احتساب علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(23 ق هـ – 40 هـ = 600 – 661 م)
اسمه:
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن، أمير المؤمنين.
فضله ومكانته:
هو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأحد الشجعان الأبطال، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بين أصحابه قال له: أنت أخي، وولي الخلافة بعد مقتل عثمان ابن عفان سنة (35هـ) وكان أسمر اللون، عظيم البطن والعينين، أقرب إلى القصر، وكانت لحيته ملء ما بين منكبيه، ولد له (28) ولداً، منهم (11) ذكراً، و(17) أنثى([1]).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب أو قال: أبي: “لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم: زوجه ابنته فولدت له، وسد الأبواب إلا بابه، وأعطاه الحربة يوم خيبر([2]).
سيرته الاحتسابية
لقد كان للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سيرة احتسابية عطرة، مليئة بالمواقف الاحتسابية السديدة، منها:
1- إنكاره على من يسب أبا بكر وعمر:
عن زيد بن وهب، أن سويد بن غفلة دخل على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في إمارته، فقال: يا أمير المؤمنين، إني مررتُ بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما أهل له من الإسلام، فنهض إلى المنبر، وهو قابض على يدي، فقال:
“والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، فحبهما قربة، وبغضهما مروق، ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووزيريه، وصاحبيه وسيدي قريش، وأبوي المسلمين؟ فأنا بريء ممن يذكرهما، وعليه مُعاقب”([3]).
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: لا أُوتى بأحد فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفتري، وتواتر عنه أنه قال: “خير الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر”([4]).
2- إنكاره على من زعم أن النبي خصه بشيء من العلم:
عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال خطبنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة -قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه- فقد كذب، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات.
وفيها قال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً))([5]).
3- إنكاره على عمر -رضي الله عنهما-:
عن أم كلثوم بنت أبي بكر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم -كان يعس بالمدينة ذات ليلة، فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فلما أصبح قال للناس: أرأيتم لو أن إماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين؟
قالوا: إنما أنت إمام، فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحد، إن الله -تبارك وتعالى- لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهداء، ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم، ثم سألهم، فقال القوم مثل مقالتهم الأولى، وقال علي -رضي الله عنه- مثل مقالته”([6]).
4- إنكاره على القعود في الشمس:
عن عبد الرحمن عن عمه الأصمعي عن أبيه أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- رأى رجلاً قاعداً في الشمس، فنهاه عن القعود، وقال: قم عنها؛ فإنها مبخرة مجفرة، تتفل الريح، وتبلي الثوب، وتظهر الداء الدفين([7]).
5- إنكاره على قاصٍ:
عن أبي البختري، قال: دخل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- المسجد، ورجل يقص، فسأل عنه، فقالوا: قام ثم دخل من الغد، فسأل عنه، فقالوا: القاص الذي كان يقص أمس؟ قال: ليس هذا قاصاً، ولكنه يقول: أنا ذا اعرفوني، اذهب فسله أتعرف الناسخ والمنسوخ، فإن قال: لا، فلا يقص في مسجدنا([8]).
وعن قبيصة بن جابر، قال: مر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاصٍ يقص بالكوفة، فقال: تقص ونحن حديث عهد برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
أما إني أسألك عن مسألة، فإن أجبت وإلا أوجعتك ضرباً، قال: سل يا أمير المؤمنين، قال: ما ثبات الإيمان وزواله؟ قال: ثبات الإيمان الورع، وزواله الطمع، فقال له: قص، فمثلك يقص([9]).
6- إنكاره على رجل مسبل إزاره:
عن أبي عبد الله بن أبي جعفر قال: رأى علي -رضي الله عنه- رجلاً قد أسبل ثوبه، فقال: “يا فلان، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لقلبك، وأبقى عليك”([10]).
7- إنكاره على أبي الأسود الدؤلي:
جاء في معالم القربة: أن علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- ولَّى أبا الأسود الدؤلي القضاء ساعة من نهار، ثم عزله، فقال له: لم عزلتني، فو الله ما خنت، ولا خونت؟
قال: بلغني أن كلامك يعلو كلام الخصمين إذا تحاكما إليك([11]).
8- إنكاره على من فهم الدنيا فهماً خاطئاً:
قال الماوردي: وذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فقال -رضي الله عنه-: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها([12]).
9- إنكاره على معترض:
سأل رجل علياً -رضي الله عنه-: ما بال المسلمين اختلفوا عليك، ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟
فقال: لأنّ أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي، وأنا اليوم والٍ على مثلك([13]).
