احتساب أيوب السختياني رحمه الله
(66 – 131 هـ = 685 – 748 م)
اسمه:
هو أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني، البصري، أبو بكر([1]).
وفي المعارف: “وكان أيوب السّختيانى يبيع جلود السّختيان، فنسب إليها”([2]).
فضله ومناقبه:
أيوب السختياني، سيد فقهاء عصره، تابعي، من النساك الزهاد، من حفاظ الحديث، كان ثبتًا ثقةً.
وعن ميمون أبو عبد الله القصاري، قال: كنا عند الحسن، وعنده أيوب السختياني، فقام أيوب وخرج، قال الحسن: “هذا سيد الفتيان”([3]).
وقال شعبة: كان سيد الفقهاء.
وقال ابن عُيينة: لم ألق مثله.
وقال حماد بن زيد: كان أفضل من جالسته، وأشدهم اتباعًا للسنة.
وقال ابن المديني: له نحو ثمان مائة حديث([4]).
وكان شعبة يقول: “حدثني أيوب، سيد الفقهاء”.
وعن أشعث، قال: “كان أيوب جهبذ العلماء”.
وعن سلام بن أبي مطيع: “أنه ذكر الأربعة: أيوب، ويونس، وابن عون، وسليمان، فقال: كان أفقههم في دينه أيوب”.
وقال هشام بن عروة: “لم أر في البصريين مثل أيوب”.
وقال هشام بن عروة: “ما قدم علينا من العراق أحد أفضل من ذاك السختياني أيوب”.
وقال مالك بن أنس: “كنا ندخل على أيوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكى، حتى نرحمه”.
وعن أيوب بن سليمان بن بلال، قال: “قلت لعبيد الله بن عمر: أراك تتحرى لقاء العراقيين في الموسم، قال: فقال: والله ما أفرح في سنتي إلا أيام الموسم، ألقى أقوامًا قد نور الله قلوبهم بالإيمان، فإذا رأيتهم ارتاح قلبي، منهم أيوب”.
وعن هشام بن حسان، قال: “حج أيوب السختياني أربعين حجة”([5]).
وعن شعبة، قال: “ما وعدت أيوب موعدًا إلا وجدته قد سبقني إليه”([6]).
وقال الحسن: “أيوب سيد شباب أهل البصرة”.
وعن عبد الله بن بشر، قال: “كان محمد بن سيرين إذا حدثه أيوب بالحديث يقول: حدثني الصدوق”([7]).
وعن ابن شوذب، قال: “كان أيوب السختياني يؤم أهل مسجده في شهر رمضان، وكان يصلي في كل ركعة بثلاثين آية، ويقوم فيما بين الترويحتين لنفسه بثلاثين آية، يقول لهم: الصلاة الصلاة، وكان إذا أوتر دعا بدعاء القرآن، ويؤمِّن مَنْ خلفه، وهم سكوت، وكان من آخر ما يقول، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: اللهم استعملنا بسنته، وأوزعنا بهديه، واجعلنا للمتقين إمامًا، قال ثم يخر، قال: وإذا كان ليلة الفطر اغتسل، وغسل ثوبيه للإحرام الذي أحرم فيهما، فكان إذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات”([8]).
وعن حماد بن زيد قال: كنت عند أبي هارون العبدي، فدخل علينا أيوب السختياني، فسأله عن شيء، ثم قام يخرج، فقال لي: من هذا الفتى؟
قلت: هذا أيوب السختياني، فقال: يا أبا بكر، أردت أن تخرج قبل أن نعرفك، قال: فأخذ بيده وسلم عليه، فقبل يده”([9]).
وعن حماد، قال: غلب أيوب البكاء يومًا، فقال: الشيخ إذا كبر مج، وغلبه فوه، فوضع يده على فيه، وقال: “الزكمة ربما عرضت”([10]).
وعن سعيد بن عامر، قال: سمعت وهيبًا يقول: سمعت أيوب، يقول: “إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل”([11]).
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثني من سمع حمادًا، يقول: “رأيت أيوب وضع يده على رأسه، وقال: الحمد لله الذي عافانا من الشرك، ليس بيني وبينه إلا أبو تميمة، يعني أباه”([12]).
وقال أيوب السختياني: “إن رحمة قسمها في دار الدنيا، وأصابني منها الإسلام، وإني لأرجو من تسعة وتسعين رحمة ما هو أكثر من ذلك”([13]).
سيرته الاحتسابية
كان لأيوب السختياني رحمه الله سيرة احتسابية حافلة بالمواقف الاحتسابية العظيمة، نذكر طرفًا منها:
1- إنكاره على أهل الأهواء والبدع:
عن سلام بن أبي مطيع أن رجلًا من أصحاب الأهواء، قال لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة، قال أيوب: وجعل يشير بإصبعيه: ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة”([14]).
