بغية الإربة في معرفة أحكام الحسبة
المؤلف:
هو “ابن الدَّيْبَع، الإمام، حافظ اليمن ومسنده، ومؤرخه، ومحيي علوم الأثر به، وجيه الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ الديبع الشيباني العبدري الزبيدي الشافعي”([1]).
والديبع ضبطه تلميذه القطب النهروالي بقوله: بفتح الدال المهملة، فالياء المثناة التحتية الساكنة، فالباء الموحدة المفتوحة، آخرها عين مهملة، قال: ومعناه بلغة السودان: الأبيض”([2]).
و”سبب نسبتهم إلى الديبع هو أن والد علي يوسف بن أحمد بن عمر كان له ثلاثة أولاد، وهم: علي، وعبد الله، وأحمد، خرجوا ذات يوم يلعبون مع الصبيان، كعادتهم، ولوالدهم عبد نوبي، يقال له: جوهر، فقال له سيده المذكور: ادعُ لي سيدك علي، فقال: ديبع ديبع، على سبيل الاستفهام، فقال: نعم، فخرج يناديه ديبع ديبع، فسمعه الصبيان فنادوه به، فلزمه هذا اللقب، ولزم ذريته من بعده، فلا يعرفون إلا به”([3]).
مولده:
“قال -رحمه الله ورضي عنه- في آخر كتابه بغية المستفيد بأخبار زبيد: كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة، في يوم الخميس، الرابع من شهر الله الحرام، أول سنة ست وستين وثمانمائة، بمنزل والدي منها وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها، ولم تره عيني قط، ونشأت في حجر جدي لأمي العلامة الصالح العارف بالله تعالى شرف الدين أبي المعروف، إسماعيل بن محمد مبارز الشافعي -رحمه الله-، وانتفعت بدعائه لي في أوقات الإجابة، وغيرها”([4]).
نشأته العلمية:
“حفظ القرآن وتلاه بالسبع إفرادًا وجمعًا على خاله العلامة، فرضي زبيد، أبي النجا محمد الطبيب، والشاطبية والزبد للبارزي وبعض البهجة، واشتغل في علم الحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرائض والفقه والعربية على خاله المشار إليه، وفي الفقه والعربية على الفقيه إبراهيم بن أبي القسم بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان، وخاله الجمال محمد الطاهر بن أحمد بن عمر بن جعمان، وفي الحديث والتفسير عن الزين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي، وأخذ اليسير عن جده لأمه، والمعمر إسماعيل بن إبراهيم بن بكر الشويري”([5]).
مؤلفاته:
“ومن مصنفاته تيسير الوصول إلى جامع الأصول، مجلدين، مصباح المشكاة، وشرح دعاء ابن أبي حربة، وكتاب غاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب، وتوجب به الجنة، وله كتاب بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد، وكتاب قرة العيون في أخبار اليمن الميمون، وله مولد شريف نبوي، وله كتاب المعراج، إلى غير ذلك من المؤلفات، ولم يزل على الإفادة، وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة، واشتغاله بخصوصيته عما لا يعنيه إلى أن توفي -رحمه الله-“([6]).
جاء في فهرسة الفهارس: “وأول من علمته جمع أوائل الكتب الحديثية، وأفردها بالتأليف الحافظ ابن الديبع الشيباني الزبيدي، ذكر الوجيه الأهدل في (النفس اليماني) أنه سمع أوائل السنة، وأوائل غيرها مما جمع في رسالة الحافظ ابن الديبع على شيخه عبد الله بن سليمان الجرهزي”([7]).
وفاته:
“توفي في سابع عشري رجب الحرام سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وصُلي عليه بمسجد الأشاعرة، ودفن بتربة باب سهام، عند قبة الشيخ إسماعيل الجبرتي”([8]).
وصف الكتاب:
يُعد الكتاب من مصادر الحسبة، وقد سار فيه على نهج الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، حتى يكاد يكون مختصرًا لمسائله، وختم باقتباس للإمام الماوردي.
جمع في الكتاب بين المسائل النظرية، والتطبيق العملي للحسبة في مختلف المنكرات، مع إيجاز قد يصل في بعض الأحيان للإبهام.
