احتساب أبي قلابة رحمه الله
(000 – 104 هـ = 000 – 722 م)
اسمه:
هو عبد الله بن زيد بن عمرو، الجرمي، البصري([1]).
فضله ومكانته:
كان أبو قلابة عالمًا بالقضاء، والأحكام، ناسكًا، من رجال الحديث الثقات.
روى عن: عائشة، وابن عمر، ومالك بن الحويرث، وعمرو بن سلمة، وسمرة بن جندب، والنعمان بن بشير، وثابت بن الضحاك، وأنس بن مالك الأنصاري، وأنس بن مالك الكعبي، وأبي إدريس الخولاني، وزهدم الجرمي، وخالد بن اللجلاج، وأبي أسماء الرحبي، وعبد الله بن يزيد رضيع عائشة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقبيصة بن ذؤيب، وقبيصة بن مخارق، وأبي المليح الهذلي، وأبي الأشعث الصنعاني، وخلق.
وعنه: قتادة، وأيوب، ويحيى بن أبي كثير، وخالد الحذاء، وحميد الطويل، وعاصم الأحول، وداود بن أبي هند، وحسان بن عطية، وآخرون.
وروايته عن عائشة مرسلة، وقد أخرجها مسلم والنسائي.
وروى عن: حذيفة، وأخرج ذلك أبو داود، وهو مرسل أيضًا ([2]).
وعن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، قال: كنت جالسًا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا القسامة، فحدثته عن أنس، بقصة العرنيين، فقال عمر: “لن تزالوا بخير يا أهل الشام ما دام فيكم هذا أو مثل هذا”([3]).
وعن الحجاج بن أبي عثمان، قال: أخبرني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة، أن عنبسة بن سعيد، قال لأبي قلابة: “لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهركم”([4]).
وعن أيوب، قال: “كان أبو قلابة والله من الفقهاء ذوي الألباب” فقال أيوب: قال مسلم بن يسار: لو كان أبو قلابة من العجم كان مُوبَذَ مُوبَذَانَ، قال عارِم: يعني: قاضي القضاة”([5]).
وعن أيوب السختياني، قال: قرب أبو قلابة للقضاء بالبصرة، فلحق بالشام، فغاب زمانًا، ثم قدم، قال أيوب: فقلت له: لو وليت القضاء فعدلت بين الناس، رجوت لك أجرًا عظيمًا، قال: “يا أيوب، السابح إذا وقع في البحر كم يسبح؟ آخرتها يغرق”([6]).
وعن أيوب، قال: “وجدت أعلم الناس بالقضاء أشدهم فرارًا منه، وما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة”([7]).
وعن أبي رجاء، مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، قال: كنت جالسًا خلف عمر بن عبد العزيز، فقال للناس: ما تقولون في القَسامة؟
فقال عنبسة: قد حدثنا أنس بن مالك كذا وكذا، فقلت إياي: حدَّثَ أنس، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، وساق الحديث بنحو حديث أيوب، وحجَّاج، قال أبو قِلابة: فلما فرغتُ قال عنبسة: سبحان الله، قال أبو قلابة: فقلت: أتتهمني يا عنبسة؟ قال: لا، هكذا حدثنا أنس بن مالك، لن تزالوا بخير يا أهل الشام، ما دام فيكم هذا أو مثل هذا”([8]).
عن معمر عن أيوب قال: حدثني مولى لأبي قلابة، قال: دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة وهو مريض، فقال: نشدتك الله يا أبا قلابة لا تشمت بنا المنافقين، قال: فتحدثوا حتى ذكروا القسامة، فقال أبو قلابة: “يا أمير المؤمنين، هؤلاء أشراف أهل الشام عندك، ووجوههم، أرأيت لو شهدوا أن فلانًا سرق بأرض كذا وكذا أكنت قاطعه؟” قال: لا، قال: “فلو شهدوا أنه شرب خمرًا بأرض كذا وكذا، وهم عندك ها هنا، أكنت حادّه لقولهم؟” قال: لا، قال: “فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وكذا، وهم عندك أقدته؟”
قال: فكتب عمر في القسامة: “إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانًا قد قتله، فأَقِدْه، ولا تقبل شهادة واحد من الخمسين الذين حلفوا”([9]).
