احتساب خالد بن الوليد رضي الله عنه
اسمه:
هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، سيف الله، القرشي، كان من أشراف قريش في الجاهلية، وشهد مع مشركيهم حروب الإسلام، وأسلم قبل فتح مكة، هو وعمرو بن العاص سنة 7 هـ، فسر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولّاه الخيل، وجهه أبو بكر لقتال مسيلمة، ومن ارتد من أعراب نجد، ثم سيّره إلى العراق سنة 12 هـ، ففتح الحيرة، ثم إلى الشام، وجعله أمير من فيها من الأمراء.
ثم لما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزله، وولى أبا عبيدة بن الجراح، فقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تم لهما الفتح، سنة 14 هـ، فرحل إلى المدينة، ومات بها، وقيل: بحمص في الشام، سنة 21هـ([1]).
من مناقبه:
عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت خالد بن الوليد، يقول: “لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية”([2]).
وعن أبي السفر، قال: لما قدم خالد بن الوليد إلى الحيرة نزل على بني المرازبة، قال: فأتي بالسم فأخذه فجعله في راحته، وقال: “بسم الله” فاقتحمه، فلم يضره بإذن الله شيئاً([3]).
سيرته الاحتسابية
كان لخالد بن الوليد رضي الله عنه سيرة احتسابية حافلة بالعطاء، ومواقف احتسابية متعددة، منها:
1- إنكاره على الخارجي:
كما في الصحيحين:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول: بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة، في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر، بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع: إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء”.
قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال يا رسول الله، اتق الله، قال: “ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله” قال: ثم ولى الرجل.
قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: “لا، لعله أن يكون يصلي” فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم” قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: “إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”، وأظنه قال: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود”([4]).
2- إنكاره على أبي عبيدة:
كما جاء عن خالد بن حكيم بن حزام، قال: تناول أبو عبيدة رجلاً بشيء، فنهاه خالد بن الوليد، فقال: أغضبت الأمير، فأتاه فقال: إني لم أرد أن أغضبك، ولكني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أشد الناس عذابا للناس في الدنيا”([5]).
3- هدمه للعزى:
عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد بن الوليد، وكانت على تلال السمرات، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: “ارجع فإنك لم تصنع شيئاً” فرجع خالد، فلما نظرت إليه السدنة -وهم حجابها- أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه، يا عزى عوريه، وإلا فموتي برغم، قال: فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها، تحثوا التراب على رأسها، فعممها بالسيف، حتى قتلها، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، قال: “تلك العزى”([6]).
4- مشاركته في تنفيذ وإقامة الحدود، التي هي نوع من الحسبة:
كما جاء في صحيح مسلم:
جاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فو الله إني لحبلى، قال: “إما لا فاذهبي حتى تلدي” فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: “اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه” فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها.
فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: “مهلاً يا خالد، فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له” ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت([7]).
5- إنكاره على عبادة العزى:
عن عبد الله بن حبيب، قال: مر خالد بن الوليد على اللات، فقال:
كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك([8]).
وعن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى، فجعل يضربها بسيفه ويقول: “إني رأيت الله قد أهانك”([9]).
6- إنكاره على الصلاة بعد العصر:
عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأشتر، قال: “كان خالد بن الوليد يضرب الناس على الصلاة بعد العصر”([10]).
7- إنكاره على امرأة:
عن عروة بن الزبير، أن عائشة، رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جالسة، وعنده أبو بكر، فقالت: يا رسول الله، إني كنت تحت رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها.
فسمع خالد بن سعيد قولها، وهو بالباب لم يؤذن له، قالت: فقال خالد: يا أبا بكر، ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته” فصار سنة بعد([11]).
آراؤه وأقواله ومكاتباته الاحتسابية
1- عن ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثه أن رجلاً من كلب اسم قبيلة من العرب، يقال له: وبرة، أخبره أن أبا بكر الصديق كان يجلد في الشراب أربعين، وكان عمر يجلد فيها أربعين.
قال: فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب، فقدمت عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين إن خالداً بعثني إليك.
قال: فيم؟
قلت: إن الناس قد تخاوفوا العقوبة، وانهمكوا في الخمر، فما ترى في ذلك؟
فقال عمر لمن حوله: ما ترون؟ فقال علي بن أبي طالب: نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر، فكان خالد أول من جلد ثمانين، ثم جلد عمر بن الخطاب ناساً بعده([12]).
2- وعن محمد بن المنكدر، أن خالد بن الوليد، كتب إلى أبي بكر الصديق، أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب بالمدينة، ينكح كما تنكح المرأة، فجمع لذلك أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: علي بن أبي طالب، فقال علي: “إن هذا ذنب لم يعمل به أمة إلا أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تحرقه بالنار” فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار، فأمر أبو بكر أن يحرق بالنار، قال: “وقد حرقه ابن الزبير، وهشام بن عبد الملك”([13]).
3- وعن طارق بن شهاب، قال: جلد خالد بن الوليد رجلاً حداً، فلما كان من الغد جلد رجلاً آخر حداً، فقال رجل هذه، والله الفتنة، جلد أمس رجلاً في حد، وجلد اليوم رجلاً في حد، فقال خالد: “ليس هذه بفتنة، إنما الفتنة أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي، فتريد أن تخرج منها إلى أرض لا يعمل فيها بالمعاصي فلا تجدها”([14]).
وعن عزرة بن قيس، قال: قام رجل إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه بالشام، وهو يخطب فقال: إن الفتن قد ظهرت، فقال خالد: “أما وابن الخطاب حي فلا، إنما ذاك إذا كان الناس بذي بلي، وذي بلي، وجعل الرجل يتذكر الأرض ليس بها مثل الذي يفر إليها منه، فلا يجده، فعند ذلك تظهر الفتن([15]).
4- وعن أبي وائل: أن خالد بن الوليد كتب: “بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وملأ فارس، سلام على من اتبع الهدى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني أعرض عليكم الإسلام، فإن أقررتم به فلكم ما لأهل الإسلام، وعليكم ما على أهل الإسلام، وإن أبيتم فإني أعرض عليكم الجزية، فإن أقررتم بالجزية فلكم ما لأهل الجزية، وعليكم ما على أهل الجزية، وإن أبيتم، فإن عندي رجالا يحبون القتال كما تحب فارس الخمر”([16]).
5- وعن هشام بن حصين، قال: لما قدم خالد بن الوليد ها هنا إذ هو بمشيخة لأهل فارس عليهم رجل يقال له هزارمرد، قال: فذكروا من عظيم عمله وشجاعته، قال: فقتله خالد بن الوليد، ثم دعا بغدائه، فتغدى وهو متكئ على جثته” يعني جسده([17]).
6- وعن طلحة بن مصرف اليامي، قال: قال خالد بن الوليد: لا ترزأن معاهداً آمن ولا تمش ثلاث خطى تتأمر على رجلين، ولا تبغ لإمام المسلمين غائلة([18]).
7- وعن طارق بن شهاب: أن خالد بن الوليد أقاد رجلاً من مراد من لطمة لطم ابن أخيه([19]).
([1]) انظر: الإصابة (2/ 251- 256) والاستيعاب (2/ 427- 431) وصفة الصفوة (1/ 268) وتاريخ الخميس (2/ 247) وذيل المذيل (ص: 43) وتهذيب ابن عساكر (5/ 92- 114) والأعلام (2/ 300).
([4]) صحيح البخاري في كتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام، وخالد بن الوليد رضي الله عنه، إلى اليمن قبل حجة الوداع (5/ 163-4351) وصحيح مسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/ 742-1064).