إلى الصناع:
- ومن ذلك جلوسهن إلى الصناع، يستصنعن عندهم شيئًا من المصنوعات.
- وكذلك الإطالة بالوقوف على حوانيت البياعين، وخصوصًا ذوي العطر، وطيب الروائح.
خروج الوخش([47]) من الإماء ملتحفات كالحرائر:
- ومن ذلك خروج الإماء الوخش في الأزقة والطرقات ملتحفات كالحرائر، أو مكشوفات بما لا يحل كشفه منهن، كالظهر والبطن؛ لأن كلا الأمرين في حقهن محظور.
- قال ابن رشد: وأما خروجها مكشوفة الرأس فهو سنتها([48])؛ لئلا تشبه الحرائر.
- قال عبد الملك في الواضحة([49]): في خروج الأمة كاشفة رأسها: لا ينبغي اليوم لعموم الفساد في أكثر الناس فإن خرجت اليوم جارية رابعة مكشوفة الرأس في الأزقة والأسواق لوجب على الإمام أن يمنع من ذلك.
- وأما حلول الإماء بمواضع التهم والريبة، فيجب تغيير المنكر عليهن فيه، كما يجب على الحرائر سواء.
ما عمت به البلوى من تعاطي الجهال للعلم:
- أخبر المصنف: أنه قد آلت الحال اليوم إلى أن ينظر أحد العوام في أوراق من الفقه والكلام، ويقوم على الخوض فيما يهلكه، والمستمع منه أن يقف على مسائل من الخلاف، فيختار منها بحسب ما يوافقه من شتى المذاهب، أو يعثر به، سوء نظره وظنه الكاذب، ثم يتصدى للقول، وتطلب الفتوى، فيقول فيما ليس له به علم: هذا حلال، وهذا حرام؛ ليفتري على الله الكذب.]مناظرة المؤلف -رحمه الله- لبعض الشافعية في لزوم الحنث في الحلف بالطلاق[
- حيث تحدث عما نقل عن أهل الديار المصرية من إكثارهم الحلف بالطلاق في ترداد مخاطباتهم، كما يجري لفظ الجلالة بصيغة القسم في تخاطب أهل بلادهم، وأنهم يزعمون عدم انعقاد اليمين على الحالف بها، حتى يضع يده على رأس امرأته زعمًا منهم أن الشافعي يقول بذلك، ونقل ما جرى بينه وبين قاضٍ من قضاة الحواري بمصر من مناظرة في ذلك.
- جرأة الجهال على الفتوى.
- من يدعي علم الطب.
- اشترط المصنف لمن يمارس الطب:
- إن كان يدمن النظر في الكتب، فينبغي أن ينظر في مقدار عقله وفطنته، وهل جالس المتكلمين والمتناظرين؟ وهل له قوة في البحث والنظر أم لا؟ فإن كان قد أطال صحبتهم، واكتسب منهم حظاً من القوة على البحث والنظر، فينبغي أن ينظر هل شاهد المرضى وقلَّبهم؟ وهل كان ذلك منهم في المواضع المشهورة بكثرة الأطباء والمرضى أم لا؟ فمن اجتمعت له هاتان الخلتان فهو فاضل عالم.
- وليس هذه الصناعة فقط، بل جل الصناعات قد رأيناه عياناً في صناعة القضاء يقوم بها قيام المعرفة والتحقيق من له فيها مزاولة، وتكرار نوازل، دون من لم يحصل له ذلك، ولو حصل من حفظ الفقه أكثر بكثير من الآخر؛ ولهذا تجد الشاهد (بصحة) الوثيقة، العالم بفقهها يصلح للقضاء دون من دأبه الدرس والتحصيل.الفتوى في نوازل الأمصار:
- كذلك مزاولة الفتوى في نوازل الأعصار والأمصار تسهل مسالك القضاء على من لا سلف له فيه.لا تنفذ عزلة العالِم بتقديم الجاهل عليه:
ومما ذكره هنا:
- يجب على من ولاه الله عموم النظر في أصناف الولايات وضروبها أن يتبرأ من درك المسلمين، بل وبني آدم أجمعين في تقديمه عليهم واليًا لا تنعقد ولايته لجهله بكل ما قُدِّم إليه وجزأيه.
- وإن قُدّم الجاهل بعزل العالم فلا ينفذ عزلته.
افتيات الأطباء:
- يجب على كل حاكم تفقد مثل هؤلاء، وقمعهم، ومنع من يتعاطى علم الطب أو نحوه من الجلوس للناس، حتى يحضر مع من يوثق به من الأطباء العلماء، ويختبرونه بحضرته، ويصح عنده أنه أهل للجلوس في ذلك الشأن.
- من اقتحم على شيء من ذلك بغير استحقاق فقتل أحدًا، أو أتلف له عضوًا على غير منهاج الطب، فهو متعدٍ يجب ضربه وسجنه، ولزوم الدية، قيل: في ماله، وقيل: على عاقلته.
- من زعم معرفة الطب وهو جاهل به، فتكوَّن الضرر عن علاجه غايته أن يُلزم الدية؛ لأن فعله من باب الخطأ لا من باب العمد، إذ لم تظهر عنه آثار لقصد القتل العمد للعدوان. وإنما قيل بالدية في ماله على أحد القولين؛ لأن ذلك وإن يكن عمداً فهو شبه العمد.
طبيب عالج رجلًا فأتى على يديه:
نقل عن ابن رشد ما ملخصه:
- إذا عالج الطبيب الرجل فسقاه فمات من سقيه، ونحو ذلك فلا ضمان على واحد منهما في ماله ولا على عاقلته إذا لم يخطئا في فعلهما.
- لكن إن كان السلطان قد تقدم إلى الأطباء والحجامين، ألا يُقدموا على شيء مما فيه غرر إلا بإذنه؛ ففعلوا ذلك بغير إذنه، فأتى على أيديهم فيه بموت، أو ذهاب حاسة، أو عضو، فيكون عليهم الضمان في أموالهم([50]).
خطأ الطبيب:
أحوال خطأ الطبيب كما يلي:
- إن كان الطبيب المخطئ من أهل المعرفة، ولم يُغرّ من نفسه، فذلك خطأ يكون على العاقلة إلا أن يكون أقل من الثلث، فيكون ذلك في ماله.
- إن كان لا يحسن، وغر من نفسه، فعليه العقوبة من الإمام بالضرب والسجن.
- واختُلف في الدية:
- قيل: إنها تكون عليه في ماله دون العاقلة.
- وقيل: تكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث، فيكون في ماله.
- ثم تحدث عن مسألة: إذا تقدم السلطان للأطباء لا يداوي أحدهم ما يخاف منه، وفيه غرر إلا بإذنه:
- وجه العمل في ذلك: أن يجمع السلطان أهل تلك الصناعة، فإذا رأوا أن يداوى العليل بذلك الدواء المخوف داواه به، ولم يكن عليه شيء، ولا على العاقلة إن مات منه.
- وإن رأوا أنه يخشى عليه بذلك الدواء المخوف، نهاه عن سقيه إياه، فإن تعدى ضمن من ماله، وقيل: على العاقلة.منكرات الأسواق المتعلقة بالمعاوضات:
بدأ بذكر تلقي السلع بظاهر البلد، أو ببعض الأخصاص([51])، فيشتريها المتلقي بما يطلبه من الاسترخاص، وليس له بها شرعًا دون غيره من المسلمين اختصاص، أو كبيع الحاضر للبادي؛ لإضاعة رزق الحاضر من البدوي.
أهل البادية الذين لا يبيع الحضر لهم:
اختلف قول مالك في أهل البادية الذين وقع النهي عن بيع الحضري لهم على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أهل العمود خاصة، دون أهل القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها.
والثاني: أنهم أهل العمود، وأهل القرى دون أهل المدن.
والثالث: أن المراد بذلك الجالف([52])، وإن كان من أهل المدن والحواضر([53]).
- وليس بيع الدلال من بيع الحاضر للبادي.
- ليس من بيع الحاضر: أن يبعث البدوي سلعة ليبيعها له الحاضر.
- وأما التلقي: قال مالك: فهو من معنى بيع الحاضر للبادي في علة المنع؛ إذ لا فرق بين أن يبيع له السلعة التي أتى بها، وبين أن يذهب له فيتلقاه، ويشتري منه، ثم يأتي فيبيع.
- يقيد المنع في هذه المسألة بما إذا كان الجالب في شكل الطائع، والمختار في الورود بما أتى به لسوق المسلمين؛ فيختار البيع خارج البلد، أما إذا كان في شكل المكره؛ فيرتفع الخطاب بالمنع للإكراه.مفاوضة المؤلف مع جده الأقرب:
حيث ذكر أنه قد تفاوض ذات يوم مع جده الأقرب في قوله -عليه السلام-: “أما إنها تابت توبة لو تابها مكاس لقبلت منه”([54]).
النهي عن تلقي السلع:
تحدث المصنف عن الحكم إذا وقع تلقي السلع، وبيع الحاضر للبادي، هل يفسخ أو يصح؟
وذكر اختلاف العلماء على ثلاثة أقوال:
- يفسخان معًا ما لم يقع الفوات بما تفوت به البياعات الفاسدة.
- لا يفسخان، وإنما تُزال السلعة منهما، وتُعرض على أهل الأسواق.
