احتساب شعبة بن الحجاج رحمه الله
(82 – 160 هـ = 701 – 776 م)
اسمه ونشأته:
هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكيّ الأزدي، مولاهم، الواسطي ثم البصري، أبو بسطام، من أئمة رجال الحديث، حفظاً ودرايةً وتثبتاً، ولد ونشأ بواسط، وسكن البصرة إلى أن تُوفي، وهو أول من فتَّش بالعراق عن أمر المحدِّثين، وجانب الضعفاء والمتروكين([1]).
علمه ومكانته:
الإمام شعبة أخذ عن كبار العلماء والمحدثين، وانتقل إلى البصرة ورأى الحسن، وابن سيرين، وسمع قتادة، ويونس بن عبيد، وأيوب السجستاني، وخالد الحذاء، وعبد الملك بن عمير، وأبا إسحاق السبيعي، وطلحة بن مصرف، ومنصور بن المعتمر، والأعمش وغيرهم.
وروى عنه: أيوب، والأعمش، وابن عيينة، وابن المهدي، وكان أكبر من سفيان الثوري بعشر سنين، وكان عالماً حافظاً للحديث، صدوقاً زاهداً متعبداً، عارفاً بالشعر([2]).
قال عبد الرحمن بن مهدي: كان سفيان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث([3]).
وعن الربيع بن يحيى، قال: سمعتُ سفيان الثوري يقول: ما بقي على ظهر الأرض مثل شعبه وحماد بن سلمة([4]).
وعن يعقوب بن إسحاق، قال: حدثني من سمع الثوري، وذكر عنده شعبة فقال: ذاك أمير المؤمنين الصغير([5]).
وقال محمد بن سعد: كان -أي شعبة- ثقة مأموناً حجة صاحب حديث([6]).
وقال وكيع: إني لأرجو أن يرفع الله لشعبة في الجنة درجات بذبه عن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([7]).
وقال صالح بن محمد بن حرزة: كان شعبة أول من تكلم في الرجال، تبعه يحيى القطان، ثم أحمد وابن معين([8]).
وقال الدارمي: سمعتُ أبا النضر، يقول: كان سليمان بن المغيرة إذا ذكر شعبة قال: سيد المحدثين، وكان شعبة، إذا ذكر سليمان قال: سيد القراء([9]).
وقال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق([10]).
وعن حماد بن زيد، قال: قال لنا أيوب: الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط، يقال له: شعبة، هو فارس الحديث، فإذا قدم فخذوا عنه، قال حماد: فلما قدم شعبة أخذنا عنه([11]).
وقال الأصمعي: لم نرَ أحداً أعلم بالشعر من شعبة([12]).
وعن سفيان بن عيينة، قال: لقيت شعبة في طريق مكة، فقلتُ: أين تريد؟ فقال: أريد الأسود بن قيس أستفيد منه حديثاً([13]).
وقال الحاكم: شعبة إمام الأئمة بالبصرة في معرفة الحديث، رأى أنس بن مالك، وعمرو بن سلمة الجرمي، وسمع من أربعمائة من التابعين، وحدث عنه شيوخه: أيوب ومنصور والأعمش وسعد بن إبراهيم وداود بن أبي هند([14]).
وعن يحيى بن سعيد القطان قال: لزمتُ شعبة عشرين سنة، فما كنتُ أرجع من عنده إلا بثلاثة أحاديث وعشرة، أكثر ما كنتُ أسمع منه في كل يوم([15]).
وقال أبو داود: سمعتُ من شعبة سبعة آلاف حديث، وسمع غندر من شعبة سبعة آلاف حديث، يعني بالمقاطيع([16]).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الرحمن، قال: وسمعتُ أبي يقول: الحجة على المسلمين الذين ليس فيهم لبس سفيان الثوري، وشعبة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وبالشام الأوزاعي([17]).
وقال عنه أبو نعيم: ومنهم الإمام المشهور، والعلم المنشور، في المناقب مذكور، له التقشف، والتعبد، والتكشف عن الأخبار والتشدد، أمير المؤمنين في الرواية والتحديث، وزين المحدثين في القديم والحديث، أكثر عنايته بتصحيح الآثار، والتبري من تحمل الأوزار، المتثبت المحجاج، أبو بسطام شعبة بن الحجاج، كان للفقر عانقاً، وبضمان الله تعالى واثقاً([18]).