سيرته الاحتسابية
كان لأبي قلابة رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف الاحتسابية الكثيرة، نذكر طرفًا منها:
1- إنكاره على رفع الصوت في الجنازة:
عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: كنا في جنازة، فرفع ناس من القصاص أصواتهم، فقال أبو قلابة: “كانوا يعظمون الميت بالسكينة”([10]).
2- إنكاره على من شارك في الفتنة:
عن الحسن بن عميرة: قال مسلم بن يسار: “شهدت الجماجم فما رميت ولا طعنت برمح فقال أبو قلابة: أبا عبد الله! لعل فئامًا من الناس رأوك واقفًا، فقالوا: هذا مسلم بن يسار، فقتلوا في سببك، فانتحب فبكى”([11]).
وعن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: لما انجلت فتنة ابن الأشعث كنا في مجلس، ومعنا مسلم بن يسار، فقال مسلم: “الحمد لله الذي أنجاني من هذه الفتنة، فو الله ما رميت فيها بسهم، ولا طعنت فيها برمح، ولا ضربت فيها بسيف”.
قال أبو قلابة: فقلت له: فما ظنك يا مسلم بجاهل نظر إليك؟ فقال: “والله ما قام مسلم هذا المقام، إلا وهو يراه عليه حقًّا، فقتل أو قُتل”.
قال: فبكى، والذي نفسي بيده حتى تمنيت أن لا أكون قلت له شيئًا”([12]).
3- إنكاره على من قتل عثمان:
عن بكر بن أيوب، عن أبي قلابة، قال: “كنت في رفقة بالشام، فسمعت رجلًا يقول: يا ويله من النار، فقمت إليه، فإذا رجل مقطوع اليدين من المنكبين والرجلين، من الحقو، أعمى، منكب لوجهه، فقلت: يا عبد الله مالك؟ قال: كنت فيمن دخل على عثمان يوم الدار، فلما دنوت منه خرجت امرأته، فأقبلت عليها، فلطمتها، فنظر إلي عثمان، فقال: سلب الله يديك ورجليك، وأعمى بصرك، وأدخلك نار جهنم، فأخذتني رعدة شديدة، فخرجت هاربًا من دعوته، فلما صرت بموضعي هذا ليلًا، أتاني آت، فصنع بي ما ترى، فقد استجاب الله فما بقي من دعائه إلا النار، قال أبو قلابة: فهممت أن أطأه برجلي، فقلت: بعدًا لك وسحقًا”([13]).
4- إنكاره على من اشترى تمرًا رديئًا:
عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني، قال: “مر بي أبو قلابة، وأنا أشتري تمرًا ليس بالجيد، فقال: يا أيوب قد كنت أحسب أن مجالستك إيانا قد نفعتك، أما علمت أن الله عز وجل قد نزع البركة من كل رديء”([14]).
5- إنكاره على أهل الأهواء والبدع:
عن أيوب، قال: قال أبو قلابة: “لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.
وعن أيوب، عن أبي قلابة، قال: إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال: دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال”([15]).
وعن حماد بن زيد عن أيوب قال: قال أبو قلابة: “إن أهل الأهواء أهل ضلالة ولا أرى مصيرهم إلا إلى النار، فجربهم، فليس أحد منهم ينتحل رأيًا، أو قال: قولًا، فيتناهى به، إلا يرون السيف، وإن النفاق كان ضروبًا، ثم تلا: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}[التوبة: 75] {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ}[التوبة: 61] {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ}[التوبة: 58] فاختلف قولهم، واجتمعوا في الشك والتكذيب، وإن هؤلاء اختلفوا، واجتمعوا في السيف”([16]).
عن مصعب بن حيان، عن أخيه مقاتل بن حيان، عن أبي قلابة، قال: “ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف”([17]).
وعن أيوب، عن أبي قلابة، قال: “مثل أهل الأهواء مثل المنافقين، فإن الله تعالى ذكر المنافقين بقول مختلف وعمل مختلف، وجماع ذلك الضلال، وإن أهل الأهواء اختلفوا في الأهواء واجتمعوا على السيف”([18]).