- الفرق بين التلقي، وبيع الحاضر للبادي، فتعرض في الأول، ولا تفسخ، وتفسخ في الثاني، ولا تعرض.
مسألة فقهية:
حيث نقل المصنف ما وقع في الرواية عن الإمام مالك من كلام عن تلقي السلع، وكلام ابن رشد عليها من فوائد.
النجش في الأسواق:
ثم ذكر من منكرات ومنهيات الأسواق النجش، وعرفه بما يلي:
- قال مالك: والنجش: أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها، وليس في نفسك شراؤها، فيقتدي بك غيرك([55])، وتلك الزيادة هي المسماة في عرف أهل أسواقنا بالبُرْج.النجش بسوق الكُتْيِبِّين من تونس:
حيث ذكر صورة من المعاملة ظاهرها النجش، وفيها تفصيل:
- حيث حكى الشيخ ابن عرفة: أنه كان بسوق الكتبيين من تونس رجل مشهور بالصلاح عارف بقيم الكتب، يستفتح للدلالين ما يبنون عليه في الدلالة، ولا غرض له في الشراء، وهذا الفعل جائز على ظاهر تفسير مالك، بقوله: أكثر من ثمنها، وهو لم يسم لهم إلا نفس القيمة، وعلى تفسير ابن رشد والأكثر: لمجرد العطاء للغرور([56])، فهو ممتنع.ذِكر المؤلف لجده الأقرب:
حيث نقل عن جده معارضته لقول ابن عبد السلام في المسألة السابقة: إن لم يرد الشراء فهو إتلاف لحال المشتري، حيث قال جده: بل هو جبر لمال البائع، ومال المشتري محفوظ، ما لم يتجاوز القيمة.
ذكر المؤلف فتوى لجده الأعلى في مسألة الدرهم:
ويُقصد بها ما حدث من اجتماع أمناء التجار والحاكة على أن يأخذوا درهمًا من كل شِقّة تُباع؛ لدفعه لما يقع عليهم من مظالم، فلما وقع من الجانب السلطاني رفع المظالم وقع الاختلاف في المجتمع من ذلك الدرهم، هل هو من مال البائع أم المشتري؟
بيع آلات اللهو المحرمة والتماثيل المجسدة:
- ذكر المصنف: أن من ذلك: بيع آلات اللهو المحرمة، والتماثيل المجسدة، وأواني الذهب والفضة، وثياب الحرير المصمتة، التي هي من شكل الرجال.
- كل ذلك يجب تغيير بقائه، وإزالة شكله، إذا كان المقصود به الاستعمال، فيما لم يبح الشرع استعماله فيه.
- المحظور من الصور ما كان على هيئة ما كان يَحيَى في العادة، ويكون له روح.
- تسامح المصنف بالرقوم في الثياب؛ لأنها رسوم لا أجساد لها، ولا يحيى في العادة ما كان على هيئتها.
البنات التي يلعب بها الجواري:
حيث ذكر: أنه إن صح النقل عن ملاعب عائشة، فتكون هذه البنات محل الرخصة.
الأشكال المتخذة على هيئة الحيوان:
نقل عن (تنبيه الحكام) منع ما يلي:
- بيع التصاوير والأشكال المتخذة على هيئة الحيوان، كنحو ما يستعمل لجري الماء للحمامات والديار، ونحوها، على أشكال الأسد وغيره من جنس الحيوان.
- التصاوير التي تستعمل للصبيان في الأعياد والمواسم، كل ذلك منكر، لا يحل، ويجب تغييره، والمنع من جميعه.
- وكسر أواني الذهب والفضة حتى تبطل منفعتها بذلك.
- وتقطع أثواب الحرير، أو تحال إلى زي النساء.
- ويفسد شكل الحيوان، حتى يذهب، أو جله المقصود.
- وأما الآلات التي يلعب بها الصبيان، كالدوامات، ونحوها، فيُكره بيعها لهم؛ لأنه لا يدري هل أذن لهم في ذلك آباؤهم أو لا؟
- وأما آلات اللهو:
- فلا يجوز عمل ما كان سماعه منها محرمًا، ولا يبيعه.
- واختلف فيما يجوز استعماله، فالقائل بجواز الاستعمال يقول بجواز البيع ضرورة، ومن لا، فلا.
بيع البوق والعود والكير:
ومما ذكره في هذه المسألة من فوائد:
- لم يختلف في إجارة([57]) الدُّف، وهو الغربال في العرس.
- اختلف في المزمر([58]) والكِير([59]) في العرس.
- ذكر المصنف: أن نقل الاتفاق على منع استعمال البوق، والعود، مدخول بقول ابن عبد الحكم: إن سماع العود واستعماله في صنيع، لا شرف فيه، غير محرم.
من المناكر الزيادة في الوزن أو الكيل والتطفيف:
ذكر المصنف: أن من منكرات الأسواق: الزيادة في الوزن، أو الكيل، والتطفيف بها، والنقص من معتادها، فيعطي البياع الذي يفعل ذلك بالناقص، ويأخذ بالزائد.
ومما ذكره المصنف نقلًا عن علماء المذهب:
- يجب تفقد المكاييل والموازين، وقِعَبتِها الذرعِ، حتى تكون موحدة، متفقة القدر في جميع المصر ونواحيه المعهودة به، لا يتفاوت منها شيء عن شيء.
- ينبغي تعهدها أبدًا من الزيادة والنقصان.
- وينبغي الاشتداد على من علمت خيانته في شيء من ذلك، وتنكيله بالعقوبة التي يستحق مثله.
- نقل تفصيلات واختلافات علماء المذهب، فيمن يستحق العقوبة، وهل المعتاد منهم فحسب أم العقوبة على الإطلاق؟ ومن العقوبات الإخراج من السوق، والضرب، والسجن.
- نقل المصنف عن أحكام السوق:
- ينبغي للوالي المتحري النظر في أسواق الرعية.
- أن يأمر ثقات بلده بتعهد الأسواق، وتغيير الصنجات والموازين والمكاييل كلها.
- فمن وجده غيّر شيئاً عاقبه بقدر جرمه وافتياته على الوالي، ثم يخرجه من السوق، حتى تظهر توبته وخيره.
الدراهم المبهرجة([60]):
ذكر المصنف كيفية التعامل مع من يغش الدراهم، كما يلي:
- التشديد في عقوبته.
- الطواف به في الأسواق.
- حبسه على قدر ما يرى المنوط به الأمر.
- ويأمر من يتعاهد ذلك بالتفقد، حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم ونقودهم.
جواب المازري عمن يتولى الطبع للقاضي:
ذكر المصنف سؤال الإمام المازري عمن يتولى الطبع للقاضي، وحضرة الأمير، فوجد عنده طابع مثل طابع نقش القاضي، أو الأمير، وأنه يطبع به بغير حضرتهما ما حكمه؟ وقد سُجن؟
فأجاب بما ملخصه:
- إذا كان مأمونًا غير متهم بتدليس المكاييل، ولا يطبع النقود الناقصة، فيضر الناس، وهو ممن يجهل هذا، أو يظن إباحته، فقد يكفي في زجره السجن المذكور، ويُهدّد إن عاد.
- إن كان غير موثوق به، فليؤدب بقدر الاجتهاد.
فتوى ابن عرفة فيمن يُتهم بضرب الدنانير المدلّسة:
- نقل المصنف عن ابن عرفة: أنه أفتى فيمن اتُّهم بذلك أن يخلد بالسجن، حتى يموت، ولقد اعتمد الشيخ ابن عرفة على نص ابن المسيب في ذلك: أنه من الفساد في الأرض([61]).
- وجرى عمل الأئمة، وعمالهم فيمن يفعل الدلسة في النقود، فإنهم يقطعون أيديهم.
فرعان:
تحدث عن مسألتين:
المسألة الأولى: أن يزيد والٍ بعد وال آخر كان قبله في المكيال، فرأى المصنف أن الصواب منع إحداث الزيادة.
المسألة الثانية: لو وقع التبايع بين متبايعين على ذراع شخص معين عند التعاقد.
- إن كان القاضي نصب للناس ذراعًا يتبايعون عليه، لم يجز اشتراط ذراع رجل بعينه، كما لا يجوز ترك المكيال المعروف الجاري إلى مكيال مجهول.
- وإن لم يكن للناس ذراع منصوب، فهذا موضع الاختلاف.
- قيل: إن موضع الذراع الوسط، كالذراع المنصوب، فلا يجوز السلم على ذراع رجل بعينه.
- وقيل: إنه لا يكون الذراع الوسط، كالذراع المنصوب، ويجوز السلم على ذراع رجل بعينه.
- فإن لم يسميا شيئًا، حملا على ذراع وسط، وهذا قول أصبغ: استحسانًا، والقياس: الفسخ([62]).
- ولو اختلفا فقال المسلِم: وقع السلم على ذراعي، وقال المسلَم إليه: بل على ذراعي، كان الحكم في ذلك حكم اختلافهما في عدد المسلم فيه، وقيل: يُفسخ السلم بينهما.
- ولو ادعى أحدهما أن السلم وقع على ذراع وسط، لكان القول قوله، وكذلك لو اختلفا حيث ثم ذراع منصوب، فادعى أحدهما الذراع المنصوب.
