احتساب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(10 ق هـ – 74 هـ = 613 – 693 م)
اسمه ونشأته:
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، الأنصاري، الخزرجي، أبو سعيد، صحابي جليل، كان من ملازمي النبي -صلى الله عليه وسلم-، نشأ في المدينة، وذَكَرَوُه من أهل الصفة، وحاله قريب من حال أهل الصفة، وإنْ كان أنصاري الدار؛ لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف، وتُوفي في المدينة([1]).
فضله وعلمه:
من فضائله:
أنَّه من الصحابة المكثرين في الرواية، ومن حفاظ السنة، له (1170) حديثاً([2]).
أخرج له في الصحيحين مائة وأحد عشرة حديثاً، المتفق عليه منها ثلاثة وأربعون، وانفرد البخاري بستة عشر، ومسلم باثنين وخمسين([3]).
وغزا اثنتي عشرة غزوة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي البخاري ومسلم: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنَّا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية، فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية، أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيتُ إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي أو نسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم))([4]).
وجاء التصريح بأنَّ القارئ هو أبو سعيد الخدري نفسه، فيكون هذا من مناقبه: كما جاء في حلية الأولياء: عن محمد بن سيرين، عن أبي سعيد الخدري: أنه خرج في سرية فأصابتهم مجاعة فأتوا على حي فأتتهم جارية فقالت: إن رجالنا خلوف، وإن سيد الحي سليم، فهل فيكم من راق؟ فذهبتُ وقرأتُ عليه بأم القرآن حتى برأ قال: فأعطونا شاة وأطعمونا طعاماً، قال: فأكلنا من الطعام، وهبنا الشاة فلما قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبرناه فقال: ((من أين علمت أنها رقية؟)) قال: لا والله إلا أني افتعلتها، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذوها، واضربوا لي فيها بسهم))([5]).
سيرته الاحتسابية
كان أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- من المحتسبين العظام، الذين صدعوا بالحق، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، فحفلت سيرته العطرة بالكثير من المواقف الاحتسابية، منها:
1- إنكاره على من يقطع صلاته:
ففي البخاري ومسلم عن أبي صالح السمان، قال: رأيتُ أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان، فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان))([6]).
وعند أبن أبي شيبة: عن ابن سيرين، قال: كان أبو سعيد الخدري قائماً يصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يمر بين يديه، فمنعه، وأبى إلا أن يمضي، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: وتصنع هذا بعبد الرحمن؟! فقال: والله لو أبى إلا أن آخذه بشعره لأخذت([7]).
وزاد في رواية البيهقي: وإني قد كنتُ نهيته، فأبى أن ينتهي([8]).
2- إنكاره على من لا يقول الحق:
عن أبي البحتري عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: لما نزلت هذه السورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر (1)] قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ختمها، فقال: ((إنك وأصحابك خير، والناس خير، ولا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)) قال: فقال له مروان: كذبت، وعنده رافع بن خديج، وزيد بن ثابت، وهما قاعدان معه، فقال له أبو سعيد الخدري: لو شاء هذان يحدثانك، ولكن هذا مخافة أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فسكتا، قالا: صدق([9]).
3- إنكاره على مروان:
ففي البخاري عن سعيد المقبري، عن أبيه، قال: كنَّا في جنازة، فأخذ أبو هريرة -رضي الله عنه- بيد مروان، فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد -رضي الله عنه- فأخذ بيد مروان، فقال: قم، فو الله لقد علم هذا -أي أبي هريرة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهانا عن ذلك، فقال أبو هريرة: صدق ([10]).
وفي رواية الطحاوي: عن الشعبي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: مُرَّ على مروان بجنازة، فلم يقم، فقال أبو سعيد: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عليه بجنازة، فقام, فقام مروان([11]).
4- إنكاره على معاوية -رضي الله عن الجميع-:
فعن عمرو عن الحسن قال: دخل أبو سعيد الخدري على معاوية، فسلم، ثم جلس، فقال: الحمد لله الذي أجلسني منك هذا المجلس، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يمنعن أحدكم إذا رأى الحق أو علمه أن يقول به)) وأنه بلغني عنك يا معاوية كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، قال: فعدَّد عليه أشياء من فعاله، وعما بلغه عنه، فقال له معاوية: أفرغتَ؟ قال: نعم، قال: فانصرف، فخرج أبو سعيد من عنده، وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله([12]).
5- إنكاره على معترضٍ:
عن فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال: صلَّى بنا أبو سعيد الخدري، فأتم التكبير، فقيل له: اختلف على الناس صلاتك، فقال: ما أبالي اختلفت صلاتكم أو لم تختلف، هكذا رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي([13]).
