احتساب جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما
(16 ق هـ – 78 هـ = 607 – 697 م)
التعريف به:
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري، السملي، له ولأبيه صحبة -رضي الله عنهما-([1]).
وعن نوح بن حبيب قال: “جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، وفي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- جابر بن عبد الله آخر، وهو جابر بن عبد الله بن رياب، وهما من بني سلمة”([2]).
رحل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إلى مصر، ودخل الشام، وجاور بمكة أشهراً في أخواله بني سهم، تُوفي بالمدينة، وهو ابن أربع وتسعين سنة، سنة سبع وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين، وقيل: تسع وسبعين، وكان قد ذهب بصره، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة، وقيل: إنه آخر من مات بالمدينة من الصحابة من أهل العقبة([3]).
مكانته وفضله:
جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- من فضلاء الصحابة الكرام، كانت له فضائل عدة، منها:
ما رُوي عن عبد الرحمن بن عقبة عن أبيه عن جابر -رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفه، فجعلتُ فمي على خاتم النبوة، فجعل ينفح عليّ مسكاً، ولقد حفظتُ منه تلك الليلة سبعين حديثاً، ما سمعها معي أحد([4]).
وعن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنهما- قال: استغفرَ لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمساً وعشرين مرة، ليلة البعير([5]).
ومن فضائله: أنه غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع عشرة غزوة([6]).
وقال: غزوتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع عشرة غزوة، ولم أشهد بدراً، ولا أحداً، منعني أبي، قال: فلما قُتل عبد الله يوم أحد، لم أتخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة قط([7]).
وقال جابر: دخلتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: ((مرحباً بك يا جبير)) وقال جابر: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا جابر، أما علمتَ أنَّ الله أحيا أباك -وكان قد قُتل في أحد- وقال له: تمن عليّ ما شئت، قال: أرد إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك مرة أخرى، قال: إني قضيتُ لهم أن لا يرجعون))([8]).
علمه:
جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- من كبار علماء الصحابة، وحُفاظ السنة، فهو من المكثرين في الرواية.
روى الكثير عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وخالد بن الوليد، وقد روى عن أم كلثوم بنت الصديق، وهي تابعية.
وروى عنه: سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وأبو سلمة، وأبو جعفر الباقر، والحسن بن محمد بن الحنفية، وسالم بن أبي الجعد، والشعبي، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وسعيد بن ميناء، ومحارب بن دثار، وخلق سواهم([9]).
قال عنه الذهبي: “وهو آخر من مات من أهل العقبة، وعاش أربعاً وتسعين سنة، وكان كثير العلم، من أهل بيعة الرضوان”([10]).
وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي، يُؤخذ عنه العلم، وروى له البخاري ومسلم وغيرهما (1540) حديثاً([11]).
وقال ابن الربيع: قدم مصر على عقبة بن عامر -ويقال على عبد الله بن أنيس- يسأله عن حديث القصاص؛ وذلك في أيام مسلمة بن مخلد، ولأهل مصر عنه نحو عشرة أحاديث([12]).
قلتُ: ومن حرصه على العلم أنَّه رحل إلى مصر طلباً لحديث واحد، كما ثبت ذلك عنه([13]).
سيرته الاحتسابية
كان جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- من الصحابة المحتسبين، الذين كانت حياتهم كلها حسبة واحتساب، ودعوة وجهاد؛ ولهذا حفلت سيرته العطرة بالكثير من المواقف الجهادية الاحتسابية، نذكر طرفاً منها:
1- إنكاره على من يقول: إنه لا يكفيه ما كفى النبي –صلى الله عليه وسلم- في الغسل:
عن أبي إسحاق، قال: حدثنا أبو جعفر أنه كان عند جابر بن عبد الله، هو وأبوه، وعنده قوم، فسألوه عن الغسل، فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني! فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً، وخير منك، ثم أمنا في ثوب([14]).
وفي رواية: عن أبي جعفر، قال: قال لي جابر بن عبد الله، وأتاني ابن عمك -يُعرِّض بالحسن بن محمد بن الحنفية-، قال: كيف الغسل من الجنابة؟ فقلتُ: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ ثلاثة أكف، ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده، فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر، فقلتُ: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر منك شعراً([15]).
وفي رواية: عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن بن محمد بن الحنفية سأل جابر بن عبد الله عن غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يغرف على رأسه ثلاث غرفات، فقال حسنٌ: إن شعري كثير -يعني حسن نفسه-، فقال جابر: يا ابن أخي شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر من شعرك، وأطيب([16]).
2- إنكاره على الاعتراض بغير علم:
عن محمد بن المنكدر، قال: دخلتُ على جابر بن عبد الله، وهو يصلي في ثوب ملتحفاً به، ورداؤه موضوع، فلما انصرف، قلنا: يا أبا عبد الله تصلي ورداؤك موضوع؟! قال: نعم، أحببتُ أن يراني الجهال مثلكم، رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي هكذا([17]).