الغش في المطعومات: القمح والشعير وجميع القطائن:
من هنا بدأ الحديث عن الغش وصوره المختلفة، وبدأ بذكر الغش في القمح والشعير، وجميع القطائن، ومنها:
- عدم غربلة القمح والشعير، وجميع القطائن مما يمكن فيها من الغَلَث([63]).
- ومنه خلط الجيد بالدني، والفائق بالردي.
الغش في الزيت والسمن:
فصّل المصنف مسألة الغش والخلط بين الأوصاف، كما يلي:
- الصنف الواحد الذي يختلط، ولا يمتاز بعد الخلط جيده من رديه، كالزيت والسمن والعسل وشبه ذلك، فله الأحكام التالية:
- لا يجوز لأحد خلط الجيد بالردي، ولو بيّن عند البيع أنه مخلوط.
- ينبغي للإمام أن يمنع منه، ويضرب عليه.
- للمشتري أن يرد، وإن بيّن أنه مخلوط جيد بردي، إلا أن يبيّن مقدار الردي الذي خلطه بالجيد، وصفتهما جميعاً قبل الخلط، حتى يستوي عليهما فيه، فلا يكون للمشتري حينئذٍ أن يرد، ويكون هذا قد باء بالإثم في خلطه.
- الصنفان اللذان يمتازان بعد الخلط، إلا أنه لا يعلم مقدار كل واحد منهما من صاحبه، كالقمح والشعير والسمن والعسل والغلث والطعام، وما أِشبه ذلك، فحكمها كما يلي:
- إن كان أحدهما يسيرًا جدًّا تبعًا لصاحبه جاز أن يبيع ولا يبيّن؛ لأن المشتري يراه ويعرفه.
- وإن لم يكن أحدهما يسيرًا ولا تبعًا لصاحبه:
- إن كان يمكن تمييزه كالغلث مع الطعام، واللحم السمين مع المهزول، وما أشبه:
- فلا يجوز أن يباع الكثير من ذلك على ما هو عليه، حتى يميز أحدهما عن صاحبه.
- ويجوز أن يباع القليل منه على ما هو عليه.
- إن كان مما لا يمكن تمييز أحدهما من صاحبه، كالسمن والعسل والقمح من الشعير والماء من العسل واللبن، وما أشبه ذلك؛ فقيل: إنه يجوز بيعه، كما هو على بيان ما فيه.الغش في اللبن والعسل:
- لا يجوز الخلط بالماء لمجرد الغش بالزيادة في كمية اللبن بما يداخله من الماء.
- ويجوز الخلط إذا كان لمصلحته، والتحام أجزائه، كما يصنع به عند إخراج زبده.
خلط العصير بالماء:
- يُراد بالعصير الخل.
- فلا يجوز الخلط من باب الغش، ويجوز إن كان للإصلاح.
خلط اللحم السمين بالمهزول:
- يجوز شراء الأرطال اليسيرة من اللحم المخلوط السمين بالمهزول، إذا اشتراه كله، فرأى ما فيه من السمين والمهزول، وإن لم يعرف حقيقة ما يقع هذا من هذا، إلا أن الغرر فيه خفيف يسير.
- وأما إن كان إنما اشترى منه وزنًا معلومًا على أن يعطيه إياه من السمين والمهزول، وهو لا يدري قدر ما يعطيه من كل واحد منهما، فلا يراه حين يزنه، فلا يجوز قليلًا كان أو كثيرًا، إلا أن يقع شراؤه على أنه بالخيار.
شراء التين والعنب:
تحدث المصنف عن صور بيع التين، كما يلي:
- البيع بالعدد: فلا يجوز البيع في ذلك إلا على أن يكون المبتاع بالخيار، حتى يعد له ما يعد، فإن رضي أخذ، وإلا ترك.
- البيع في الأوعية والظروف المخصوصة بها، بحيث يكون اختلاف تلك الظروف لا يوقع جهلًا بحوز ما في باطن كل واحدة؛ لتكرار ذلك على المشترين، والغالب على ما في حشوها من التين التفاوت.
- ولكن إن كثر الاختلاف بالرداءة فله رده إذا خرج عن المعتاد، وينهى عن ذلك، فإن عاد تصدق به عليه.
- وإنما يكون له الرد فيما يجد بأسفل الوعاء من الردي:
- إن فرّغه بحضرة البائع فوجده كذلك.
- أو صدقه البائع في ذلك بعد أن غاب عليه.
- أو قامت به بينة لم تفارق المبتاع، حتى فرغه فوجد الردي أسفله.
- أما إن لم يكن شيء من ذلك فلا يصدّق المشتري بعد الغيبة عليه.
بيع التين والمصير([64])، والحوت في أزيار([65])، والرمان والبطيخ في قِفاف:
نقل المصنف عن سحنون قوله: إذا اشتروا على ما رأوا من أعلاه، وكذلك تُباع هذه الأشياء، ثم يأتون بعد أن غابوا علها، فيدعون خلافًا لما رأوا، فهم مدعون، وعليهم البينة، حتى وجدوا الخلاف، وإلا حلف البائع: ما باع إلا على أن أسفله مثل أعلاه، وبري([66]).
خلط الألبان والزبد:
- نقل المصنف قاعدة، وهي:
- كل شيء يباع من جنسين متساويين في البلد، فالبيع يقع على أفضلهما.
- فإن وجد الأدنى كان له أن يرد.
- وإن وجد الأفضل لم يكن له أن يرد، إلا أن يكون اشترى على أنه من الصنف الأدنى، فوجده من الصنف الأعلى، فيكون له أن يرد بشرطه، إذا كان لاشتراطه وجه، كمن اشترى عبداً على أنه نصراني، فوجده مسلماً، فيكون له أن يرده إن قال: إنما اشترطت نصرانيًا لأزوجه لأمة لي نصرانية.
- ما وقع فيه خلط الدني بالجيد، من سمن ولبن وزبد وعسل ولحم وزيت وحبوب، إن عثر المبتاع على الخلط فيه بنفسه، أو بتبيين البائع له، فأبى من قبوله:
- إن عذر البائع بجهالة باعه بعد ذلك على البيان والتبري مما فيه من الغش، ويتقدم إليه ألا يعود.
- فإن عاد تصدق على المساكين به بعد الأدب والتنكيل.منع الجزارين من الخلط:
ذكر المصنف ما يلي:
- لا يخلط الضأن بغيره.
- ويبيع كل واحد بسعر يخصه، وكذلك غير اللحم من الطعام وغيره.
- فإن عاد بعد التقدم والإخراج نُكّل، وتُصدِّق به على المساكين.
- لا يجوز خلط اللحم ببطونه، وهذا إذا تقررت عادة.
- وأما إذا لم تقرر أو تقررت ويعلم قدر اللحم من البطون فهو جائز.
فعل الجزارين بتونس والقيروان وتلمسان:
ذكر المصنف:
أنه بتونس: يبيعون اللحم، ويعطون شيئًا من بعض البطون في الميزان على قدر الثمن في لحم البقر والغنم.
– وفي القيروان: يفعلون ذلك في البقر دون الغنم، وكذلك في القرى فيما يبيعونه جزافًا مكدسًا من لحوم البقر، فإن تقررت هذه العادة وكان قدر كل صنف معلومًا غالبًا فهو جائز.
– وفي تلمسان: يبيع الجزار من اللحم، ويدخل في وزنه شيئًا من الكرش والمصير على قدر شدة الثمن وقلته، إلا أن ذلك لا ينضبط تساويه بين جميع الناس على نسبة محفوظة من كل ثمن ومثمون، وإنما يختلف بحسب اختلاف من يُتقَّى بأسه من المستضعف الذي لا ناصر له إلا الله.
خلط السلع:
ذكر المصنف ما يلي:
- أما ما يبيعونه من السلع، وفيها الجيد والردي والمتوسط، فإن كان يختلف اختلافًا بينًا فذلك لا يجوز.
- وإن كان اختلافه متوسطًا، وجرت العادة ببيعه جملة:
- فإن كان أجزاء ما فيه من الطيب والمتوسط والردي يفرق بالتقدير غالبًا، فيبيعه بذلك جائز.
- وما خرج عن المعتاد حتى يحدث جهالة في التقدير، فلا يجوز بيعه، إلا بعد التصفية.
من الغش نفخ اللحم:
- المقصود بهذا النفخ ما كان بعد السلخ.
- وأما نفخ الذبيحة قبل السلخ، فلا كراهة فيه؛ لأنه يُحتاج إليه، وفيه صلاح ومنفعة.
الغش في الخبز:
ومما ذكره المصنف:
- ومن الغش: ما يوجد في الخبز بعد طحنه من نقص في وزنه، أو في طبخه، أو في رداءة دقيقه.
- ذكر المازري: إن تكرر هذا الفعل من الخباز أُخرج من السوق، وكذلك من تكررت منه الخيانة والسرقة.
- أما الصدقة بالخبز، فإن كان فقيرًا تُرك، والصدقة ببعضه أحسن، ويتصدق به على الموسع.
- وذكر المصنف: أن في صرفه قولين:
أحدهما: أن يصرف بصرف الفيء.
والثاني: أن يصرف بصرف الصدقة.
الغش في الخبز:
- مما ذكره المصنف في هذه المسألة، ونقله عن أحكام السوق: أن من اشترى خبزة فكسرها، أو أكل اليسير منها، فوجد فيها حجارة:
- فليردها مع قدر ما أكل منها على البائع، ويأخذ ثمنه.