وقال أبو قطن: كتب لي شعبة إلى أبي حنيفة فأتيته، فقال: كيف أبو بسطام؟ قلتُ: بخير، قال: نعم حشو المصر هو([19]).
وقال أحمد بن حنبل: شعبة أثبت من الأعمش في الحكم، وشعبة أحسن حديثاً من الثوري، وقد روى عن ثلاثين شيخاً كوفياً لم يلقهم سفيان، قال: وكان شعبة أمة وحده في هذا الشأن([20]).
وقال الذهبي: قلتُ: وقد استوعب صاحب تهذيب الكمال سائر شيوخ شعبة، فسمى له ثلاثمائة شيخ([21]).
وقال يحيى بن معين: شعبة إمام المتقين.
وقال أبو زيد الأنصاري: هل العلماء إلا شعبة من شعبة؟!
وقال سلمة بن قتيبة: أتيتُ سفيان فقال: ما فعل أستاذنا شعبة!
وقال يحيى القطان: لا يعدل شعبة عندي أحد.
وقال ابن المديني: شعبة أحفظ للمشايخ، وسفيان أحفظ للأبواب.
وقال القطان: كان شعبة أمر في الأحاديث الطوال من سفيان الثوري([22]).
وقال سفيان لما بلغه موت شعبة: مات الحديث، وقال أبو زيد الهروي: رأيتُ شعبة يصلي حتى يدمي قدماه، وأثنى جماعة من كبار الأئمة عليه، ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير، وكان رأساً في العربية والشعر سوى الحديث([23]).
وقال أبو عبد الرّحمن النسائيّ: أمناء الله على علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة: شعبة بن الحجّاج، ويحيى بن سعيد القطّان، ومالك بن أنس([24]).
عن محمد بن حفص بن عمر بن الخطاب بن زياد بن الحارث العمري، عن مواليهم، قال: سمعتُ عبد الله بن إدريس يقول: كان شعبة قبان المحدثين، زاد ابن الفرج: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما لزمتُ غيره([25]).
عبادته:
قال عفان: كان شعبة من العباد([26]).
وعن أبي بكر البكراوي قال: ما رأيتُ أعبد لله من شعبة، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه، ليس بينهما لحم([27]).
وعن أبي قطن، قال: ما رأيتُ شعبة ركع قط إلا ظننتُ أنه قد نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننتُ أنه قد نسي([28]).
وقال عبد السلام بن مطهر: ما رأيتُ أحداً أمعن في العبادة من شعبة([29]).
وقال مسلم بن إبراهيم: ما دخلتُ على شعبة في وقت صلاة إلا ورأيته يصلي، وكان أبا للفقراء وأماً لهم.
وقال غيره: ما رأيتُ أعبد منه لقد عبد الله حتى لصق جلده بعظمه([30]).
زهده وكرمه:
وقال ابن مهدي: ما رأيتُ أعقل من مالك، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك، ولا أحفظ للحديث من الثوري([31]).
وعن أبي الوليد، قال: سمعتُ شعبة، يقول: إذا كان عندي دقيق، وقصب فما أبالي ما فاتني من الدنيا([32]).
وعن سليمان بن حرب قال: لو نظرتُ إلى ثياب شعبة لم تكن تسوى عشرة دراهم، إزاره وقميصه ورداؤه، وكان شيخاً كثير الصدقة([33]).
وعن محمد بن معاوية وسليمان بن حرب قال: خرج الليث بن سعد يوماً فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه، وما كان عليه ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفاً، فقال سليمان بن حرب: خرج شعبة يوماً فقوموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهماً إلى عشرين درهماً([34]).
وعن أبي قطن، قال: كان ثياب شعبة لونها لون التراب، وكان كثير الصلاة، كثير الصيام، سخي النفس([35]).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأيتُ أكثر تقشفاً من شعبة([36]).
وعن عبد العزيز بن داود قال: كان شعبة إذا حك جلده انتثر منه التراب([37]).
وعن أبي حميد عبد الله بن محمد المصيصي، قال: سمعتُ حجاجاً، يقول: ركب شعبة حماراً له، فلقيه سليمان بن المغيرة، فشكى إليه، فقال له شعبة: والله لا أملك إلا هذا الحمار، ثم نزل عنه، ودفعه إليه.