10- إنكاره على مادح وشانئ:
عن أبي البختري قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فأطراه، وكان بغضه، فقال له: أني ليس كما تقول، وإنا فوق ما في نفسك([14]).
11- إنكاره على قومٍ سادلين:
عن عبد الرحمن بن سعيد، عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، قال: رأى قوماً سادلين، فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم، قلنا لعبد الرزاق: ما فهرهم؟ قال: كنائسهم([15]).
12- إنكاره على الصلاة قبل صلاة الإمام في يوم العيد:
عن المنهال بن عمرو، عن رجل، قد سماه قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في يوم عيد إلى الجبانة، فرأى ناساً يصلون قبل صلاة الإمام، فقال كالمتعجب: “ألا ترون هؤلاء يصلون؟” فقلنا: ألا تنهاهم؟
فقال: “أكره أن أكون كالذي ينهى عبداً إذا صلى”.
قال: ثم بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ولم يصلِ قبلها، ولا بعدها([16]).
13- إنكاره على القيام للجنازة:
عن قيس بن مسعود عن أبيه أنه شهد جنازة مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالكوفة، فرأى ناساً قياماً ينتظرون الجنازة أن توضع، فأشار إليهم بدرة معه، أو سوط: اجلسوا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جلس بعدما كان يقوم([17]).
وعن أبي معمر قال: كنا مع علي فمر بجنازة، فقام لها ناس، فقال علي: من أفتاكم بهذا؟ فقالوا: أبو موسى، فقال: إنما فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة، وكان يتشبه بأهل الكتاب، فلما نهي انتهى([18]).
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كنا مع علي -رضي الله عنه- مر علينا بجنازة، فقام رجل فقال علي: ما هذا؟ كان هذا من صنيع اليهود([19]).
14- إنكاره على ولده التقاعس في تنفيذ حد من حدود الله:
عن حضين بن المنذر أبو ساسان، قال: شهدت عثمان بن عفان-رضي الله عنه-، وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران، أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي، قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِ حارها من تولى قارها، فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: “جلد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي([20]).
وفي رواية قال له الحسن: وفيم أنت وذاك؟ فقال علي: “بل عجزت ووهنت، قم، يا عبد الله بن جعفر فاجلده”([21]).
15- إنكاره على امرأة نكحت في عدتها وبني بها:
عن عطاء أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أتي بامرأة نكحت في عدتها، وبني بها، ففرق بينهما، وأمرها أن تعتد بما بقي من عدتها الأولى، ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها، فهي بالخيار، إن شاءت نكحت، وإن شاءت فلا([22]).
16- إنكاره على امرأة فاجرة:
عن العلاء بن بدر قال: فجرت امرأة على عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد تزوجت، ولم يدخل بها، فأتي بها علي: فجلدها مائة، ونفاها سنة إلى نهري كربلاء([23]).
17- إنكاره على ابن عباس -رضي الله عنهم-:
عن معمر، عن الزهري، أن حسناً وعبد الله ابني محمد أخبراه عن أبيهما محمد بن علي، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول لابن عباس: وبلغه أنه يرخص في المتعة، فقال له علي: إنك امرؤ تائه، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية([24]).
18- إنكاره على مرتد:
عن ابن عبيد بن الأبرص، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه أتي برجل كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، قال: فسأله عن كلمة، فقال له، فقام إليه علي فرفسه برجله، فقام الناس إليه فضربوه، حتى قتلوه([25]).
19- إنكاره على المختار:
عن عباد قال: أتى المختار علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمال من المدائن، وعليها عمه سعد بن مسعود، قال: فوضع المال بين يديه، وعليه مقطعة حمراء، قال: فأدخل يده فاستخرج كيساً فيه نحو من خمس عشرة مائة، قال: هذا من أجور المومسات.
قال: فقال علي: لا حاجة لنا في أجور المومسات، قال: وأمر بمال المدائن، فرفع إلى بيت المال، قال: فلما أدبر قال له علي: والله لو شق على قلبه لوجد ملآن من حب اللات والعزى([26]).
20- إنكاره على قوم مرتدين:
عن عبد الرحمن بن عبيد العامري عن أبيه، قال: “كان أناس يأخذون العطاء والرزق، ويصلون مع الناس، وكانوا يعبدون الأصنام في السر، فأتى بهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فوضعهم في المسجد، أو قال: في السجن، ثم قال: يا أيها الناس ما ترون في قوم كانوا يأخذون معكم العطاء والرزق ويعبدون هذه الأصنام؟
قال الناس: اقتلهم قال: لا، ولكن أصنع بهم كما صنعوا بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار([27]).