وعن هشام بن حسان، عن أيوب السختياني، قال: “ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا، إلا ازداد من الله بعدًا”([15]).
2- إنكاره على مريض ينكر نفع الدواء:
عن صالح بن مسمار، قال: “مرضت، فعادني أيوب السختياني؛ قال: فذكرنا الأدوية، فقلت له: أليس لي أيامٌ أصح فيها، وأيام أسقم فيها؟ فما يعمل الدواء ها هنا؟
قال: لا أعلم، الدواء نافعًا”([16]).
3- إنكاره على مصاحبة أهل البدع:
عن هشام عن أيوب السختياني أنه دعي إلى غسل ميت، فخرج مع القوم، فلما كشف عن وجه الميت عرفه، فقال: “أقبلوا قبل صاحبكم، فلست أغسله، رأيته يماشي صاحب بدعة”([17]).
4- إنكاره على رجل سيء الخُلق:
قال الأصمعي: حدثني شيخ من أصحاب أيوب، بمنى؛ قال: صحب أيوب السختياني رجل في طريق مكة، فآذاه الرجل بسوء خلقه.
فقال أيوب: إني لأرحمه، نحن نفارقه، ويبقى معه خُلقه”([18]).
5- إنكاره على قوم يلعبون بالنرد والشطرنج:
عن عيسى بن صبيح، مولى عمرو بن عبيدة القاضي، قال: كنت مع أيوب السختياني، فرأى قومًا يلعبون بالشطرنج، فقال لمحمد بن المنكدر فقال: “من يلعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله” فقال له عمرو بن عبيدة: ليس هذا نردًا هذا شطرنج، فقال أيوب: النرد والشطرنج سواء”([19]).
6- إنكاره على المرجئة:
قال سلام بن أبي مطيع، عن أيوب السختياني، قال: “أنا أكبر من المرجئة، إن أول من تكلم في الإرجاء رجل من بني هاشم، يقال له: الحسن بن محمد”([20]).
7- إنكاره على من أمره أن يقول في دين الله برأيه:
عن حماد بن زيد، قال: “سئل أيوب، عن شيء، فقال: لم يبلغني فيه شيء، فقيل له: قل فيه برأيك، فقال: لا يبلغه رأيي”([21]).
وعن حماد بن زيد، قال: سمعت أيوب، وقيل له: ما لك لا تنظر في هذا -يعني الرأي-، فقال أيوب: قيل للحمار ألا تجتر، فقال: أكره مضغ الباطل”([22]).
وعن حماد قال: دعا بعض الأمراء أيوب، فشاوره في شيء، فقال: ما سمعت فيه شيئًا أحدثك به، فقال: فرأيك؟ قال: ليس لي فيه رأي، قال: فاذهب”([23]).
9- إنكاره على بعض الفرق:
عن محمد بن سلام، أن أيوب السختياني كان في مجلس فيه أعرابي، فقال له أيوب: يا أعرابي لعلك قدري، قال: وما القدري؟ قال: فأخبره بمحاسن قولهم.
فقال: أنا ذاك، ثم أخبره بما يعيب الناس من قولهم، فقال: لست بذاك، ثم أخبره بمحاسن أهل الإثبات.
قال: أنا ذاك.
ثم أخبره بما يعيب الناس من قولهم، فقال: لست بذاك.
فقال أيوب: هكذا يفعل العاقل، يأخذ من كل شيء أحسنه”([24]).
10- إنكاره على قوم:
عن بشر بن منصور، قال: كنا عند أيوب، فلغطنا، وتكلمنا، فقال لنا: كفُّوا، لو أردت أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت”([25]).
11- إنكاره على القراء:
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي، ثنا أبو معاوية الغلابي، قال: بلغني عن سلام بن أبي حمزة -وكان يجالسنا- قال: سمعت أيوب، يقول: “الزهد في الدنيا ثلاثة أشياء، أحبها إلى الله، وأعلاها عند الله، وأعظمها ثوابًا عند الله تعالى الزهد في عبادة من عُبد دون الله، من كل ملك وصنم وحجر ووثن، ثم الزهد فيما حرم الله تعالى من الأخذ والإعطاء.
ثم يقبل علينا فيقول: زهدكم هذا يا معشر القراء فهو والله أخسه عند الله، الزهد في حلال الله عز وجل”([26]).
13- إنكاره على راوٍ:
قال أيوب السختياني عن خِلَاس الهَجَري: “لا ترووا عنه فإنه صُحُفي”([27]).
14- إنكاره على أهل التصوف:
عن بشر بن الحارث قال: “دخل بديل على أيوب السختياني، وقد مد على فراشه سبنية([28]) حمراء يدفع الرياء، فقال له بديل: ما هذا؟
فقال أيوب: هذا خير من هذا الصوف الذي عليك”([29]).