- ويرجع البائع على الفران بثمنها المدفوع، وتلزمه قيمتها على أن فيها الحجارة.
- ويُنهَى صاحب الفرن عن هذا، ويؤمر بأن لا يطحن القمح حتى يغربله وينقيه من الحجارة والغلث، ولا يرخص لهم فيه.
- فإن عمله بالحجارة بعد التقدم إليه تُصدق به عليه أدبًا له.
- وذكر المازري: إن وُجد الخبز عند أصحاب الحوانيت ناقصًا، فإنه يؤدب الفران والبائع وصاحب الحانوت إن علم بنقصه، ويخرج من السوق؛ لأنه قديحة فيه.يُنهَى صاحب الرحا أن يطحن القمح في الرحا بقرب نقشها([67]):
نقل المصنف: أن في مثل هذه الحالة يُغرّم صاحب الرحا، ولكن اختلفوا في المغرَّم به:
- فقيل: قمحًا مثله.
- وقيل: دقيقًا.
غش الزغفران ونحوه من الأبزار([68]):
تناول المصنف أقوال علماء المذهب في غش الزعفران ونحوه، وما يُفعل تجاه غشه.
حكم الغاش:
ثم ذكر المصنف خلاصة ما تحصل من الخلاف في حكم من اطُّلع على غشه فيما عرضه للبيع في أسواق المسلمين، كما يلي:
- أن في إخراج الغاش من السوق غير المعتاد فيه قولان.
- وإذا أخرج فهل يضاف إلى ذلك عقوبة في البدن؟ قولان.
- وهل يتصدق بما غاش به وإن كثر؟ ويباع ما لا يُتصدق بعينه، ويتصدق بثمنه، أو يبقى ذلك كله له؟ أو يتصدق بالقليل دون الكثير؟ أو يتحرى مقدار ما يكون أخذ عوض الغش فيه ممن جهلت عينه، فيتصدق بذلك القدر؟ أربعة أقوال.
- وفي إراقة اليسير قولان.
نقش الثمرة وتغميمها:
- تحدث المصنف عن صور من غش الثمار، وهي النقش، أي: تعجيلها عن إبلاغ طيبها من غير رش، والتغميم أي: يُربُّونه بالخل، ويغمسونه ليسرع طيبها.
- والنقش يؤثر في البسرة أثرًا كالجِراح، فيسرع إليها الترطيب أيضًا، وهذا كله فساد للثمرة، وغش في الموضع الذي يرطب فيه البسر إذا تُرك.
- وأما في البلد الذي لا يرطب فيه البسر، ويفسد إن تُرك، فجائز أن يجد بسرًا، ويُغمّم بهذا الرش بالخل، وأن ينقش؛ لأن ذلك صلاح له، وليس بغش فيه لاستواء معرفة الناس في ذلك.
الغش في الملبوس:
- بدأ المصنف من هنا بالحديث عن الغش فيما يكون بالملبوس من ثياب صوف وكتان وقطن.
- أما ما كان في الصوف فكما فعله الفرّاؤون من تتريب ألباس الفراء لتحسن وجوهها بالتراب، وستر بعض عيوبها.
الغش في الفرو:
- ومنه: التحيل على إظهار الدني منها عَليًّا.
- والطويل يُقص بالمقراض، ويُضرب بالقضيب؛ ليرُى أنه من الخرفان، وهو من الكباش.
- ومنه: أن يستر خفة صوف، أو قباحة جلد، ولا بأس أن يجعل في خواص الفرو وكميه جلوداً سوداً؛ لأنها ترى.
- وأما ثياب الكتان والقطن، فيكون الغش فيها كما يلي:
- منه: التمويه بإدخال ما يظهر الشدة والثخانة فيما أصله الخفة والصفاقة.
- كالرش بماء الخبز.
- وكما يصنعه حاكة الديباج من تصميغها، فهو غش.الغش في النعال:
- من الغش ما يفعل بالنعال من تغليظهم حواشيها، والمراد بذلك رقتها، والمزيد في تحسينها.
- وعلى الإمام العدل تأديب من فعله.الغش في القلنسوة:
- منه حشو القلنسوة بصوف، أو قطن بال غير معتاد.
- ومنه: إخفاء العيوب:
- قال في “تنبيه الحكام” مثل ما يُفعل على طريق التورية والتحييل، وإحالة العين، كمعالجة الثوب القديم بالقصارة ([69])، وصقالة الكحل، فيوهم بذلك أنه جديد.تحيل أصحاب السلع:
- ذكر المصنف: أن من هذا النوع ما يُوجهه أصحاب السلع بنوع من جيد أنواع المبيع، حيث يكون أفضل مما يليه، كصبرة حنطة، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، وما كان في معناه: فإن هذا كثير يتعامل به في الأسواق، وقد يتعرف من أشباه ذلك بالمباحثة، ما لا تسع الإحاطة به، ولا التشبيه عليه، فما علم من ذلك وجب قطعه، ومنع الناس من فعله، والاجتهاد في عقوبة من عرف به، وتفقد الأسواق من مثله.الغش في الدراهم والدنانير:
ومما ذكره المصنف:
- لا يحل لأحد أن يغش الدراهم والدنانير المغشوشة بالنحاس، فيعطيها على أنها طيبة.
- لا يحل لأحد أن يبيعها ممن يعلم أنه يغش بها.
- ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها، مثل الصيارفة وغيرهم من أشباههم.
- واختلف هل يجوز له أن يبيعها ممن لا يدري ما يصنع بها؟حكم بيع السلاح للعدو:
- إن باع السلاح من العدوان ممن يناوى من المسلمين، ويخرج به عليهم، أو ممن يحمل ذلك إليهم، وهو عالم بذلك، ومضى ذلك وفات، ولم يعلم من باعه، أو ممن لا يقدر على رده، فقد اختلف فيما يلزمه بينه وبين الله في التوبة من ذلك على ثلاثة أقوال:
- أحدها: يلزمه التصدق بجميع الثمن.
- الثاني: إنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمته، لو بيع على وجه جائز.
- الثالث: أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشيء منه، إلا على وجه الاحتساب([70]) مراعاة للاختلاف.
- هذه الأقوال الثلاثة هي المذكورة فيمن غش الدراهم، ولم يقدر على استصرافها.
الاحتكار لزمن مسغبة، أو مخمصة:
ومما ذكره المصنف:
- أن من أعظم ما يجب تغييره، والاحتساب في القيام به: إخراج الزرع المختزن بيد أربابه، فاضلًا عن قوتهم، زمن احتياج الناس إليه، في مسغبة، أو مخمصة.
- وسئل مالك عن الطحانين يشترون الطعام يغلون بذلك أسعار الناس، قال: أرى أن كل ما أضر بالناس في أسعارهم أن يمنعه الناس، فإن أضر ذلك بالناس منعوا منه.
- حصّل ابن رشد في الاحتكار للأطعمة أربعة أقوال:
- أحدها: إجازة احتكارها كلها القمح والشعير، وسائر الأطعمة في وقت لا يضر.
- الثاني: المنع من احتكارها كلها جملة من غير تفصيل.
- الثالث: إجازة احتكارها كلها ما عدا القمح والشعير.
- الرابع: المنع من احتكارها كلها ما عدا الأدم والفواكه والسمن والعسل والتبين([71]) والزبيب وشبه ذلك([72]).
- ومن معنى الاحتكار نقل الطعام من بلد إلى آخر؛ فيمنع منه إذا أضر، ويسوغ إذا لم يضر في المشهور، وتجري في ذلك بقية الأربعة أقوال المتقدمة.حكم التسعير على الناس فيما يبيعونه:
ومما ذكره المصنف:
- أنكر مالك التسعير على الناس فيما يبيعونه، وشدد النكير فيه، ورآه من التحكم، وقال أيضًا: إنه من الظلم.
- التسعير ممنوع في حق الجالب.
- اختلف هل هو ممنوع في حق سوقي البلد، أو ليس بممنوع؟ على قولين.
التسعير بالحوانيت والأسواق:
ومما ذكره المصنف:
- أما أهل الحوانيت والأسواق الذين يشترون من الجلّاب وغيرهم جملة، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعًا مثل اللحم والأدم والفواكه:
- فقيل: إنهم كالجلاب لا يسعر عليهم شيء من بياعاتهم، وإنما يقال لمن شذ منهم، وخرج عن الجمهور: إما تبيع كما يبيع الناس، وإما أن ترفع من السوق.
- وقيل: أنتم في هذا بخلاف الجلّاب، لا يتركون على البيع باختيارهم، إذا غلوا على الناس، ولم يقنعوا من الربح بما يشبه، وأن على صاحب السوق الموكل على مصلحته أن يعرف بما يشترون، فيجعل لهم من الربح ما يشبه، وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدًا، فيمنعهم من الزيادة على الربح الذي جعل لهم كيفما تقلب السعر من زيادة أو نقصان، فمن خالف أمره عاقبه بما يراه من الأدب، وبالإخراج من السوق إن كان معتادًا لذلك، مشتهرًا به.صورة التسعير:
- نقل المصنف عن النوادر: أن صورته إذا أراد العدل أن يسعر شيئًا من ذلك أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططًا نازلهم إلى ما فيه له، وللعامة سداد([73])، حتى يرضوا به، ثم يتعاهدهم، فمن حط من ذلك:
- قيل له: إما بعت بسعر الناس وإلا رفعت([74]).