6- إنكاره على من يرد الكرامة:
عن عاصم، قال: طرح أبو قلابة لرجل وسادة، فقال أبو قلابة: إنه كان يقال: “لا ترد على أخيك كرامته”([19]).
7- إنكاره على الحرورية:
عن أيوب، عن غيلان بن جرير، قال: استأذنت على أبي قلابة، فقال: “ادخل إن لم تكن حروريًا”([20]).
8- إنكاره على خطأ في الفهم:
عن معمر قال: أخبرني رجل، عن رجل، أخبره قال: صلى عمر بن عبد العزيز على جنازة فجعل يأمر أهله وحشمه بالوضوء، فقال أبو قلابة: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: بلغني فيما أحسب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يتوضأ من صلى على جنازة” قال أبو قلابة: رفعت إليك على غير وجهها، إنما مر بجنازة، والناس في أسواقهم، فجعلوا يتبعون الجنازة هكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من صلى على جنازة فليتوضأ” أي: لا يصلي عليها إلا متوضئ، فقال له عمر: لمثل هذا كنت أحب قربك مني([21]).
أقواله المأثورة
كان لأبي قلابة رحمه الله كثير من الأقوال المأثورة، منها:
1- عن محمد بن عمر الأنصاري عن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: “يا أيوب احفظ عني أربعًا: لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذُكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك، فينبذوا فيه ما شاءوا”([22]).
2- وعن أيوب، قال: قال أبو قلابة: “ما وجدت مثل أهل الأهواء إلا مثل النِّفاقِ، فإن الله قد ذكر النفاق بقول مختلف وعمل مختلف، قال: غير أن جميع ذلك الضَّلال”([23]).
3- وعن أيوب قال، قال أبو قلابة في: “لا والله، وبلى والله” أرجو أن يكون لغة”([24]).
4- عن أيوب قال: كان أبو قلابة إذا قرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف: 152] قال أبو قلابة: فهو جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله”([25]).
5- قال أبو قلابة في {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]: “هو الرجل يصيب الذنب فيقول قد هلكتُ ليست توبة، فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله عن ذلك”([26]).
6- وقال أبو قلابة: “إذا زنت امرأة الرجل، فلا بأس أن يُضارَّها، ويشق عليها حتى تفتدي منه”([27]).
7- عن مجاهد، في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قال: “يُقعده على العرش” قال أبو قلابة: لا يرد هذا إلا أهل البدع والجهمية”([28]).
8- عن حميد الطويل، قال: قال أبو قلابة: “إذا بلغك عن أخيك شيء تجد عليه فيه، فاطلب له العذر جهدك، فإن لم تجد، فقل: عسى عذره لم يبلغه علمي”([29]).
عن صالح بن رستم، قال: قال أبو قلابة: “يا أيوب إذا أحدث الله تعالى لك علمًا، فأحدث له عبادة، ولا يكن همك ما تُحدِّث به الناس”([30]).
9- عن صالح بن رستم، قال: قال أبو قلابة: “يا أيوب الزم سوقك، فإن الغِنى من العافية”([31]).
10- وعن أيوب، عن أبي قلابة، قال: “ما من أحد يريد خيرًا، أو شرًّا إلا وجد في قلبه آمرًا، وزاجرًا، آمرًا يأمر بالخير، وزاجرًا ينهى عن الشر”([32]).
11- وعن أيوب، عن كتاب أبي قلابة، قال: “العلماء ثلاثة: فعالم عاش بعلمه وعاش الناس بعلمه، وعالم عاش بعلمه ولم يعش الناس بعلمه، وعالم لم يعش بعلمه، ولم يعش الناس بعلمه”([33]).
12- وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: “لا تحدث الحديث من لا يعرفه، فإن من لا يعرفه يضره، ولا ينفعه”([34]).
13- عن خالد الحذاء، أن أبا قلابة، قال: “إياكم وأصحاب الأكسية”([35]).
14- وعن أيوب، قال: قال لي أبو قلابة: “احفظ عني ثلاث خصال: لا تجالس أهل القدر فيمرثوك([36])، وإياك وأبواب السلطان، والزم سوقك”([37]).