وعن عمرو بن علي، قال: سمعتُ أبا داود الطيالسي، يقول: كنا عند شعبة، فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، فقال له شعبة: ما يبكيك يا أبا سعيد؟ قال: مات حماري وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي، قال: فبكم أخذته؟ قال: بثلاثة دنانير، قال: فعندي ثلاثة دنانير، والله ما أملك غيرها يا غلام، هات تلك الصرة، فإذا فيها ثلاثة دنانير، فدفعها إليه، وقال: اشترِ بها حماراً ولا تبكِ([38]).
وعن محمد بن عروة، قال: سمعتُ أصحابنا، يقولون: وهب المهدي لشعبة ثلاثين ألف درهم فقسمها، وأقطعه ألف جريب بالبصرة، فقدم البصرة فلم يجد شيئاً يطيب له فتركها([39]).
سيرته الاحتسابية
لقد كان شعبة محتسباً عظيماً، فله مواقف احتسابية عديدة، وبخاصة فيما يتعلق في أحوال الحديث والمحدثين، والإنكار على المجروحين والوضاعين، ومن مواقفه الاحتسابية:
1- إنكاره على الإسراف:
عن قراد أبو نوح، قال: رأى عليّ شعبة قميصاً، فقال: بكم اشتريتَ هذا؟ فقلتُ: بثمانية دراهم، قال: ويحك أما تتقي الله؟! تلبس قميصاً بثمانية دراهم، ألا اشتريتَ قميصاً بأربعة، وتصدقتَ بأربعة، كان خيراً لك، قلتُ: يا أبا بسطام، أنا مع قوم نتجمل لهم، قال شعبة: إيش نتجمل لهم؟!([40]).
2- إنكاره على أهل الحديث غفلتهم عن القرآن:
عن محمد بن رافع، قال: سمعتُ أبا قتيبة، يقول: ربما قال شعبة في الحديث لأصحاب الحديث: اعلموا يا قوم أنكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم من القرآن! قال: وربما ضرب بيديه رأسه وهو يقول: خاك بسر شعبة، يعني: التراب على رأس شعبة([41]).
3- إنكاره على الكذب على رسول الله:
وعن خضر بن اليسع، قال: رئي شعبة متقنعاً في شدة الحر، فقيل له: إلى أين يا أبا بسطام؟ قال: أستعدي على رجل يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعن حماد بن يزيد، قال: لقيني شعبة بن الحجاج، ومعه مدرة، فقلتُ: يا أبا بسطام أين تريد؟ قال: إلى أبان بن أبي عياش أدعوه إلى القاضي، فإنه يكذب، فقلتُ له: فإني أخاف عليك عبد القيس، قال: فكلمته فانصرف، قال حماد: ثم لقيني شعبة بعد ذلك، فقال لي: يا أبا إسماعيل إني نظرت في ذلك فلم يسعني السكوت([42]).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان شعبة يتكلم في هذا حسبة([43]).
وعن حماد بن زيد، قال: ” كلمنا شعبة في أبان بن أبي عياش، وسألناه الكف عنه، فقال: إنه وإنه، فقلنا: نحب أن تمسك عنه، قال: نعم، قال حماد: فبينا أنا في المنزل في يوم مطير، إذا شعبة يخوض الماء -سمعنا خوضه- فناداني: يا أبا إسماعيل فأجبته، فقال: هو ذا أمضي أستعدي على أبان، فقلت: ألم تضمن لنا أن تمسك عنه؟ فقال: لا أصبر، لا أصبر، فمضى([44]).
وعن حماد بن زيد، قال: رأيتُ شعبة، مبادراً، وفي يده طينة، فقلتُ: إلى أين يا أبا بسطام؟ فقال: أريد أن أستعدي على فلان، فإنه حدث بحديث كذا وكذا، فقلتُ: إياي حدث أيوب، فرمى بالطينة وانصرف([45]).
وعن الجدي قال: رأيتُ شعبة مبادراً، فقلتُ: إلى أين يا أبا بسطام؟ قال: أريد أن أستعدي على جعفر بن الزبير، فإنه يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([46]).