- ويؤدب المعتاد، ويخرجه من السوق([75]).الجد الأقرب للمؤلف يفتي في التسعير:
- حيث ذكر أن أشنع مرتكبات محذور أهل الأسواق: أن الجالب إن أدركه سبب التعذر، ولو من وابل مطر، أو شدة وحل، فإنهم يعدون ذلك عذرًا لخلاء السوق من المطعومات، وغيرها إظهارًا منهم لفراغ ما بأيديهم من ذلك؛ لتعذر جلب الجالبين، ومخازنهم به ملأى، وما ذلك إلا من ترصدهم الحطيطة في السعر، فيستحقون الأدب الزاجر لهم، بعد الحمل عليهم أن يخرجوا ما لديهم؛ ليبيعوه بسعر السوق، دون ضرر يلحقهم في ذلك، ولا يلحق المسلمين منهم.تواطؤ الناس بالسوق:
مما ذكره المصنف:
- في تنبيه الحكام:
- إذا تواطأ الناس، وتراضوا على سعر واحد من غير قصد إضرار الكافة، لم يعرض لهم، ولم يجبروا على غيره.
- إذا تواطئوا على إخلاء السوق من صنف، ورفعوا أيديهم عن الأعمال، حتى تضيق أحوال الناس، ويضطروهم إلى الإذعان لما يريدون، فمعالجة دفع هذا الضرر عن المسلمين واجب.تنبيه:
مما ذكره المصنف:
- إذا كان سعر أهل السوق متحدًا غير متفاوت، فقام واحد منهم يبيع بأغلى مما يبيع به الباقون:
- فإن كان لجودة ما لديه دونهم لم يمنع.
- وإن لم تكن له جودة عما بأيديهم منع.
- فإن حط عن سعرهم، وباع بأرخص مما يبيعون به، ترك وبيعته، ولم يؤمر الباقي باللحاق به.
- وكذلك لا يؤمر الكثير منهم أن يلتحقوا بالأقل، ولكن يؤمر القليل أن يلتحقوا بالأكثر، ويساوونهم في ثمن المبيعات.منكرات الربا:
مما ذكره المصنف:
- أن من أكبر ما بقي ذكره من مناكر الأسواق التي يشتد الحكام في تغييرها، ويتقدموا بالتغليظ القوي في زجر من أذعن ببقائها وتقريرها منكرات الربا.
- كثر وقوع هذا المنكر الذي هو أخبث المناكر جهارًا بين الناس، بحيث لا يستخفي به أحد علمه أو جهله.
- وأشار لبعض صور ما يقع فيه الربا، والتي منها ما لا يكاد يخفى على أحد، فلا يحتاج إلى التنبيه عليه، ومنها ما هو في الحقيقة ظاهر معلوم، وقد يخفى على آحاد من العوام.
بيع الجواهر:
بيع القلائد، وبيع الجواهر المشتملة على شذور الذهب والفضة والمنظومة على غيرها من الجواهر واليواقيت، ونحو ذلك، فبيع هذه الأصناف، وما في معناها منظومة صفقة واحدة بدنانير أو دراهم فاسد لا يصلح، كان الثمن من جنس ما في المنظوم، أو من غير جنسه من الذهب والفضة.
بيع الرَّكب واللُّجُم وقوائم السيوف:
وصورة ذلك: بيع الركب واللجم وقوائم السيوف، ونحو ذلك مما هو محلى بأنواع الذهب والفضة التي له قدر عظيم بالدنانير والدراهم.
فتوى الجد الأعلى للمؤلف:
حيث تناول المصنف فتوى جواز اتخاذ الركاب من خالص الذهب والفضة بشيء من التفصيل لعلة الجواز.
إرباء التجار في أثمان السلع:
ومما ذكره المصنف:
- يجب على الحكام:
- البحث عن وجوه الإرباء، والاجتهاد على قدر الطاقة والاشتداد.
- وأن يُقدّموا في الأسواق التي يكثر ذلك فيها أمناء ثقات علماء؛ ليردعوا عن مواقعته من يتعاطاه من أهل الشر والفساد، ويعلموا جهلة الناس بقوة وعزيمة وجلاء.
- وعلى فاعل الربا العقوبة الموجعة إن لم يعذر بجهل.فصل “ما يمتنع من البيوعات، وما لا يصح العقد عليه”:
صدّر المصنف هذا الفصل بهذه القاعدة:
- مغير المنكر يفارق القاضي.
- مغير المنكر يتعرض للفحص عن المحرمات، فيجد في إزالتها، ويحذر من الوقوع فيها، وإن لم يُنه إليه.
- القاضي لا يحكم إلا فيما رُفع إليه.
- موضوع الحسبة الرهبة.
- موضوع القضاء النصفة([76]).
- مغير المنكر لا يقتصر على المنع من المحظورات، بل ويرشد لإتيان المندوبات، والتحفظ من الوقوع في المكروهات.
- ثم ذكر المصنف ما يمتنع من البيوعات، وما لا يصح العقد عليه في ضروب المعاوضات، وهي كما يلي:
- لا يجوز بيع:
- الحِزِّ([77]).
- الخنزير.
- القردة.
- الخمر.
- الميتة.
- الدم والنجاسات.
- ما لا منفعة فيه كخشاش الأرض.
- الحيات.
- الكلاب التي لم يؤذن في اتخاذها.
- تزاد([78]) الصواغين.
- الصور.
- آلات الملاهي.
- الأحباس([79]).
- لحوم الضحايا.
- المربد.
- المكاتب.
- الحيوان المريض مرضًا مخوفًا.
- الأمة الحامل بعد ستة أشهر.
- الحيوان بشرط الحمل، وما في بطون الحيوان واستثناؤه.
- الطير في الهواء.
- السمك في الماء.
- العبد الآبق الذي لا يعرف موضعه، والجمل الشارد.
- الغائب على غير الصفة.
- البيع بغير تقليب.
- البيع بدنانير غير مسماة في بلد نقده مختلف.
- ملك غيره.
- المغصوب، وكل ما فيه خصومة.
- الدين على الميت والغائب.
- ما لم يبد صلاحه من زرع، أو ثمر على التبعية.
- الجارية على الرقيق، بالبراءة من الحمل.
- سلعة بعينها على أن تقبض إلى أكثر من ثلاثة أيام.
- الدار بشرط سكناه أكثر من سنة.
- الدابة بشرط ركوبها أياماً كثيرة.
- البيع بثمن مجهول، وبكيل مجهول.
- في وقت الجمعة.
- بيع حاضر لباد.
- بيع الرجل على بيع أخيه، وقد ركن إليه.
- بيع التفرقة.
- عقار لا مدخل له.
- بيع الفصيل.
- القصب على أن يزيد في نباته، أو يطيب.
- سلعة بحكمه وبحكم غيره.
- نيل([80]) المعادن وغيرها.
- البيع على شرط حميد([81]) بعد الغيبة.
- بيع سلعة بجزاف من العين.
- بيع حائط فيه أنواع، ويستثني البائع شجراً يختارها.
- شراء ثمر شجرات يختارها.
- بيع شاة ويستثني عضواً منها، كالفخذ والبطن، أو يستثنى الكبد وأرطالًا أكثر من الثلث.
- بيع لبن غنم معينة مدة معلومة، وهي دون العشرة.
- بيع قمح، أو زيتون على أن على البائع حصاده، أو عصره.
- بيع لحم شاة وهي حية.
- طعام الطعام ([82]) إلى أجل.
- نقد بنقد إلى أجل.
- شيء بجنسه إلى أجل متفاضلًا إلا أن يختلف منافعهما.
- بيع الطعام بالطعام قبل قبضه إذا ابتيع على الكيل، أو الوزن، أو العدد.
- لا يجوز التفاضل في الصنف الواحد من الطعام، والنقد، وكل جنس فيه الربا إذا بيع بمثله.
- لا يجوز أن يكون غيره مع أحد الجنسين، أو معهما.
- لا يجوز بيع الجزاف فيما تقعد([83]) أعيانه، وآحاد جماعاته، كالحيوان والثياب والجواهر.
- لا يجوز بيع الثنيا.
- لا يجوز بيع رطب بيابس من جنسه.
- لا يجوز بيع الطعام جزافاً مع العقار والعروض، كما لا يجوز العقار والعروض بعضها جزافًا، وبعضها كيلًا.
- لا يجمع الرجلان سلعتيهما في البيع في صفقة واحدة.الباب الثامن: فيما يختص به من ذلك أهل الذمة، ومن كان في حكمهم من المعاهدين:
ذكر المصنف: أن ما يختص به من ذلك أهل الذمة، ومن كان في حكمهم من المعاهدين:
فأما ما يجب تغييره، والاحتساب فيه على أهل الذمة، فينقسم على قسمين:
أحدهما: ما إن أعلنوه قولًا أو فعًلا كان نقضًا للعهد، ووجب قتلهم، إلا أن يسلموا، أو فهم فيء.
والثاني: ما إن أعلنوه لم يكن نقضًا للعهد، ووجب تأديبهم عليه، وردعهم عن الوقوع فيه.
ذكر أمثلة للقسم الأول، وهي:
- منه أن يخرجوا على المسلمين متلصصين، أو متعصبين من غير ظلم لحقهم، ولا أذى في أنفسهم.
- وكذلك إن فروا بأنفسهم على وجه النكث والخروج من ذمة الإسلام.