6- إنكاره على فتوى ابن عباس في الربا:
عن أبان بن أبي رباح، قال: دنا رجل إلى ابن عباس، فقال: كيف تقول في درهم سوء بدرهم جيد؟ قال: ما بأس بذلك، فسمعها أبو سعيد الخدري، فقال: يا ابن عباس إلى متى تأكل الربا، وتطعمه الناس؟! فقال: يا أبا سعيد وما ذاك؟ قال أبو سعيد: والله ما قلته إلا نصيحة لك وشفقة، ولقد سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل)) فقال ابن عباس: يا أيها الناس هذا رأي مني، وإني أستغفرُ الله، وأتوبُ إليه([14]).
وعند الطبراني: عن عطاء بن أبي رباح قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: كيف تقول في درهمين تسوى بدرهم جيد؟ قال: وما بأس ذلك؟ هل ذلك إلا كالبعيرين بالناقة السمينة؟ فقال أبو سعيد الخدري: يا ابن عباس أنت الذي تأكل الربا وتطعمه الناس؟ فقال: من هذا؟ فقال: أبو سعيد، فقال: ما شعرت أن أحدا يعلم قرابتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجترئ علي هذه الجرأة، فقال أبو سعيد: والله، ما أقول لك ذلك إلا نصيحة لك، وشفقة عليك، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل))([15]).
والحديث أصله في مسلم، ولفظه:
عن أبي نضرة، قال: سألت ابن عمر، وابن عباس عن الصرف، فلم يريا به بأسا، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف، فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: جاءه صاحب نخله بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا اللون، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنى لك هذا؟)) قال: انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا، وسعر هذا كذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويلك، أربيت، إذا أردت ذلك، فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت)) قال أبو سعيد: “فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة؟” قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آتِ ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة، فكرهه([16]).
7- إنكاره في وليمة:
عن عطاء قال: دُعي أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- إلى وليمة، وأنا معه، فرأى صفرة وخضرة، فقال: أما تعلمون أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا تغدَّى لم يتعشَّ، وإذا تعشَّى لم يتغدَّ([17]).
8- إنكاره على مروان تقديمه خطبة العيد على الصلاة:
ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس، وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث، ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك، أمرهم بها، وكان يقول: ((تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا)) وكان أكثر من يتصدق النساء، ثم ينصرف، فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجتُ مخاصراً مروان، حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبراً من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيتُ ذلك منه، قلتُ: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا، يا أبا سعيد قد تُرك ما تعلم، قلتُ: كلا، والذي نفسي بيده، لا تأتون بخير مما أعلم، ثلاث مرار، ثم انصرف([18]).
9- إنكاره على من أراد الخروج من المدينة:
عن أبي سعيد مولى المهري، قال: توفي أخي وأتيتُ أبا سعيد الخدري، فقلتُ: يا أبا سعيد إن أخي توفي وترك عيالاً، ولي عيال، وليس لنا مال، وقد أردتُ أن أخرج بعيالي، وعيال أخي، حتى ننزل بعض هذه الأمصار، فيكون أرفق علينا في معيشتنا، قال: ويحك لا تخرج، فإني سمعته يقول -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: ((من صبر على لأوائها وشدتها كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة))([19]).
10- إنكاره ووصيته لأهله بعدم النواح عليه إذا مات:
عن ابن جريج قال: حدثت عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه حضر أبا سعيد، وهو يموت, وعليه كفنه, فقال أبو سعيد: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها)) ثم قال أبو سعيد: أوصيت أهلي ألا يتبعوني بنار, ولا يضربوا على قبري فسطاطاً, ولا يحملوني على قطيفة أرجوان([20]).
11- إنكاره على مَن أراد منعه من الصلاة:
عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قال: رأيتُ أبا سعيد الخدري جاء ومروان يخطب، فقام فصلى ركعتين، فجاء إليه الأحراس ليجلسوه، فأبى أن يجلس حتى صلى ركعتين، فلما قضينا الصلاة أتيناه، فقلنا: يا أبا سعيد كاد هؤلاء أن يفعلوا بك، فقال: ما كنتُ لأدعها لشيء بعد شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء رجل وهو يخطب فدخل المسجد بهيئة بذة، فقال: ((أصليت؟)) قال: لا، قال: ((فصلِ ركعتين))([21]).