4- إنكاره على مُحدِّث:
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: مررتُ مع شعبة برجل -يعني يحدث- فقال: كذب والله، لولا أنه لا يحل لي أن أسكت عنه لسكتُ، أو كلمة معناها([47]).
5- إنكاره على القُصَّاص:
وعن يحيى بن سعيد القطان قال: كنتُ عند شعبة، ورجل يسأله عن حديث، فامتنع، فقلتُ: لمَ لا تحدثه؟ قال: هؤلاء قصاص يزيدون في الحديث([48]).
6- إنكاره على المدح:
وعن عفان قال: كنا عند شعبة، فجعلوا يقولون: يا أبا بسطام، يا أبا بسطام، فقال: والله لا أحدث من قال: يا أبا بسطام يا أبا بسطام، ثم ذكر حديث عوف عن وهب بن منبه، قال: المنافق يحب الحمد، ويكره الذم([49]).
7- إنكاره على عدم طلب النفقة الحلال:
وعن صالح بن سليمان قال: كان له -أي شعبة- أخوان: بشار وحماد، يعالجان الصرف، وكان شعبة يقول لأصحاب الحديث: ويلكم الزموا السوق، فإنما أنا عيال على أخوي، قال: وما أكل شعبة من كسبه درهما قط([50]).
8- إنكاره على من أنكر عليه الترويح عن النفس:
وحكى بعضهم قال: كنتُ في حلقة شعبة بن الحجاج، فضجر من إملاء الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد الأنصاري في أخريات الناس، فقال: يا أبا زيد، فجاءه، فجعلا يتحدثان ويتناشدان الأشعار، فقال بعض أصحاب الحديث: يا أبا بسطام نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتدعنا وتقبل على الأشعار؟ قال: فغضب شعبة غضباً شديداً، ثم قال: يا هؤلاء، أنا أعلم بالأصلح إليّ، أنا والله الذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك.
قلتُ: كأنه والله أعلم يشير إلى ترويح القلب بالشعر عند سأمته، كما قال أبو الدرداء: إني لاحم نفسي بشيء لأستعين به على الحق؛ ولأنه عند شرح الأحكام نخشى من الوقوع في خطر يؤدي إلى الأنام([51]).
9- إنكاره على من لم يحفظ الحديث:
وعن يزيد بن هارون قال: لما حدثنا شعبة بحديث المقدام أبي كريمة في حق الضيف، قال شعبة: فيكم أحد سمعه من حريز بن عثمان؟ قلتُ: أنا، قال حدثني به، قلتُ: لا أحفظه، قال: صحفيون، فضحك يزيد([52]).
10- إنكاره على من يذم إنساناً:
عن عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: سمعتُ يحيى بن سعيد ينتقص قيس بن الربيع عند شعبة، فقال له شعبة: يا أحول تذكر قيساً الأسدي؟ فزجره عن ذاك ونهاه، واللفظ لابن مخلد([53]).
11- إنكاره على الرواية عن الضعفاء والمجهولين:
عن عبيد الله بن معاذ نا أبي قال: كتبتُ إلى شعبة أساله عن أبي شيبة، قاضي واسط، قال فكتب إلى: لا تكتبن عنه شيئاً، ومزق كتابي([54]).
قال غندر قال لي شعبة: لا تقرب الحسن بن عمارة، فإني إن رأيتك تقربه لم أحدثك([55]).
12- إنكاره على كذاب:
وعن علي -يعني ابن المديني- قال: سمعتُ سلم بن قتيبة، قال: قلتُ لشعبة: إن البري حدثنا عن أبي إسحاق أنه سمع أبا عبيدة يحدث أنه سمع ابن مسعود، فقال: أوه، كان أبو عبيدة بن سبع سنين، وجعل يضرب جبهته([56]).
13- إنكاره على من شك في سماعه الحديث:
عن حماد بن سلمة قال: جاء شعبة إلى حميد، فسأله عن حديث يحدثه به قال: أسمعته؟ قال: أحسب، قال: فقال شعبة بيده هكذا -أي لا أريده-([57]).
14- إنكاره على من يلعب بالشطرنج:
قال وكيع: قال شعبة: رأيت ناجية الذي يروي عنه أبو إسحاق، فرأيته يلعب بالشطرنج، فتركته فلم أكتب عنه([58]).