21- إنكاره على من سب أهل النهر:
عن عبد الله بن الحارث، عن رجل، من بني نضر بن معاوية قال: كنا عند علي -رضي الله عنه-، فذكروا أهل النهر، فسبهم رجل، فقال علي: لا تسبوهم، ولكن إن خرجوا على إمام عادل فقاتلوهم، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم، فإن لهم بذلك مقالاً([28]).
22- إنكاره على رجل خارجي:
عن ابن سيرين قال: لما فرغ علي -رضي الله عنه- من قتال أصحاب الجمل، قام رجل فقال: حلت لنا دماء أهل البصرة، وحرمت علينا أموالهم ونساؤهم، فقال علي: أسكتوا هذا، حتى قالها مرتين أو ثلاثاً، فقام إليه علي: أرأي المتعلمين تريد؟ فقال الناس: من هذا المتعلم؟ قال: فذهب الرجل([29]).
23- إنكاره على المُحكمة:
عن قتادة قال: لما سمع علي -رضي الله عنه- المحكمة قال: من هؤلاء؟ قيل له: القراء، قال: “بل هم الخيابون العيابون”.
قيل: إنهم يقولون: لا حكم إلا لله، قال: كلمة حق عزي بها باطل، قال: فلما قتلهم قال رجل: الحمد لله الذي أبادهم، وأراحنا منهم، فقال علي: “كلا، والذي نفسي بيده إن منهم لمن في أصلاب الرجال لم تحمله النساء بعد، وليكونن آخرهم ألصاصاً جرادين([30]).
24- إنكاره على سارق:
عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن رجلاً أتى إلى علي -رضي الله عنه- فقال: إني سرقت، فانتهره وسبه، فقال: إني سرقت، فقال علي: “اقطعوه، قد شهد على نفسه مرتين، فلقد رأيتها في عنقه([31]).
25- إنكاره على صلاة الغفلة:
عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه، عن علي -رضي الله عنه-، قال: ذكر له أن ما بين المغرب والعشاء صلاة الغفلة، فقال علي: “في الغفلة وقعتم”([32]).
26- إنكاره على مولاه قنبر زيادته في حد من الحدود:
عن عبد الله بن معقل، قال: كنتُ جالساً عند علي -رضي الله عنه-، فجاءه رجل فساره، فقال علي: يا قنبر، فقال الناس: يا قنبر، قال: أخرج هذا فاجلده.
ثم جاء المجلود، فقال: إنه قد زاد عليَّ ثلاثة أسواط، فقال علي: ما تقول؟
قال: صدق يا أمير المؤمنين، قال: خذ السوط، فاجلده ثلاثة أسواط، ثم قال: يا قنبر إذا جلدت فلا تعد الحدود([33]).
27- إنكاره على لبس الحرير:
عن أبي عمرو الشيباني، قال: جاء شيخ فسلم على علي -رضي الله عنه-، وعليه جبة من طيالسة في مقدمها ديباج، فقال: علي: ما هذا النتن تحت طيتك، فنظر الشيخ يميناً وشمالاً، فقال: ما أرى شيئاً، قال: يقول الرجل: إنما يعني الديباج، قال: يقول الرجل: إذا نلقيه ولا نعود([34]).
28- إنكاره على رد الكرامة:
عن جعفر عن أبيه، قال: دخل علي -رضي الله عنه- ورجل، فطرح لهما وسادتين، فجلس علي، ولم يجلس الآخر، فقال علي: لا يرد الكرامة إلا حمار([35]).
29- إنكاره على مزاحمة النساء العلوج في الأسواق:
عن هبيرة، عن علي -رضي الله عنه-، قال علي بن حكيم في حديثه: “أما تغارون أن تخرج نساؤكم؟”.
وقال هناد في حديثه: “ألا تستحيون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق، يزاحمن العلوج”([36]).
30- إنكاره على من ألهه:
عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان -رضي الله عنه- قال: جاء أناس إلى علي فقالوا: أنت هو، قال: من أنا! قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا، فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أوقدت ناري ودعوت قنبراً([37]).
مروياته وأقواله وآراؤه الاحتسابية
لقد كان للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كثير من المرويات والأقوال والآراء الاحتسابية، وهي كما يلي:
أولاً: مروياته الاحتسابية:
1- عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته([38]).
2- عن الحارث العكلي، قال: سمعتُ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، يقول: سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: ((أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة))([39]).
3- عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: صليتُ العصر مع عثمان أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، فرأى خياطاً في ناحية المسجد، فأمر بإخراجه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه يكنس المسجد، ويغلق الأبواب، ويرش أحياناً، فقال عثمان -رضي الله عنه- أني: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((جنبوا صناعكم مساجدكم))([40]).