- أو قاتلوا على شيء من ذلك.
- أو منعوا أداء الجزية عنادًا.
- أو بعد الفرار على ذلك نقض للعهد يستباحون به.
أصل ضرب الجزية، وحكمة مشروعيتها:
- هذه الجزية أصل ضربها، وحكمة مشروعيتها: إذلال الكفر، وإعزاز الإيمان.أصناف الكفار في أخذ الجزية:
ذكر المصنف: أن الكفار في أخذ الجزية على تحصيل الشيخ ابن رشد أربعة أصناف:
- صنف تؤخذ منهم الجزية باتفاق، وهم أهل الكتاب والمجوس من العجم.
- صنف لا تؤخذ منهم الجزية باتفاق، وهم كفار قريش، والمرتدون.
- صنف تؤخذ منهم الجزية على اختلاف، وهم مشركو العرب، ومن دان بغير الإسلام، من العرب، وليس من أهل الكتاب ولا المجوس.
- صنف يختلفون فيما يؤخذ منهم، وهم نصارى العرب([84]).
- فالذي يتحصل في الجزية ثلاثة أقوال:
- أحدها: أن الجزية تؤخذ ممن دان بغير الإسلام بدين يقر عليه من جميع الأمم، حاشا كفار قريش.
- والثاني: تؤخذ ممن دان بغير الإسلام، بدين يقر عليه، حاشا كفار قريش، ومشركي العرب.
- والثالث: أنها لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس.
الجزية الصلحية:
ذكر المصنف ما يلي:
- فائدة أخد الجزية منهم الجزاء على تأمينهم، مع إقرارهم على كفرهم.
- وهي على وجهين عنوية وصلحية.
- الصلحية: فلا حد لها؛ فإنما هي على ما يراضيهم عليه الإمام من قليل أو كثير.
انقسام الجزية الصلحية إلى ثلاثة أوجه:
الجزية المصالح بها على ثلاثة أوجه:
- أحدها: أن تكون الجزية مجملة عليهم.
- الثاني: أن تكون مفرقة على رقابهم دون الأرض.
- الثالث: أن تكون مفرقة على رقابهم، وأرضهم، أو على أراضيهم دون رقابهم، مثل: أن يقول على كل رأس كذا وكذا، وعلى كل زيتونة كذا وكذا، وعلى مبذر كل قفيز من الأرض كذا وكذا، ولكل وجه من هذه الوجوه أحكام تختص به.
نظرية الجد الأقرب للمؤلف:
ذكر المصنف قائلًا: وكان يتقدم لنا عند شيخنا وسيدنا الجد الأقرب على ما جرى به عمل الأئمة اليوم من إقطاعها وبيعها، أنه ليس فيه تعقب لمجرد استناده لاختيار اللخمي، ومخالفة الجادة من أهل المذهب، بل هو ماضٍ اتفاقًا؛ لأن فعل الإمام ذلك ينزل منزلة الحكم به، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
تحصيل أصيل في حكم أرض الصلح والعنوة:
ذكر المصنف ما يلي:
- الأرض على قسمين عنوية وصلحية.
- الصلحية: جزيتها على قسمين:
- المجملة التي جعلت عليها الجزية، وعلى الجماجم، وهي لا تباع، ولا تورث إن مات، ولا تقسم، ولا يملكها إن أسلم، وتكون لأهل جزيته.
- المفصلة على كل إنسان جزية نفسه، وخراج أرضه، وإن أسلم كان ذلك له وإن مات، فهو لورثته الذين على دينه، وإن لم يكن له ورثة، فذلك للمسلمين، وفي بيعها قولان.
- والقسم الثالث: الأرض التي جُلّي عنها أهلها بغير قتال، فهي للمسلمين يقطعها الإمام إقطاع تمليك إن ظهر له وجه للمصلحة في ذلك.
- والقسم الرابع: الأرض التي أسلم عليها أهلها بغير قتال، ولا أخذ عنوة، فهي لهم يبيعون ويتصرفون بما شاؤوا، وليس لأئمة المسلمين عليهم نظر، ولا تصرف.
حكم أرض المغرب:
حيث ذكر المصنف ما نقل من اختلاف في حكم أرض المغرب.
فقيل: إنها عنوية، وقيل: إنها صلحية، وقيل: إن فحوصها عنوية، وجبالها صلحية؛ لأن الجبال مظنة الامتناع.
الجزية العنوية:
- وهي التي توضع على المغلوبين على بلادهم، المضررين([85]) فيها على عمارتها، فإنها التي تمس مقصودنا بهذا الباب؛ لكونها المضروبة على أهل الذمة، والمستأمنين والمعاهدين، ومن كان في معناهم من المعاهدين.الجزية العنوية عند مالك:
- فهي عن مالك على ما فرضها عمر -رضي الله عنه-: أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهماً على أهل الورق، أعني: بالوزن الشرعي، مع ما فرض عليهم من أرزاق المسلمين، وضياقة([86]) ثلاثة أيام.
- ورأى مالك: أن يوضع اليوم عنهم ما جعل عمر عليهم من الأرزاق والضيافة؛ لما حدث عليهم من الجور.
فتوى الجد الأقرب للمؤلف في يهود البلاد التواتية:
- قال المصنف: سمعتُ من شيخنا ذات يوم في مجلسه، ولم أحفظه إلا من لفظه، نقلًا عن أبي حنيفة: أنه يرى من تأدية حق الصَغَار في قوله سبحانه: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أن الذمي إذا أخذت منه الجزية يصحب تناولها منه جزة([87]) في رقبته، فالحق الذي لا تسوغ مخالفته أداء جميعهم الجزية، كما قال ربنا: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
- شروط أداء الجزية خمسة: العقل، والحرية، والذكورة، والبلوغ، والمخالطة([88]).
حكم رهبان الكنائس:
- قلتُ: زاد في النوادر بعد نقل كلام مطرف وابن الماجشون عنهما ناقلين عن مالك: وأما رهبان الكنائس، فلا يُنهى عن قتلهم، ولا تُوضع عنهم الجزية، وهم الشمامسة([89]).اغتصاب الحرة المسلمة:
- مما يعد من فعلهم نقضًا للعهد فيقتل فاعله إلا أن يسلم، فيسقط عنه القتل: اغتصاب الحرة المسلمة في نفسها.حكم الذمي إذا زنى بالمسلمة طائعة:
مما ذكره المصنف:
- اختُلف إذا زنى بها، وهي طائعة.
- إن أتاها بملك فلا يكون نقضًا، وكذلك إن أتاها بنكاح عالمة بكفره.
- إن كانت غير عالمة بكفره، وغرها بإسلامه، فقال ابن نافع في كتاب المدنيين: إن غرها بإسلامه، كان نقضًا، وضربت عنقه([90]).
حكم إصابة النصراني المسلمة:
- نقل المصنف عن اللخمي: أن إصابة النصراني المسلمة لا تخلو من سبعة أوجه:
- إن كانت حرة فاغتصبها كان ناقضًا للعهد.
- واختلف إن طاوعته، فقال مالك: ليس بنقض، وقال ربيعة: ذلك نقض.
- إن أصابها بنكاح، وهي عالمة أنه نصراني، لم يكن نقضًا للعهد.
- قال ابن نافع في كتاب المدنيين: إن غرها، وزعم أنه مسلم كان نقضًا، وضربت عنقه.
- إن كانت أمة ووطأها بملك اليمين، أو بزنى طائعة، لم يكن نقضًا([91]).
- واختلف إذا اغتصبها.حكم من تطلع على عورات المسلمين، وتمرد على أحكامهم من أهل الذمة:
- تطلعهم على عورات المسلمين، وتمردهم على أحكامهم يُقتلون به؛ لأنه مصادم لما عوهدوا عليه.
- أما ما كان نقضًا للعهد من أقوالهم، فكوقوعهم في جانب الرسول -عليه السلام- بالتنقيص، أو في دين الإسلام بالمعائب والتخسيس، فلا ينجي قائل ذلك منهم إن ثبت عليه من القتل إلا الإسلام.
من المناكر ما يعلنه أهل الذمة:
ذكر المصنف القسم الثاني: وهو إن أعلنوه لم يكن نقضًا للعهد، ووجب تأديبهم عليه، وردعهم عن الوقوع فيه:
- من ذلك إعلانهم بما يزعمون حليه([92]) عندهم، مما هو محرم عندنا، كالزنا، وشرب الخمر.
- كذلك لا تظهر صلبهم([93]) في أعيادهم، واستسقائهم، وتكسر إن فعلوا، ويؤدبوا.
خبر استرقاق أهل فاس قديمًا بعض أهل الذمة، وبيعهم إياهم في أسواق المزايدة:
ذكر المصنف: أنه لعل هذا الذي وقع في الحاوي: من أن بيعهم الخمر للمسلمين نقض للعهد هو الذي استند إليه أهل فاس، فيما نُقل عنهم: أنهم استرقوا بعض أهل الذمة، وأدخلوهم أسواق المزايدة، وعقدوا فيهم البيع، إلا أن الأخذ به ضعيف.
من المناكر: تظاهر أهل الذمة بمشاكلة المسلمين في زي الملبس والمركوب:
- من ذلك: تظاهرهم بمشاكلة المسلمين في زي الملبس والمركوب، كتركهم الزنار، أو غيره من علامة في اللباس الذي يميزهم عن المسلمين، أو ركوب الخيل المسرجة، ونحو ذلك، مما يؤدبون على فعله، وينكّلون على صنيعه.