15- إنكاره على من يقرأ بالألحان:
وقال يحيى بن سعيد: أتى شعبة بن الحجاج المنهال بن عمرو، فسمع صوتاً فتركه؛ يعني: الغناء([59]).
وعن علي -يعني ابن المديني- قال: سمعتُ يحيى بن سعيد القطان، يقول: أتى شعبة المنهال بن عمرو فسمع صوتاً فتركه.
قال أبو عبد الرحمن: سمعتُ أبي يقول: يعني أنه سمع صوت قراءة بألحان، فكره السماع منه من أجل ذلك([60]).
16- إنكاره على من يطلب منه التحديث بالسماع:
وعن حفص بن عمر -يعني المهرقاني- قال: سمعتُ أبا داود يقول: رأيتُ رجلاً يقول لشعبة: قل: حدثني أو اخبرني، فقال له شعبة: فقدتك وعدمتك، وهل جاء بهذا أحد قبلي؟([61]).
17- إنكاره على من أنكر عليه الدخول على السلطان:
قال ابن الجوزي: كان شعبة متشاغلاً بالعلم، لا يكسب شيئاً من الدنيا، وكان له إخوة يقومون بأموره، فاشترى أحد أخوته طعاماً من السلطان، فخسر فيه، فقدم شعبة على المهدي في ذلك فعابه بالدخول عليهم سفيانُ الثوري، فقال شعبة: هو لم يحبس أخوه([62]).
وعن أبي عاصم قال: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان، فخسر هو وشركاؤه، فحبس على ستة آلاف دينار تخصه، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه، فلما دخل عليه، قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة وسماك بن حرب لأمية بن أبي الصلت:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء
كريم لا يغيره صباح *** عن الخلق الكريم ولا مساء
فأرضك أرض مكرمة بنتها *** بنو تيم وأنت لهم سماء
فقال: لا يا أبا بسطام، لا تذكرها، قد عرفناها، وقضيناها لك، ادفعوا إليه أخاه، ولا تلزموه شيئاً([63]).
18- إنكاره على رجل:
عن أبي عاصم قال: رأيتُ شعبة أقبل على رجل خراساني يحدثه، فقال له رجل من أصحاب الحديث تقبل على هذا وتدعنا؟! فقال شعبة: وما علمي لعلَّ مع هذا خنجراً يشق به بطني([64]).
آراؤه وأقواله ومروياته الاحتسابية
1- عن شعبة قال: رأيتُ الحسن قال: إلى الصلاة، وقال: لا بد لهؤلاء الناس من وزعة([65]).
2- وعن شعبة قال: رأيتُ الحسن قال إلى الصلاة فتكأكئوا عليه، فقال: لا بد لهذا الناس من وزعة، وكان يقعد عند المنارة العتيقة في آخر المسجد([66]).
3- عن شعبة، ح حدثني بشر بن خالد، حدثنا محمد، عن شعبة، عن سليمان، سمعتُ أبا وائل، يحدث عن حذيفة، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: أيكم يحفظ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)) قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال: ذاك أحرى أن لا يغلق، قلنا: علم عمر الباب؟ قال: نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر([67]).
4- عن شعبة، عن سليمان سمعتُ أبا وائل، قال: قيل لأسامة: ألا تكلم هذا؟ قال: قد كلمته ما دون أن أفتح باباً أكون أول من يفتحه، وما أنا بالذي أقول لرجل، بعد أن يكون أميراً على رجلين: أنت خير، بعد ما سمعتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يجاء برجل فيطرح في النار، فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله))([68]).
5- عن شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث، عن أبيه قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))([69]).
6- عن شعبة بن الحجاج، عن أبي حيان، عن أبيه، قال: قال الربيع بن خثيم: أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومسألة الخير، والاستعاذة من الشر([70]).
7- عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعتُ صلة بن زفر، يحدث عن حذيفة، قال: “الإسلام ثمانية أسهم، الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والحج سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له” وذكروا أن غير شعبة يرفعه([71]).
8- عن شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((على كل مسلم صدقة في كل يوم)) قالوا: يا رسول الله فإن لم يجد؟ قال: ((يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق)) قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) قالوا: فإن لم يستطع؟ قال: ((يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر)) قالوا: فإن لم يستطع؟ قال: ((ليمسك عن الشر فإن ذلك له صدقة))([72]).
