احتساب المغيرة بن شعبة
–رضي الله عنه–
(20 ق هـ – 50 هـ = 603 – 670 م)
اسمه:
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد([1]).
فضله ومكانته ودهاؤه:
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صحابي، وأحد دهاة العرب، وقادتهم، وولاتهم، يقال له: مغيرة الرأي، ولد في الطائف بالحجاز، وبرحها في الجاهلية مع جماعة من بني مالك، فدخل الإسكندرية وافداً على المقوقس، وعاد إلى الحجاز، فلما ظهر الإسلام تردد في قبوله إلى أن كانت سنة (5 هـ)، فأسلم، وشهد الحديبيّة، واليمامة، وفتوح الشام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسية، ونهاوند، وهمدان، وغيرها، وولاه عمر بن الخطاب على البصرة، ففتح عدة بلاد، وعزله، ثم ولاه الكوفة، وأقره عثمان على الكوفة، ثم عزله، ولما حدثت الفتنة بين علي ومعاوية اعتزلها المغيرة، وحضر مع الحكمين، ثم ولاه معاوية الكوفة، فلم يزل فيها إلى أن مات.
وللمغيرة (136) حديثاً، أخرج له في الصحيحين اثنا عشر حديثاً، المتفق عليه منها تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين([2]).
وهو أول من وضع ديوان البصرة، وأول من سلم عليه بالإمرة في الإسلام([3]).
قال عنه الذهبي رحمه الله: “صحابي مشهور، وكان رجلاً طوالاً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل يوم القادسية”([4]).
وعن الزهري قال: قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه([5]).
وكان المغيرة داهية، يقال له: مغيرة الرأي([6]).
وعن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فأبغضوه، فعزله، فخافوا أن يرده، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا، قالوا: مرنا، قال: تجمعون مائة ألف درهم، فأذهب بها إلى عمر، فأقول: هذا اختان هذا المال، فدفعه إليّ، فجمعوا له مائة ألف، وأتى بها عمر، فدعا المغيرة، فقال: ما هذا؟ قال: كذب، أصلحك الله إنما كانت مائتي ألف، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة، فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك: والله ما دفع إليّ شيئاً، وقصَّ له أمره([7]).
وقال الذهبي رحمه الله: “وكان من رجال الدهر حزماً، وعزماً، ورأياً، ودهاء، يقال: إنه أحصن ثلاثمائة امرأة، وقيل: ألف امرأة”([8]).
وقال ابن الجوزي: “شهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يلزم النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه وأسفاره، يحمل وضوءه معه، ورمى خاتمه في قبره النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن، ثم نزل وكان آخرهم عهداً به فيما يقال”([9]).
وقال ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يدعي أنه أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: أخذت خاتمي فألقيته في القبر، وقلتُ: إن خاتمي قد سقط، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله، فأكون آخر الناس به عهداً([10]).
سيرته الاحتسابية
كان للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه سيرة احتسابية مليئة بالمواقف الاحتسابية، نذكر بعضها:
1- إنكاره على نائحة:
فعن علي بن ربيعة، قال: أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب، فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة”([11]).
وعند الترمذي: عن علي بن ربيعة الأسدي، قال: مات رجل من الأنصار يقال له: قرظة بن كعب، فنيح عليه، فجاء المغيرة بن شعبة، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: ما بال النوح في الإسلام، أما إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من نيح عليه عذب بما نيح عليه”([12]).
2- إنكاره على عروة بن مسعود يوم الحديبية:
وفي البخاري في قصة الحديبية:
“والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألستُ أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء”([13]).
3- إنكاره على الشرك:
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة، وأبا سفيان بن حرب؛ ليهدما الطاغية، فتقدم المغيرة، فهدمها، وقام قومه من بني شعيب دونه؛ خوفاً أن يرمى بسهم، وخرج نساء ثقيف حسراً، يبكين عليها، وأخذ حليها، ومالها([14]).
4- إنكاره على من تهيب من جموع الكفار:
عن حميد بن هلال قال: لما كان يوم القادسية كان على الخيل قيس بن مكشوح العبسي، وعلى الرجالة المغيرة بن شعبة الثقفي، وعلى الناس سعد بن أبي وقاص، فقال قيس: قد شهدت يوم اليرموك، ويوم أجنادين، ويوم عبس، ويوم فحل، فلم أر كاليوم عديداً ولا حديداً، ولا صنعة لقتال، والله ما يرى طرفاهم.
فقال المغيرة بن شعبة: إن هذا زبد من زبد الشيطان، وإنا لو قد حملنا عليهم قد جعل الله بعضهم على بعض، فلا ألفينك إذا حملت عليهم برجالتي أن تحمل عليهم بخيلك في أقفيتهم، ولكن تكف عنا خيلك، واحمل على من يليك.
قال: فقام رجل فقال: الله أكبر، إني لأرى الأرض من ورائهم، فقال المغيرة: اجلس فإن القيام والكلام عند القتال فشل، وإذا أراد أحدكم أن يصلي، فليصل في مركز رمحه.
ثم قال: “إني هاز دابتي ثلاثاً، فإذا هززتها المرة الأولى فتهيئوا، ثم إذا هززتها الثالثة فتهيئوا للحملة. أو قال: احملوا فإني حامل قال: فهزها الثالثة، ثم حمل وإن عليه لدرعين قال: فما وصلنا لنفسه حتى صافيهم بطعنتين، وفلت بينه، وكان الفتح قال: فجعل الله بعضهم على بعض حتى يكونوا ركاماً، فما نشاء أن نأخذ رجلين واحد منهم فنقتله إلا فعلت([15]).
5- إنكاره على رجل:
عن عامر قال: قال رجل عند المغيرة بن شعبة: صلى الله على محمد خاتم الأنبياء لا نبي بعده، قال المغيرة: “حسبك إذا قلت: خاتم الأنبياء، فإنا كنا نحدث أن عيسى خارج، فإن هو خرج فقد كان قبله وبعده”([16]).
6- إنكاره على من سلم عليه بالإمارة:
عن تميم بن خدلم، قال: أول ما سلم على أمير بالكوفة بالإمرة، قال: خرج المغيرة بن شعبة من القصر فعرض له رجل من كندة، فسلم عليه بالإمرة، فقال: ما هذا؟ ما أنا إلا رجل منهم، فتركت زماناً، ثم أقرها بعد([17]).
أقواله واجتهاداته
كان للمغيرة رضي الله عنه أقوال واجتهادات كثيرة، نذكر منها:
1- عن الشعبي قال: سألت المغيرة بن شعبة عن القاذف أتنزع عنه ثيابه؟ قال: “لا تنزع عنه إلا أن يكون فروا أو محشوا”([18]).
2- وعن الشعبي عن المغيرة بن شعبة: “أنه قتل سبعة برجل”([19]).
3- وعن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة، فقال: “ثلاث تحرمنها عليه، وسبعة وتسعون فضل”([20]).
4- وعن عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن جده قال: جلس عمر رضي الله عنه يوماً، فقال: والله ما ندري ما نقول، أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل من اسم؟ قالوا: الأمير، قال: كلهم أمير، فقال المغيرة بن شعبة: نحن المؤمنون، وأنت أميرنا، فأنت أمير المؤمنين، قال: فأنا أمير المؤمنين([21]).