أقواله المأثورة
كان لأيوب السختياني رحمه الله الكثير من الأقوال المشهورة والمأثورة، نذكر بعضًا منها:
1- عن سلام بن مسكين، قال: سمعت أيوب يقول: “لا خبيث أخبث من قارئ فاجر”([30]).
2- وعن حماد بن زيد، قال: “كان أيوب صديقًا ليزيد بن الوليد، فلما ولي الخلافة قال: “اللهم أنسه ذكري”([31]).
3- وعن حماد بن سلمة، قال: سمعت أيوب، يقول: “إن قومًا يتنعمون، ويأبى الله إلا أن يضعهم، وإن أقوامًا يتواضعون، ويأبى الله إلا أن يرفعهم”([32]).
4- وعن حماد بن زيد، قال: كان أيوب يقول: “ليتق الله عز وجل رجل، وإن زهد فلا يجعلن زهده عذابًا على الناس، فلأن يُخفِي الرجل زهده خير من أن يعلنه”([33]).
5- وعن صالح بن أبي الأخضر، قال: “قلت لأيوب: أوصني فقال: أقل الكلام”([34]).
6- وعن ابن عيينة، قال: قال أيوب: “إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي”([35]).
7- وعن حماد بن زيد، قال: قال لنا أيوب: “إنك لا تبصر خطأ معلمك حتى تجالس غيره، جالس الناس”([36]).
8- وعن حماد بن زيد، قال: سمعت أيوب، يقول: “إنما أفرق من هذه الغرائب، قال حماد: وسمعت أيوب يقول: ما الحَجَلَة الحمراء بأضر على المؤمن في دينه من الحجلة البيضاء، بل أنا من شر البيضاء أخوف”([37]).
9- وعن حماد بن زيد، قال: قال لنا أيوب: “لو احتاج أهلي إلى دَسْتَجَة بَقْل لبدأت بها قبلكم، قال: وقال لنا أيوب: الزم السوق، فإن الغِنَى من العافية”([38]).
10- وعن حماد بن زيد، قال: قال لي أيوب: “الزم سوقك، فإنك لا تزال كريمًا على إخوانك ما لم تحتج إليهم”([39]).
11- وعن سعيد، قال: “لحن أيوب عند قتادة فقال: أستغفر الله”([40]).
12- قال سليمان: قال حماد: قيل لأيوب: العلم اليوم أكثر أم قل اليوم؟ قال: الكلام اليوم أكثر والعلم كان قبل اليوم أكثر”([41]).
13- وعن حماد قال: “خرجت إلى السوق، فاستقبلني أيوب، فقلت:
يا أبا بكر أين؟ فقال: جنازة، فأردت أن أتبعه، فقال: سوقك سوقك”([42]).
14- وعن ابن عيينة قال: سمعت أيوب السختياني يقول: “أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً باختلاف العلماء”([43]).
15- وعن علي بن جعفر الأحمر قال: سمعت أبي يقول: كان أيوب يقول: “كثرة الأكل داء البطن، وزيادة في النتن”([44]).
16- وعن عبيد الله بن شميط، قال: سمعت أيوب السختياني، قال: “لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم”([45]).
17- وقال أيوب السختياني: “إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا، وحدثنا القرآن فأعلم أنه ضال”([46]).
18- وعن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب السختياني يقول ذات يوم: “ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله عز وجل”([47]).
19- وعن عبد الله بن بشر، قال حدثنا أيوب السختياني قال: اجتمع ابن مسعود، وسعد، وابن عمر، وعمار فذكروا فتنة المؤمن، فقال سعد: أما أنا فأجلس في بيتي ولا أخرج منه، وقال ابن مسعود: أنا على ما قلت، وقال ابن عمر: أنا لي مثل ذلك، وقال عمار: لكني أتوسطها فأضرب خيشومها الأعظم([48]).
20- وعن ابن عيينة قال: قال أيوب السختياني: “أنه يزيدني حب الموسم وحضوره أن ألقى إخوانًا لي فيه لا ألقاهم في غيره”([49]).
21- وقال أيوب السختياني: “من لم يُقدِّم عثمان على علي، فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار”([50]).
22- وقال أيوب السختياني: “إن المبتدع لا يرجع”([51]).
23- وقال أيوب السختياني: “إن الخوارج اختلفوا في الإسلام، واجتمعوا على السيف”([52]).
24- وقال أيوب: “إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة”([53]).
25- وقال أيوب السختياني -وذكر المعتزلة- وقال: “إنما مدار القوم على أن يقولوا ليس في السماء شيء”([54]).
26- وقال أيوب السختياني: “ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه”([55]).
27- وقال أيوب السختياني: “ما هو بعاقل من أحب أن يعرف مكانه من عمله”([56]).
28- وقال أيوب السختياني عن أصحاب الخديعة والمكر: “يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون”([57]).
29- وقال أيوب السختياني: “ويلٌ لهم! مَنْ يخدعون؟ يعني: أصحاب الحيل”([58]).