9- عن شعبة عن قيس بن مسلم قال: سمعتُ طارق بن شهاب قال: قال عتريس بن عوف لعبد الله: هلكتُ إن لم آمر بالمعروف، ولم أنه عن المنكر، فقال عبد الله: هلكتُ إن لم يعرف قلبك المعروف، وينكر المنكر([73]).
10- عن شعبة، عن معاوية بن إسحاق، قال: سمعتُ سعيد بن جبير، قال: سألتُ ابن عباس، قلت: أميري آمره بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خشيت أن يقتلك، فلا([74]).
11- عن شعبة بن الحجاج الواسطي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث الأعور، أن علياً سأل ابنه -يعني الحسن- عن أشياء من المروءة، فقال: يا بني، ما السداد؟ قال: يا أبة، السداد دفع المنكر بالمعروف…([75]).
12- عن شعبة عن قتادة عن أبي نضرة ذكر الزجر عن السكوت للمرء عن الحق إذا رأى المنكر أو عرفه ما لم يلق بنفسه إلى التهلكة([76]).
13- عن شعبة عن أبي مسلم قيس بن مسلم الجدلي عن طارق قال: جعل مروان الخطبة في يوم قبل الصلاة، فقال: بأمي وأبي خالفت السنة، قدمت الخطبة قبل الصلاة، ولم تكن تقدم، فقال أبو سعيد: إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأى أحدكم المنكر فليغيره، فإن استطاع…)) فذكره([77]).
14- عن شعبة، قال: أخبرني سعد بن إبراهيم، قال: سمعتُ حفص بن عاصم، قال: سمعتُ رجلاً من الأزد يقال له: مالك ابن بحينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً وقد أقيمتُ الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاث به الناس، وقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الصبح أربعاً، الصبح أربعاً))([78]).
15- عن شعبة قال: سمعتُ مسلم بن يناق يحدث عن ابن عمر أنه رأى رجلاً يجر إزاره، فقال: ممن أنت؟ فانتسب له، فإذا رجل من بني ليث، فعرفه ابن عمر، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأذني هاتين، يقول: ((من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة))([79]).
16- عن شعبة عن محمد وهو ابن زياد، قال: سمعتُ أبا هريرة ورأى رجلاً يجر إزاره، فجعل يضرب الأرض برجله وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً))([80]).
17- عن شعبة، حدثنا مسلم بن أبي مريم قال حجاج: من بني أمية، قال: سمعتُ علي بن عبد الرحمن، قال حجاج: الأموي، قال: سمعتُ ابن عمر، ورأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال ابن عمر: لا تعبث في صلاتك، واصنع كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع قال محمد: فوضع ابن عمر فخذه اليمنى على اليسرى([81]).
18- عن شعبة عن أبي زياد الطحان قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى رجلاً يشرب قائماً، فقال له: ((قه)) قال: لمه؟ قال: ((أيسرك أن يشرب معك الهر؟)) قال: لا، قال: ((فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان))([82]).
19- عن شعبة عن مخول عن أبي سعد قال: رأيتُ أبا رافع جاء إلى الحسن بن علي وهو يصلي، قد عقص شعره، فأطلقه -أو نهاه عن ذلك-، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وقد عقص رأسه، فنهاه أو قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره([83]).
20- عن شعبة عن يونس قال: سمعتُ زياد بن جبير بن حية قال: رأيتُ ابن عمر رأى رجلاً قد أناخ بدنة، وهو يريد أن ينحرها، فقال: انحرها قياماً؛ سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-([84]).
فهذا جانبٌ يسيرٌ من سيرة هذا الإمام الاحتسابية، فرحم الله الإمام أبا بسطام، فلقد كان جريئاً في قول الحق، منكراً لما يراه من منكرات، شديداً على القصاص والمحدثين الضعفاء والوضاعين والكذابين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
([1]) انظر ترجمته في تاريخ الإسلام ت تدمري (9/416) والبداية والنهاية ط إحياء التراث (10/141) والأعلام للزركلي (3/164) وغيرها.
([69]) سنن الترمذي ت شاكر (4/524-2257) والسنن الكبرى للبيهقي (10/161-20206) ومسند ابن أبي شيبة (1/221-326).