4- عن أبي بكر بن عبد الله، عن رجل، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى قوماً يغتسلون في النهر عراة، ليس عليهم أزر، فوقف فنادى بأعلى صوته، فقال: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح (13)]([41]).
ثانياً: أقواله الاحتسابية:
1- عن عمير بن سعيد النخعي، قال: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال: “ما كنت لأقيم حداً على أحد فيموت، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسنه”([42]).
2- عن خلاس بن عمرو قال: ” كنا جلوساً عند علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إذ أتاه رجل من خزاعة، فقال: يا أمير المؤمنين هل سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينعت الإسلام؟ قال: نعم، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((بني الإسلام على أربعة، أركان: على الصبر واليقين والجهاد والعدل، وللصبر أربع شعب: الشوق والشفقة والزهادة والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات، ولليقين أربع شعب: تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، ومعرفة العبرة، واتباع السنة، فمن أبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة اتبع السنة، ومن اتبع السنة فكأنما كان في الأولين.
وللجهاد أربع شعب: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، وأحرز دينه، ومن شنأ الفاسقين فقد غضب لله، ومن غضب لله يغضب الله له، وللعدل أربع شعب: غوص الفهم، وزهرة العلم، وشرائع الحكم، وروضة الحلم، فمن غاص الفهم فسر جمل العلم، ومن رعى زهرة العلم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم ورد روضة الحلم، ومن ورد روضة الحلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس وهم في راحة)) كذا رواه خلاس بن عمرو مرفوعاً، وخالف الرواة عن علي فقال: الإسلام، ورواه الأصبع بن نباتة، عن علي مرفوعاً، فقال: الإيمان، ورواه الحارث، عن علي مرفوعاً مختصراً، ورواه قبيصة بن جابر، عن علي من قوله، ورواه العلاء بن عبد الرحمن، عن علي من قوله([43]).
3- عن أبي عبد الرحمن السلمي قال أوصى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابنه الحسن بن علي حين حضره الموت، قال: يا بني أوصيك بتقوى الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، والصبر عليه، فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش كلها، في كل ما عصي الله فيه([44]).
4- وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: “أفضل الجهاد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافقين، ومن أبغض الفاسق، وغضب لله غضب الله له”([45]).
5- وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: “أفضل الأعمال الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وشنآن الفاسقين -يعني بغضهم- فمن أمر بالمعروف، شد ظهر المؤمنين، ومن نهى عن المنكر رغم أنف المنافقين”([46]).
6- عن أبي بكر الرفاعي عن جديه أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سأل ابنه الحسن بن علي فقال: يا بني ما السداد؟ قال: دفع المنكر بالمعروف، قال: فما الشرف؟ فقال: اصطناع العشيرة، وحمل الجريرة، قال: فما المروءة؟ قال: العفاف، وإصلاح المال([47]).
7- وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: “أول ما تغلبون عليه من الجهاد، الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم، فإذا لم يعرف القلب المعروف، ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله” ([48]).
8- عن يحيى بن يعمر قال: خطب علي -رضي الله عنه- ثم قال:
يا أيها الناس إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، فلما تمادوا في المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار، أدركتهم العقوبات، فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن ينزل بكم الذي نزل بهم، واعلموا أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً، ولا يقرب أجلاً”([49]).
9- وعن الحسن قال: كان أبو الحسن يعني: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: إن كثيراً من هذه الرقى والتمائم شرك، فاجتنبوها”([50]).
ثالثاً: آراؤه الاحتسابية:
1- عن رجل أنه سمع أبا بكر الهذلي، أنه سمع الحسن قال: سرق رجل من المسلمين فرساً، فدخل أرض الروم، فرجع مع المسلمين بها، فأرادوا قطعه، فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “لا تقطعوا حتى يخرج من أرض الروم”([51]).
2- عن ابن جريج قال: حدثت حديثاً رفع إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في يهودي أو نصراني تزندق، قال: “دعوه يتحول من دين إلى دين”([52]).
3- عن الثوري عن أبي حصين عن مخبر حدثه عن علي -رضي الله عنه- قال: أتى رجل شرب الخمر، فقال علي: “اضرب ودع يديه يتقِ بهما”([53]).
4- عن الحصين بن المنذر بن الحارث أن علياً أمر عبد الله بن جعفر، فجلده وعثمان يعد حتى بلغ أربعين سوطاً، ثم قال: أمسك. فقال علي: “جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، فكملها عمر ثمانين، وكل سنة”([54]).