هذه النسخة من الكتاب، دراسة وتحقيق: طلال بن جميل الرفاعي (أستاذ مشارك النظم الإسلامية – كلية الشريعة – جامعة أم القرى) معهد البحوث العلمية – مركز إحياء التراث الإسلامي – جامعة أم القرى، مكة المكرمة – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى 1423 هـ – 2002 م، وعدد صفحاتها (82) صفحة.
تقسيم الكتاب:
يشتمل الكتاب على ستة فصول، وهي كما يلي:
الفصل الأول: في حقيقة الحسبة، وبيان كونها فرض عين على من وليها، وكفاية على غيره من سائر المسلمين.
الفصل الثاني: في الفروق بين المحتسب وغيره.
الفصل الثالث: في أركان الحسبة.
الفصل الرابع: في المنكرات المألوفة، وهي أنواع.
الفصل الخامس: في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على آحاد الناس بعد قدرتهم.
الفصل السادس: في مراتب النهي عن المنكر.
وقد بدأه بقوله: “الحمد لله الذي بين الأحكام، وشرع الحلال والحرام، ودعا إلى الخير، ودل عليه أهل طاعته، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر لشناعته، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الحكم العدل في أحكامه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، المخصوص بتشريفه وإكرامه -صلى الله عليه وسلم- ما قامت به الأركان الحق الدعائم، وعلى آله وصحبه الذين كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.
أما بعد: فقد جمعت هذه الورقات في أحكام الحسبة؛ لينتفع بها من كان له في ولاية الأحكام رغبة؛ وليعرف ما له، وما عليه من الأحكام، فليس العالم كالجاهل عند أولي الأحلام، وسميتها: “ببغية الإربة في أحكام الحسبة” وجعلتها في ستة فصول، وخاتمة، وأسأل الله تعالى أن يرزقني وسائر المسلمين حسن الخاتمة”([9]).
وختمها بقوله: “انتهى ما أردت جمعه من هذه الأوراق بتوفيق الملك الخلاق، وهي مع حجمها الصغير، مشتملة على علم كبير، فأسأل الله التوفيق، وأن ينفع بذلك المسلمين، وأن يجعله لي ذخيرة يوم الدين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين”([10]).
عرض الكتاب:
بعد مقدمة قصيرة، بدأ المصنف بموضوع الكتاب، حيث بدأ بذكر:
الفصل الأول: حقيقة الحسبة، وبيان كونها فرض عين على من وليها، وكفاية على غيره من سائر المسلمين:
وتناول فيه ما يلي:
- عرّف الحسبة بأنها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
- عرّف الأمر بالمعروف بأنه الأمر بالواجبات، والمندوبات.
- وعرّف النهي عن المنكر بأنه النهي عن المحرمات، والمكروهات.
- أخبر أنه يجب على النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن المنكر مطلقًا، وهذا من خصائصه.
- غير النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يجب عليه الإنكار إلا إذا أمكنه ذلك، وهو من باب فروض الكفايات.
- فرض عين على المحتسب المنصوب من قبل الإمام الإنكار.
الفصل الثاني: في الفروق بين المحتسب وغيره:
حيث ذَكَرَ أنّ الفرق بين المحتسب وغيره يكون من تسعة أوجه:
- فرض عين على المحتسب بحكم الولاية، وفرض كفاية على غيره.
- قيام المحتسب بذلك من حقوق تصرفه بخلاف غيره.
- المحتسب منصوب للاستعداء([11])، وليس لأحاد المسلمين كذلك.
- يجب عليه إجابة من استعداه، ولا يجب على غيره.
- يبحث عن المنكرات الظاهرة، ويفحص عما تُرك من المعروف الظاهر، وليس على غيره بحث ولا فحص.
- له أن يتخذ على الإنكار أعوانًا، وليس لغيره.
- له أن يعزر بالمنكرات الظاهرة، وليس للآحاد ذلك.
- له أن يرتزق، أي: يأخذ على عمله رزقًا من بيت المال.
- ما يتعلق بالعرف دون الشرع، كمقاعد الأسواق، وإخراج الأجنحة، فينكرها، ويقر من ذلك ما أداه إليه اجتهاده وليس هذا للآحاد.