12- إنكاره على من أراد قتل حية في المدينة:
عن أبي السائب، قال: أتيتُ أبا سعيد الخدري، فبينا أنا جالس، عنده سمعتُ تحت سريره تحريك شيء، فنظرت فإذا حية، فقمت، فقال أبو سعيد: ما لك؟ قلتُ: حية ها هنا، قال: فتريد ماذا؟ قلتُ: أريد قتلها، قال: فأشار إلى بيت في دار فعاينته، فقال: إن ابن عم لي كان في هذا البيت، فلما كان يوم الأحزاب استأذن إلى أهله، وكان حديث عهد بعرس فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يذهب بسلاحه، فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت، فأشار إليها بالرمح، فقالت: لا تعجل علي حتى تنظر ما أخرجني، فدخل البيت، فإذا حية منكرة، فطعنها بالرمح، ثم خرج بها في الرمح ترتكض، فقال: لا أدري أيهما كان أسرع موتاً الرجل أم الحية، فأتى قومه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ادع الله أن يرد صاحبنا، فقال: ((استغفروا لصاحبكم)) ثم قال: ((إن نفراً من الجن بالمدينة قد أسلموا، فإذا رأيتم أحداً منهم، فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم أن تقتلوه، فاقتلوه بعد الثلاث))([22]).
13- إنكاره على من أراد قتله:
في تاريخ الطبري فيما جرى من أحداث في المدينة:
عن أبي سعيد الخدري قال: دخل إليّ رجلٌ شامي، يمشي بسيفه، قال: فانتضيت سيفي فمشيتُ إليه لأرعبه لعله ينصرف عني، فأبى إلا الإقدام عليّ، فلما رأيتُ أن قد جد شمت سيفي، ثم قلتُ له: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة (28)] فقال لي: من أنت لله أبوك! فقلتُ: أنا أبو سعيد الخدري، قال: صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلتُ: نعم، فانصرف عني([23]).
ومما جاء في ابتلاء أبي سعيد:
ما روي عن المبارك بن فضالة عن أبي هريرة، قال: رأيتُ أبا سعيد الخدري محلوق اللحية، قال: هذا ما لقيتُ من ظلمة أهل الشام، دخلوا علي زمان الحرة، فأخذوا ما كان في البيت من متاع، ثم دخلت على طائفة أخرى، فلم يجدوا في البيت شيئاً، فقالوا: أضجعوا الشيخ، فأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخذ من لحيتي خصلة، فإنما أتركها حتى أوافي بها ربي([24]).
وعن يعقوب بن محمد عن أبي سعيد الخدري قال: لزمتُ بيتي، فلم أخرج -يعني إلى الحرة- قال: فدخل عليّ نفر من أهل الشام، فقالوا: أيها الشيخ أخرج ما عندك، فقلتُ: ما عندي من مال، قال: فنتفوا لحيتي، وضربوني ضربات، ثم أخذوا ما وجدوا في البيت، حتى الصوف، وحتى زوج حمام كان لنا([25]).
14- مشاركته في تطبيق الحدود (وهو نوع من الحسبة):
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء ماعز بن مالك فاعترف بالزنا ثلاث مرات، فسأل عنه، ثم أمر به فرجم، فرميناه بالخزف، والجندل، والغلام، وما حفرنا له، ولا أوثقناه، فسبقنا إلى الحرة، واتبعناه، فقام إلينا، فرميناه حتى سكت، فما استغفر له النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا سبه([26]).
15- إنكاره على الحسين:
قال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقلتُ له: اتقِ الله في نفسك، والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك([27]).
16- إنكاره على أبي هريرة لفظاً في خبر (آخر من يدخل الجنة):
قال ابن كثير في البداية والنهاية:
قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً، قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه، حتى إذا انتهى إلى قوله: ((هذا لك ومثله معه)) قال أبو سعيد: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هذا لك وعشرة أمثاله)) قال أبو هريرة: ما حفظتُ إلا ((ومثله معه))([28]).
قال ابن كثير: وهكذا رواه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، به، وزاد: فقال أبو سعيد: أشهد أني حفظتُ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((ذلك لك وعشرة أمثاله)) وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة، حتى ولو نفاه أبو هريرة، قدمنا إثبات أبي سعيد، لما معه من زيادة الثقة المقبولة، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة، كابن مسعود([29]).
17- إنكاره على ما يُخرَج من زكاة الفطر:
عن عياض، عن أبي سعيد الخدري، أن معاوية بن أبي سفيان، كان يأمرهم بصدقة رمضان نصف صاع حنطة، أو صاع تمر، فقال أبو سعيد: لا نعطي إلا ما كنا نعطي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير([30]).