- ينبغي في سائر أهل الذمة من اليهود والنصارى: أن يلزم النصارى منهم، واليهود، علامة يعرفون بها، إذلالًا لهم، وحرزًا للمسلمين أن يظنوهم من المسلمين، فيبدؤوهم بالسلام.
- قال الشيخ البرزلي: فظاهر هذا أنه عام في الذكور والإناث، والصواب: إن كانت تكثر مخالطتهن لنساء المسلمين، ويكثر خروجهن أن يلزمن ذلك، وإلا فلا.
من المناكر: بناء أهل الذمة الكنائس في بلاد المسلمين:
ومما ذكره المصنف من أقوال:
- قال في المدونة: ليس لأهل الذمة أن يحدثوا ببلد الإسلام كنائس، إلا أن يكون لهم أمر أعطوه([94]).
- قال ابن القاسم: ولهم أن يحدثوها في بلد صالحوا عليها، وليس لهم ذلك في بلد العنوة([95]).
بناء أهل الذمة دورهم مع المسلمين، وحكاية البزرلي عن تونس:
- أما بناء دورهم مع المسلمين فلا خلاف أنهم لا يرفعون أكثر من المسلمين.
- وفي مساواتهم لهم قولان.
استهانة أهل الذمة بأحد من المسلمين:
- ومن ذلك استهانتهم بأحد من المسلمين في استعمالهم إياه في شيء من مصالحهم المباحة عندنا، فكيف بما هو محرم، ولو باستئجار ومعارضة([96]).إجارة المسلم نفسه من كافر:
- قال ابن رشد: إجارة المسلم نفسه من النصراني أو اليهودي على أربعة أقسام:
- جائزة: وهي أن يعمل له عملًا في بيت نفسه، أو حانوته، كالصانع يعمل للناس، فلا بأس أن يعمل له، كما يعمل للناس من غير أن يستبد بعمله.
- والمكروهة: أن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده مقارضًا أو مساقيًا.
- والمحظور: أن يؤاجر نفسه منه في عمل يكون فيه تحت يده، كأجير الخدمة في بيته، وإجارة المرأة نفسها منه: أن ترضع له ابنه في بيته، وما أِشبه ذلك، فهذه تفسخ، وإن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكانت له الأجرة.
- والحرام: أن يؤاجر نفسه منه لما لا يحل من عمل الخمر، أو رعي الخنازير، وما أشبه ذلك، فهذه تفسخ إن عثر عليها قبل العمل، وإن فاتت بالعمل تصدق بالأجرة على المساكين([97]).حكم بيع الذمي خمرًا من مسلم:
- ذكر المصنف: أن تأديب الذمي على بيع الخمر من المسلم، والتصدق بالثمن على المساكين أدبًا له مثله في بيع المسلم إياها من مسلم، أو كافر، والمسلم في ذلك أشد نكالًا؛ لأنه أقوى جرأة، ثم النظر فيما يرجع لفروع المسألة بالنسبة إلى القيام والفوات في المثمون والثمن، كان الابتياع من المسلم، أو من الكافر قد حققه الشيوخ على طريق تقاسيمه وتفاصيله.خاتمة الكتاب في أصل ولاية الحسبة، وهي ولاية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وما تفترق به من غيرها من الولايات:
مما ذكره المصنف:
- تنعقد ولاية الحسبة بما ينعقد غيرها من الولايات الشرعية، بتقديم الإمام من يرتضيه لذلك متوفرة فيه شروط الولاية.
- لا يصح أن يليها إلا من طالت يده في الكمالات، وبرز في الخير، وأحرز أوصافه المرضية.
- من شرف منزلة من تولاها أن يحتسب على أئمة المساجد، وعلى قضاة المسلمين في أكثر ما لهم من المواطن والمعاهد.
- من وظائف الحسبة منع أئمة المساجد من تطويل الصلاة.
- احتجاب القضاة على الخصوم.
- إذا كان في القضاة من يحتجب عن الخصوم إذا قصدوه، ويمتنع من النظر بينهم إذا تحاكموا إليه، فللمحتسب أن يأخذه مع ارتفاع الأعذار، بما وجب عليه النظر بين المتحاكمين، وفصل القضاء بين المتنازعين.شروط والي الحسبة:
- من شرط والي الحسبة: أن يكون حرًّا، عدلًا، ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة.
- من وجبت عليه الحسبة بعموم الأمر الشرعي في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] الآية، فهذا من خطاب الوجوب الذي يلزم القيام به للصالح والطالح، ولا تشترط فيه العدالة.
- وأما ولاية الحسبة فسبيلها سبيل عقد الولاية الشرعية، التي لا يصح لمن قام بها وصف فسق، وفقد عدالة؛ إذ العدالة مشترطة في سائر الولايات الشرعية.الفرق بين والي الحسبة وبين غيره من يتطوع بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من تسعة أوجه:
- الفرق بين والي الحسبة الذي انعقدت له الولاية وبين المتطوع بها على ما قال الماوردي([98]) من تسعة أوجه:
- الأول: أن فرضه بحكم الولاية صار متعينًا في رقبته باختصاصه، وبقي من سواه على حكم وجوب الأمر العام.
- الثاني: أن قيام المحتسب بالولاية صار من الحقوق التي لا يسوغ أن يشتغل عنها بغيرها، وقيام المتطوع بها، يجوز أن يشتغل عنها بغيرها.
- الثالث: أنه منصوب للاستعداد ([99])، فيما يجب إنكاره، وليس المتطوع منصوبًا للاستعداد.
- الرابع: أن على المحتسب بالولاية إجابة من استعداه، وليس على المتطوع إجابته.
- الخامس: أن عليه أن يبحث على المنكرات الظاهرة؛ ليصل إلى إنكارها، ويفحص عما ترك من المعروف الظاهر؛ ليأمر بإقامته، وليس على غيره من المتطوعة بحث ولا فحص.
- السادس: أن له أن يتخذ على الإنكار أعوانًا؛ لأنه عمل هو له منصوب، وإليه مندوب؛ ليكون له أقهر، وعليه أقدر، وليس للمتطوع أن يندب لذلك عونًا.
- السابع: أن له أن يعذر في المنكرات الظاهرة، وليس للمتطوع أن يعذر على المنكر.
- الثامن: أن يرتزق على حسبته من بيت المال، ولا يجوز لمتطوع أن يرتزق على إنكار منكر.
- التاسع: أن له اجتهاد رأيه، فيما تعلق به العرف، دون الشرع، كمثل ما في الأفنية، والطرق، وليس هذا للمتطوع.
- ولاية الحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم.
- ولاية الحسبة موافقة لأحكام القضاء، في أوجه:
- أحدهما: جواز الاستعداء إليه، وسماعه دعوى المستعدي، على المستعدى عليه في حقوق الآدميين.
- وليس هذا على عموم الدعاوي، وإنما يختص بثلاثة أنواع من الدعاوي:أحدها: أن يكون فيما تعلق بجنس، أو تطفيف في كيل ووزن.
الثاني: فيما تعلق بغش، أو تدليس في مبيع، أو ثمن.
الثالث: ما تعلق بمطل وتأخير لدين مستحق مع القدرة على أدائه.
- الوجه الثاني: أن له إلزام المدعى عليه الخروج منها، ودفعها إلى مستحقيها؛ لأن في تأخيره لها منكرًا هو منصوب لإزالته.
- ولاية الحسبة قاصرة عن أحكام القضاء فيما يلي:
- أحدها: قصورها عن سماع عموم الدعاوي الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدعاوي في العقود والمعاملات، وسائر الحقوق والمطالبات، إلا أن يرد إليه ذلك بنص صريح، يزيد على إطلاق الحسبة، فيجوز، ويصير بهذه الزيادة جامعًا بين قضاء وحسبة، فيراعى فيه أن يكون من أهل الاجتهاد.
- الثاني: أنها مقصورة على الحقوق المعترف بها، فأما ما يدخله التجاحد والتناكر، فلا يجوز له النظر فيها؛ لأن الحكم فيها يقف على سماع بينة، وإحلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بينة على إثبات حق، ولا أن يحلف يميناً على نفي حق، والقضاة والحكام في سماع البينات، وإحلاف الخصوم.
- ولاية الحسبة تزيد عن أحكام القضاء في أمور:
- أحدهما: أنه يجوز للناظر فيها أن يتعرض لتصفح ما يأمر به من المعروف، وينهى عنه من المنكر، وإن لم يحضره خصم مستعد، وليس للقاضي أن يتعرض لذلك إلا بحضور خصم يجوز له سماع الدعوى منه، فإن تعرض القاضي لذلك خرج عن منصب ولايته، وصار متجوزًا به في قاعدة نظره.
- الثاني: أن للناظر في الحسبة من سلاطة السلطنة، واستلاطة([100]) الحماة، فيما يتعلق بالمنكرات ما ليس للقضاة؛ لأن الحسبة موضوعة على الرهبة، والقضاء موضوع للمناصفة، فهو بالأناة والوقار أخص، وخروجه عنها إلى سلاطة الحسبة تجوّز وخرق.ما بين ولاية الحسبة والمظالم من الاجتماع والافتراق:
- الجامع بينهما أمران:
- أحدهما: أن موضوعها مستقر على الرهبة بسلاطة السلطنة، وقوة الصرامة.