- ليس للمحتسب سماع الدعاوى الخارجة عن المنكرات في العقود، والمعاملات، (والطلبات)، وسائر الحقوق إلا أن يُصرّح له بذلك بنص صريح، فيصير بهذه الزيادة جامعًا بين قضاء وحسبة، فيراعى فيه أن يكون من أهل الاجتهاد.
الفصل الثالث: في أركان الحسبة:
حيث ذَكَرَ أركان الحسبة ملخِّصًا لما ذكره الإمام الغزالي في الإحياء، ومما ذكره:
- الركن الأول: المحتسب، وله شروط، منها:
- أن يكون بالغًا عاقلًا.
- أن يكون مسلمًا.
- أن يكون قادرًا.
- ليس من شروطه:
- الحرية.
- الذكورة.
- العدالة.
- آداب المحتسب:
- العلم.
- الورع.
- حسن الخلق.
- المداراة.
- ثم ذَكَرَ أحوال تسقط فيها الحسبة، وأخرى لا تسقط فيها، ومنها:
- إذا علم المحتسب أن كلامه لا ينفع ولا يُؤثر، وأنه لا يقدر على التأديب، أو يضر به، سقط الوجوب.
- وإن علم أنه لا ينفع كلامه، لكنه لا يخاف مكروهًا، استُحب له المنع.
- إذا علم أنه لو أنكر على فاسق ضربه بالسيف، حرمت عليه الحسبة.
- وكذلك يحرم عليه إن علم أنه يُضرب غيره من أصحابه وأقاربه.
- إن علم أنه يأخذ ماله أو مال أقاربه، أو رفقائه سقط الوجوب.
- يختلف ذلك بالقلة والكثرة.
- الظن الغالب في هذه الأبواب: العلم.
- لا يسقط الوجوب في حالة خوف فوات المطالب، فيلزمه الإنكار:
- على معلمه.
- وعلى قريبه.
- وعلى من يواسيه بمال.
- وعلى من ينصره بجاه.
- إلا أن يعينوه، أو يضطر إليهم، فلا يعد في سقوطه.
- يحرم عليه حضور مواضع المنكر، ولا يخرج من بيته إلا لحاجة مهمة، أو واجب.
- لا يلزمه مفارقة البلد، إلا أن يُرهق إلى الفساد، أو يُحمل على مساعدة السلاطين في الظلم والمنكرات.
- الركن الثاني: ما فيه الحسبة، وله شروط، منها:
- أن يكون منكرًا، وإن لم تكن معصية.
- أن تكون المعصية موجودة في الحال.
- لا حسبة للآحاد فيما مضى، ولا فيما يوجد من بعد إذا علمه بالقرينة إلا وعظًا.
- أن يكون ظاهرًا بلا تجسس.
- يجوز التجسس إن ظهر من الدار ظهورًا يعرفها الخارج، كصوت المزمار، والأوتار، والسكارى بالكلمات المألوفة بينهم، وكذا لو فاحت روائح الخمر، وعلم بالقرائن تعاطيهم شربها.
- أن يكون منكرًا مقطوعًا به.
- على كل مقلد اتباع مقلده، ويعصى بمخالفته، ويُنكر عليه.الركن الثالث: المحتسب عليه:
- يُشترط أن يكون إنسانًا.
- ولا يُشترط أن يكون عاقلًا، ولا بالغًا، ولا مسلمًا.
- يجب دفع البهائم لو استرسلت في زرع، وقدر على حفظها من غير أن يناله تعب في بدنه، أو خسران في حاله، أو نقص في جاهه.
- الحسبة على الوالد، والعبد مع سيده، والزوجة مع الزوج:
- بالتعريف، والوعظ والنصح، وكسر العود، وإراقة الخمر، ورد ما غصب إلى مالكه، وإبطال الصور المنقوشة على حيطانه، والمنقورة في خشب بيته.
- ليس للرعية مع السلطان إلا التعريف والنصح.
- التلميذ مع الأستاذ له أن (يعامله) بموجب علمه الذي يعلمه منه، ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه.الركن الرابع: الاحتساب، وله درجات:
- الأولى: التعرف لا التجسس.