18- موقفٌ آخرٌ من إنكاره على مروان:
عن الحسن: أنَّ مروان بعث إلى أبي سعيد: أن ابعث إلي بزكاة رقيقك, فقال أبو سعيد للرسول: إن مروان لا يعلم, إنما علينا أن نعطي لكل رأس عبد كل فطر صاعاً من تمر، أو نصف صاع من بر([31]).
19- إنكاره على تقليب السلاح في المسجد:
عن محمد بن عبيد الله قال: كنَّا عند أبي سعيد الخدري، فقلب رجل نبلاً، فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تقليب السلاح في المسجد وسله([32]).
20- إنكاره على مَن أراد القيام له في المجلس:
عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، قال: أذن أبو سعيد في قومه، فلم يأت حتى أخذ الناس مجالسهم، فلما أن جاء قام له رجل من مجلسه، فقال أبو سعيد: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: ((خير المجالس أوسعها)) ثم اعتزل، فقعد ناحية([33]).
أقواله الاحتسابية
من أقواله الاحتسابية:
1- عن عاصم بن شميخ، قال: سمعتُ أبا سعيد الخدري يقول: ويداه هكذا يعني ترتعشان من الكِبَر: لقتال الخوارج أحب إليَّ من قتال عدتهم من أهل الشرك([34]).
2- عن العوام بن حوشب قال: حدثني من سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول في قتال الخوارج: لهو أحب إلي من قتل الديلم([35]).
3- عن طارق بن شهاب قال: أول من أخر الخطبة مروان، فقام عليه رجلٌ، فقال: يا مروان خالفت خالف الله بك، قال: يا فلان اترك ما هنالك، فقال أبو سعيد الخدري:
أما هذا فقد قضى عليه، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان))([36]).
مروياته الاحتسابية
كان لأبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرويات احتسابية كثيرة، بل أكثر الأحاديث المشهورة المتعلقة بالحسبة والاحتساب، من روايته -رضي الله عنه-، وسنذكر طرفاً من تلك المرويات:
1- عن طارق بن شهاب -وهذا حديث أبي بكر- قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))([37]).
2- وعن نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: ((إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبداً حجته، قال: يا رب رجوتك، وفرقت من الناس))([38]).
3- عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في خطبته: ((ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه)) وبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا([39]).
4- وخرجه الإمام أحمد وزاد فيه: ((فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق أن يقال بحق أو يذكر بعظيم))([40]).
5- وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحقر أحدكم نفسه)) قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: ((يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله -عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى))([41]).
6- وعن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات)) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها)) قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر))([42]).
7- وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر))([43]).
8- وعن أبي عيسى الأسواري، عن أبي سعيد الخدري، قال: زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً شرب قائماً([44]).
9- وعن يحنس، مولى مصعب بن الزبير، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ عرض شاعر ينشد، فقال: ((لأن يمتلئ جوف الرجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً))([45]).
([1]) انظر ترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 602) والمعارف (1/ 268) وتاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (11/ 525) والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (6/ 144) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 369) والأعلام للزركلي (3/ 87) وغيرها.
([4]) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب (6/ 187-5007) ومسلم في كتاب السلام باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار(4/ 1728-2201).
([6]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب يرد المصلي من مر بين يديه (1/ 107-509) ومسلم في الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي رقم (505).
([17]) مسند الشاميين للطبراني (1/ 374-650) وحياة الصحابة (2/ 596) وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 323).
([21]) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 308-5816) ومسند الشافعي – ترتيب السندي (1/ 141-413) ومسند الحميدي (2/ 10-758) والسنن المأثورة للشافعي (ص: 121-16).
([22]) أخرجه أبو داود في أبواب النوم باب في قتل الحيات (4/ 365-5257) وابن حبان (14/ 27-6157) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 446-2241).
([30]) صحيح ابن خزيمة (4/ 87-2413) والسنن الكبرى للبيهقي (4/ 278-7701) وشرح مشكل الآثار (9/ 24-3406).
[37] – أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/49) (49) (78).
([38]) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن باب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة (105)] (2/ 1332-4017) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 373-1818).
([39]) أخرجه الترمذي في أبواب الفتن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باب ما جاء ما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة (4/ 483-2191) وسنن ابن ماجه في كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 1328-4007) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (9/ 7-4007).
([42]) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب باب أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصعدات (3/ 132-2465) ومسلم في اللباس والزينة باب النهي عن الجلوس في الطرقات(3/ 1675-2121).