وفي رواية مسلم: ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يصلي في ثوب واحد مشتملاً به، فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة، فقلتُ: يرحمك الله أتصلي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟! قال: فقال بيده في صدري هكذا، وفرق بين أصابعه وقوسها: أردتُ أن يدخل علي الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله، أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا، فقال: ((أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟)) قال فخشعنا، ثم قال: ((أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟)) قال: فخشعنا، ثم قال: ((أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟)) قلنا: لا أينا، يا رسول الله، قال: ((فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله -تبارك وتعالى- قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا)) ثم طوى ثوبه بعضه على بعض، فقال: ((أروني عبيراً)) فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم([18]).
وعن ابن وهب، قال: حدثني أسامة أن أبا الزبير أخبره: أنه رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوب واحد مخالفاً بين طرفيه على عاتقيه، وثيابه على المشجب، قال أبو الزبير: فقلتُ له: تصلي في ثوب واحد؟! فقال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي هكذا، وثوبه على المشجب([19]).
3- إنكاره على خارجي يُنكر الشفاعة:
ففي مسلم: عن يزيد الفقير، قال: كنتُ قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلتُ له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران (192)] و{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة (20)] فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ قلتُ: نعم، قال: فهل سمعت بمقام محمد -عليه السلام-، يعني الذي يبعثه الله فيه؟ قلتُ: نعم، قال: فإنه مقام محمد -صلى الله عليه وسلم- المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، قال: ثم نعت وضع الصراط، ومر الناس عليه -قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك- قال: غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: -يعني- فيخرجون كأنهم عيدان السماسم، قال: فيدخلون نهراً من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه، فيخرجون كأنهم القراطيس، فرجعنا قلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد، أو كما قال: أبو نعيم([20]).
3- إنكاره بعض قول مالك الخثعمي:
ففي صحيح ابن حبان وغيره:
عن أبي المصبح المقرائي، قال: بينما نحن نسير بأرض الروم، في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مر مالكٌ بجابر بن عبد الله، وهو يمشي، يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله اركب، فقد حملك الله، فقال جابر: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار)) فأعجب مالكاً قوله، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت، ناداه بأعلى صوته يا أبا عبد الله اركب، فقد حملك الله، فعرف جابر الذي أراد برفع صوته، وقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار)) فوثب الناس عن دوابهم، فما رأينا يوماً أكثر ماشياً منه([21]).
4- إنكاره على عبد الملك بن مروان:
عن عوف بن الحارث قال: رأيتُ جابر بن عبد الله، دخل على عبد الملك، فرحب به عبد الملك، وقربه، فقال جابر: يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى، وهي طيبة، سماها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأهلها محصورون، فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم، ويعرف حقهم، فعل، قال: فكره ذلك عبد الملك، وأعرض عنه، وجعل جابر يلح عليه، حتى أومأ قبيصة إلى ابنه وهو قائده، وكان جابر قد ذهب بصره، أن أسكته، قال: فجعل ابنه يسكته، قال جابر: ويحك ما تصنع بي؟ قال: اسكت، فسكت جابر، فلما خرج أخذ قبيصة بيده فقال: يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكاً، فقال له جابر: أبلى الله بلاء حسناً، فإنه لا عذر لك، وصاحبك يسمع منك، قال: يسمع ولا يسمع، ما وافقه سمع، وقد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم، فاستعن بها على زمانك، فقبضها جابر([22]).
5- إنكاره على رجل يطعن في صحابي:
عن عمر بن عبد الله بن جرهد قال: سمعتُ رجلاً يقول لجابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: من بقي معك من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع -رضي الله عنهما-، فقال رجل: أما سلمة فقد ارتد عن هجرته، فقال جابر: لا تقلْ، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ابدوا يا أسلم، أنتم مهاجرون حيث كنتم))([23]).
6- إنكاره على الحجاج بن يوسف:
عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: دخلتُ على الحجاج، فما سلمتُ عليه([24]).
وعن عمرو بن حسن بن حسين، وبشير، مولى المدنيين قالا: دخلنا على جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فقال: اشتد غضب الله تعالى على أول من أخر وقت الصلاة، وهل تدريان من هو؟ قالا: لا، قال الحجاج: إني محدثكما حديثاً فاكتماه عني، فإذا مت فلينبشوا قبري، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنه سيكون بعدي أئمة يؤخرون وقت الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة))([25]).
وقال علي بن المديني: مات جابر بعد أن عُمِّرَ، فأوصى أن لا يُصَلي عليه الحَجَّاج([26]).