- لو أخبره عدلان ابتداءً بأن فلانًا يشرب في داره الخمر، أو في داره خمر أعدها للشرب، فله الهجوم على داره.
- ولو أخبره عبدان، أو عدل واحد، فالأولى أن يمتنع.
- الثانية: التعريف، فإنه يعذر بالجهل.
- الثالثة النهي بالوعظ والنصح، والتخويف بالله.
- الرابعة: السب والتعنيف والأقوال الغليظة، كقوله: يا فاسق، يا فاجر، يا أحمق، يا جاهل، يا غبي، ولا يفحش في القول بما فيه نسبته إلى الزنا، ومقدماته، ولا إلى الكذب.
- الخامسة: التغيير للمنكر باليد، ككسر الملاهي.
- السادسة: التهديد والتخويف بعقوبة، كقوله: دع عنك هذا، وإلا كسرت رأسك، أو لأمرن به، ونحوهما، ولا يخوفه بما لا يجوز، كقوله: لأنهبن دارك، لأضربن ولدك.
- السابعة: مباشرة الضرب باليد والرِجل بقدر الحاجة، فإن احتاج إلى شهر السلاح فله ذلك.
- الثامنة: أن لا يقدر عليه بنفسه، ويحتاج إلى أعوان يُشهرون السلاح إن احتاج إليه.الفصل الرابع: في المنكرات المألوفة، وهي أنواع:
- الأول منكرات المساجد:
- ترك الطمأنينة في الركوع والسجود.
- قراءة القرآن جنبًا.
- تلقين الذي يكثر اللحن في القرآن إن كان قادرًا على التعلم.
- تراسل المؤذنين([12]).
- تطويلهم في كلماته.
- انحرافهم([13]) عن صوب القبلة في الحيعلتين.
- انفراد كل واحد بأذان بلا توقف إلى انقطاع الآخر.
- لبس الخطيب ثوبًا أسود يغلب عليه الإبريسيم، أو إمساك سيفًا مذهبًا.
- يجب على المحتسب منع الواعظ المبتدع، والقاص الكاذب في الأخبار.
- يجب منع الواعظ إذا مال كلامه إلى الإرجاء، وتجرئة الناس على المعاصي.
- يمنع الواعظ لو كان شابًا مزينًا كثير الأشعار والحركات والإشارات، وقد حضر مجلسه النساء.
- يجب أن يضرب بين النساء والرجال حائل يمنع النظر.
- يجب منع النساء من حضور المساجد للصلاة، ومجالس الوعظ إذا خيفت الفتنة.
- تمنع الحلق يوم الجمعة.
- يُمنع قيام السُؤّال وقراءتهم الأشعار المحرمة، ومنع أهل الشعبذة والتلبيسات، وأرباب التعويذات، الذين يتواصلون ببيعها إلى تلبيسات على الصبيان والسوادية([14]).
- لا بأس بالخياطة، وبيع الأدوية والكتب، والأطعمة في المسجد إن لم تضيق المكان على المصلين والمعتكفين، ولم يشوش عليهم، وجرى في أوقات نادرة، وأيام معدودة.
- يحرم اتخاذ المسجد دكانًا على الدوام.
- النوع الثاني: منكرات السوق:
- الكذب في المرابحة.
- إخفاء العيب.
- ترك الإيجاب والقبول في البيع.
- بيع الملاهي والصور.
- بيع العبيد والصبيان.
- بيع الأواني المتخذة من الذهب والفضة.
- بيع ثياب الحرير للرجال.
- بيع قلانس الذهب والحرير التي لا تصلح إلا للرجال.
- النوع الثالث: منكرات الشوارع:
- كل ما يؤدي إلى تضييق الطريق، وتتضرر به المارة:
- كوضع الأسطوانات، والدكات، وغرس الأشجار، وإخراج الرواشن، والأجنحة، ووضع الأخشاب والأحمال، والأطعمة.
- وربط الدواب على الطريق.
- وسوقها مع الشوك أو الحطب.
- طرح القمامة على الطريق.
- رش الماء بحيث يخاف منه التزلق.
- إرسال الماء من الميازيب في الطريق الضيقة طالقًا الثلج والماء المجتمع في الطريق.
- لو كان له كلب عقور على باب داره فيجب منعه.