- الثاني: جواز التعرض فيها لأسباب المصالح، والتطلع على إنكار العدوان الظاهر.
- الفرق بينهما في أمرين:
- أحدهما: النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة، والنظر في الحسبة موضوع لما رفه عنه القضاة؛ ولذلك كانت رتبة المظالم أعلى، ورتبة الحسبة أخفض، وجاز لوالي المظالم أن يُوقِّع إلى القضاة والمحتسبة، ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم، وجاز له أن يوقع إلى المحتسب، ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما.
- الثاني: أنه يجوز لوالي المظالم أن يحكم، ولا يجوز لوالي الحسبة أن يحكم.
([2]) موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، مجموعة من الأساتذة، إشراف: رابح خدوسي، منشورات الحضارة، 2012م، (2/308-309) ويُنظر أيضًا نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا بن أحمد بن الفقيه الحاج أحمد بن عمر بن محمد التكروري التنبكتي السوداني، أبو العباس (المتوفى: 1036 هـ) عناية وتقديم: الدكتور عبد الحميد عبد الله الهرامة، دار الكاتب، طرابلس – ليبيا، الطبعة: الثانية، 2000 م، (ص: 547، 548).
([4]) الرسالة إعداد الطالبين: تامي محمد الفاتح، خليفاوي علي، إشراف د. شباب عبد الكريم، جامعة د. الطاهر مولاي – سعيدة-، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الإنسانية، شعبة التاريخ، سنة 1436-1437ه الموافق ل 2015-2016م.
([8]) هذا من التوسل بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو لا يجوز على القول الراجح؛ لأن جاه النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما ينتفع به النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه، ولا ينتفع به غيره، فهو بدعة ووسيلة إلى الشرك، حيث يعتقد الإنسان في غير الله أنه يقدر بذاته على جلب منفعة لمن دعاه، أو استغاث به، أو دفع مضرة، وفي مسألة التوسل بجاه النبي-صلى الله عليه وسلم- ذكر شيخ الإسلام أنه لم ير من جوزه إلا أبا محمد العز بن عبد السلام في الرسول خاصة، فنقل عنه أنه قال: لا يجوز أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن صح حديث الأعمى، قال شيخ الإسلام: “فلم يعرف صحته” ثم رد عليه، ومن باب أولى التوسل بجاه غيره من الصالحين، انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 310).
([11]) المراد: المقدمات الممهدات، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى: 520هـ) وقد طبع بتحقيق: الدكتور محمد حجي، نشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان الطبعة الأولى، 1408 هـ – 1988م ينظر فيه: (3/ 426).
([12]) المراد: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى: 520هـ) وقد طبع بتحقيق: د محمد حجي وآخرون، نشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 هـ – 1988 م ينظر فيه: (9/ 360).
([13]) المراد: (كتاب الأربعين في أصول الدين) للغزالي، وهذا الكتاب قسم من كتاب جواهر القرآن لحجة الإسلام الغزالي، وقد يكون كتاباً مستقلاًّ، كما قال في كشف الظنون، وقد طبع بعناية الشيخ محيي الدين صبري الكردي، فكانت صفحاته زهاء (360) صفحة.
وإنما سماه الأربعين؛ لأنه جعله أربعين أصلاً؛ عشرة في العقائد، و10 في الأعمال الظاهرة: وهي العبادات، وكسب الحلال، وآداب الصحبة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واتباع السنة، و10 في تزكية النفس من الأخلاق المذمومة، و10 في تحليتها بالأخلاق المحمودة، وهو ملخص من كتابه الإحياء، وفيه من التحقيق لبعض المسائل ما لا نظير له في الإحياء.
([14]) هكذا في الأصل، وعبارة الغزالي رحمه الله في الأربعين ص 96: مهما لم يقدر على غير الزجر باللسان.
([23]) كتاب الواضحة: لابن حبيب، أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي الأندلسي، المالكي، (ت 238 هـ).
([25]) كتاب (تنبيه الحكام على مآخذ الأحكام) لمحمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ، أبو عبد الله بن المناصف الأزدي القرطبي (المتوفى: 620هـ).
([26]) الطبراني في الأوسط رقم (4765) ولفظه: “وحد يقام في الأرض بحقه أزكى من مطر أربعين صباحاً».
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 197) وقال: فيه سعد: أبو غيلان الشيباني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في الصحيحة (1/ 411): لا بأس به في الشواهد.
([28]) ” تَجَالَّت أَي أَسَنَّت وكَبِرَتْ يقال: جلت فهي جليلة، وتجالت فهي متجالة” لسان العرب (11/ 116).
([30]) المدونة (1/ 189) ونصه: “وكان مالك يكره للرجل إذا دخل المسجد فأراد القعود أن يقعد ولا يركع ركعتين، فأما إن دخل مجتازاً لحاجته، فكان لا يرى بأساً أن يمر في المسجد، ولا يركع، قال: وذكر مالك عن زيد بن ثابت صاحب النبي -عليه السلام- وسالم بن عبد الله أنهما كانا يخرقان المسجد لحاجتهما، ولا يركعان، وقال مالك: وبلغني عن زيد بن ثابت أنه كره أن يمر مجتازاً ولا يركع.
قال: وقال مالك: وأرى ذلك واسعا أن لا يركع ورأيته لا يعجبه ما كره زيد بن ثابت من ذلك، قال ابن القاسم: ورأيت مالكاً يفعل ذلك بخرقه مجتازاً فلا يركع”.
([34]) العبارة بنحوها في سياق أطول لأبي القاسم ابن عساكر في كتابه: (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري) (ص: 29).
([35]) في المدونة (1/ 425): قلت لابن القاسم: أكان مالك يكره التزويق في القبلة؟ قال: نعم كان يكرهه، ويقول: يشغل المصلين.
([36]) في المدونة (1/ 170): قال مالك: ولا يعجبني أن يحمل الرجل الحصباء أو التراب من موضع الظل إلى موضع الشمس يسجد عليه.
([38]) يعني في الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 257): (المسألة الخامسة) المندوبات والمكروهات يدخلها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على سبيل الإرشاد للورع، ولما هو أولى من غير تعنيف، ولا توبيخ بل يكون ذلك من باب التعاون على البر والتقوى.
- ([39])كذا في الأصل والصواب: أولي.
([45]) اسمه (الحوادث والبدع) لمحمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي، أبو بكر الطرطوشي المالكي (المتوفى: 520هـ) طبع بتحقيق: علي بن حسن الحلبي، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الثالثة، 1419 هـ – 1998م.
([46]) لم نعثر عليها في كتاب الطرطوشي.
الحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور (7/474) إلى ابن مردويه.
والحديث موضوع مكذوب، فيه سليم الخشاب، قال أحمد بن حنبل: “ليس يسوى حديثه شيئاً” وقال أبو حاتم: “ضعيف الحديث منكر” كذا في الجرح والتعديل (4/315) وقال ابن معين: كذاب، كذا في تاريخ ابن معين رواية ابن محرز (1/58) وقال النسائي: “متروك الحديث” كذا في الضعفاء والمتروكون (244)، وقال ابن حبان في المجروحين (463): “يَرْوِي عَن الثِّقَات الموضوعات الَّتي يتخايل إِلَى المستمع لَهَا، وَإِن لَمْ يكن الْحَدِيث صناعته: أَنَّهَا مَوْضُوعَة “.
([49]) كتاب الواضحة: لابن حبيب، أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي الأندلسي، المالكي، (ت 238 هـ).
([54]) صحيح مسلم في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى (9/ 69) (3208) بلفظ: “لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له”.
([58]) كذا في الأصل، والصواب المزهر: وهو الْعود الَّذِي يضْرب بِهِ. غريب الحديث للقاسم بن سلام (2/ 299).
([61]) روى في الاستذكار (6/ 358) عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض.
([64]) “(المصير) بوزن البصير المِعى وجمعه (مصران) كرغيف ورغفان، ثم (المصارين) جمع الجمع” مختار الصحاح (ص: 295).
([71]) كذا في الأصل. والصواب: التين. مصحح من البيان والتحصيل (7/ 361) وتحرير الكلام في مسائل الالتزام (ص: 147).
([77]) كذا بالأصل، والصواب الخَزّ: ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الإِبريسم مَعْرُوفٌ. انظر: لسان العرب (5/ 346).
([80]) في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 336): النَّوْلُ وَالنَّيْلُ وَالنَّوَالُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ.
([85]) كذا في الأصل. وفي المقدمات الممهدات (1/ 370) والتاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 595) وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك (ص: 3): المقرين.
([86]) كذا في الأصل. والصواب: ضيافة. مصحح من البيان والتحصيل (4/ 180) والمقدمات الممهدات (1/ 370) وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك (ص: 3).
([87]) كذا في الأصل. وفي المعيار (1/ 458): والزج في الرقبة، كما قال الإمام أبو حنيفة في صفة أخذ الجزية يزج في رقبته زجة تحقيقاً للصغار في قول ربنا -عز وجل-: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة: 29].
([88]) في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 337): أن يكون مخالطا لأهل دينه، وأن يكون قادرا على أدائها، فلا تؤخذ من المنعزل بدير أو صومعة كالرهبان.