7- إنكاره على ما أحدثه بعض الأمراء:
عن أبي بن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه، قال: كنا بمنى، فجعلنا نخبر جابر بن عبد الله، ما قرئ من إظهار قطف الخز، والوشي، يعني السلطان، وما يصنعون، فقال: ليت سمعي قد ذهب، كما ذهب بصري، حتى لا أسمع من حديثهم شيئاً، ولا أبصره([27]).
8- إنكاره على طلق بن حبيب:
عن طلق قال: كنتُ أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأتُ عليه كل آية يذكر فيها خلود النار، فقال جابر: يا طلق أتراك أعلم بكتاب الله تعالى وأعلم بسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- مني؟ قال: قلتُ: لا، وخضعتُ له، فقال: الذي قرأتَ هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً، فهم يعذبون فيها، ثم أخرجوا([28]).
وفي الحلية: عن سعيد بن المهلب، عن طلق، قال: كنتُ من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة حتى لقيتُ جابر بن عبد الله، قال: فقرأتُ عليه كل آية في كتاب الله أقدر عليها، يذكر الله فيها خروج أهل النار، فقال: يا طلق يا طليق، أتراك أقرأ لكتاب الله تعالى وأعلم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني؟ قلتُ: لا، قال: فاتضعتُ له، فقال: إن الذي قرأتَ علي هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً، فعذبوا بها، ثم أخرجوا، قال: ثم مد يديه إلى أذنيه، فقال: صمتاً إن لم أكن سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أخرجوا من النار بعد ما دخلوها)) ونحن نقرأ الذي قرأتَ علي([29]).
9- إنكاره على رجل:
عن أبي سفيان قال: جاورتُ مع جابر بن عبد الله، بمكة، ستة أشهر, فسأله رجل: هل كنتم تسمون أحداً من أهل القبلة كافراً؟
فقال: معاذ الله.
قال: فهل تسمونه: مشركاً؟
قال: لا([30]).
وعن رجاء بن حيوة، عن جابر بن عبد الله أنه قيل له: هل كنتم تسمون شيئاً من الذنوب، الكفر أو الشرك أو النفاق؟ فقال: معاذ الله، ولكنا كنا نقول: مؤمنين مذنبين([31]).
10- مشاركته في تطبيق الحدود (وهو نوع من الحسبة):
جاء في البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: “فكنتُ فيمن رجمه -أي الرجل الذي زنا- فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه([32]).
11- مشاركته في الجهاد (وهو نوع من الحسبة):
سبق أن جابراً قد غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع عشرة غزوة.
وكذلك نجده قد واصل مسيرة الجهاد في الفتوحات الإسلامية بعد ذلك كما يحكي عن نفسه بالقول:
كنتُ في الجيش الذين مع خالد بن الوليد الذين أمد بهم أبو عبيدة، وهو يحاصر دمشق([33]).
12- رفضه مبايعة بسر بن أرطأة:
فعن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: لما قدم بسر بن أرطأة المدينة، أخذ الناس بالبيعة، قال: فجاءت بنو سلمة، وتغيب جابر، قال: فقال: لا أبايعكم حتى يجئ جابر، قال: فانطلق جابر إلى أم سلمة، فسألها، فقالت: هذه بيعة لا أرضاها، اذهب فبايع، تحقن بها دمك([34]).
مروياته الاحتسابية
جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- من المكثرين من الرواية عن النبي -صلى اله عليه وسلم- عموماً، وانعكس ذلك على مروياته الاحتسابية، فقد كان له مرويات كثيرة، تتعلق بالحسبة والاحتساب، ومنها:
1- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: مر رجل في المسجد ومعه سهام، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمسك بنصالها))([35]).
2- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يرجع، فيؤم قومه، فصلى العشاء، فقرأ بالبقرة، فانصرف الرجل، فكأن معاذاً تناول منه، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((فتان، فتان، فتان)) ثلاث مرار، أو قال: ((فاتناً، فاتناً، فاتناً)) وأمره بسورتين من أوسط المفصل([36]).
وفي رواية عند البخاري: عن محارب بن دثار، قال: سمعتُ جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: أقبل رجل بناضحين، وقد جنح الليل، فوافق معاذاً يصلي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة، أو النساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشكا إليه معاذاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معاذ، أفتان أنت؟ أو أفاتن)) ثلاث مرار ((فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة))([37]).
3- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: ((أصليت يا فلان؟)) قال: لا، قال: ((قم فاركع ركعتين))([38]).
4- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: ((ما هذا؟)) فقالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصوم في السفر))([39]).
5- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما هذا؟)) فقالوا كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوها فإنها منتنة)).
قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر، ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبد الله بن أبي: أوقد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه))([40]).
6- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ((من ذا؟)) فقلتُ: أنا، فقال: ((أنا أنا)) كأنه كرهها([41]).
7- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رجلاً من أسلم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم، وكان قد أحصن([42]).
8- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبض منها، يعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل، قال: ((ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل)) فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: دعني، يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: ((معاذ الله، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية))([43]).
9- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره، فقال: ((أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره، ورأى رجلاً آخر، وعليه ثياب وسخة، فقال: ((أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه))([44]).
10- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: ((ما لك؟ يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟)) قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: ((لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد))([45]).
11- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: مكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي الموسم بمنى، يقول: ((من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟)) قال: فقلنا: حتى متى نترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدمنا عليه في الموسم, فوعدناه شعب العقبة, فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين, حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال: ((تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل, والنفقة في العسر واليسر, وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر, وأن تقولوا في الله لا تخافون لومة لائم, وعلى أن تنصروني إذا قدمتُ عليكم, وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم, ولكم الجنة)) فقمنا إليه، فبايعناه([46]).
12- وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح، وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة، فيمحو كل صورة فيها، ولم يدخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى محيت كل صورة([47]).
13- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حماراً قد وسم في وجهه، فقال: ((لعن الله من فعل هذا))([48]).
([1]) انظر ترجمته في الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 546) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 529) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 215) وفضائل الصحابة للنسائي (ص: 43) والبداية والنهاية (9/ 22) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (6/ 202) والأعلام للزركلي (2/ 104) وغيرها.
([2]) تاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 211).
([3]) معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 529).
([4]) معرفة أسامي أرداف النبي (ص: 75).
([5]) فضائل الصحابة للنسائي (ص: 43-144) وتاريخ الإسلام (2/ 799).
([6]) معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 529).
([7]) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب عدد غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- (3/ 1448-1813) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 217).
([8]) سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 337).
([10]) العبر في خبر من غبر (1/ 65).
([11]) انظر ترجمته في الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 546) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 529) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 215) وفضائل الصحابة للنسائي (ص: 43) والبداية والنهاية (9/ 22) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (6/ 202) والأعلام للزركلي (2/ 104) وغيرها.
([12]) حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 181-41).
([13]) معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1585-3999).
([14]) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه (1/ 60-252) ومسلم في الحيض، باب استحاب إفاضة الماء على الرأس رقم (329).
([15]) أخرجه البخاري (1/ 60-256).
([16]) معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (ص: 187) ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 531-1393) والطبقات الكبرى (1/ 331).
([17]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب الصلاة بغير رداء (1/ 83-370).
([18]) أخرجه مسلم (4/ 2303-3008).
([19]) حديث السراج (2/ 72-280).
([20]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 179-191).
([21]) أخرجه ابن حبان (10/ 463-4604) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 274-18516) وأبو داود الطيالسي في مسنده (3/ 324-1881).
([22]) تاريخ الإسلام (2/ 800) والطبقات الكبرى (5/ 179) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 235).
([23]) التاريخ الكبير للبخاري بحواشي محمود خليل (6/ 166).
([24]) تاريخ الإسلام (2/ 800) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 234).
([25]) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (2/ 948-1024).
([26]) بهجة المحافل وأجمل الوسائل بالتعريف برواة الشمائل (1/ 125).
([27]) تاريخ الإسلام (2/ 800) وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 235).
([28]) إكمال تهذيب الكمال (7/ 91).
([29]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 66).
([30]) الإيمان للقاسم بن سلام (ص: 47-30).
([31]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 176).
([32]) أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب لا يرجم المجنون والمجنونة (8/ 165-6815) ومسلم في الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا رقم 1691).
([33]) تاريخ الإسلام (2/ 798).
([34]) تاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 235).
([35]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد (1/ 98-451) ومسلم في البر والصلة والآداب، باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق رقم (2614).
([36]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة، فخرج فصلى (1/ 141-701) و مسلم في الصلاة، باب القراءة في العشاء رقم (465).
([37]) أخرجه البخاري (1/ 142-705).
([38]) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب، أمره أن يصلي ركعتين (2/ 12-930) ومسلم في الجمعة، باب التحية والإمام يخطب رقم (875).
([39]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر «ليس من البر الصوم في السفر» (3/ 34-1946) ومسلم في الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر رقم (1115).
([40]) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8] (6/ 154-4907).
([41]) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا (8/ 55-6250) ومسلم في الآداب باب كراهة قول المستأذن أنا إذا قيل من هذا رقم 2155).
([42]) أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب رجم المحصن (8/ 165-6814).
([43]) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/ – 1063).
([44]) أخرجه أبو داود (4/ 51-4062) والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 272-5813) والطبراني في المعجم الأوسط (6/ 209-6210) وابن الأعرابي في معجمه (1/ 278-521) والبغوي في شرح السنة (12/ 50) وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 78) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ص: 2-4062).
([45]) أخرجه مسلم (4/ 1993-2575).
([46]) السنن الكبرى للبيهقي (8/ 251-16556).
([47]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 79).
([48]) أخرجه أحمد (22/ 71-14164) وقال محققوه: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”.