- النوع الرابع: منكرات الحمامات:
- الصورة على بابه.
- كشف العورة، والنظر إليها.
- كشف الدلّاك عن الفخذ، وما تحت السرة لتنحية الوسخ، وإدخال اليد تحت الإزار.
- الانبطاح على الوجه بين يدي الدلّاك.
- غمس اليد والأواني النجسة في المياه القليلة.
- غسل الإزار، والطاس النجس في الحوض، وماؤه قليل.
- وجود حجارة ملساء ينزلق الغافلون بها.
- ترك السدر والصابون المزلق على أرض الحمام.
- النوع الخامس منكرات الضيافة:
- فرش الحرير.
- مجمرة الذهب والفضة.
- استعمال الطيب من آنية الذهب والفضة.
- الستور المصورة.
- سماع الأوتار والقينات.
- اجتماع النساء على السطوح للنظر إلى الرجال.
- لا يجوز الجلوس مع لابس حرير، أو خاتم ذهب من غير ضرورة.
- يجوز الحضور مع مبتدع متكلم في بدعته لمن يقدر على الرد عليه.
- وإن كان لا يتكلم، فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة.
- لا يجوز الحضور في موضع فيه مضحك يضحك الناس بالفحش والكذب.
- إن كان بغير فحش أو كذب جاز إن قل، ولو اتخذه عادة لم يجب([15]).
- وليس من المنكرات كل كذب لا يخفى أنه كذب، ولا يقصد به التلبيس.
- الإسراف في الطعام والبناء.
- صرف المال إلى الطرب، والنائحة.
- ثم ذكر عن المحتسب أمورًا، وهي كما يلي:
- الأول ما يتعلق بحق الله تعالى: وهو نوعان:
- أحدهما: ما يؤمر به الجمع:- المحتسب لا يأمرهم بما لا يجوز، ولا ينهاهم عما يرون فرضًا عليهم.
– ويأمرهم بصلاة العيد وجوبًا؛ لأن الأمر بالمعروف هو الأمر بالطاعة.
- النوع الثاني: ما يؤمر به الآحاد:- لو أخر بعض الناس صلاة عن وقتها، وقال: نسيته، حثه على المراقبة.
– لا يعترض على من أخَّرها إلى آخر الوقت.
- الأمر الثاني ما يتعلق بحقوق الآدميين، وهو نوعان:
- أحدهما عام كالبلد إذا تعطل شربه:- فإن كان في بيت المال مال عُمِّر ذلك منه.
– وإن لم يكن فيه مال أمر أهل الأمكنة أن يخرج كل واحد ما يسهل عليه، وتطيب به نفسه لإصلاح ذلك.
- النوع الثاني: خاص كمطل المدين الموسر، فالمحتسب يأمره بالأداء إذا استُعدِي، وليس له الضرب والحبس.
- الأمر الثالث: الحقوق المشتركة:
- كأمر الأولياء بإنكاح الأكفاء، وإلزام النساء العِدَد، وأحكامها، وأخذ السادة بحقوق الأرقاء، وأصحاب البهائم بتعهدها، وأن لا يستعملوها فيما لا تطيق.
- ومن المنكرات تغيير هيئة العبادة، كالجهر في الصلاة السرية، والإسرار في الصلاة الجهرية، والزيادة في الأذان، والتصدي للتدريس، أو الوعظ، وليس من أهلها، والوقوف في طريق خال مع امرأة، لا في شارع يطرقه الناس.
- ولا ينكر في حقوق الآدمي كتعدي الجار إلا إذا استُعدِى عليه.
- وينكر على من يطيل الصلاة من أئمة المساجد المطروقة.
- ويُنكر على القضاة إذا حجبوا الخصوم، وقصروا في النظر في الخصومات.
- ويختبر السوقي المختص بمعاملة النساء، فإن ظهرت خيانته منعه من معاملتهن.
- ولا يُشترط في الآمر والناهي أن يكون ممتثلًا ما يأمر بهن، مجتنبًا ما ينهى عنه.الفصل الخامس: في وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على آحاد الناس بعد قدرتهم:
- حيث أخبر أنه لا يختص الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالولاة، بل يجوز ذلك للآحاد.
- ويختلف الإنكار بالأشياء:
- ما كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة (كالصلاة) والصيام، والزنا، والخمر، فعلى كل عالم بها الإنكار منها.
- وما كان من دقائق الأقوال والأفعال فللعلماء أو من علّمه العلماء.
- ينكر العلماء ما أُجمع على إنكاره، وأما المختلف فلا إنكار فيه، إلا أن يعتقد تحريمه، على من يعتقد تحريمه.
الفصل السادس: في مراتب النهي عن المنكر:
ومما ذكره فيه:
- لا يكفي الوعظ لمن يمكنه الإزالة باليد.
- ولا يكفي بالقلب لمن يقدر على النهي باللسان.
- ويرفق بالجاهل أو الظالم الذي يخاف شره.
- ليس للآمر والناهي البحث والتجسس، ولا اقتحام الدور بالظنون.
- إن غلب على الظن استسرار قوم بالمنكر بآثار وأمارات:
- إن كان مما يفوت تداركه بأن أخبره ثقة أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، جاز التجسس، والإقدام على الكشف.
- إن لم يثبت تداركه فلا يجوز.
- لو خاف الآمر والناهي على نفسه، أو على غيره مفسدة أعظم من مفسدة المنكر الواقع سقط الوجوب.الخاتمة
حيث نقل عن الإمام الماوردي ما يلي:
- لو ظن المحتسب برجل أنه لا يغتسل من الجنابة، أو لا يصلي، أو لا يصوم لم يأخذه بالنقمة.
- لو رآه يأكل في رمضان لم يُؤذيه إلا بعد سؤاله عن الأكل، فإن ذكر عذرًا، كالمرض والسفر، واحتمال حاله ذلك كف عنه، وأمره بإخفاء الأكل.
- لو رأي من يسأل:
- إن علم أنه غني بمال، أو عمل منعه وأدبّه.
- لو رأى عليه آثار الغنى أعلمه بالتحريم على المستغني عنها، ولم يمنعه لجواز أن يكون في الباطن فقيرًا.
- ولو رآه قويًا جلدًا منعه، فإن أبى عزّره.
- يمنع من التطفيف في المكيال والميزان، والذرع:
- فإن استراب في ذلك فله أن يختبرها ويعايرها.
- لو جُعل على المعايير الصحيح ختمًا، لا يتعاملون إلا به كان أحفظ وأحوط.
- لو رأى من يطفف فإن توفر علمه، وحسنت طريقته قدره، وإلا منعه.
- يأخذ أهل الذمة بالغيار.
- وما شرط عليهم في القول في عزير وعيسى -عليهما الصلاة والسلام-.
- ينكر على من يطيل الصلاة إلى أن يعجز عنها الضعفاء.
- ينكر على أهل السفن حمل ما لا تحتمله، ويُخاف منه الغرق.
- وينكر عليهم السير في اشتداد الريح.
- ولو كان فيهم النساء نصب لها مخارج للبراز.
- لو بنى قوم في طريق سابل منعهم، وإن اتسع الطريق، ويأمرهم بهدم البناء، وإن كان مسجدًا.
- ويمنع من نقل الموتى من قبر إلى آخر، ومن بقعة إلى أخرى.
- ويمنع من خضاب الشيب بالسواد إلا للجهاد.
- ويمنع من التصبيغ للنساء.
- ويمنع من التكسب بالكهانة، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي.
[3])) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (3/ 192).
([4])ابن الديبع: بغية المستفيد، تحقيق الحبشي، ط بيروت، 1979ص 227 والنور السافر عن أخبار القرن العاشر (ص: 191-192) وينظر أيضًا فهرس الفهارس (1/ 412-413).
([11]) “يقال: اسْتَعْدَيْتُ على فلانٍ الأميرَ فأعْداني عليه، أي استعَنت به عليه فأعانَني عليه” الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2421).
([12]) “ولا تراسل في الأذان أي لا متابعة فيه والمعنى لا اجتماع فيه” المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 227).
([13]) “وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليه بن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله، قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه” فتح الباري لابن حجر (2/ 115).
[15])) كذا بالأصل، ولعله لم يجز، “وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح” إحياء علوم الدين (2/ 341).